بيننا وبينكم مذهب مالك
بقلم : الشَّيخ إبراهيم بويران –حفظه الله
بسم الله الرحمن الرحيم
[المقال نُشر في جريدة الشروق ليوم الإثنين 11 فيفري الموافق لــ 30 ربيع الأول 1434هــ / العدد (3923)]
بقلم : الشَّيخ إبراهيم بويران –حفظه الله
بسم الله الرحمن الرحيم
[المقال نُشر في جريدة الشروق ليوم الإثنين 11 فيفري الموافق لــ 30 ربيع الأول 1434هــ / العدد (3923)]
عنونت بهذا العنوان عملاً بقول علي رضي الله عنه : "خاطبوا الناس على قدر عقولهم" ، فإننا كثيرًا ما نسمع من القائمين على شؤون الدينية في بلادنا الجزائر ، التأكيد على وجوب التمسك بالمرجعية الدينية للبلاد والتي تتمثل في مذهب الإمام مالك رحمه الله ! وكثيرًا ما نسمع منهم أيضًا اتهامهم للسلفيين بعدم احترام المرجعية الدينية ممثلة في مذهب مالك ، مع أننا نرى بأن هؤلاء المتهمين ليسوا بأولى بمذهب مالك من السلفيين ، بل إن السلفيين هم أحق به وأهله
ولأبيِّن صدق دعواي ، فإني سأسرد بعض أقوال الإمام مالك المشهورة والثابتة عنه ، بمراجعها حتى يتبين لكم الذين صدقوا وتعرفوا المدَّعين
أولاً : عن ابن وهب قال : سمعت مالك بن أنس يقول : "الزم ما قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في حجة الوادع : "أمران تركتهما فيكم لن تضلوا ما تمسكتم بهما : كتاب الله وسنة نبيه صلَّى الله عليه وسلَّم" رواه عنه السيوطي في مفتاح الجنة (ص:24) ، والفلاني في إيقاظ همم أولي الأبصار (ص:99) ، نقلا عن عقيدة مالك (ص:29) .
فبالله عليكم أي الناس ألزم وأشد التزاما وتمسكا بهذه الوصية الذهبية من مالك وعملا بموجبها ؟
المنادون باحترام المرجعية زعموا أم السلفيون ؟
أليس من أصل أصول المنهج السلفي هذه الوصية العظيمة من مالك وهي التمسك بالكتاب والسنة وتقديمهما على آراء الرجال ؟ فلماذا لا يُلزم المنادون باحترام المرجعية بتطبيق هذه الوصية الذهبية المالكية ؟! ولماذا نجدهم يُلزمون الناس بأشياء ما أنزل الله بها من سلطان ، ولا فعلها مالك ولا خطرت بباله ، مثل ما يسمى بالحزب الراتب ، و .. أين احترام المرجعية التي يدعون ويزعمون !
ثانيًا : سأل رجل الإمام مالك ، فقال : من أهل السنة يا أبا عبد الله ؟ قال : "الذين ليس لهم لقب يعرفون به ، لا جهمي ، ولا رافضي ، ولا قدري" رواه عنه ابن عبد البر في الانتقاء (ص:35) والقاضي في ترجمة مالك (2/41) نقلا عن عقيدة مالك (ص:30) ، فبالله عليكم هل رأيتم السلفيين ينسبون لغير السنة ؟ أليس من أعظم شعاراتهم التمسك بالسنة والعض عليها بالنواجذ كما جاء في الحديث ، وكما يدل عليه واقعهم ؟ أليس من أشهر ألقابهم أنهم أهل السنة والجماعة ؟ فأين المنادون باحترام المرجعية من هذا الشعار؟ لماذا لم يرفعوه ويلتزموه كما هو حال السلفيين ؟ فإننا نجدهم بين متردية ونطيحة وما أكل السبع ، إلا من رحم ربك إن وجدوا ، وقليل ما هم ، فمن غارق في أوحال خرافات الصوفية ، ومن أشعري معطل لصفات كمال ربه ، ومن ، ومن .... فأين التمسك بالمرجعية إن كنتم صادقين ؟ ألم يقل الإمام مالك رحمه الله : "السنة سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق؟!"
