أوضح البيان
في
تعيين مطلع قرني الشيطان
دفاعا عن دعوة شيخ الإسلام محمّد بن عبد الوهّاب وأبنائه وأحفاده ومن سار على نهجهم في نشر التوحيد وقمع كل منافق عنيد
إعداد
أبي عبد الله غريب بن عبد الله الأثري القسنطيني
أبي عبد الله غريب بن عبد الله الأثري القسنطيني
عفا الله عنه
الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على عبده المصطفى وبعد:
فقد أخرج البخاري في صحيحه (3) ومسلم في صحيحه (252) عن عائشة رضي الله عنها أنّ النبي صلى الله عليه وسلّم حين نزل عليه الوحي لأوّل مرّة رجع إلى بيت خديجة بنت خويلد رضي لله عنها يرجف فؤاده، فقال: (زَمِّلُونى زملونى)، فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة: (ما لي؟) فأخبرها الخبر، (لقد خشيت على نفسي)، فقالت خديجة: كلا، والله ما يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقرى الضيف، وتعين على نوائب الحق، فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل ابن أسد بن عبد العزى ابن عم خديجة ـ وكان امرأ تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العبرانى، فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخًا كبيرًا قد عمي ـ فقالت له خديجة: يابن عم، اسمع من ابن أخيك، فقال له ورقة: يابن أخي، ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأي، فقال له ورقة: هذا الناموس الذي نزله الله على موسى، يا ليتني فيها جَذَعا، ليتنى أكون حيًا إذ يخرجك قومك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أو مخرجيّ هم؟) قال:نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عُودِىَ، وإن يدركنى يومك أنصرك نصرًا مؤزرًا، ثم لم يَنْشَبْ ورقة أن توفي، وفَتَر الوحى. اهـ بتصرّف.
صدق والله ورقة رحمه الله تعالى لم يأت رجل قط بمثل ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلّم إلا عُودِىَ...
إنّها سنّة الله في الدعاة إلى الحقّ ((ولن تجد لسنّة الله تبديلا ولن تجد لسنّة الله تحويلا))
فلا عجب أن يجتمع جيش الجهل والشرك والنّفاق في وجه دعوة شيخ الإسلام محمّد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى، كيف لا وقد جاء بمثل ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلّم وجاء يدعو إلى ما دعت إليه جميع رسل الله عليهم الصلاة والسلام.
قال الله تعالى: ((وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنّه لا إله إلا أنا فاعبدون)) وقال تعالى: ((ولقد بعثنا في كلّ أمّة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت)).
وقال عليه الصلاة والسلام لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن: ((إنّك تقدم على قوم أهل كتاب، فليكن أوّل ما تدعوهم إليه عبادة الله، فإذا عرفوا الله، فأخبرهم أنّ الله قد فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم ..)) الحديث (أخرجه البخاري ومسلم: اللؤلؤ والمرجان 11)
فالدعوة إلى التوحيد هي ديدن الرسل وهي منهجهم وطريقتهم ومنهج وطريقة كلّ مصلح داعية إلى الله على بصيرة من بعدهم قال الله تعالى: ((قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني..))
إذن هي سبيل واحدة لا عشرات وطريق واحدة لا عشرات!
من هذا المنطلق ومن هذا الفهم انطلقت دعوة الإمام المجدّد محمد بن عبد الوهاب النجدي التميمي عليه رحمة الله.
قال شيخ الإسلام الإمام المجدّد محمد بن عبد الوهاب رضي الله عنه: ((اعلم رحمك الله أنّ التوحيد هو إفراد الله سبحانه بالعبادة وهو دين الرُّسُل الذي أرسلهم الله به إلى عباده...)) (كشف الشبهات في التوحيد ص13-14 بشرح الإمام محمد العثيمين دار الكتب العلمية، سنة 1424هـ)
وقال الشيخ الإمام عبد الرحمن بن حسن حفيد الشيخ الإمام رحمهم الله تعالى:
((وأما أهل هذه الدعوة الإسلامية التي أظهرها الله بنجد، وانتشرت واعترف بصحتها كثير من العلماء والعقلاء، وأدحض الله حجة من نازعهم بالشهادة، فهم بحمد الله، يدعون إلى ما بعث الله به رسله من إخلاص العبادة لله وحده لا شريك له..))
(الدرر السنية) 9/195. جمع ابن قاسم رحمه الله.
ولمّا كان أعداء الحق وخصوم التوحيد والسنّة مفلسين في ميادين الحجج النقلية الصحيحة والعقلية الرجيحة، أخذوا يتشبثون ويستمسكون بما هو أوهن من بيت العنكبوت من الشبه الفاسدة والآراء الكاسدة للطعن في دعاة التوحيد والسنّة.
فادعوا على الشيخ محمد بن عبد الوهاب وعلى دعوته دعاوى لا يهضمها إلا من حرمه الله تعالى نعمة العقل السليم والفهم الصحيح!
