ذكر ابن بطة رحمه الله من المناهي قوله"وأن يحذف الرجل بالحجر" الصواب يخذف فهو بالخاء الخذف، والخذف هو الرمي بالحصى الصغار هكذا يجعله بين الأصابع ويضرب به هكذا فالنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الخذف وهو الذي جاء في الحديث عبد الله بن مغفل رضي الله تعالى عنه قال "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخذف وقال إنه لا يقتل الصيد ولا ينكأ العدو" لو ضربت به صيدًا قتله ولو رميت به عدوًا ما أثر فيه فهو لا ينكأ العدو كما أنه لا يقتل الصيد, قال وإنه يفقأ العين, ويكسر السن, فربما صادف عين إنسان فقلعها فقأها, وربما صادف إنسانًا يتكلم أو يضحك أو يتبسم فضرب سنه فكسرها بالحصاة هذه، فهو من عمل الشيطان عياذًا بالله من ذلك فالنبي صلّى الله عليه وسلم نهي عن الخذف وقد نهى عبدالله بن مغفل رجلًا عن ذلك ورأه يخذف بعد فقال "أحدثك عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم أنه نهى عن الخذف وتعود تخذف! لا أكلمك أبدا" يعني ما رفع رأسه بقول رسول الله صلّى الله عليه وسلم ولا قبله ولا التزمه ولا تأدب معه فهجره عبد الله بن مغفل رضي الله تعالى عنه وفي هذا دلالة على مشروعية الهجر لمن بلغته سنة رسول الله صلّى الله عليه وسلم الصحيحة ولم يعمل بها.
فالشاهد: نهى النبي صلّى الله عليه وسلم عن الخذف "وهو أن يحدف الرجل الرجل بحجر" على هذا النحو, ويرمي بالمدر والمدر "هو الطين اليابس"؛ ولهذا يقال لأصحاب القرى أصحاب المدر، وأصحاب البوادي أصحاب الشعر؛ لأن أولئك بيوتهم الخيام يشدون ويرحلون ينزلون ويظعنون فبيوتهم الخيام من الشعر وأهل القرى بيوتهم الوبر، ولذلك أهل المدر أهل استقرار، وأهل الشعر أهل رحيل، أهل المدر أهل زرع وحرث, وأهل المدر أهل رعي وانتقال.
فالنبي صلّى الله عليه وسلم نهى عن هذا وعطف عليه المصنف الرمي بالمدر يعني الرمي بالطين اليابس في الأمصار يعني في القرى وفي المدن، والخذف عام في الأمصار وفي البوادي لأن الحصى متوفر في الجميع، ولذلك كانت الأنصار أشعر ناسٍ في أهل المدر أهل القرى، وأشعر أهل الوبر بنو تميم، فبنُو تميم كانُوا أهل ارتحال في بادية نجد، والأنصار كانُوا بالمدينة أهل استقرار فكان أشعر حيين في العرب في أهل المدر الأنصار الأوس والخزرج، وفي أهل الوبر بنُو تميم، فيقابل المدر الوبر.
مستفاد من: شرح الإبانة الصغرى - الدرس 08 | للشيخ: محمد بن هادي المدخلي