بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ،، أما بعد
فبعد شكر الله تعالى ، أشكر إدارة موقع الآجري على السماح لي بالانضمام لهذه الكوكبة الطيبة من طلبة العلم، لكي أشاركهم في معارفهم، وأنهل من فوائدهم
وهذه أول مشاركة لي معكم في هذا المنتدى السلفي .
وأما مشاركتي الأولى فهي عبارة عن جملة من الفوائد جمعتها حول شهر رمضان، وأحب أن أضعها بين أيديكم للفائدة .
فأقول مستعينا بالله :
جاء في الأثر (افعلوا الخير دهركم ، و تعرضوا لنفحات رحمة الله ، فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده ) ، وإن من مواسم الخير التي ستهل علينا بإذن الله موسم شهر رمضان المبارك، الذي يعتبر فرصة وميدانا للتنافس فيه لأجل التقرب إلى الله تعالى .
والعبد الموفق هو الذي يغتنم الفرص، فيستغل المواسم التي جعلها الله لعباده ميدانا للعمل في فترة يسيرة، وضاعف فيها الأجور والحسنات.
وشهر رمضان زمنه يسير، وعباداته وفيرة كثيرة، سهلة ميسرة، بل فيه ليلة واحدة العبادة فيها خير من عبادة في ألف شهر وهي ليلة القدر.
وكان نبينا صلى الله عليه وسلم يحث على اغتنام هذا الشهر ويذكر محاسنه ومآثره العظام، فروى ابن ماجة عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ دَخَلَ رَمَضَانُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ هَذَا الشَّهْرَ قَدْ حَضَرَكُمْ وَفِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ مَنْ حُرِمَهَا فَقَدْ حُرِمَ الْخَيْرَ كُلَّهُ وَلاَ يُحْرَمُ خَيْرَهَا إِلاَّ مَحْرُومٌ "
وإنما يتم تحصيل هذه الأجور بتعلم أحكام هذا الشهر المبارك، ومعرفة هدي النبي صلى الله عليه وسلم فيه، وكيفية تعامل السلف رحمهم الله مع هذا الشهر، وكل ذلك إنما يتحصل بالعلم الشرعي.
وفي هذه الكلمة أحاول التنبيه على مهمات يجدر بالمسلم أن يتنبه لها قبل دخول الشهر.
أولا : الأحكام في الشرع إنما شرعت لتحقق حِكما ومقاصد، فإذا خلت من هذه الحكم والمقاصد كانت مجرد أفعال تميلها العادة، ولا تؤتي ثمرها المرجوة منها.
والمقصد والحكمة من الصيام تحقيق التقوى ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ) ، فإذا لم يسع المكلف في أثناء صومه إلى تحقيق التقوى فإنه يعرض صومه للنقص وربما لخلوه من الأجر.
فروى البخاري عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِى أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ"
وروى أحمد عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ :« كَمْ مِنْ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلاَّ الظَّمَأُ "
وروى ابن خزيمة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ليس الصيام من الأكل و الشرب إنما الصيام من اللغو و الرفث "
فعلى الصائم أن يحذر من هذه المفطرات المعنوية التي تنقص من أجر الصيام إن لم تذهب به كله.