فمرة اتهموه بأنه من الخوارج، وأنه وأتباعه سيماهم التحليق كما صحّ الخبر عنه عليه الصلاة والسلام!
وتارة زعمو أنه من نسل ذي الخويصرة التميمي!
وتارة زعموا أنّه من نسل مسيلمة الكذّاب الذي قتل في اليمامة!
ومن بين تلك الترّاهات والأباطيل زعمهم أنّ النبي صلى الله عليه وسلّم قد أخبر بطلوع قرني الشيطان في منطقة يقال لها نجد وأنّ هذه البلاد –أي نجد- هي موضع الفتن والزلازل والدّاء العضال، وبما أنّ الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى نشأ في نجد وعاش فيها ودعا إلى (مذهبه الجديد!) فيها فقد صدق فيه وصف النبي صلى الله عليه وسلّم فوجب الحذر من الشيخ محمد بن عبد الوهّاب ودعوته بل ومحاربته بكلّ وسيلة وبكلّ طريقة! وإن تطلّب ذلك الكذب والبهتان والتدليس والتلبيس وقلب الحقائق وكتمان العلم!!
فها هو أحد خصوم الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى وهو المدعو ابن عفالق يقول في رسالته للشيخ ابن معمر رحمه الله:
(وفي فضل أهل الشام واليمن والحرمين وفارس ما يعرفه من له أدنى معرفة بالأحاديث وأما أنتم يا أهل اليمامة ففي الحديث الصحيح عندكم يطلع قرن الشيطان، وأنتم لا تزالون في شر من كذّابكم إلى يوم القيامة. إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار). رسالة ابن عفالق لابن معمر ق 49.
ويسوق (الحداد) بعض تلك الفرية، فيزعم أن الشيخ الإمام هو قرن الشيطان يقول الحداد في كتابه (مصباح الأنام ص7.):
(وقد استنبط العلماء من مفهوم قول النبي صلى الله عليه وسلم (يطلع منها – أي نجد – قرن الشيطان) من معجزاته، لأنه أتى بالياء للاستقبال؛ لأن مسيلمة لعنه الله، في حياته عليه السلام طلع، وادعى النبوة، وهلك في خلافة الصديق..، ولم يطلع قرن الشيطان إلا بعد الألف والمائة والخمسين، وهو محمد بن عبد الوهاب رأس هذه البدعة وأسّها).
ويورد (الحداد) بعضاً من علامات الخوارج، ليدعي - زوراً - وجودها عند من يسميهم بالوهابيين فيقول كاذباً:
(وأهم من ذلك كله ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم من الأحاديث الكثيرة المبينة لعلامات الخوارج، مما يبين أن ابن عبد الوهاب وأتباعه منهم، ككونهم من نجد، وكونهم من المشرق، ومعلوم أن نجدا شرقي المدينة، وكون سيماهم التحليق، مع كونهم من المشرق). ص5 باختصار.
ويقول الحداد:
(قال السيد العلامة المنعمي في مطلع قصيدة له في الرد على النجدي لما قتل عدة لم يحلقوا رؤوسهم قال:
أفي حلق رأسي بالسكاكين والحد****حديث صحيح بالأسانيد عن جدي) ص6.
ويأتي أفاك آخر، وهو المدعو عبد الرؤوف، حيث ساق حديث (اللهم بارك لنا في شامنا)، وما ورد في شأن الخوارج من الأحاديث.. ثم قال:
(المراد به أصحاب ابن عبد الوهاب فإن شعارهم تحليق شعر رؤوسهم أجمع، وعدم اتخاذ القنازع كما هو الأعراب قديماً وحديثاً، وإذا دخل الرجل في دينهم، أول ما يأمرونه به حلق شعر رأسه أجمع، وبهذا تعرف الوهابية عن سائر الأعراب كما هو معروف، فالحديث نص على رد الوهابية) (فصل الخطاب) ق 15.
ويزعم عثمان بن منصور أن نجد اليمامة هي قرن الشيطان، فيقول: (وقد امتنع الرسول صلى الله عليه وسلم عن الدعاء لها لما دعا للشام ولليمن والمدينة، لما علم بعلم الله ما يحدث فيها ومنها، وقال فيها (أولئك منها الزلازل والفتن، ومنها ما يظهر قرن الشيطان). نقلاً عن (مصباح الظلام في الرد على من كذب على الشيخ الإمام)، ص 234.
ويتهم الرافضي محمد حسن الموسوي الوهابيين بأنهم على نهج الخوارج. ثم يقول كاذباً (أن الوهابية أصحاب الزلازل والفتن بنص رسول الله صلى الله عليه وسلم). (البراهين الجلية)، ص 71.
ويدعي النبهاني أن نجد اليمامة هي قرن الشيطان، وأنها من بلاد المشرق التي ذمها الرسول صلى الله عليه وسلم يقول النبهاني في الرائية الصغرى، ص 27.:
أشار رسول الله للشرق ذمّه **** وهم أهله لا غرو أن أطلع الشـرا
به يطلع الشيطان ينطح قرنه**** رؤوس الهدى والله يكسره كسرا)
ويورد العاملي الأحاديث التي في ذم المشرق، وذم نجد، ليحملها على نجد اليمامة انظر : (كشف الارتياب)، ص 119، 120.
