<b>
كتبه
أبو عبد الله غريب بن عبد الله الأثري القسنطيني
غفر الله له
فائدة من قول أبي بكر رضي الله عنه لعروة بن مسعود الثقفي يوم صلح الحديبية: امصص بظر اللات!!
قال ابن أبي شيبة:
حدثنا خالد بن مخلد قال حدثنا عبد الرحمن بن عبد العزيز الأنصاري قال حدثني ابن شهاب قال حدثني عروة بن الزبير:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عام الحديبية في ألف وثمانمائة وبعث بين يديه عينا له من خزاعة يدعى ناجية يأتيه بخبر القوم حتى نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم غديرا بعسفان يقال له غدير الأسطاط فلقيه عينه بغدير الأسطاط فقال:
يا محمد تركت قومك كعب بن لؤي وعامر ابن لؤي قد استنفروا لك الأحابيش ومن أطاعهم قد سمعوا بمسيرك وتركت عبدانهم يطعمون الخزير في دورهم وهذا خالد بن الوليد في خيل بعثوه.
فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((
قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ((أترون أن نمضي لوجهنا ومن صدنا عن البيت قاتلناه أم ترون أن نخالف هؤلاء إلى من تركوا وراءهم فإن اتبعنا منهم عنق قطعه الله))
قالوا: يا رسول الله الأمر التابعين والرأي رأيك.
فتيامنوا في هذا الفعل فلم يشعر به خالد ولا الخيل التي معه حتى جاوز بهم فترة الجيش وأوفت به ناقته على ثنية تهبط على غائط القوم يقال له بلدح فبركت فقال ((حل حل)) فلم تنبعث.
فقالوا خلأت القصواء.
قال ((إنها والله ما خلأت ولا هو لها بخلق ولكم حبسها حابس الفيل أما والله لا يدعوني اليوم إلى خطة يعظمون فيها حرمة ولا يدعوني فيها إلى صلة إلا أجبتهم إليها))
ثم زجرها فوثبت فرجع من حيث جاء عوده على بدئه حتى نزل بالناس على ثمد من ثماد الحديبية ظنون قليل الماء يتبرض الناس ماءها تبرضا فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قلة الماء.
فانتزع سهما من كنانته فأمر رجلا فغرزه في جوف القليب فجاش بالماء حتى ضرب الناس عنه بطعن.
فبينما هو على ذلك إذ مر به بديل بن ورقاء الخزاعي في ركب من قومه من خزاعة فقال يا محمد هؤلاء قومك قد خرجوا بالعوذ المطافيل يقسمون بالله ليحولن بينك وبين مكة حتى لا يبقى منهم أحد.
قال ((يا بديل إني لم آت لقتال أحد إنما جئت أقضي نسكي وأطوف بهذا البيت وإلا فهل ذلك هل لهم إلى أن أمادهم مدة يأمنون فيها ويستجمون ويخلون فيها بيني وبين الناس فإن ظهر فيها أمري على الناس كانوا فيها بالخيار أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس وبين أن يقاتلوا وقد جمعوا وأعدوا)).
قال بديل سأعرض هذا على قومك.
فركب بديل حتى مر بقريش فقالوا: من أين ؟
قال: جئتكم من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن شئتم أخبرتكم بما سمعت منه فعلت.
فقال أناس من سفهائهم: لا تخبرنا عنه شيئا.
وقال ناس من ذوي أسنانهم وحكمائهم: بل أخبرنا ما الذي رأيت وما الذي سمعت.
فاقتص عليهم بديل قصة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما عرض عليهم من المدة.
قال وفي كفار قريش يومئذ عروة ابن مسعود الثقفي فوثب فقال:
يا معشر قريش هل تتهمونني في شيء ألست بالولد ولستم بالوالد أو لست قد استنفرت لكم أهل عكاظ فلما بلجوا علي نفرت إليكم بنفسي وولدي ومن أطاعني.
قالوا بلى قد فعلت.
