كلمة الشيخ العلامة الوالد بقية السلف صالح الفوزان-حفظه الله- في جامع خادم الحرمين جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بحضور مدير الجامعة الشيخ الأستاذ الدكتور سليمان بن عبد الله أبا الخيل-حفظه الله- وأعضاء هيئة التدريس في الجامعة والطلاب والموظفين
بعد صلاة الظهر الأربعاء17-ربيع الآخر -1434هـ
الملفان: الصوتي وpdf في المرفقات
بعد صلاة الظهر الأربعاء17-ربيع الآخر -1434هـ
الملفان: الصوتي وpdf في المرفقات
التفريغ
الحمد لله ربِّ العالمين، والصّلاة والسّلام على نبيِّنا محمّد الصّادق الأمين، وعلى آله وأصحابه والتّابعين، ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدِّين، أمّا بعد:فإنّها نعمة عظيمة هذه الفرصة الّتي أتاحها اللهُ سُبحانه وتعالى، ثُمَّ معالي مُدير الجامعة الدُّكتور سليمان أبا الخيل، وهذه الفرصة في جامعة عريقة وفي بيت من بيوت الله، وفي ساعة من ساعات الصّلوات الخمس صلاة الظُهر، فهي مُباركة -إن شاء الله- من كلِّ جانب.
أيُّها الإخوة تعلمون جميعا أنّ هذه الجامعة هي العين الباصرة لهذه البلاد ولمن شاء الله من المسلمين في كلِّ مكان؛ لأنّها قامت على أساس صحيح، وتوجيه سليم، ونيّة خالصة -إن شاء الله- من إمامنا وملكنا الملك عبد العزيز رحمه الله، وبإشراف سماحة الشّيخ محمّد بن إبراهيم الإمام الجليل، فقد أُسِّستْ هذه الجامعة في وقتهما، واستمرّت في حياة الشّيخ الإمام محمّد بن إبراهيم، وأنتجت في حياته، وقرّت عينه بإنتاجها من العلماء، وكان رحمه الله يقوم عليها قيامًا تامًّا ويُشرف عليها، إنّها -إن شاء الله- في ميزان حسنات من أسّسها ومن أشرف عليها. وسُلِّمت الآن لكم ووصلت إلى أيديكم؛ فهو شرف عظيم لكم جميعًا.
إنّ هذه الجامعة تقوم على منسوبيها من الهيئة الإداريّة وعلى رأسها معالي الشّيخ الدُّكتور سليمان ووكلائه، ثُمّ على أُسرة التّدريس، ثُمّ على الطُّلاّب.
إنّها أُسّست لتحتفظ بعلوم الشّريعة، وبعلوم اللُّغة العربيّة الّتي هي لُغة الشّريعة، اُسّست لأجل هذا، وأنتجت رجالاً وأجيالاً ذوي كفاءة فائقة، قاموا بالمسئوليّة الّتي أُنيطت بهم، كلٌّ يشهد لهم بذلك من قُضاة ومُفتين ودُعاة وخُطباء جوامع ومُدرِّسين؛ كلُّهم من إنتاج هذه المؤسّسة المباركة، ونرجو اللهَ أنْ يستمرّ هذا العطاء على أيديكم؛ لأنّها وصلت إليكم -إلى أيد أمينة إنْ شاء الله-، وستُواصل إنتاجها للمسلمين: للإسلام والمسلمين -بإذن الله-.
إنّ أيَّ جامعة إنّما تبقى وتَشْرف بإنتاجها وبالقائمين عليها وبطُلاّبها. فالجامعات التّقنيّة تُنتج للمسلمين ما يحتاجون إليه من تقنيات، أمّا هذه الجامعة فإنّها تُنتج أشرف من ذلك ألا وهو الاحتفاظ بهذه الشّريعة: شريعة مُحمّدٍ صلّى الله عليه وسلّم، وتقوم على فقه الكتاب والسُّنّة وفقه السّلف الصّالح، إنّها تقوم على العقيدة السّليمة الصّحيحة، وتقوم على الفقه في دين الله، تقوم على حفظ السُّنة المُطهّرة، وتقوم على الاحتفاظ باللُّغة العربيّة الّتي هي لغة القرآن الكريم؛ وهذا أعظم فخر لها، أنّها تقوم على دين الله، وعلى علوم الشّريعة ولُغتها؛ هذا أعظم شرف. ولا ننقص من قَدْرِ المؤسّسات الأخرى الّتي تُنتج التّقنيات لما يحتاجه المسلمون؛ فهي مُهمّة أيضا، وهي من الضّروريات للجتمع، ولكن هذه الجامعة وهذه المؤسّسة هي تاج هذه الدّولة، تاج هذه البلاد، منارة الإسلام؛ هذا يستدعي مِنّا جميعًا تضافر الجهود على المحافظة عليها، والقيام بحقِّها حتى تستمرّ بعطائها وإنتاجها للمسلمين -إنْ شاء الله تعالى-، ولكن لا يكون هذا عفوًا، لا بدّ من جهود من القائمين عليها ومن الطُّلاّب. الإنسان إذا انتمى إلى أيِّ تخصّصٍ فلا بدّ أنْ يُحقّقه على الوجه المطلوب، وإلاّ إذا فشل -لا سمح الله-؛ فإنّ هذا يعود أثره على الجامعة؛ فيُقال هذا إنتاجها، وهذه نتيجتها -لا قدّر اللهُ ذلك-. الآن وقبل الآن وقبل قبل الآن وإنتاج هذه الجامعة ممتاز -ولله الحمد-، مشهودٌ له بالنّوعيّة الجيِّدة، والواجب علينا جميعًا أنْ يستمرّ هذه الإنتاج العظيم حتى تستمرّ هذه المؤسّسة -بإذن الله- في نفع الأجيال، هي قلعة الإسلام؛ لأنّ هذه البلاد بلاد الحرمين الشّريفين، تأوي إليها أفئدة النّاس من أقطار الأرض، فلا بدّ أنّ المسلمين يجدون فيها ما تقرُّ به أعينهم نحو دينهم وشريعتهم ولُغتهم. فأنتم -والحمد لله- في القِمّة إذا حقّقتم ما انتسبتم إليه وانتظمتم في سلكه، تكونون في القِمّة.