ثم يدافع عن موطنه – العراق -، فيقول نافياً أن تكون العراق هي نجد قرن الشيطان-.
(وما يحكي عن بعض الوهابيين من أن المراد من نجد هو العراق؛ لأنها أعلى من الحجاز والنجد في اللغة ما أشرق من الأرض، معلوم الفساد، فإن نجداً حيثما يطلق بلا قيد يراد به بلادهم التي لا تسمى عرفاً إلا بهذا الاسم قديماً وحديثاً..) المرجع السابق، ص 120.
ويدعي الزهاوي أن من أعلام نبوة محمد صلى الله عليه وسلم إخباره عن هؤلاء الخوارج، يقصد أتباع الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله -. انظر : (الفجر الصادق) ص 20.
ويزعم الرافضي الخبيث أحمد بن محمد الغماري أن دعوة الشيخ الإمام هي قرن الشيطان، فيقول: (ولما طلع قرن الشيطان بنجد في أواخر القرن الحادي عشر، وانتشرت فتنته، كانوا يحملون الأحاديث عليه وعلى أصحابه).
نقلاً عن (إيضاح المحجة في الرد على صاحب طنجة) للشيخ حمود التويجري ص 132.
((هذه الافتراءات نقلتها بتصرّفمن كتاب دعاوى المناوئين للشيخ عبد العزيز بن محمد بن علي العبد اللطيف))
فلمّا رأيت كثرة الطاعنين على دعوة الشيخ الإمام محمد ابن عبد الوهاب واستغلالهم لحديث الفتنة من قبل المشرق وتحريفهم لمعناه تدليسا وتلبيسا على العوام استخرت الله تعالى في أن أجمع بحثا صغيرا أبيّن فيه بالحجة والدليل معنى قول النبي صلى الله عليه وسلّم ((الفتنة من ها هنا)) وأنقل فيه كلام أهل العلم -الذين لا يشك أحد في علمهم وإمامتهم- في شرح هذا الحديث .
والله أسأل أن يجعل عملي هذا في ميزان حسناتي وأن ينفعني به وينفع به غيري إنّه سبحانه على كل شيء قدير.
وكتب: أبو عبد الله غريب بن عبد الله الأثري.
قسنطينة 13/11/2007 للميلاد.
قال الإمام البخاري في صحيحه: (حديث رقم 6535).
حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا عبد الواحد حدثنا الشيباني حدثنا يسير بن عمرو قال قلت لسهل بن حنيف هل سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول في الخوارج شيئا قال سمعته يقول وأهوى بيده قبل العراق (( يخرج منه قوم يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية)).
نجد في كتب اللغة:
1) مختار الصحاح (1/269) قال في مادة ن ج د: ((النَّجْدُ ما ارتفع من الأرض والجمع نِجَادٌ بالكسر و نُجُودٌ و أَنْجُدٌ و النَّجْدُ الطريق المرتفع ... ونَجْدٌ من بلاد العرب وهو خِلاف الغور فالغور تِهَامة وكل ما ارتفع عن تِهَامة إلى أرض العِراق فهو نَجْد وهو مُذَّكر)) اهـ
2) لسان العرب (3/413-414) بتصرّف:
نجد : النَّـجْدُ من الأَرض: قِفافُها وصَلابَتُها وما غَلُظَ منها وأَشرَفَ وارتَفَعَ واستَوى، ...
قال الأَخفش: نُجُدٌ: لغة هذيل خاصّة يريدون نَـجْداً. ويروى النُّـجُدُ، جَمَع نَجْداً على نُجُدِ، جعل كل جزء منه نَـجْداً، قال: هذا إِذا عنى نَـجْداً العَلَمي، وإِن عنى نَـجْداً من الأَنـجاد فَغَوْرُ نَـجْد أَيضاً، والغور هو تِهامة، وما ارتفع عن تِهامة إِلـى أَرض العراق، فهو نجد، ...
ونَجدٌ: من بلاد العرب ما كان فوق العالـيةِ والعالـيةُ ما كان فوق نَجْدٍ إِلى أَرض تِهامةَ إِلى ما وراء مكة، فما كان دون ذلك إِلـى أَرض العراق، فهو نجد.
وروى عن ابن السكيت قال: ما ارتفع من بطن الرُّمّةِ، والرُّمّةُ واد معلوم، فهو نـجد إِلى ثنايا ذات عِرْق.
قال: وسمعت الباهلـي يقول: كلُّ ما وراء الـخنْدق الذي خَنْدَقَه كسرى علـى سواد العراق، فهو نـجد إِلـى أَن تميل إِلـى الـحَرّةِ فإِذا مِلْت إِلـيها، فأَنت فـي الـحِجاز
وقال: كلُّ ما وراءَ الـخندقِ علـى سواد العراق، فهو نجد، ...