قال فاقبلوا من بديل ما جاءكم به وما عرض عليكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وابعثوني حتى آتيكم بمصادقها من عنده.
قالوا فاذهب.
فخرج عروة حتى نزل برسول لله صلى الله عليه وسلم بالحديبية فقال:
يا محمد هؤلاء قومك كعب بن لؤي وعامر بن لؤى قد خرجوا بالعوذ المطافيل يقسمون لا يخلون بينك وبين مكة حتى تبيد خضراءهم وإنما أنت من قتالهم بين أحد أمرين أن يحتاج قومك فلم تسمع برجل قط احتاجه أصله قبلك وبين أن يسلمك من أرى معك فإني لا أرى معك إلا أوباشا من الناس لا أعرف أسمائهم ولا وجوههم.
فقال أبو بكر وغضب: امصص بظر اللات أنحن نخذله أو نسلمه ؟!
فقال عروة: أما والله لولا يد لك عندي لم أجزك بها لأجبتك فيما قلت.
وكان عروة قد تحمل بدية فأعانه أبو بكر فيها بعون حسن والمغيرة بن شعبة قائم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى وجهه المغفر عروة وكان عروة يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلما مد يده يمس لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم قرعها المغيرة بقدح كان في يده حتى إذا أخرجه قال:
من هذا؟
قالوا هذا المغيرة بن شعبة.
قال عروة : أنت بذاك يا غدر وهل غسلت عنك غدرتك الأمس بعكاظ ؟!
فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعروة بن مسعود مثل ما قال لبديل.
فقام عروة فخرج حتى جاء إلى قومه فقال:
يا معشر قريش إني قد وفدت على الملوك على قيصر في ملكه بالشام وعلى النجاشي في بأرض الحبشة وعلى كسرى بالعراق وإني والله ما رأيت ملكا هو أعظم فيمن هو بين ظهريه من محمد في أصحابه والله ما يشدون إليه النظر وما يرفعون عنده الصوت وما يتوضأ من وضوء إلا ازدحموا عليه أيهم يظفر منه شيء فاقبلوا الذي جاءكم به بديل فإنها خطة رشد.
قالوا اجلس ودعوا رجلا من بني الحارث بن عبد مناف يقال له الحليس فقالوا:
انطلق فانظر ما قبل هذا الرجل وما يلقاك به...الحديث.
المصنّف حديث رقم36855
التخريج: رواه البيهقي في السنن الكبرى (9/220) وابن أبي شيبة في المصنف (7/38 وأحمد في المسند (4/324_329) والطبراني في الكبير (20/11) وأخرجه الطبري في تاريخه (2/119) وفي تفسيره (26/9 وابن كثير في الفسير (4/199)
الفوائد من هذا الحديث:
قال ابن حجر في الفتح (5/340) :
قوله ((فقال له أبو بكر الصديق)) زاد بن إسحاق وأبو بكر الصديق خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد فقال قوله (( امصص بظر اللات)) زاد بن عائذ من وجه آخر عن الزهري وهي أي اللات طاغيته التي يعبد أي طاغية عروة.
وقوله ((امصص)) بألف وصل ومهملتين الأولى مفتوحة بصيغة الأمر وحكى بن التين عن رواية القابسي ضم الصاد الأولى وخطأها.
والبظر بفتح الموحدة وسكون المعجمة قطعة تبقى بعد الختان في فرج المرأة .
واللات اسم أحد الأصنام التي كانت قريش وثقيف يعبدونها وكانت عادة العرب الشتم بذلك لكن بلفظ الأم فأراد أبو بكر المبالغة في سب عروة بإقامة من كان يعبد مقام أمه.
وحمله على ذلك ما أغضبه به من نسبة المسلمين إلى الفرار.
وفيه جواز النطق بما يستبشع من الألفاظ لإرادة زجر من بدا منه ما يستحق به ذلك.