والله جلّ وعلا مدح العلماء وأثنى عليهم: العلماء في كتابه وسُنّة رسوله وفقه شريعته، الله أثنى عليهم فقال سُبحانه:﴿قل هل يستوي الّذين يعلمون والّذين لا يعلمون إنّما يتذكّر أولو الألباب﴾[الزمر: 9].
وكلٌّ مسئول عن هذه الجامعة في حدود ما يقدر عليه من أعلى مسئول فيها إلى آخر مسئول، كُلُّنا نتضافر ونتعاون ونتشاور ونُخلص النيّة لله عزّ وجلّ في ذلك؛ لأنّ هذا من الجهاد في سبيل الله. تعلمون حالة المسلمين اليوم، تعلمون الكفار للمسلمين، ولن يقف في وجوههم إلاّ مَن يحمل هذه الشّريعة، ولا يحملها إلاّ إذا تحمّلها بالتعلّم والتفقّه والصّبر والثّبات والتّبصّر في دين الله عزّ وجلّ، مَن يُدافع عن الإسلام والمسلمين؟ مَن يُدافع عن بلاد الحرمين الشّريفين إلاّ أبناء مثل هذه الجامعة المُباركة؟ وكذلك الجامعات الإسلاميّة في المملكة وفي خارجها، كلُّهم لهم جهود، ولكن هذه الجامعة هي في القِمّة لمكانها ومركزها، ولما تحمله من شرف العلوم الشّرعيّة والعلوم اللُّغويّة الّتي العالم الإسلاميّ قاطبة بحاجة إليها. النّاس يحتاجون إلى ما يحفظ عليهم دينهم، ويحفظ عليهم أمنهم واستقرارهم، وما يحفظ عليهم ثرواتهم، وما يحفظ عليهم بلادهم؛ وهذا إنّما يقوم -بإذن الله- على العلم الشّرعيّ، والعلم التّقني أيضا إلى جانب، أمّا الرّعاع والهمجيّة والجهّال فهؤلاء يذهبون عند أوّل عاصف وعند أوّل مُؤثِّر، أمّا أهل العلم فهم الّذين يثبتون، أهل العلم النّافع هم الّذين يثبتون في كلِّ وقت، لا تنسوا موقف الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، لمّا جاءت الفتنة وتبنّتها الدّولة في وقته بسبب تأثير أهل الشّرّ، لكنّه صبر وثبت ثبات الجبال، وعُذِّب في الله ، سُحب في الأسواق وضُرب وسُجن، ولكنّه لم يلن منه أيّ جانب حتى جاء الله بالفرج.
ما الّذي ثبّته على هذا؟ هو الله جلّ وعلا، ثُمّ ما عنده من العلم الشّرعيّ: علم الحديث، علم السُّنّة، ما كان عليه سلف الأُمّة هو الّذي ثبّته اللهُ به، وهو ما حصل على هذا العلم بالنّوم ولا بالكسل ولا بالتّمنيّ، ما حصل على هذا العلم إلاّ بالتّعب والكدِّ والسّهر والرِّحلات والمشاقّ، وكذلك زُملاؤه من علماء الأُمّة ومَن قبله كلُّهم على هذا الطّريق؛ فهذا هو طريقكم يا إخوان هو الطريق، والله إنْ حِدتُم عنه أو خرجتُم عنه فلن تقوم لكم قائمة، أبدًا.وهذا الطريق يحتاج إلى استعداد، يحتاج إلى صبر، يحتاج إلى ثبات، يحتاج إلى فقه في دين الله، ما تكفي الغيرة والحماس على جهل، لا بدّ مِن الغيرة ولكن على علم وعلى بصيرة، وعلى نورٍ من الله سُبحانه وتعالى.