ونجدٌ: اسم خاصٌّ لما دون الحجاز مما يَلي العِراق؛....اهـ
3) النهاية في غريب الحديث (5/1 ..والنَّجْد ما ارْتَفع من الأرض وهو اسمٌ خاصٌّ لِما دون الحجاز ممَّا يَلي العِراق هـ
4) الغريب للخطابي (2/146) ...نجد البلاد وهو ما علا وارتفع من الأرض. اهـ
5) الغريب لابن قتيبة (3/69 ...والنَّجْدُ : ما ارْتفَع من الأرَض . اهـ
جاء في ((التمهيد)) للإمام ابن عبد البر رحمه الله تعالى: (17/11-12) وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية المغرب سنة 1387 تحقيق مصطفى العلوي ومحمد البكري:
حديث سادس لعبدالله بن دينار عن ابن عمر:
مالك عن عبدالله بن دينار عن عبدالله بن عمر أنه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير إلى المشرق يقول ((إن الفتنة ههنا إن الفتنة ههنا من حيث يطلع قرن الشيطان)) لم يختلف في إسناد هذا الحديث والحمد لله ولا في لفظه.
ثمّ قال بعد ذلك رحمه الله تعالى: (في هذا الحديث علم من أعلام نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم لإخباره بالغيب عما يكون بعده والفتنة ههنا بمعنى الفتن لأن الواحدة ههنا تقوم مقام الجميع في الذكر لأن الألف واللام في الفتنة ليسا إشارة إلى معهود وإنما هما إشارة إلى الجنس مثل قوله ((الزانية والزاني)) و ((السارق والسارقة)).
فأخبر صلى الله عليه وسلم عن إقبال الفتن من ناحية المشرق وكذلك أكثر الفتن من المشرق انبعثت وبها كانت نحو الجمل وصفين وقتل الحسين وغير ذلك مما المطلوب ذكره مما كان بعد ذلك من الفتن بالعراق وخراسان إلى اليوم وقد كانت الفتن في كل ناحية من نواحي الإسلام ولكنها بالمشرق أكثر أبدا ومثل هذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم ((إني أرى مواقع الفتن خلال بيوتكم كمواقع القطر)) وقد يحتمل أن تكون الفتنة في هذا الحديث معناها الكفر وكانت المشرق يومئذ دار كفر فأشار إليها.
والفتنة لها وجوه في اللغة منها العذاب ومنها الإحراق ومنها الحروب التي تقع بين الناس ومنها الابتلاء والامتحان وغير ذلك على حسبما قد ذكره أهل اللغة.
وأما قوله ((من حيث يطلع قرن الشيطان)) فقد مضى القول فيه في باب زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن الصنابحي من كتابنا هذا فلا وجه لإعادة ذلك ههنا. اهـ
فقد أوضح الإمام ابن عبد البرّ عليه رحمة الله المتوفى قبل ولادة شيخ الإسلام محمّد بن عبد الوهاب عليه رحمة الله بمئات السنين أنّ المقصود بمواضع الفتن والزلازل ومطلع قرني الشيطان في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلّم المتقدّم هو العراق وخراسان وما جاورهما من ناحية المشرق أي مشرق المدينة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة والتسليم، وها هو إمام من أئمّة المسلمين وحافظ من حفاظ المغرب رحمه الله تعالى وهو حجّة عند أعداء دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهّاب قبل أتباعه يفهم من قوله عليه السلام ((الفتنة من ها هنا)) خلاف ما فهمه من أعمى الله بصيرتهم وطغى الهوى على قلوبهم فأصبحوا لا يميّزون بين حقّ وباطل من أنصار عبادة الأوثان ومخاطة الولدان والمردان!
فهل سيُصنّف الإمام ابن عبد البرّ رحمه الله تعالى بأنّه وهابي هو الآخر ؟!
وجاء في فتح الباري للحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى (13/46-47) دار المعرفة بيروت، سنة 1379 تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي ومحب الدين الخطيب رحمهما الله تعالى:
قوله (أي البخاري) باب قول النبي صلى الله عليه وسلم ((الفتنة من قبل المشرق)) أي من جهته ذكر فيه ثلاثة أحاديث:
الأول: ذكره من وجهين:
وقد ذكرت في شرح حديث أسامة في أوائل كتاب الفتن وجه الجمع بينه وبين قوله صلى الله عليه وسلم اني لأرى الفتن خلال بيوتكم وكان خطابه ذلك لأهل المدينة
6679 قوله عن النبي صلى الله عليه وسلم ((انه قام الى جنب المنبر)) في رواية عبد الرزاق عن معمر ثم الترمذي ان النبي صلى الله عليه وسلم قام على المنبر في رواية شعيب عن الزهري كما تقدم في مناقب قريش بسنده سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو على المنبر وفي رواية يونس بن يزيد عن الزهري عند مسلم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو مستقبل المشرق قوله ((الفتنة ههنا الفتنة ههنا)) كذا فيه مرتين وفي رواية يونس ((ان الفتنة ههنا)) أعادها ثلاث مرات قوله ((من حيث يطلع قرن الشيطان)) أو قال ((قرن الشمس)) كذا هنا بالشك وفي رواية عبد الرزاق ((ههنا أرض الفتن)) وأشار الى المشرق يعني حيث يطلع قرن الشيطان .