وقال بن المنير في قول أبي بكر تخسيس للعدو وتكذيبهم تعريض بالزامهم من قولهم إن اللات بنت الله تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا بأنها لو كانت بنتا لكان لها ما يكون للإناث...اهـ
قلت: (أبو عبد الله غريب) قول الحافظ (وكانت عادة العرب الشتم بذلك لكن بلفظ الأم) يدلّ عليه ما رواه صاحب طبقات المحدثين بأصبهان (1/153) :
وذكر أن الحجاج بن يوسف ولى على أصبهان وهزاذ بن يزداد الدفع وكان بن عم لكاتبه فكتب في بعض روينا مقامه بأصبهان إلى الحجاج كتابا وصف فيه اختلال حال أصبهان ويسأله نظرا لهم ببعض خراجهم فكتب إليه الحجاج:
بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد
فإني استعملتك يا وهزاذ على أصبهان أوسع المملكة رقعة وعملا وأكثرها خراجا بعد فارس والأهواز وأزكاها أرضا حشيشها الزعفران والورد وجبالها الإثمد والفضة وأشجارها الجوز واللوز والكروم الكريمة والفواكه العذبة طيرها عوامل العسل وماؤها فرات وخيلها الماذيانات الجياد أنظف بلاد الله طعاما وألطفها شرابا واصحها ترابا وأوفقها هواء وأرخصها لحما وأطوعها أهلا وأكثرها صيدا فأنخت يا وهزاذ عليها بكلكل اضطر أهلها إلى مسألتك ما سألت لهم لتفوز بما يوضع عنهم فإن كان ذلك باطلا ولا أبعدك عن ظن السوء فسترد فتعلم وإن صدقت في بعضه فقد أخربت البلد أتظن يا وهزاذ انا ننفذ لك ما موهة وسحبة من القول وقعدت تشير علينا به فعظ يا وهزاذ على غرلة أير أبيك ومص بظر أمك فأيم الله لتبعثن إلى بخراج أصبهان كله أو لأجعلنك طوابيق على أبواب مدينتها فاختر لنفسك أوفق الأمرين لها أو ذر والسلام. اهـ
وذكر سنيد عن زيد بن الحباب عن ابن أبي معشر عن شرحبيل بن سعد قال:
لقى العباس بن عبد المطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجحفة حين ابنة عمرة القضية فقال له العباس:
يا رسول الله تأيمت ميمونة بنت الحارث بن حزن بن أبي رهم بن عبد العزى هل لك في أن تزوجها ؟
فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم.
فلما أن قدم مكة أقاما ثلاثا فجاءه سهيل بن عمرو في نفر من أصحابه من أهل مكة فقال: يا محمد اليوم آخر شرطك.
فقال: ((دعوني أبتني بامرأتي وأصنع لكم طعاما)).
فقال لا حاجة لنا بك ولا بطعامك.
فقال له سعد يا عاض بظر أمه أرضك وأرض أمك نحن دونه لا يخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يشاء.
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ((دعهم فإنهم زارونا لا تؤذيهم فخرج فبنى بها بسرف)). اهـ الاستيعاب (4/1917)
وجاء في (الفتح 7/398-399) عند شرح الحديث رقم 3844 : في قصة قتل وحشي لحمزة رضي الله عنهما:
ألا تخبرنا بقتل حمزة قال نعم ..إلى أن قال: فرأيت رجلا إذا حمل لا يرجع حتى يهزمنا فقلت من هذا قالوا حمزة قلت هذا حاجتي قوله يا بن أم أنمار بفتح الهمزة وسكون النون هي أمه كانت مولاة لشريق بن عمرو الثقفي والد الأخنس قوله مقطعة البظور بالظاء المعجمة جمع بظر وهي اللحمة التي تقطع من فرج المرأة ثم الختان قال بن إسحاق كانت أمه ختانة بمكة تختن النساء أهـ والعرب تطلق هذا اللفظ في معرض الذم والا قالوا خاتنة.اهـ
وفي التمهيد لابن عبد البر (22/90) :
قال الزبير وحدثني مصعب بن عثمان عن المنذر بن عبد الله قال ما سمعت من هشام بن عروة رفثا قط إلا يوما واحدا فإن رجلا من أهل البصرة كان يلزمه فقال له يا أبا المنذر نافع مولى ابن عمر كان يفضل أباك على أخيه عبد الله فقال كذب والله نافع وما يدري نافع عاض بظر أمه عبد الله والله خير وأفضل من عروة. اهــ وانظر السير (5/100)
وجاء في ميزان الاعتدال (6/582) في ترجمة مينا بن أبي مينا:
مينا بن أبي مينا عباس الدوري سمعت يحيى يقول ومن مينا الماص بظر أمه حتى يتكلم في الصحابة.