ثانيا : قال تعالى : (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) وقال صلى الله عليه وسلم : صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمِّيَ عَلَيْكُمْ الشَّهْرُ فَعُدُّوا ثَلَاثِينَ "
فالعبرة في إثبات دخول الشهر وخروجه بالرؤية البصرية للهلال ، ولا يعتمد على الحساب الفلكي مطلقا، قال ابن تيمية (مجموع الفتاوى 25/207) : وَلَا رَيْبَ أَنَّهُ ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ وَاتِّفَاقِ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَى حِسَابِ النُّجُومِ , كَمَا ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ قَالَ : { إنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَكْتُبُ , وَلَا نَحْسُبُ , صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ , وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ } " . وَالْمُعْتَمِدُ عَلَى الْحِسَابِ فِي الْهِلَالِ , كَمَا أَنَّهُ ضَالٌّ فِي الشَّرِيعَةِ , مُبْتَدِعٌ فِي الدِّينِ , فَهُوَ مُخْطِئٌ فِي الْعَقْلِ وَعِلْمِ الْحِسَابِ . فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ بِالْهَيْئَةِ يَعْرِفُونَ أَنَّ الرُّؤْيَةَ لَا تَنْضَبِطُ بِأَمْرٍ حِسَابِيٍّ .. "
وقال : فَرَأَوْا الْحِسَابَ طَرِيقًا تَنْضَبِطُ فِيهِ الرُّؤْيَةُ , وَلَيْسَتْ طَرِيقَةً مُسْتَقِيمَةً , وَلَا مُعْتَدِلَةً , بَلْ خَطَّأَهَا كَثِيرٌ , وَقَدْ جُرِّبَ , وَهُمْ يَخْتَلِفُونَ كَثِيرًا : هَلْ يُرَى ؟ أَمْ لَا يُرَى ؟ وَسَبَبُ ذَلِكَ : أَنَّهُمْ ضَبَطُوا بِالْحِسَابِ مَا لَا يُعْلَمُ بِالْحِسَابِ , فَأَخْطَئُوا طَرِيقَ الصَّوَابِ "
قال الصنعاني في سبل السلام 4/89 : هذه الحاديث نصوص في أنه لا صوم ولا إفطار إلا بالرؤية للهلال أو إكمال العدة "
وهذا الأمر موكول لولي الأمر بالدولة ومن ينيبه عنه، فمتى ما أعلن دخول الشهر وجب على أهل البلد الصوم من الغد.
ولا يجوز تشكيك المسلمين في عباداتهم بعد ثبوت دخول الشهر والإعلان عنه.
ثالثا : الاختلاف في الصوم بين البلدان وارد عن السلف والصحابة الأجلاء فلا حرج فيه، عَنْ كُرَيْبٍ أَنَّ أُمَّ الْفَضْلِ بِنْتَ الْحَارِثِ بَعَثَتْهُ إِلَى مُعَاوِيَةَ بِالشَّامِ قَالَ فَقَدِمْتُ الشَّامَ فَقَضَيْتُ حَاجَتَهَا وَاسْتُهِلَّ عَلَىَّ رَمَضَانُ وَأَنَا بِالشَّامِ فَرَأَيْتُ الْهِلاَلَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فِى آخِرِ الشَّهْرِ فَسَأَلَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - ثُمَّ ذَكَرَ الْهِلاَلَ فَقَالَ مَتَى رَأَيْتُمُ الْهِلاَلَ فَقُلْتُ رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ. فَقَالَ أَنْتَ رَأَيْتَهُ فَقُلْتُ نَعَمْ وَرَآهُ النَّاسُ وَصَامُوا وَصَامَ مُعَاوِيَةُ. فَقَالَ لَكِنَّا رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ السَّبْتِ فَلاَ نَزَالُ نَصُومُ حَتَّى نُكْمِلَ ثَلاَثِينَ أَوْ نَرَاهُ. فَقُلْتُ أَوَلاَ تَكْتَفِى بِرُؤْيَةِ مُعَاوِيَةَ وَصِيَامِهِ فَقَالَ لاَ هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-.
ترجم عليه النووي بقوله : باب بيان أن لكل بلد رؤيتهم، وأنهم إذا رأوا الهلال ببلد لا يثبت حكمه لما بعد عنهم.."
رابعا : يجب تبييت النية من الليل قبل الفجر، لمن أراد الصيام لقوله صلى الله عليه وسلم: مَنْ لَمْ يُبَيِّتِ اَلصِّيَامَ قَبْلَ اَلْفَجْرِ فَلَا صِيَامَ لَهُ " ، والسحور قرينة على إرادة الصوم. والصحيح أنه تجزئ نية واحدة لجميع الشهر ما لم يقطع صومه بفطر لعذر كالسفر أو المرض أوالحيض أو النفاس . وذلك لأن رمضان بمنزلة العبادة الواحدة، وما يشترط فيه التتابع يكفي فيه نية واحدة .