وفي رواية شعيب ((الا ان الفتنة ههنا يشير الى المشرق حيث يطلع قرن الشيطان)) وفي رواية يونس مثل معمر لكن لم يقل أو قال قرن الشمس بل قال يعني المشرق.
ولمسلم من رواية عكرمة بن عمار عن سالم سمعت بن عمر يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير بيده نحو المشرق ويقول ((ها ان الفتنة ههنا ثلاثا حيث يطلع قرن الشيطان)) وله من طريق حنظلة عن سالم مثله لكن قال ((ان الفتنة ههنا ثلاثا)) وله من طريق فضيلة بن غزوان سمعت سالم بن عبد الله بن عمر يقول ((يا أهل العراق ما أسألكم عن الصغيرة وأركبكم الكبيرة سمعت أبي يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ان الفتنة تجيء من ههنا وأومأ بيده نحو المشرق من حيث يطلع قرنا الشيطان)) كذا فيه بالتثنية.
وله في صفة إبليس من طريق مالك عن عبد الله بن دينار عن بن عمر مثل سياق حنظلة سواء وله نحوه من رواية سفيان الثوري عن عبد الله بن دينار أخرجه في الطلاق ثم ساق هنا من رواية الليث عن نافع عن بن عمر مثل رواية يونس الا انه قال ((الا ان الفتنة ههنا)) ولم يكرر.
وكذا لمسلم وأورده الإسماعيلي من رواية احمد بن يونس عن الليث فكررها مرتين
الحديث الثاني
6681 قوله عن بن عون هو عبد الله عن نافع عن بن عمر قال ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ((اللهم بارك لنا في شأمنا)) الحديث ...
قوله قالوا يا رسول الله وفي نجدنا فأظنه قال في الثالثة ((هناك الزلازل والفتن وبها يطلع قرن الشيطان)).
وقع في رواية الترمذي والدورقي بعد قوله ((وفي نجدنا)) قال ((اللهم بارك لنا في شأمنا وبارك لنا في يمننا)) قال وفي نجدنا قال ((هناك ))فذكره لكن شك هل قال بها أو منها وقال يخرج بدل يطلع وقد وقع في رواية الحسين بن الحسن في الاستسقاء مثله في الإعادة مرتين وفي رواية ولد بن عون فلما كان الثالثة أو الرابعة قالوا يا رسول وفي نجدنا قال ((بها الزلازل والفتن ومنها يطلع قرن الشيطان))
قال المهلب: انما ترك صلى الله عليه وسلم الدعاء لأهل المشرق ليضعفوا عن الشر الذي هو موضوع في جهتهم لاستيلاء الشيطان بالفتن.
إلى أن قال:
وقال الخطابي القرن الأمة من الناس يحدثون بعد فناء آخرين وقرن الحية أن يضرب المثل فيما لا يحمد من الأمور وقال غيره كان أهل المشرق يومئذ أهل كفر فأخبر صلى الله عليه وسلم أن الفتنة تكون من تلك الناحية فكان كما أخبر وأول الفتن كان من قبل المشرق فكان ذلك سببا للفرقة بين المسلمين وذلك مما يحبه الشيطان ويفرح به وكذلك البدع نشأت من تلك الجهة.
وقال الخطابي: نجد من جهة المشرق ومن كان بالمدينة كان نجده بادية العراق ونواحيها وهي مشرق أهل المدينة وأصل النجد ما ارتفع من الأرض وهو خلاف الغور فإنه ما انخفض منها وتهامة كلها من الغور ومكة من تهامة انتهى.
وعرف بهذا وهاء ما قاله الداودي ان نجدا من ناحية العراق فإنه توهم ان نجدا موضع مخصوص وليس كذلك بل كل شيء ارتفع بالنسبة الى ما يليه يسمى المرتفع نجدا والمنخفض غورا. اهـ
فما قولكم الآن، يا عميان ؟!! هل الحافظ ابن حجر ومن قبله الإمام الخطابي عليهما رحمة الله وهّابيان ؟!!!
وجاء في كتاب ((السنن الواردة في الفتن)) لأبي عمر الداني رحمه الله (1/245 وما بعدها) دار العاصمة الرياض ط1 تحقيق: د. ضاء الله المباركفوري:
45) روى بإسناده إلى سالم ابن عبد الله رحمه الله قال: يا أهل العراق ما أسئلكم عن الصغيرة وأركبكم للكبيرة سمعت أبي عبدالله بن عمر يقول إن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ((إن الفتنة تجىء من ها هنا وأومى بيده نحو المشرق من حيث يطلع قرنا الشيطان)) وأنتم يضرب بعضكم رقاب بعض وإنما قتل موسى الذي قتل من آل فرعون خطأ فقال الله عز وجل له وقتلت نفسا فنجيناك من الغم وفتناك فتونا. اهـ انظر مسند أبي يعلى (9/383) حديث رقم 5511.