وانظر الكامل في الضعفاء (6/549)
وفي لسان الميزان (3/27) في ترجمة سعيد بن ذي لعوة الذي روى عن الشعبي ضعفه يحيى وأبو حاتم وجماعة وفيه جهالة.
وقال بن حبان دجال يزعم انه رأى عمر بن الخطاب يشرب المسكر رواه وكيع عن سفيان عن أبي إسحاق عنه...
وقال العجلي كوفي ثقة والبغداديون يضعفونه.
وقال علي بن المديني مجهول.
وقال أبو بكر بن عياش أقول هم حدثنا أبو حصين فيقولون ثنا أبو إسحاق عن سعيد بن ذي لعوة الماص بظر أمه كان يشتم عثمان .اهـ
وكذالك صح عن أبي بكر بن عياش أنه قال في دينار أبو سعيد عقيصا وكان من الرافضة:
جاء في الضعفاء للعقيلي (2/42) حدثنا أحمد بن على الأبار قال حدثنا أحمد بن سنان القطان قال حدثنا على بن أنس قال قال أبو بكر بن عياش يحدثهم عن أبى حصين غالبي بأبي سعيد عقيصا ماص بظر أمه يشتم عثمان. اهـ
ومن ذلك أيضا ما قاله الطرماح لنافذ بن سعد المعني :
قيل كان أحد جديه جمالا والآخر حراثا فلذلك قال فقد بزمام بظر أمك واحتفر الكراث. اهـ من معجم البلدان (4/67)
هذا وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أنّه قال:
((إذا رأيتم الرجل يتعزى بعزاء الجاهلية ، فأعضُّوهُ بهَن أبيه ولا تكنوا))
رواه أحمد في مسنده والترمذي في جامعه وصححه الألباني في (صحيح الجامع) رقم 567
قال في ((النهاية)) : التعزي الإنتماء و الإنتساب إلى القوم. والعزوة اسم لدعوى المستغيث، وهو أن يقول: يا لفلان، أو يا للأنصار، ويا للمهاجرين...
فأعضُّوهُ بهَن أبيه: أي قولوا: عض أير أبيك.اهـ
قال في فيض القدير (1/381): إذا سمعتم من يعتزي بعزاء الجاهلية فأعضوه أي قولوا له اعضض بظر أمك ولا تكنوا عن ذلك بما لا يستقبح فإنه جدير بأن يستهان به ويخاطب بما فيه قبح وهجر زجرا له عن فعله الشنيع وردعا له عن قوله الفظيع. اهـ
ونظير ذلك ما رواه ابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث (1/5 : قال أبو محمد حدثني الرياش قال نا الأصمعي عن عمر بن أبي زائدة قال قيل للشعبي إن هذا لا يجيء في القياس فقال أير في القياس.
قلت: (أبو عبد الله غريب) الأير هو الهن وهو الذكر، أي الجهاز التناسلي للرجل.
هذا والله أعلم.</b>
هل يجوز استعمال الألفاظ المستبشعة في الرد على أهل الأهواء والبدع؟!
كتبه
أبو عبد الله غريب بن عبد الله الأثري القسنطيني
غفر الله له
فائدة من قول أبي بكر رضي الله عنه لعروة بن مسعود الثقفي يوم صلح الحديبية: امصص بظر اللات!!
