...بل نقول إن من كان حيا فإن لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذكرى في كل عبادة يقوم بها لأن من شرط العبادة الإخلاص لله والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فكل عابد فلابد أن يخلص لله ولابد أن يستشعر حين فعل العبادة أنه متبع لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهذه ذكرى وفي هذه الذكريات العظيمة في هذه العبادات العظيمة غنى عن هذه الذكرى التي أحدثها من أحدثها ثم إنه يقع في هذا الاحتفال من المنكرات العظيمة ما يخل بالعقيدة ففي بعض الاحتفالات بهذا المولد تلقى القصائد لبتي فيها الغلو برسول الله صلى الله وسلم الغلو الذي يوصله إلى درجة الربوبية أو أعظم تلقى في هذه الاحتفالات القصائد مثل البردة للبوصيري التي فيها يقول:
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به
سواك عند حلول الحادث العمم
إن لم تكن أخذا يوم الميعاد ييدي
عفواً وإلا فقل يا زلة القدم
فإن من جودك الدنيا وضرتها
ومن علومك علم اللوح والقلم
هذه أبيات في البردة قد تكون على هذا الترتيب أو في بعضها تقديم وتأخير لكن الكلام على المضمون لا على الشكل كالذي يقول للرسول عليه الصلاة والسلام مخاطبا له إن من جودك الدنيا وضرتها وضرة الدنيا هي الآخرة ومن علومك علم اللوح والقلم قد ألحقه أي ألحق النبي صلى الله عليه وسلم بمقام الربوبيه ولم يبق لله شيئا إذا كان من جود الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم الدنيا وضرتها فما الذي بقي لله ثم نقول هذا من أكبر الكذب أن تكون من جوده الدنيا وضرتها لماذا لأن الرسول خُلق في آخر الدنيا كيف تكون الدنيا من جوده...
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه ثقتي وعليه اعتمادي ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليماً.
أما بعد فإني لما كتبت كلمات يسيرة على الأبيات التي في البردة وزيادة البغدادي المتضمنة للغلو في النبي صلى الله عليه وسلم وبينت بعض ما اشتملت عليه من الباطل، وجد ورقة فيها اعتراض على ما كتبته وهو اعتراض ظاهر البطلان ولكن لغلبة الجهل قد يحصل تلبيس على الجهال. فطلب مني بعض الإخوان تعقب اعتراضات هذا المبطل وبيان فسادها فأجبته لما رأيته من تمكن الحهل في قلوب أكثر الناس خاصة في التوحيد الذي خلق الله الجن والإنس لأجله وبه أرسل جميع الرسل وأنزل جميع الكتب وهو حسبنا ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
من ذلك أني ذكرت أن ما تضمنته هذه الأبيات وهي قوله:
يا أكرم الخلق مالي من ** ألوذ به ســــــــواك
إلى قوله:
فإن من جودك الدنيا وضرتها
ومن علومك علم اللوح والقلم
وقوله:
إن لم تكن في معادي آخذاً بيدي
ومنقذي من عذاب الله والألم
وما قبل هذه الأبيات وما بعدها ذكرت أن هذا يشابه غلو النصارى في المسيح عليه السلام.
وقوله:
إن لم تكن في معادي آخذاً بيدي ومنقذي من عذاب الله والألم أو شافعاً لي..إلخ. أي هلكت، وأي لفظٍ في الاستغاثة أبلغ من هذه الألفاظ وعَطْف الشفاعة على ما قبلها بحرف أو في قوله: أو شافعاً لي صريح في مغايرة ما بعد أو لما قبلها وأن المراد مما قبلها طلب الإغاثة بالفعل والقوة. فإن لم يكن بالشفاعة.. وقول المعترض يحتمل أن العطف للتفسير، وهذا من جهله فإن عطف التفسير إنما يكون بالواو لا بغيرها من حروف العطف ذكره ابن هشام وغيره.
ومحل عطف التفسير إذا عطف لفظ على لفظ معناهما واحد مع اختلاف اللفظ، كما ذكره من قول الشاعر:
وألفى قولها كذباً وميناً.... والمين هو الكذب، وأما قول الناظم:
"ومنقذي من عذاب الله والألم... أو شافعاُ لي"... إلخ"
فمعنى الإنقاذ غير معنى الشفاعة، قال الله تعالى عن صاحب يس: {إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ}[يّـس: 23]
ولم يقل أحد من المفسرين إن عطف الإنقاذ على الشفاعة من عطف التفسير بل فسّروا الإنقاذ بالنصر والمظاهرة بالفعل وفسّروا الشفاعة بالمعاونة بالجاه وهذا ظاهر.ولكن لأجل تخبيط هذا الجاهل الأحمق أوجب بيان جهله وغلطه.
...ومن كلام ابن القيم رحمه الله على هذه الآية قال بعد كلام سبق: "فإن العابد يريد من معبوده أن ينفعه وقت حاجته دائماً. وإذا أرادني الرحمن الذي فطرني بضر لم يكن لهذه الآلهة من القدرة ما تنقذني بها من ذلك الضر ولا من الجاه والمكانة عنده ما تشفع لي إليه لأتخلص من ذلك الضر فأي وجه تستحق العبادة إني إذاً لفي ضلال مبين إن عبدت من دون الله من هذا شأنه".انتهى.
ونقول أيضاً: إنه إذا خوطب الرسول أو غيره من الأموات والغائبين بلفظ من ألفاظ الاستغاثة أو طلب منه حاجة نحو قول: أغثني أو أنقذني أو خذ بيدي أو اقض حاجتي أو أنت حسبي ونحو ذلك، يتخذه واسطة بينه وبين الله في ذلك. فهذا شرك العرب الذين بُعث إليهم النبي صلى الله عليه وسلم كما وضحه الله سبحانه في كتابه في مواضع مخبراً عنهم أنهم يقولون: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 3] {هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْد اللَّه } ِ[يونس: 18] ولم يقولوا: إن آلهتهم تحدث شيئاً أو تدبر أمراً من دون الله.
قال تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ} [يونس:31]
الشرك في الألوهية إذا اعترفتم بالربوبية. {قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ، سَيَقُولُونَ لِلَّه} [المؤمنون:84-85] والآيات في هذا كثيرة، يحتج سبحانه عليهم بإقرارهم بتوحيدالربوبية على بطلان شركهم في توحيد الألوهية كما قال سبحانه: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف:106] فسر إيمانهم في الآية بإقرارهم بتوحيد الربوبية وهو أنهم إذا سئلوا من خلق السموات والأرض ومن ينزل المطر وينبت النبات ونحوه قالوا الله، ومع ذلك يعبدون غيره.وفسر إيمانهم بإخلاصهم الدعاء لله في الشدائد، كما في قوله سبحانه: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}[العنكبوت: 65]. ونحو ذلك من الآيات، ويشركون في الرخاء بدعاء غيره فهذه نصوص القرآن صريحة في أنهم يعترفون لله بتوحيد الربوبية اعترافاً جازماً وأنهم ما أرادوا من آلهتهم إلا الشفاعة عند الله، وأما من ظن أن مدعوه ومسئوله يحدث شيئاً من دون الله ويدبر أمراً من دون الله فهذا شرك في توحيد الربوبية والألوهية معاً، ولم يدّعِ ذلك أحد من المشركين اللذين بعث الله إليهم محمداً صلى الله عليه وسلم، وإنما أرادوا من آلهتهم الشفاعة إلى الله الذي بيده النفع والضر لجاههم ومنزلتهم عنده كما أخبر الله عنهم بذلك...
تعليق