وقال العلامة أبو العبّاس شهاب الدين القسطلاّني عليه رحمة الله في ((إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري)) (10/18 دار الكتاب العربي ط7 سنة 1323 هـ:
وإنّما أشار عليه الصلاة والسلام إلى المشرق لأنّ أهله يومئذ أهل كفر فأخبر أنّ الفتنة تكون من تلك النّاحية وكذا وقع فكان وقعة الجمل ووقعة صفين ثمّ ظهور الخوارج في أرض نجد والعراق وما وراءها من المشرق وكان أصل ذلك كلّه وسببه قتل عثمان بن عفّان رضي الله عنه. وهذا علم من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلّم وشرف وكرم. اهـ
ونقل كلام العلامة القسطلاني الآنف وأقرّه الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي عليه رحمة الله في ((اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان ص660 دار الحديث، القاهرة سنة 1424 هـ حديث رقم 1840) فراجعه غير مأمور.
هذا وقد جاء التصريح بكون مطلع قرني الشيطان وموضع الزلازل والفتن هو العراق لا نجد اليمامة من الجزيرة العربية المعروفة اليوم والتي ينتمي إليها الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى وذلك في عدّة أحاديث:
فمن ذلك ما رواه الإمام الطبراني في ((معجمه الكبير)) مكتبة العلوم والحكم ط2 سنة 1404 تحقيق الشيخ العلامة حمدي السلفي حفظه الله.
الحديث رقم13422 (12/384) حدثنا الحسن بن علي المعمري ثنا إسماعيل بن مسعود ثنا عبيد الله بن عبد الله بن عون عن أبيه عن نافع عن بن عمر ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (( اللهم بارك لنا في شامنا اللهم بارك في يمننا)) فقالها مرارا فلما كان في الثالثة أو الرابعة قالوا يا رسول الله وفي عراقنا قال ((إن بها الزلازل والفتن وبها يطلع قرن الشيطان)). اهـ
ومن ذلك أيضا ما أورده الحافظ الربعي في (فضائل الشام ودمشق) الحديث الثامن ص 23-24 المكتب الإسلامي الطبعة الرابعة 1405 هـ تحقيق الإمام الألباني رحمه الله تعالى:
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر ثم أقبل على القوم فقال : ((اللهم بارك لنا في مدينتنا وبارك لنا في مدنا وصاعنا اللهم بارك لنا في حرمنا وبارك في شامنا))
فقال رجل : وفي العراق ؟ فسكت .
ثم أعاد قال الرجل : وفي عراقنا ؟ فسكت .
ثم قال : ( اللهم بارك لنا في مدينتنا وبارك لنا في مدنا وصاعنا اللهم بارك لنا في شامنا اللهم اجعل مع البركة بركة والذي نفسي بيده ما من المدينة شعب ولا نقب إلا وعليه ملكان يحرسانها حتى تقدموا عليها . . .)) وذكر الحديث. (هامش: زاد ابن عساكر قال: قال رجل: والعراق يا رسول الله؟ قال: ((من ثمّ يطلع قرن الشيطان وتهيج الفتن))
قال الإمام الألباني معلّقا: قلت حديث صحيح، وإن كنت لم أقف عليه بهذا التمام فيما عندي من كتب السنّة، وإنّما وقفت عليه مفرقا من حديث ابن عمر دون قوله في آخره: ((اللهم اجعل مع البركة بركة...))
فإنّما هو من حديث أبي سعيد الخدري في حديث له أخرجه مسلم (4/117) لكنّه قال ((بركتين)).
وأمّا حديث ابن عمر فأخرجه أبو نعيم (6/133) وابن عساكر إلى قوله ((وفي العراق)) وزاد: فأعرض عنه فقال: ((فيها الزلازل والفتن وبها يطلع قرن الشيطان)) وإسناده صحيح.
ورواه الطبراني في ((الكبير)) من طريق أخرى عن ابن عمر وسنده صحيح أيضا.
وقد أورده في ((المجمع)) (3/305) وقال: ((رواه الطبرني في ((الأوسط)) ورجاله ثقات)).
وأخرجه أحمد (2/143) مختصرا بلفظ: قال رأيت رسول الله يشير بيده يؤم العراق: ((إنّ الفتنة ههنا (ثلاث مرات) من حيث يطلع قرن الشيطان)).
وإسناده صحيح على شرط مسلم، وقد أخرج في ((صحيحه)) (8/181) نحوه.
وفي رواية من وجه آخر عن سالم بن عبد الله: قال: ((يا أهل العراق ما أسألكم عن الصغيرة وأركبكم للكبيرة ؟!))
سمعت أبي عبد الله بن عمر يقول: فذكره.
إلى أن قال رحمه الله تعالى:
فيستفاد من مجموع طرق الحديث أنّ المراد من ((نجد)) في رواية البخاري: ليس هو الإقليم اليوم بهذا الإسم، وإنّما هو العراق، وبذلك فسّره الإمام الخطابي والحافظ ابن حجر العسقلاني...