قال ابن أبي شيبة:
حدثنا خالد بن مخلد قال حدثنا عبد الرحمن بن عبد العزيز الأنصاري قال حدثني ابن شهاب قال حدثني عروة بن الزبير:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عام الحديبية في ألف وثمانمائة وبعث بين يديه عينا له من خزاعة يدعى ناجية يأتيه بخبر القوم حتى نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم غديرا بعسفان يقال له غدير الأسطاط فلقيه عينه بغدير الأسطاط فقال:
يا محمد تركت قومك كعب بن لؤي وعامر ابن لؤي قد استنفروا لك الأحابيش ومن أطاعهم قد سمعوا بمسيرك وتركت عبدانهم يطعمون الخزير في دورهم وهذا خالد بن الوليد في خيل بعثوه.
فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((
ماذا تقولون ماذا ترون أشيروا علي قد جاءكم خبر قريش مرتين وما صنعت فهذا خالد بن الوليد بالغميم
)).قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ((أترون أن نمضي لوجهنا ومن صدنا عن البيت قاتلناه أم ترون أن نخالف هؤلاء إلى من تركوا وراءهم فإن اتبعنا منهم عنق قطعه الله))
قالوا: يا رسول الله الأمر التابعين والرأي رأيك.
فتيامنوا في هذا الفعل فلم يشعر به خالد ولا الخيل التي معه حتى جاوز بهم فترة الجيش وأوفت به ناقته على ثنية تهبط على غائط القوم يقال له بلدح فبركت فقال ((حل حل)) فلم تنبعث.
فقالوا خلأت القصواء.
قال ((إنها والله ما خلأت ولا هو لها بخلق ولكم حبسها حابس الفيل أما والله لا يدعوني اليوم إلى خطة يعظمون فيها حرمة ولا يدعوني فيها إلى صلة إلا أجبتهم إليها))
ثم زجرها فوثبت فرجع من حيث جاء عوده على بدئه حتى نزل بالناس على ثمد من ثماد الحديبية ظنون قليل الماء يتبرض الناس ماءها تبرضا فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قلة الماء.
فانتزع سهما من كنانته فأمر رجلا فغرزه في جوف القليب فجاش بالماء حتى ضرب الناس عنه بطعن.
فبينما هو على ذلك إذ مر به بديل بن ورقاء الخزاعي في ركب من قومه من خزاعة فقال يا محمد هؤلاء قومك قد خرجوا بالعوذ المطافيل يقسمون بالله ليحولن بينك وبين مكة حتى لا يبقى منهم أحد.
قال ((يا بديل إني لم آت لقتال أحد إنما جئت أقضي نسكي وأطوف بهذا البيت وإلا فهل ذلك هل لهم إلى أن أمادهم مدة يأمنون فيها ويستجمون ويخلون فيها بيني وبين الناس فإن ظهر فيها أمري على الناس كانوا فيها بالخيار أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس وبين أن يقاتلوا وقد جمعوا وأعدوا)).
قال بديل سأعرض هذا على قومك.
فركب بديل حتى مر بقريش فقالوا: من أين ؟
قال: جئتكم من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن شئتم أخبرتكم بما سمعت منه فعلت.
فقال أناس من سفهائهم: لا تخبرنا عنه شيئا.
وقال ناس من ذوي أسنانهم وحكمائهم: بل أخبرنا ما الذي رأيت وما الذي سمعت.
فاقتص عليهم بديل قصة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما عرض عليهم من المدة.
قال وفي كفار قريش يومئذ عروة ابن مسعود الثقفي فوثب فقال:
يا معشر قريش هل تتهمونني في شيء ألست بالولد ولستم بالوالد أو لست قد استنفرت لكم أهل عكاظ فلما بلجوا علي نفرت إليكم بنفسي وولدي ومن أطاعني.
قالوا بلى قد فعلت.
قال فاقبلوا من بديل ما جاءكم به وما عرض عليكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وابعثوني حتى آتيكم بمصادقها من عنده.
قالوا فاذهب.