خامسا : من أهم العبادات التي يمكن القيام بها في رمضان ما يلي :
أ – الصوم . قال تعالى : ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه )
ب – الإفطار . قال تعالى : (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل )
والسنة فيه التعجيل عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: لَا يَزَالُ اَلنَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا اَلْفِطْرَ " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
ج – السحور . عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - - تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي اَلسَّحُورِ بَرَكَةً - مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
د – صلاة التراويح . عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ »
هـ - تفطير الصائم . قال النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ فطَّر صَائِمًا كُتِبَ لَهُ مِثْلَ أَجْرِهِ لَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ شيء)
و – الصدقة والإكثار منها . عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَجْوَدَ النَّاسِ ، وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِى رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ ، وَكَانَ جِبْرِيلُ يَلْقَاهُ فِى كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ ، فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ
ز – قراءة القرآن والإكثار منه .
ح – العمرة . عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ لاِمْرَأَةٍ :« اعْتَمِرِى فِى رَمَضَانَ ، فَإِنَّ عُمْرَةً فِى رَمَضَانَ تَعْدِلُ حَجَّةً "
ط – الدعاء . قال صلى الله عليه وسلم : ثلاث دعوات لا ترد : دعوة الوالد ودعوة الصائم ودعوة المسافر
سادسا : من القواعد في المفطرات
1 – كل ما وصل إلى المعدة عن طريق الأنف أو الفم فإنه مفطر .
أما الفهم فلأنه مدخل ظاهر للطعام والشراب إلى المعدة، وأما الأنف فقد دل الحديث على أنه منفذ للجوف قال عليه الصلاة والسلام : " وَبَالِغْ فِى الاِسْتِنْشَاقِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ صَائِمًا " قال الشيخ بن عثيمين رحمه الله: ولا نعلم لهذا علة إلا أن المبالغة تكون سببا لوصول الماء إلى المعدة ، وهذا مخل بالصوم " الشرح الممتع 7/368
2 – الأصل في باب مفسدات الصوم النص والإجماع ، فما جعله الله تعالى ورسوله مفسدا للصوم فهو كذلك ، وإلا فالأصل صحة العبادة "
قال ابن تيمية رحمه الله : لو كانت هذه الأمور مما حرمها الله ورسوله في الصيام ؛ لبينها النبي صلى الله عليه وسلم ، ولنقل ذلك صحابته ، فلما لم ينقل أحد من أهل العلم عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك شيء علم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحرمها.."
3– إذ شككنا في شيء هل هو مفطر أم لا ، فالأصل أنه غير مفطر .
قال الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع 6/369 : " لدينا قاعدة مهمة لطالب العلم، وهي أننا إذا شككنا في الشي أمفطر هو أم لا؟ فالأصل عدم الفطر، فلا نجرؤ على أن نفسد عبادة متعبد لله إلا بدليل واضح يكون لنا حجة عند الله عزّ وجل "
4 – لا يفطر من تناول المفطر إلا بشروط ثلاثة : الأول أن يكون عامدا . الثاني : أن يكون ذاكرا وضده الناسي ، الثالث: أن يكون عالما وضده الجاهل ، وينقسم إلى قسمين : إما جاهل بالحكم الشرعي ، أو جاهل بالحال، كأن يتسحر يظن الفجر لم يظهر أو يفطر يظن المشمس قد غربت.
سابعا : ينقسم الناس في حكم الصيام إلى :
أ – من لا يجب عليه الصيام ولا يصح منه كالمجنون وفاقد العقل لكبر سن والصبي الصغير غير المميز لأنه لا يعقل النية .
ب – من لا يجب عليه الصوم ويصح منه كالمميز . فعن الربيع بنت معوذ بن عفراء قالت : أرسل رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى قرى الأنصار التي حول المدينة من كان أصبح صائما فليتم صومه و من كان أصبح مفطرا فليتم بقية يومه فكنا بعد نصومه و نصوم صبياننا الصغار و نذهب بهم إلى المسجد فنجعل لهم اللعبة من العهن فإذا بكى أحدهم أعطيناه إياه حتى يكون عند الإفطار "
والمسافر ، فعَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو الْأَسْلَمِيِّ رِضَى اَللَّهُ عَنْهُ; أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اَللَّهِ! أَجِدُ بِي قُوَّةً عَلَى اَلصِّيَامِ فِي اَلسَّفَرِ, فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ? فَقَالَ رَسُولُ اَللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " هِيَ رُخْصَةٌ مِنَ اَللَّهِ, فَمَنْ أَخَذَ بِهَا فَحَسَنٌ, وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَصُومَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ "
والمريض الذي يقدر على الصوم ولا يهلكه ، والمرأة الحامل والمرضع .
