والكلمة الثالثة لعن الله من آوى محدثا، والمحدث هو الذي أحدث بالإسلام حدثا يستوجب اقامة الحد عليه كالمرتد الذي يجب قتله بالردة أو أنه وجب عليه حد زنا أو حد قصاص أو حد سرقة أو حد قطاع طريق، فيجب اقامة الحد على أصحاب هذه الجرائم ولا يجوز لأحد كائن من كان أن يعترض اقامة الحد ويمنع إقامة الحد على المجرم أو يعترض على ذلك بالقول أو بالتنديد أو بالكلام في الانترنت أو غيره مما يفعله أهل النفاق ويفعله أهل الشكوك والأوهام الذين لم يستقر الإيمان في قلوبهم بل يجب الفرح بإقامة الحدود لأنها تطهير للأرض قال صلى الله عليه وسلم: "لحد يقام بالأرض خير لها من أن تمطر أربعين صباحا"، فالحدود رحمة من الله، فالله جل وعلا قال: (وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ)، فلا تجوز الرحمة بهم بل يجب الفرح بإقامة الحدود لأنها من مصلحة المجتمع وحماية الدين وحماية الأمن وحماية الأموال وحماية الأنفس ففيها مقومات الأمن فيها تأمين الطرق والمسافرين استتباب الأمن في البلاد حضرا وسفرا فكيف يتلاوم بعض الناس على إقامة الحدود ويستعظمونها وقد يقولون هذا ينافي الحرية هذا ينافي الديموقراطية هذا يشوه الإسلام أو ما أشبه ذلك من الكلمات التي يصعب التلفظ بها فعلى المسلم أن يقتنع بشرع الله ولا يعترض عليه ولا يترحم ولا يشفق على من وجبت عليه الحدود أن تقام عليه هذه ليست شفقة هذه إعانة للظلمة ورضا بما يصنعون فليست شفقة هذه ولا رحمة فالواجب يتنبه لذلك كانت امرأة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم من بني مخزوم تستعير المتاع وتجحده فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها فشق ذلك على قومها وأرادوا أن يكلموا الرسول صلى الله عليه وسلم أن يعفوا عنها لكنهم هابوا الرسول صلى الله عليه وسلم ذهبوا إلى صاحب الرسول وحبه وابن حبه أسامة بن زيد رضي الله عنه فعرضوا عليه أن يشفع لها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ليترك إقامة الحد عليها فذهب أسامة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمه في ذلك فغضب الرسول صلى الله عليه وسلم على أسامة فقال: "أتشفع في حد من حدود الله؟! إنما أهلك من كان قبلكم أنه إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها"، هذا قوله صلى الله عليه وسلم جاء ناس من الأعراب إلى المدينة يريدون أن يتعلموا من الرسول صلى الله عليه وسلم أقاموا عنده فأصابتهم الحمى فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يلحقوا بإبل الصدقة فيشربوا من أبوالها وألبانها لأن في ذلك علاج للحمى وشربوا من ألبانها وأبوالها وشفاهم الله ثم طمعوا في الإبل فقتلوا الراعي ومثلوا به وسملوا عينيه وتركوه حي يأن ويصرخ حتى مات وأخذوا الإبل، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم في طلبهم فجيء بهم بعد ارتفاع النهار فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بهم فقطعت أيديهم وأرجلهم وسملت أعينهم وتركوا في الحرة يصيحون ويستغيثون ويطلبون الماء ولا يسقون حتى ماتوا وأنزل الله جل وعلا: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنْ الأَرْضِ)، هذا جزاءهم الرادع الذي يردعهم ويردع غيرهم ويتوفر به الأمن وتأمن به السبل فلم يعطف عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أنه بالمؤمنين رؤوف رحيم لم يرأف بهم ولم يرحمهم ويترك الحد حدا من حدود الله من أجل رحمته بهم بل أقام الحد عليهم ولم يسقهم حتى ماتوا كما فعلوا بالراعي (جَزَاءً وِفَاقاً)، هذا هو العدل في الإسلام.
مقتطف من خطبة إقامة حدود الله لمعالي الشيح صالح بن فوزان الفوزان
مقتطف من خطبة إقامة حدود الله لمعالي الشيح صالح بن فوزان الفوزان