وقد تحقق ما أنبأ به عليه السلام فإنّ كثيرا من الفتن الكبرى كا ن مصدرها العراق.
كالقتال بين سيدنا علي ومعاوية، وبين علي والخوارج، وبين علي وعائشة، وغيرها مما هو مذكور في كتب التاريخ.
فالحديث من معجزاته صلى الله عليه وآله وسلّم وأعلام نبوّته. اهـ بتصرّف.
وجاء في الموطأ للإمام مالك رضي الله عنه (ص761 مع تنوير الحوالك) مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، تحقيق: طه عبد الرؤوف سعد وسعد حسن محمد:
(11) باب ما جاء في المشرق
29- حدثني مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر انه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير إلى المشرق ويقول ها إن الفتنة ههنا إن الفتنة ههنا من حيث يطلع قرن الشيطان.
30- وحدّثني مالك أنّه بلغه أنّ عمر بن الخطّاب أراد لخروج إلى العراق فقال له كعب الأحبار: لا تخرج إليها يا أمير المؤمنين فإنّ بها تسعة أعشار السّحر وبها فسقة الجنّ وبها الداء العضال.
قال السيوطي شارحا: (قرن الشيطان): أي حزبه وأهل وقته وزمانه وأعوانه. اهـ
فأنت ترى أنّ الإمام مالك رضي الله عنه قد فهم قول النبي صلى الله عليه وسلّم ((المشرق)) في الحديث على أنّه العراق لا نجد اليمامة المعروفة اليوم بدليل أنّه أورد عقب حديث مطلع قرن الشيطان خبر خروج عمر بن الخطّاب إلى العراق! فهل من مدّكر!؟
وقال صاحب كتاب ((أكمل البيان في شرح حديث نجد قرن الشيطان)) –للأسف فأنا لم أقف على هذا الكتاب وإلا لاستفدت منه كثيرا ولأغناني عن الكثير من المراجع-: مقصود الأحاديث أنّ البلاد الواقعة في جهة المشرق من المدينة المنورة هي مبدأ الفتنة والفساد ومركز الكفر والإلحاد ومصدر الابتداع والضلال، فانظروا في خريطة العرب بنظر الإمعان، يظهر لكم أنّ الأرض الواقعة في شرق المدينة إنّما هي أرض العراق فقط، موضع الكوفة والبصرة وبغداد، والراسخون في العلم يعلمون هذا من إلقاء النظرة على الخريطة)) اهـ (نقلا عن كتاب: محمد بن عبد الوهاب المجدد المفترى عليه للعلامة القاضي: أحمد بن حجر آل بوطامي البنعلي رحمه الله ص113 دار الفتح، الشارقة ط1 1415 هـ)
وقال الشيخ السهسواني رحمه الله في (صيانة الإنسان من وسوسة ابن دحلان ص97) (قد كان بلد الشيخ اليمامة، ولم تكن اليمامة مشرق المدينة، بل مشرق المدينة العراق ونواحيه، فاليمامة، ليست مشرق المدينة، ولا هي وسط المشرق بين المدينة والعراق، بل اليمامة شرق مكة المشرفة..) (نقلا عن دعاوى المناوئين)
ومن الأمور التي يجب ذكرها في هذا المقام أنّ جميع طرق حديث (الفتنة من قبل المشرق) جاءت عن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما وقد صحّ عنه أنّه حمل الحديث على العراق وأهله وراوي الحديث أدرى وأعلم بما يروي! أضف إلى ذلك اتفاق شرّاح الحديث على أنّ المقصود بنجد في الحديث هو العراق لا نجد اليمامة ونحن نتحدّى من ينقل لنا خلاف هذا!
لأجل هذا وذاك قال الشيخ الإمام عبد الرحمن بن حسن رحمه الله تعلى مدافعا عن دعوة جده الشيخ المجدد الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى: (إن المراد بالمشرق ونجد في هذا الحديث وأمثاله هو العراق؛ لأنه يحاذي المدينة من جهة الشرق، يوضحه أن في بعض طرق هذا الحديث: وأشار إلى العراق)، قال الخطابي: نجد من جهة المشرق، ومن كان بالمدينة، كان نجده بادية الشام ونواحيها فهي مشرق أهل المدينة، وأصل نجد ما ارتفع من الأرض، وهو خلاف الغور فإنه ما انخفض منها، وقال الداوودي: أن نجداً من ناحية العراق، ذكر هذا الحافظ ابن حجر، ويشهد له ما في مسلم عن ابن عمر قال: يا أهل العراق ما أسئلكم عن الصغيرة وأركبكم للكبيرة، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أن الفتنة تجيء من هاهنا، وأومأ بيده إلى المشرق، فظهر أن هذا الحديث خاص لأهل العراق؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فسَّر المراد بالإشارة الحسيّة، وقد جاء صريحاً في (المعجم الكبير) للطبراني النص على أنها العراق. وقول ابن عمر وأهل اللغة وشهادة الحال كل هذا يعين المراد..)(منهاج التأسيس والتقديس في الرد على ابن جرجيس)، ص 62.