ج – من يحرم عليه الصوم ، وهي الحائض والنفساء ، ومن كان في صيامه مهلكة له، كالمسافر الذي يشق عليه السفر لدرجة خوف الهلاك فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اَللَّهِ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا; - أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ عَامَ اَلْفَتْحِ إِلَى مَكَّةَ فِي رَمَضَانَ, فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ كُرَاعَ الْغَمِيمِ, فَصَامَ اَلنَّاسُ, ثُمَّ دَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ فَرَفَعَهُ, حَتَّى نَظَرَ اَلنَّاسُ إِلَيْهِ, ثُمَّ شَرِبَ, فَقِيلَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ: إِنَّ بَعْضَ اَلنَّاسِ قَدْ صَامَ. قَالَ: "أُولَئِكَ اَلْعُصَاةُ, أُولَئِكَ اَلْعُصَاةُ"
وكذلك المريض الذي يخشى عليه الهلكة بالصوم لقوله تعالى : (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما)
د – من لا يجب عليه الصوم وتجب عليه الكفارة
وهو الشيخ الكبير والمرأة العجوز والمريض الذي لا يرجى برؤه
عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: - رُخِّصَ لِلشَّيْخِ اَلْكَبِيرِ أَنْ يُفْطِرَ, وَيُطْعِمَ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا, وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ - رَوَاهُ اَلدَّارَقُطْنِيُّ, وَالْحَاكِمُ, وَصَحَّحَاهُ
هـ - من يجب عليه الصوم ويأثم بتركه ، وهو كل مسلم مكلف مقيم قادر خال من الموانع.
ثامنا : حكم المسافر في رمضان . له أربع حالات:
الأولى: ألا يكون لصومه مزية على فطره، ولا لفطره مزية على صومه، ففي هذه الحال يكون الصوم أفضل له لأن هذا هو فعل الرسول صلّى الله عليه وسلّم قال أبو الدرداء ـ رضي الله عنه ـ: «كنا مع النبي صلّى الله عليه وسلّم في رمضان في يوم شديد الحر حتى إن أحدنا ليضع يده على رأسه من شدة الحر وما فينا صائم إلا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعبد الله بن رواحة» والصوم لا يشق على الرسول صلّى الله عليه وسلّم هنا؛ لأنه لا يفعل إلا الأرفق والأفضل.
ولأنه سيدرك الزمن الفاضل، وهو رمضان، فإنَّ رمضان أفضل من غيره؛ لأنه محل الوجوب
الحال الثانية: أن يكون الفطر أرفق به، فهنا نقول: إن الفطر أفضل، لأنه سيعمل برخصة الله له، وقد قال صلى الله عليه وسلم : "إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه"
الحال الثالثة : إذا شق عليه بعض الشيء صار الصوم في حقه مكروهاً؛ لأن ارتكاب المشقة مع وجود الرخصة يشعر بالعدول عن رخصة الله عزّ وجل.
الحال الرابعة :أن يشق عليه مشقة شديدة غير محتملة فهنا يكون الصوم في حقه حراماً، كما دل عليه الحديث الأول لما قال صلى الله عليه وسلم " أُولَئِكَ اَلْعُصَاةُ, أُولَئِكَ اَلْعُصَاةُ "
(ينظر الشرح الممتع 6/343)
تاسعا : الصحيح أنه لا كفارة في شيء من مفسدات الصوم إلا الجماع، فمن جامع فقد فسد صومه وعليه الكفارة وهي عتق رقبة فإن عجز فعليه صيام شهرين متتابعين فإن عجز فيطعم ستين مسكينا .
عاشرا : العبرة في الإفطار بتحقق ثلاثة أمور : ذهاب النهار ، وإقبال الليل، وغروب الشمس، فإذا تحقق ذلك حل للصائم الفطر، وإلا فلا .
مسألة : سكان البنايات العالية وناطحات السحاب، قد يسمعون أذان المغرب ولكنهم يرون الشمس أمام أعينهم فلا يفطرون على الأذان، لأن شروط حل الإفطار لم تكتمل.