فخرج عروة حتى نزل برسول لله صلى الله عليه وسلم بالحديبية فقال:
يا محمد هؤلاء قومك كعب بن لؤي وعامر بن لؤى قد خرجوا بالعوذ المطافيل يقسمون لا يخلون بينك وبين مكة حتى تبيد خضراءهم وإنما أنت من قتالهم بين أحد أمرين أن يحتاج قومك فلم تسمع برجل قط احتاجه أصله قبلك وبين أن يسلمك من أرى معك فإني لا أرى معك إلا أوباشا من الناس لا أعرف أسمائهم ولا وجوههم.
فقال أبو بكر وغضب: امصص بظر اللات أنحن نخذله أو نسلمه ؟!
فقال عروة: أما والله لولا يد لك عندي لم أجزك بها لأجبتك فيما قلت.
وكان عروة قد تحمل بدية فأعانه أبو بكر فيها بعون حسن والمغيرة بن شعبة قائم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى وجهه المغفر عروة وكان عروة يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلما مد يده يمس لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم قرعها المغيرة بقدح كان في يده حتى إذا أخرجه قال:
من هذا؟
قالوا هذا المغيرة بن شعبة.
قال عروة : أنت بذاك يا غدر وهل غسلت عنك غدرتك الأمس بعكاظ ؟!
فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعروة بن مسعود مثل ما قال لبديل.
فقام عروة فخرج حتى جاء إلى قومه فقال:
يا معشر قريش إني قد وفدت على الملوك على قيصر في ملكه بالشام وعلى النجاشي في بأرض الحبشة وعلى كسرى بالعراق وإني والله ما رأيت ملكا هو أعظم فيمن هو بين ظهريه من محمد في أصحابه والله ما يشدون إليه النظر وما يرفعون عنده الصوت وما يتوضأ من وضوء إلا ازدحموا عليه أيهم يظفر منه شيء فاقبلوا الذي جاءكم به بديل فإنها خطة رشد.
قالوا اجلس ودعوا رجلا من بني الحارث بن عبد مناف يقال له الحليس فقالوا:
انطلق فانظر ما قبل هذا الرجل وما يلقاك به...الحديث.
المصنّف حديث رقم36855
التخريج: رواه البيهقي في السنن الكبرى (9/220) وابن أبي شيبة في المصنف (7/38 وأحمد في المسند (4/324_329) والطبراني في الكبير (20/11) وأخرجه الطبري في تاريخه (2/119) وفي تفسيره (26/9 وابن كثير في الفسير (4/199)
الفوائد من هذا الحديث:
قال ابن حجر في الفتح (5/340) :
قوله ((فقال له أبو بكر الصديق)) زاد بن إسحاق وأبو بكر الصديق خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد فقال قوله (( امصص بظر اللات)) زاد بن عائذ من وجه آخر عن الزهري وهي أي اللات طاغيته التي يعبد أي طاغية عروة.
وقوله ((امصص)) بألف وصل ومهملتين الأولى مفتوحة بصيغة الأمر وحكى بن التين عن رواية القابسي ضم الصاد الأولى وخطأها.
والبظر بفتح الموحدة وسكون المعجمة قطعة تبقى بعد الختان في فرج المرأة .
واللات اسم أحد الأصنام التي كانت قريش وثقيف يعبدونها وكانت عادة العرب الشتم بذلك لكن بلفظ الأم فأراد أبو بكر المبالغة في سب عروة بإقامة من كان يعبد مقام أمه.
وحمله على ذلك ما أغضبه به من نسبة المسلمين إلى الفرار.
وفيه جواز النطق بما يستبشع من الألفاظ لإرادة زجر من بدا منه ما يستحق به ذلك.