وقال أيضا: (.. الذم إنما يقع في الحقيقة على الحال لا على المحل، والأحاديث التي وردت في ذم نجد كقوله صلى الله عليه وسلم: (اللهم بارك لنا في يمننا. اللهم بارك لنا في شامنا) الحديث.. قيل إنه أراد نجد العراق؛ لأن في بعض ألفاظه: ذكر المشرق , والعراق شرقي المدينة، والواقع يشهد له، لا نجد الحجاز، ذكره العلماء في شرح هذا الحديث، فقد جرى على العراق من الملاحم والفتن، ما لم يجر في نجد الحجاز، يعرف ذلك من له اطلاع على السير والتاريخ، كخروج الخوارج بها، وكمقتل الحسين، وفتنة ابن الأشعث، وفتنة المختار وقد ادعى النبوة … وما جرى في ولاية الحجاج بن يوسف من القتال، وسفك الدماء وغير ذلك مما يطول عده.
وعلى كل حال فالذم إنما يكون في حال دون حال، ووقت دون وقت، بحسب حال الساكن؛ لأن الذم إنما يكون الحال دون المحل، وإن كانت الأماكن تتفاضل. وقد تقع المداولة فيها، فإن الله يداول بين خلقه، حتى في البقاع، فمحل المعصية في زمن قد يكون محل طاعة في زمن آخر، وبالعكس) (مجموعة الرسائل والمسائل 4/264).
وهذا علامة العراق بلا منازع الشيخ محمود شكري الآلوسيرحمه الله تعالى يقول عن بلده العراق – والتي هي في الحقيقة نجد قرن الشيطان ـ:
(ولا بدع فبلاد العراق معدن كل محنة وبليّة، ولم يزل أهل الإسلام منها في رزية بعد رزية، فأهل حروراء وما جرى منهم على الإسلام لا يخفى، وفتنة الجهمية الذين أخرجهم كثير من السلف من الإسلام إنما خرجت ونبغت بالعراق، والمعتزلة وما قالوه للحسن البصري وتواتر النقل به … إنما نبغوا وظهروا بالبصرة، ثم الرافضة والشيعة وما حصل فيهم من الغلو في أهل البيت، والقول الشنيع في الإمام علي، وسائر الأئمة ومسبّة أكابر الصحابة..، كل هذا معروف مستفيض). (غاية الأماني في الرد على النبهاني) 2/148 باختصار. وانظر : (فتح المنان تتمة منهاج التأسيس)، ص 527. نقلا عن دعاوى المناوئينللشيخ عبد العزيز بن محمد بن علي العبد اللطيف.
((فهل بقي للقرّاء بعدما أسلفنا ذكره من أدلّة لغوية وحديثية والحوادث التاريخية شكّ أنّ المتشبثين بحديث ((اللهمّ بارك لنا في شامنا ويمننا)) في ذمّ الشيخ محمّد بن عبد الوهاب ودعوته تشبث باطل ومستند فاسد لا يستريب في ذلك منصف، وأنّ هؤلاء لمّا كانوا مفلسين في ميادين الحجج النقلية الصحيحة والعقلية الرجيحة، أخذوا يتشبثون ويستمسكون بما هو أوهن من بيت العنكبوت من الشبه الفاسدة والآراء الكاسدة ليقووا مذهبهم ويوهنوا دعوة الشيخ رحمهه الله تعالى...)) (الشيخ محمد بن عبد الوهاب للشيخ ابن حجر آل بوطامي ص115)
وفي الأخير بقي أن أنبّه على أنّ قول النبي صلى الله عليه وسلّم في العراق أنّها موضع الفتن والزلازل وبها يطلع قرن الشيطان، أنّ ذلك لا يقتضي الطعن في علمائها وتجريح فقهائها، والتنقّص من صالحيها، كلا وحاشا! فالعراق كانت موطن كبار فقهاء ومحدثي وزهّاد الإسلام كالإمام أحمد وأبي حنيفة والحسن البصري وغيرهم كثير وكثير!
قال الشيخ الإمام عبد اللطيف آل الشيخ رحمه الله تعالى في (مصباح الظلام) ص 236 :
(ولا يقول مسلم بذم علماء العراق لما ورد فيها، وأكابر أهل الحديث وفقهاء الأمة أهل الجرح والتعديل أكثرهم من أهل العراق) (نقلا عن دعاوى المناوئين).
بهذا أكون بإذن الله قد أتممت بحثي، وأنهيت عملي، ولم يبقى إلا الدعاء بأن يتقبل الله منّي، وأن يغفر لي ما قد صدر منّي إنّه تعالى جواد كريم.
هذا وما كان من توفيق فمن الله وحده، وما كان من خطئ أو زلل أو نسيان فمني ومن الشيطان والله ورسوله منه براء وصلى الله على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم تسليما كثيرا.