والله أعلم
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ،، أما بعد
فبعد شكر الله تعالى ، أشكر إدارة موقع الآجري على السماح لي بالانضمام لهذه الكوكبة الطيبة من طلبة العلم، لكي أشاركهم في معارفهم، وأنهل من فوائدهم
وهذه أول مشاركة لي معكم في هذا المنتدى السلفي .
وأما مشاركتي الأولى فهي عبارة عن جملة من الفوائد جمعتها حول شهر رمضان، وأحب أن أضعها بين أيديكم للفائدة .
فأقول مستعينا بالله :
جاء في الأثر (افعلوا الخير دهركم ، و تعرضوا لنفحات رحمة الله ، فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده ) ، وإن من مواسم الخير التي ستهل علينا بإذن الله موسم شهر رمضان المبارك، الذي يعتبر فرصة وميدانا للتنافس فيه لأجل التقرب إلى الله تعالى .
والعبد الموفق هو الذي يغتنم الفرص، فيستغل المواسم التي جعلها الله لعباده ميدانا للعمل في فترة يسيرة، وضاعف فيها الأجور والحسنات.
وشهر رمضان زمنه يسير، وعباداته وفيرة كثيرة، سهلة ميسرة، بل فيه ليلة واحدة العبادة فيها خير من عبادة في ألف شهر وهي ليلة القدر.
وكان نبينا صلى الله عليه وسلم يحث على اغتنام هذا الشهر ويذكر محاسنه ومآثره العظام، فروى ابن ماجة عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ دَخَلَ رَمَضَانُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ هَذَا الشَّهْرَ قَدْ حَضَرَكُمْ وَفِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ مَنْ حُرِمَهَا فَقَدْ حُرِمَ الْخَيْرَ كُلَّهُ وَلاَ يُحْرَمُ خَيْرَهَا إِلاَّ مَحْرُومٌ "
وإنما يتم تحصيل هذه الأجور بتعلم أحكام هذا الشهر المبارك، ومعرفة هدي النبي صلى الله عليه وسلم فيه، وكيفية تعامل السلف رحمهم الله مع هذا الشهر، وكل ذلك إنما يتحصل بالعلم الشرعي.
وفي هذه الكلمة أحاول التنبيه على مهمات يجدر بالمسلم أن يتنبه لها قبل دخول الشهر.
أولا : الأحكام في الشرع إنما شرعت لتحقق حِكما ومقاصد، فإذا خلت من هذه الحكم والمقاصد كانت مجرد أفعال تميلها العادة، ولا تؤتي ثمرها المرجوة منها.
والمقصد والحكمة من الصيام تحقيق التقوى ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ) ، فإذا لم يسع المكلف في أثناء صومه إلى تحقيق التقوى فإنه يعرض صومه للنقص وربما لخلوه من الأجر.
فروى البخاري عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِى أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ"
وروى أحمد عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ :« كَمْ مِنْ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلاَّ الظَّمَأُ "
وروى ابن خزيمة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ليس الصيام من الأكل و الشرب إنما الصيام من اللغو و الرفث "
فعلى الصائم أن يحذر من هذه المفطرات المعنوية التي تنقص من أجر الصيام إن لم تذهب به كله.