وقال بن المنير في قول أبي بكر تخسيس للعدو وتكذيبهم تعريض بالزامهم من قولهم إن اللات بنت الله تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا بأنها لو كانت بنتا لكان لها ما يكون للإناث...اهـ
قلت: (أبو عبد الله غريب) قول الحافظ (وكانت عادة العرب الشتم بذلك لكن بلفظ الأم) يدلّ عليه ما رواه صاحب طبقات المحدثين بأصبهان (1/153) :
وذكر أن الحجاج بن يوسف ولى على أصبهان وهزاذ بن يزداد الدفع وكان بن عم لكاتبه فكتب في بعض روينا مقامه بأصبهان إلى الحجاج كتابا وصف فيه اختلال حال أصبهان ويسأله نظرا لهم ببعض خراجهم فكتب إليه الحجاج:
بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد
فإني استعملتك يا وهزاذ على أصبهان أوسع المملكة رقعة وعملا وأكثرها خراجا بعد فارس والأهواز وأزكاها أرضا حشيشها الزعفران والورد وجبالها الإثمد والفضة وأشجارها الجوز واللوز والكروم الكريمة والفواكه العذبة طيرها عوامل العسل وماؤها فرات وخيلها الماذيانات الجياد أنظف بلاد الله طعاما وألطفها شرابا واصحها ترابا وأوفقها هواء وأرخصها لحما وأطوعها أهلا وأكثرها صيدا فأنخت يا وهزاذ عليها بكلكل اضطر أهلها إلى مسألتك ما سألت لهم لتفوز بما يوضع عنهم فإن كان ذلك باطلا ولا أبعدك عن ظن السوء فسترد فتعلم وإن صدقت في بعضه فقد أخربت البلد أتظن يا وهزاذ انا ننفذ لك ما موهة وسحبة من القول وقعدت تشير علينا به فعظ يا وهزاذ على غرلة أير أبيك ومص بظر أمك فأيم الله لتبعثن إلى بخراج أصبهان كله أو لأجعلنك طوابيق على أبواب مدينتها فاختر لنفسك أوفق الأمرين لها أو ذر والسلام. اهـ
وذكر سنيد عن زيد بن الحباب عن ابن أبي معشر عن شرحبيل بن سعد قال:
لقى العباس بن عبد المطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجحفة حين ابنة عمرة القضية فقال له العباس:
يا رسول الله تأيمت ميمونة بنت الحارث بن حزن بن أبي رهم بن عبد العزى هل لك في أن تزوجها ؟
فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم.
فلما أن قدم مكة أقاما ثلاثا فجاءه سهيل بن عمرو في نفر من أصحابه من أهل مكة فقال: يا محمد اليوم آخر شرطك.
فقال: ((دعوني أبتني بامرأتي وأصنع لكم طعاما)).
فقال لا حاجة لنا بك ولا بطعامك.
فقال له سعد يا عاض بظر أمه أرضك وأرض أمك نحن دونه لا يخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يشاء.
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ((دعهم فإنهم زارونا لا تؤذيهم فخرج فبنى بها بسرف)). اهـ الاستيعاب (4/1917)
وجاء في (الفتح 7/398-399) عند شرح الحديث رقم 3844 : في قصة قتل وحشي لحمزة رضي الله عنهما:
ألا تخبرنا بقتل حمزة قال نعم ..إلى أن قال: فرأيت رجلا إذا حمل لا يرجع حتى يهزمنا فقلت من هذا قالوا حمزة قلت هذا حاجتي قوله يا بن أم أنمار بفتح الهمزة وسكون النون هي أمه كانت مولاة لشريق بن عمرو الثقفي والد الأخنس قوله مقطعة البظور بالظاء المعجمة جمع بظر وهي اللحمة التي تقطع من فرج المرأة ثم الختان قال بن إسحاق كانت أمه ختانة بمكة تختن النساء أهـ والعرب تطلق هذا اللفظ في معرض الذم والا قالوا خاتنة.اهـ
وفي التمهيد لابن عبد البر (22/90) :
قال الزبير وحدثني مصعب بن عثمان عن المنذر بن عبد الله قال ما سمعت من هشام بن عروة رفثا قط إلا يوما واحدا فإن رجلا من أهل البصرة كان يلزمه فقال له يا أبا المنذر نافع مولى ابن عمر كان يفضل أباك على أخيه عبد الله فقال كذب والله نافع وما يدري نافع عاض بظر أمه عبد الله والله خير وأفضل من عروة. اهــ وانظر السير (5/100)
وجاء في ميزان الاعتدال (6/582) في ترجمة مينا بن أبي مينا:
مينا بن أبي مينا عباس الدوري سمعت يحيى يقول ومن مينا الماص بظر أمه حتى يتكلم في الصحابة.
