وقفات على ابواب كتاب التوحيد (الوقفة السادسة)
إن الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له و منيضلل فلا هادي له و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أن محمدا عبدهو رسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً... أما بعد: فلقد روى ابن حبان والحاكم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (قال موسى عليه السلام: يا رب علمني شيئا أذكرك وأدعوك به. قال: قل يا موسى لا إله إلا الله. قال: يا رب كل عبادك يقولون هذا. قال: يا موسى لو أن السماوات السبع وعامرهن غيري والأرضين السبع في كفة، ولا إله إلا الله في كفة، مالت بهن لا إله إلا الله) فيه دليل على ثقل كلمة لا إله إلا الله وعظمها عند الله تبارك وتعالى وأنه لو جمعت السماوات السبع والأرضين السبع في كفة ولا إله الله في كفة لمالت بهن لا إله الله إلا الله والحديث ضعيف الإسناد ولكن معناه صحيح ويعضد هذا المعنى ما رواه عبد الله بن عمرو رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن نوحا قال لابنه عند موته آمرك بلا إله إلا الله فان السموات السبع والأرضين السبع لو وضعت في كفة ووضعت لا إله إلا الله في كفة رجحت بهم لا إله إلا الله ولو أن السموات السبع والأرضين السبع كن في حلقة مبهمة فصمتهن لا إله إلا الله) رواه أحمد وصححه الألباني وكذلك حديث البطاقة فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله سيخلص رجلا من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة فينشر عليه تسعة وتسعين سجلا كل سجل مثل مد البصر ثم يقول أتنكر من هذا شيئا ؟ أظلمك كتبتي الحافظون ؟ فيقول لا يارب فيقول أفلك عذر ؟ قال لا يارب فيقول بلى . إن لك عندنا حسنة وإنه لا ظلم عليك اليوم فتخرج بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله فيقول احضر وزنك . فيقول يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات ؟ فيقول إنك لا تظلم قال فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة فلا يثقل مع اسم الله شيء) رواه الترمذي وابن ماجة وصححه الألباني قال ابن القيم يرحمه الله: (تأمل حديث البطاقة التي وضعت في كفة، ويقابلها تسعة وتسعون سجلاً، كل سجل منها مد البصر، فتثقل البطاقة، وتطيش السجلات، فلا يعذب. ومعلوم أن كل موحد له هذه البطاقة، وكثير منهم يدخل النار بذنوبه). انتهى كلامه رحمه الله.
قلت وكثير منهم يدخل النار بذنوبه ولكن لا يخلد فما اعظم حسنة التوحيد وما أعظم أثرها على العبيد وليت شعري أين من يعرف معنى هذه الكلمة من المتأخرين من هذه الأمة والذين نطقوا بها ولم يعملوا بمقتضاها.
أين هم من لا إله إلا الله كلمة حق تنفي جميع ما يعبد من دون الله فلو عرفوا حقيقتها ما عبدوا غير الله.
أين هم من لا إله إلا الله من يدافعون وينافحون عن الذين ألحقوا بالله المسبة ويدخلونهم في دائرة لا إله إلا الله بإسم الإسلام وجهلوا بل وتجاهلوا البراءة ممن أشرك بالله ولو كان أقرب قريب تجاهلو الحب في الله والبغض في الله بسم القاعدة الباطلة (نتفق فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضاً فيما أختلفنا عليه) نسأل الله السلامة والعافية.
مما يؤكد على عظم شأن حق الله على العبيد وهو التوحيد وعظيم جزاءه ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قال الله :(يا بن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي يا بن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي يا بن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة) رواه الترمذي وصححه الألباني قال ابن رجب يرحمه الله: (فمن جاء مع التوحيد بقراب الأرض وهو ملؤها أو ما يقارب ملأها خطايا لقيه الله بقرابها مغفرة لكن هذا مع مشيئة الله عز وجل فإن شاء غفر له وإن شاء أخذه بذنوبه ثم كان عاقبته أن لا يخلد في النار بل يخرج منها ثم يدخل الجنة قال بعضهم الموحد لا يلقي في النار كما يلقي الكفار ولا يبقي فيها كما يبقي الكفار فإن كمل توحيد العبد وإخلاصه لله فيه وقام بشروطه كلها بقلبه ولسانه وجوارحه أو بقلبه ولسانه عند الموت أوجب ذلك مغفرة ما سلف من الذنوب كلها ومنعه من دخول النار بالكلية فمن تحقق بكلمة التوحيد قلبه أخرجت منه كل ما سوي الله محبة وتعظيما وإجلالا ومهابة وخشية ورجاء وتوكلا وحينئذ تحرق ذنوبه وخطاياه كلها ولو كانت مثل زبد البحر وربما قلبتها حسنات). انتهى كلامه رحمه الله...
سبحان الله... ما أعظم كلام ابن رجب يرحمه الله فهل بعد هذه الرحمه من الله عز وجل يعبد غير الله ويذبح لغير الله وينذر لغير الله إن هذا لشيء عجاب وصدق الله (وما قدروا الله حق قدره).
هذا ما تيسر لنا في هذه الوقفة نسأل الله أن ينفع بها....