ثانيا : قال تعالى : (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) وقال صلى الله عليه وسلم : صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمِّيَ عَلَيْكُمْ الشَّهْرُ فَعُدُّوا ثَلَاثِينَ "
فالعبرة في إثبات دخول الشهر وخروجه بالرؤية البصرية للهلال ، ولا يعتمد على الحساب الفلكي مطلقا، قال ابن تيمية (مجموع الفتاوى 25/207) : وَلَا رَيْبَ أَنَّهُ ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ وَاتِّفَاقِ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَى حِسَابِ النُّجُومِ , كَمَا ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ قَالَ : { إنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَكْتُبُ , وَلَا نَحْسُبُ , صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ , وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ } " . وَالْمُعْتَمِدُ عَلَى الْحِسَابِ فِي الْهِلَالِ , كَمَا أَنَّهُ ضَالٌّ فِي الشَّرِيعَةِ , مُبْتَدِعٌ فِي الدِّينِ , فَهُوَ مُخْطِئٌ فِي الْعَقْلِ وَعِلْمِ الْحِسَابِ . فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ بِالْهَيْئَةِ يَعْرِفُونَ أَنَّ الرُّؤْيَةَ لَا تَنْضَبِطُ بِأَمْرٍ حِسَابِيٍّ .. "
وقال : فَرَأَوْا الْحِسَابَ طَرِيقًا تَنْضَبِطُ فِيهِ الرُّؤْيَةُ , وَلَيْسَتْ طَرِيقَةً مُسْتَقِيمَةً , وَلَا مُعْتَدِلَةً , بَلْ خَطَّأَهَا كَثِيرٌ , وَقَدْ جُرِّبَ , وَهُمْ يَخْتَلِفُونَ كَثِيرًا : هَلْ يُرَى ؟ أَمْ لَا يُرَى ؟ وَسَبَبُ ذَلِكَ : أَنَّهُمْ ضَبَطُوا بِالْحِسَابِ مَا لَا يُعْلَمُ بِالْحِسَابِ , فَأَخْطَئُوا طَرِيقَ الصَّوَابِ "
قال الصنعاني في سبل السلام 4/89 : هذه الحاديث نصوص في أنه لا صوم ولا إفطار إلا بالرؤية للهلال أو إكمال العدة "
وهذا الأمر موكول لولي الأمر بالدولة ومن ينيبه عنه، فمتى ما أعلن دخول الشهر وجب على أهل البلد الصوم من الغد.
ولا يجوز تشكيك المسلمين في عباداتهم بعد ثبوت دخول الشهر والإعلان عنه.
ثالثا : الاختلاف في الصوم بين البلدان وارد عن السلف والصحابة الأجلاء فلا حرج فيه، عَنْ كُرَيْبٍ أَنَّ أُمَّ الْفَضْلِ بِنْتَ الْحَارِثِ بَعَثَتْهُ إِلَى مُعَاوِيَةَ بِالشَّامِ قَالَ فَقَدِمْتُ الشَّامَ فَقَضَيْتُ حَاجَتَهَا وَاسْتُهِلَّ عَلَىَّ رَمَضَانُ وَأَنَا بِالشَّامِ فَرَأَيْتُ الْهِلاَلَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فِى آخِرِ الشَّهْرِ فَسَأَلَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - ثُمَّ ذَكَرَ الْهِلاَلَ فَقَالَ مَتَى رَأَيْتُمُ الْهِلاَلَ فَقُلْتُ رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ. فَقَالَ أَنْتَ رَأَيْتَهُ فَقُلْتُ نَعَمْ وَرَآهُ النَّاسُ وَصَامُوا وَصَامَ مُعَاوِيَةُ. فَقَالَ لَكِنَّا رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ السَّبْتِ فَلاَ نَزَالُ نَصُومُ حَتَّى نُكْمِلَ ثَلاَثِينَ أَوْ نَرَاهُ. فَقُلْتُ أَوَلاَ تَكْتَفِى بِرُؤْيَةِ مُعَاوِيَةَ وَصِيَامِهِ فَقَالَ لاَ هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-.
ترجم عليه النووي بقوله : باب بيان أن لكل بلد رؤيتهم، وأنهم إذا رأوا الهلال ببلد لا يثبت حكمه لما بعد عنهم.."
رابعا : يجب تبييت النية من الليل قبل الفجر، لمن أراد الصيام لقوله صلى الله عليه وسلم: مَنْ لَمْ يُبَيِّتِ اَلصِّيَامَ قَبْلَ اَلْفَجْرِ فَلَا صِيَامَ لَهُ " ، والسحور قرينة على إرادة الصوم. والصحيح أنه تجزئ نية واحدة لجميع الشهر ما لم يقطع صومه بفطر لعذر كالسفر أو المرض أوالحيض أو النفاس . وذلك لأن رمضان بمنزلة العبادة الواحدة، وما يشترط فيه التتابع يكفي فيه نية واحدة .