صحابة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومَن جاء بعدهم ما فتحوا البلاد وقادوا العباد إلاّ بهذا العلم النّافع، الّذي بلّغوه في مشارق الأرض ومغاربها وحملوه وجاهدوا في سبيله حتى سادوا العالم، وصاروا أساتذة الدُّنيا، وأنتم على أثرهم -إنْ صدقتم اللهَ عزّ وجلّ-، فأنتم على أثرهم.
فَنُوصي الهيئة الإداريّة وعلى رأسها معالي المُدير وهم يعرفون هذا وهم قائمون به -ولله الحمد-، لكن من باب التّأكيد أنْ يعرفوا قيمة هذه الجامعة وما أُنشئت من أجله، ويعرفوا إنتاجها الّذي تفتخر به الأُمّة، ونُوصي هيئة التّدريس فهم الأداة العاملة لهذا الجامعة أنْ يُخلصوا النِّية والعمل وأنْ يقوموا بالواجب وهم كذلك -إنْ شاء الله-، لكن هذا من باب التأكيد والتّواصي بالحقّ، أنْ يعوا مسئوليّتهم، أنْ يُفقِّهوا الطُّلاّب في دينِهم ولُغتِهم وعقيدتِهم ومنهجِهم السّليم حتى تبقى سِيادتهم وعِزّتهم، وإلاّ فإنّ اللهَ يستبدلهم بغيرهم ﴿وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم﴾[محمّد: 38]، فالخوف ليس على الإسلام، الإسلام محفوظ بحفظ الله جلّ وعلا، ولكن الخوف علينا نحن أنْ يُفلت من أيدينا هذا الإسلام؛ فنهلك ونضيع، ويأتي اللهُ جلّ وعلا بقومٍ آخرين يُحبُّهم ويُحبُّونه أذّلة على المؤمنين أعِزّة على الكافرين ﴿ياأيّها الّذين آمنوا من يرتدد منكم عن دينِه فسوف يأتي الله بقومٍ يحبّهم ويحبّونه أذلّة على المؤمنين أَعِزَّة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله واسع عليم﴾[المائدة: 56].
ومهما كثُرتْ الفتنّ والشُّرور ومهما تكالب الأعداء في الشّرق والغرب فإنّ هذا الدِّين باقي إلى أنْ يتِّم الأجلّ الّذي قدّره الله سُبحانه وتعالى، ويكون له حملة يبقون كما قال صلّى الله عليه وسلّم: «لا تزال طائفة من أمّتي على الحقّ ظاهرين لا يضرّهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى»[مسلم (1920)]. فالدِّين محفوظ، وإذا تركه قوم جاء اللهُ بدلهم بقومٍ آخرين، فالخوف ليس على الدِّين فالخوف علينا نحن، إذا ضيّعنا هذا الدِّين؛ ضِعنا وهلكنا.
والله جلّ وعلا ليس بينه وبين أحذٍ من خلقه نسب، إنّما بينه وبين خلقه هذا الدِّين، مَن قام به أعزّه اللهُ ونصره كما أعزّ مَن كان قبلهم مِن سلف الأُمّة، ومَن تخاذل عنه فإنّما جنى على نفسه هو، واللهُ جلّ وعلا يأتي بمَن يُغني عنه مِن عباده سُبحانه وتعالى.
فلنُحافظ على هذا الدِّين، ولن نُحافظ عليه إلاّ إذا حافظنا على فقه القرآن وفقه السُّنّة ومنهج السّلف الصّالح كما هو مُتَمَثِّلٌ في مُقرّراتكم، الكتب الّتي أُخْتيرَتْ لكم مِن تأسيس هذه الجامعة إلى الآن، هذه هي كتب العلم النّافع: في اللُّغة العربيّة، وفي الشّريعة الإسلاميّة، فتمسّكوا بها وافهموها.
وأوصي أُسرة التّدريس -وفّقهم الله- أنْ يجتهدوا في إيصال هذا العلم إلى الطُّلاّب، وأوصي الطُّلاّب أنْ يحرصوا على تلقّي هذا العلم، وأوصي الجميع بتقوى اللهَ سُبحانه وتعالى، أوصي الجميع بتقوى الله ﴿واتّقوا اللهَ ويُعلِّمُكم اللهُ والله بكلِّ شيئٍ عليم﴾[البقرة: 282]، ولا أحبُّ أنْ أطيل عليكم، فربّما تكونون على موعد مع دُروسكم أو مع مُحاضراتكم، وما قلّ وما دلّ خيرٌ ممّا طال وأملّ. وصلّى الله وسلّم على نبيّنا مُحمّد وعلى آله وأصحابه أجمعين.