ثالثًا: قال الإمام مالك رحمه الله : "من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمدًا خان الرسالة ، اقرؤوا قوله تعالى : ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ فما لم يكن يومئذ دينًا فلن يكون اليوم دينا ، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها" [الاعتصام (1/111)] ، فبالله عليكم من أتى بما لم يكن يومئذ – أي في زمن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم – دينا آالسلفيون ، أم المنادون باحترام المرجعية ؟
والجواب : أنه قد سبق في قول مالك الأول أن من أصول المنهج السلفي وصية مالك العظيمة التي هي التمسك بالكتاب والسنة وتقديمهما على آراء الرجال ، والعض عليها بالنواجذ ، وإذا كان الأمر كذلك ، فإنه يستحيل أن يأتي السلفيون بما لم يكن يومئذ دينا فيتدينون به ، أو يدعون الناس إليه ، لأن دين الإسلام الحق إنما هو كتاب الله ، وسنة رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم ، وفيما كان عليه سلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين ، وقد جمع الإمام مالك هذه الأصول الثلاثة – أعني التمسك بالكتاب والسنة على ما كان عليه السلف الصالح - ، في قوله السابق "فما لم يكن يومئذٍ دينًا فلن يكون اليوم دينا ، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها" ، ولاشك أننا من آخر هذه الأمة ، كما لاشك أيضا أن أول هذه الأمة هم السلف الصالح أصحاب القرون الثلاثة المفضلة ، وقول الإمام مالك واضح كالشمس في أن صلاح آخر هذه الأمة باتباعها واقتفائها لآثار أول هذه الأمة وقد عرفت من هم ؟
ومن الوصايا الذهبية للإمام مالك بوجوب اتباع الكتاب والسنة على فهم سلف ، والتي لا ندري ما محلها من الإعراب إن كان لها محل عند المنادين والملزمين باحترام المرجعية قوله: "التسليم للسنن ، لا تعارض برأي ، ولا تدافع بقياس ، وما تأوله منها السلف الصالح تأولناه ، وما عملوا به عملنا به ، وما تركوه تركناه ، ويسعنا أن نمسك عما أمسكوا ، ونتبعهم فيما بيَّنوا ، ونقتدي بهم فيما استنبطوا ورأوا في الحوادث ، ولانخرج عن جماعتهم فيما اختلفوا فيه أو في تأويله" فهذا مذهب مالك قائم على التسليم للكتاب والسنة وعدم معارضتهما ، وعلى اتباع السلف الصالح والاقتداء بهم ، وعدم الخروج على جماعتهم ، ومن هنا قام المنهج السلفي على هذه الأصول الثلاثة التي ينحصر فيها الإسلام بالمفهوم والمعنى الصحيح ، فأين مخالفتهم للمرجعية لو كنتم تعلمون ، بل تعقلون ؟!
فهلا ألزم المنادون أو الملزمون باحترام مرجعية الأمة بهذه الأصول الثلاثة التي حث الإمام مالك على التمسك بها بل وجعل صلاح الأمة في التمسك بها ؟! ولماذا استبدلوها بإلزامات لم تكن يومئذ دينا ، ولا عرفها أول هذه الأمة ، ولا خطرت على قلب الإمام مالك ، حتى جعلوها مقياسا يقيسون به المحترم للمرجعية لا يذهب ذهن الإنسان إلا لأشياء معدودة لطالما ضيقوا بل أقصوا من لم يلتزم بها وهي عصا الخطيب ، والحزب الراتب ، وقنوت الفجر ، والاحتفال بالمولد ، هذا هو ميزانهم الذي يزنون الناس به ، ويوالون ويعادون ويقربون ويبعدون من أجله ، فهل هذا هو مذهب مالك !!
رابعًا : قال معن بن عيسى : سمعت مالك بن أنس يقول : "إنما أنا بشر أخطئ وأصيب ، فانظروا في رأيي ، فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوه ، وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه" [رواه ابن عبد البر في جامع العلم (ص:72)] ، والفلاني في إيقاظ الهمم (ص:72) وغيرها
فبالله عليكم من الذي أخذ بهذه النصيحة والوصية المالكية أالسلفيون أم المنادون باحترام المرجعية ؟ نحن نرى المنادين باحترام المرجعية يُلزمون الناس بمذهب مالك جملة وتفصيلا ، ويعاملون آراءه وأقواله معاملة النصوص الشرعية التي لا تقبل الرد والخطأ ، ويا ويل من خالف المذهب في جزئية من الجزئيات ، فأين هم من قول مالك : "أنا بشر أخطئ وأصيب ، فانظروا في رأيي ، فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوه ، وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه" ، وأين هم من قول مالك : "كل يؤخذ من قوله ويرد إلا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم" [عقيدة الإمام مالك (ص:34)] ، أما السلفيون فمن أصول مذهبهم مقالة الإمام مالك : "كل يؤخذ من قوله ويرد" ، ولذلك يأخذون من المذاهب والأقوال ما وافق الكتاب والسنة ، ويتركون ما خالفها ، ويعتذرون للأئمة بمقالة مالك :"إنما أنا بشر أخطئ وأصيب" فلا معصوم إلا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ، وما سواه فليس كذلك ومن هنا كان معرَّضا للخطأ كبر أو صغر ، فإذًا لا نعامل أقواله معاملة النصوص الشرعية ، لأنها ليست وحيًا يوحي ، فما بال المنادين باحترام المرجعية ينكرون بل ويشددون النكير علينا بل ويتهموننا بعدم احترام المرجعية إذا تركنا قول الإمام مالك المخالف للدليل واتبعنا الدليل عملاً بقول مالك "إنما أنا بشر أخطئ وأصيب" ، "فانظروا في رأيي ، فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوه وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه" ، فهل من عمل بهذا كما فعل السلفيون كان موافقًا للإمام مالك (المرجعية) أو مخالفًا له إن كنتم تعقلون ؟!