خامسا : من أهم العبادات التي يمكن القيام بها في رمضان ما يلي :
أ – الصوم . قال تعالى : ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه )
ب – الإفطار . قال تعالى : (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل )
والسنة فيه التعجيل عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: لَا يَزَالُ اَلنَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا اَلْفِطْرَ " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
ج – السحور . عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - - تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي اَلسَّحُورِ بَرَكَةً - مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
د – صلاة التراويح . عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ »
هـ - تفطير الصائم . قال النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ فطَّر صَائِمًا كُتِبَ لَهُ مِثْلَ أَجْرِهِ لَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ شيء)
و – الصدقة والإكثار منها . عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَجْوَدَ النَّاسِ ، وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِى رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ ، وَكَانَ جِبْرِيلُ يَلْقَاهُ فِى كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ ، فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ
ز – قراءة القرآن والإكثار منه .
ح – العمرة . عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ لاِمْرَأَةٍ :« اعْتَمِرِى فِى رَمَضَانَ ، فَإِنَّ عُمْرَةً فِى رَمَضَانَ تَعْدِلُ حَجَّةً "
ط – الدعاء . قال صلى الله عليه وسلم : ثلاث دعوات لا ترد : دعوة الوالد ودعوة الصائم ودعوة المسافر
سادسا : من القواعد في المفطرات
1 – كل ما وصل إلى المعدة عن طريق الأنف أو الفم فإنه مفطر .
أما الفهم فلأنه مدخل ظاهر للطعام والشراب إلى المعدة، وأما الأنف فقد دل الحديث على أنه منفذ للجوف قال عليه الصلاة والسلام : " وَبَالِغْ فِى الاِسْتِنْشَاقِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ صَائِمًا " قال الشيخ بن عثيمين رحمه الله: ولا نعلم لهذا علة إلا أن المبالغة تكون سببا لوصول الماء إلى المعدة ، وهذا مخل بالصوم " الشرح الممتع 7/368
2 – الأصل في باب مفسدات الصوم النص والإجماع ، فما جعله الله تعالى ورسوله مفسدا للصوم فهو كذلك ، وإلا فالأصل صحة العبادة "
قال ابن تيمية رحمه الله : لو كانت هذه الأمور مما حرمها الله ورسوله في الصيام ؛ لبينها النبي صلى الله عليه وسلم ، ولنقل ذلك صحابته ، فلما لم ينقل أحد من أهل العلم عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك شيء علم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحرمها.."
3– إذ شككنا في شيء هل هو مفطر أم لا ، فالأصل أنه غير مفطر .
قال الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع 6/369 : " لدينا قاعدة مهمة لطالب العلم، وهي أننا إذا شككنا في الشي أمفطر هو أم لا؟ فالأصل عدم الفطر، فلا نجرؤ على أن نفسد عبادة متعبد لله إلا بدليل واضح يكون لنا حجة عند الله عزّ وجل "
4 – لا يفطر من تناول المفطر إلا بشروط ثلاثة : الأول أن يكون عامدا . الثاني : أن يكون ذاكرا وضده الناسي ، الثالث: أن يكون عالما وضده الجاهل ، وينقسم إلى قسمين : إما جاهل بالحكم الشرعي ، أو جاهل بالحال، كأن يتسحر يظن الفجر لم يظهر أو يفطر يظن المشمس قد غربت.
سابعا : ينقسم الناس في حكم الصيام إلى :
أ – من لا يجب عليه الصيام ولا يصح منه كالمجنون وفاقد العقل لكبر سن والصبي الصغير غير المميز لأنه لا يعقل النية .
ب – من لا يجب عليه الصوم ويصح منه كالمميز . فعن الربيع بنت معوذ بن عفراء قالت : أرسل رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى قرى الأنصار التي حول المدينة من كان أصبح صائما فليتم صومه و من كان أصبح مفطرا فليتم بقية يومه فكنا بعد نصومه و نصوم صبياننا الصغار و نذهب بهم إلى المسجد فنجعل لهم اللعبة من العهن فإذا بكى أحدهم أعطيناه إياه حتى يكون عند الإفطار "
والمسافر ، فعَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو الْأَسْلَمِيِّ رِضَى اَللَّهُ عَنْهُ; أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اَللَّهِ! أَجِدُ بِي قُوَّةً عَلَى اَلصِّيَامِ فِي اَلسَّفَرِ, فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ? فَقَالَ رَسُولُ اَللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " هِيَ رُخْصَةٌ مِنَ اَللَّهِ, فَمَنْ أَخَذَ بِهَا فَحَسَنٌ, وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَصُومَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ "
والمريض الذي يقدر على الصوم ولا يهلكه ، والمرأة الحامل والمرضع .