وانظر الكامل في الضعفاء (6/549)
وفي لسان الميزان (3/27) في ترجمة سعيد بن ذي لعوة الذي روى عن الشعبي ضعفه يحيى وأبو حاتم وجماعة وفيه جهالة.
وقال بن حبان دجال يزعم انه رأى عمر بن الخطاب يشرب المسكر رواه وكيع عن سفيان عن أبي إسحاق عنه...
وقال العجلي كوفي ثقة والبغداديون يضعفونه.
وقال علي بن المديني مجهول.
وقال أبو بكر بن عياش أقول هم حدثنا أبو حصين فيقولون ثنا أبو إسحاق عن سعيد بن ذي لعوة الماص بظر أمه كان يشتم عثمان .اهـ
وكذالك صح عن أبي بكر بن عياش أنه قال في دينار أبو سعيد عقيصا وكان من الرافضة:
جاء في الضعفاء للعقيلي (2/42) حدثنا أحمد بن على الأبار قال حدثنا أحمد بن سنان القطان قال حدثنا على بن أنس قال قال أبو بكر بن عياش يحدثهم عن أبى حصين غالبي بأبي سعيد عقيصا ماص بظر أمه يشتم عثمان. اهـ
ومن ذلك أيضا ما قاله الطرماح لنافذ بن سعد المعني :
وإن بمعن إن فخرت لمفخرا ***** وفي غيرها تبنى بيوت المكارم
متى قدت يا ابن العنبرية عصبة ***** من الناس تهديها فجاج المخارم
إذا ما ابن جد كان ناهز طيء ***** فإن الذرى قد صرن تحت المناسم
فقد بزمام بظر أمك واحتفر ***** بأير أبيك الفسل كراث عاسم
متى قدت يا ابن العنبرية عصبة ***** من الناس تهديها فجاج المخارم
إذا ما ابن جد كان ناهز طيء ***** فإن الذرى قد صرن تحت المناسم
فقد بزمام بظر أمك واحتفر ***** بأير أبيك الفسل كراث عاسم
قيل كان أحد جديه جمالا والآخر حراثا فلذلك قال فقد بزمام بظر أمك واحتفر الكراث. اهـ من معجم البلدان (4/67)
هذا وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أنّه قال:
((إذا رأيتم الرجل يتعزى بعزاء الجاهلية ، فأعضُّوهُ بهَن أبيه ولا تكنوا))
رواه أحمد في مسنده والترمذي في جامعه وصححه الألباني في (صحيح الجامع) رقم 567
قال في ((النهاية)) : التعزي الإنتماء و الإنتساب إلى القوم. والعزوة اسم لدعوى المستغيث، وهو أن يقول: يا لفلان، أو يا للأنصار، ويا للمهاجرين...
فأعضُّوهُ بهَن أبيه: أي قولوا: عض أير أبيك.اهـ
قال في فيض القدير (1/381): إذا سمعتم من يعتزي بعزاء الجاهلية فأعضوه أي قولوا له اعضض بظر أمك ولا تكنوا عن ذلك بما لا يستقبح فإنه جدير بأن يستهان به ويخاطب بما فيه قبح وهجر زجرا له عن فعله الشنيع وردعا له عن قوله الفظيع. اهـ
ونظير ذلك ما رواه ابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث (1/5 : قال أبو محمد حدثني الرياش قال نا الأصمعي عن عمر بن أبي زائدة قال قيل للشعبي إن هذا لا يجيء في القياس فقال أير في القياس.
قلت: (أبو عبد الله غريب) الأير هو الهن وهو الذكر، أي الجهاز التناسلي للرجل.
هذا والله أعلم.</b>