ج – من يحرم عليه الصوم ، وهي الحائض والنفساء ، ومن كان في صيامه مهلكة له، كالمسافر الذي يشق عليه السفر لدرجة خوف الهلاك فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اَللَّهِ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا; - أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ عَامَ اَلْفَتْحِ إِلَى مَكَّةَ فِي رَمَضَانَ, فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ كُرَاعَ الْغَمِيمِ, فَصَامَ اَلنَّاسُ, ثُمَّ دَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ فَرَفَعَهُ, حَتَّى نَظَرَ اَلنَّاسُ إِلَيْهِ, ثُمَّ شَرِبَ, فَقِيلَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ: إِنَّ بَعْضَ اَلنَّاسِ قَدْ صَامَ. قَالَ: "أُولَئِكَ اَلْعُصَاةُ, أُولَئِكَ اَلْعُصَاةُ"
وكذلك المريض الذي يخشى عليه الهلكة بالصوم لقوله تعالى : (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما)
د – من لا يجب عليه الصوم وتجب عليه الكفارة
وهو الشيخ الكبير والمرأة العجوز والمريض الذي لا يرجى برؤه
عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: - رُخِّصَ لِلشَّيْخِ اَلْكَبِيرِ أَنْ يُفْطِرَ, وَيُطْعِمَ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا, وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ - رَوَاهُ اَلدَّارَقُطْنِيُّ, وَالْحَاكِمُ, وَصَحَّحَاهُ
هـ - من يجب عليه الصوم ويأثم بتركه ، وهو كل مسلم مكلف مقيم قادر خال من الموانع.
ثامنا : حكم المسافر في رمضان . له أربع حالات:
الأولى: ألا يكون لصومه مزية على فطره، ولا لفطره مزية على صومه، ففي هذه الحال يكون الصوم أفضل له لأن هذا هو فعل الرسول صلّى الله عليه وسلّم قال أبو الدرداء ـ رضي الله عنه ـ: «كنا مع النبي صلّى الله عليه وسلّم في رمضان في يوم شديد الحر حتى إن أحدنا ليضع يده على رأسه من شدة الحر وما فينا صائم إلا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعبد الله بن رواحة» والصوم لا يشق على الرسول صلّى الله عليه وسلّم هنا؛ لأنه لا يفعل إلا الأرفق والأفضل.
ولأنه سيدرك الزمن الفاضل، وهو رمضان، فإنَّ رمضان أفضل من غيره؛ لأنه محل الوجوب
الحال الثانية: أن يكون الفطر أرفق به، فهنا نقول: إن الفطر أفضل، لأنه سيعمل برخصة الله له، وقد قال صلى الله عليه وسلم : "إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه"
الحال الثالثة : إذا شق عليه بعض الشيء صار الصوم في حقه مكروهاً؛ لأن ارتكاب المشقة مع وجود الرخصة يشعر بالعدول عن رخصة الله عزّ وجل.
الحال الرابعة :أن يشق عليه مشقة شديدة غير محتملة فهنا يكون الصوم في حقه حراماً، كما دل عليه الحديث الأول لما قال صلى الله عليه وسلم " أُولَئِكَ اَلْعُصَاةُ, أُولَئِكَ اَلْعُصَاةُ "
(ينظر الشرح الممتع 6/343)
تاسعا : الصحيح أنه لا كفارة في شيء من مفسدات الصوم إلا الجماع، فمن جامع فقد فسد صومه وعليه الكفارة وهي عتق رقبة فإن عجز فعليه صيام شهرين متتابعين فإن عجز فيطعم ستين مسكينا .
عاشرا : العبرة في الإفطار بتحقق ثلاثة أمور : ذهاب النهار ، وإقبال الليل، وغروب الشمس، فإذا تحقق ذلك حل للصائم الفطر، وإلا فلا .
مسألة : سكان البنايات العالية وناطحات السحاب، قد يسمعون أذان المغرب ولكنهم يرون الشمس أمام أعينهم فلا يفطرون على الأذان، لأن شروط حل الإفطار لم تكتمل.
والله أعلم