ألم تسمعوا ما جرى بين الإمام مالك والخليفة المنصور حيث إن الخليفة طلب من مالك أن يجمع كتابا ، قال : لأجمع عليه الأمة ، فقال له مالك : "ما ينبغي لك يا أمير المؤمنين أن تحمل الناس على قول رجل واحد يخطئ ويصيب ، وإنما الحق من رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم" [الطبقات الكبرى لابن سعد (ص:440) متمم]
وقال الشَّيخ الزرقا في "المدخل الفقهي" (1/89) : "لقد هم أبو جعفر المنصور ثم الرشيد من بعده أن يختارا مذهب الإمام مالك وكتابه (الموطأ) قانونا قضائيا للدولة العباسية فنهاهما مالك عن ذلك وقال : "إن أصحاب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم اختلفوا في الفروع وتفرقوا في البلدان" ، فما بال الملزِمِين باتباع المرجعية لا يرفعون رأسًا بهذه الوصايا والنصائح المالكية الذهبية ؟! بل ويخالفونها ثم يدعون احترام المرجعية !! ويتهمون من أخذ بهذه الوصايا بعدم احترام المرجعية الدينية ؟! فأي الفريقين أحق بالمرجعية (الإمام مالك) إن كنتم تعلمون ؟! فالذي يخالف عقيدة الإمام مالك ، ويعتقد عقيدة الأشعري التي تاب منها ، والذي جاء بعد مالك بقرون ، هو الذي لا يحترم المرجعية ، بل لا يحق له أن يتكلم باسم المذهب المالكي أصلا حتى يلتزم به عقيدة وفقها ، أصولا وفروعا ، ولا يأخذ ماله ويترك ما عليه ، فيقع في قوله تعالى : ﴿أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ﴾
ولعلنا نكتفي بهذه الآثار المالكية وهي غيض من فيض ، وقطرة من بحر ، وفيها ما يبين وبكل وضوح بُعد كثير ممن يدعون احترام المرجعية ويُلزمون الناس باحترامها زعموا عن المذهب الصَحيح ، وعن أصول المذهب ، وعن وصايا إمام المذهب وحالهم في الحقيقة كحال كثير من المنتسبين إلى الإسلام ممن لا حظ لهم منه إلا الاسم ، وإن كانوا ربما نصروا وانتصروا لبعض الآراء الاجتهادية الفقهية للإمام مالك ، التي قد يخطئ فيها وقد يصيب كما سبق من كلامه ، لكن المرجعية أو مذهب مالك ليس محصورا فيها ، ولماذا لا نجدهم متحمسين في نشر عقيدة الإمام مالك وإلزام الأمة بها كما يلزمونها بآرائه الفقهية ، مع أنها هي الأصل والأساس ؟! فلا تكاد تجد من هو متمسك بعقيدة الإمام مالك ومنهجه مثل السلفيين كل ذلك مما يبيِّن بجلاء ووضوح أن السلفيين هم أحق الناس بمذهب الإمام مالك وأهله ، فهو منهم ومن أئمتهم وهم منه ، فهما شيء واحد ، وأما غيرهم لا سيما من يخالفه في عقيدته ، فليس لهم إلا الدعاوى ، وقد قيل :الدعاوى إذا لم تقم عليها بينات فأهلها أدعياء .
منقول
ولأبيِّن صدق دعواي ، فإني سأسرد بعض أقوال الإمام مالك المشهورة والثابتة عنه ، بمراجعها حتى يتبين لكم الذين صدقوا وتعرفوا المدَّعين
أولاً : عن ابن وهب قال : سمعت مالك بن أنس يقول : "الزم ما قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في حجة الوادع : "أمران تركتهما فيكم لن تضلوا ما تمسكتم بهما : كتاب الله وسنة نبيه صلَّى الله عليه وسلَّم" رواه عنه السيوطي في مفتاح الجنة (ص:24) ، والفلاني في إيقاظ همم أولي الأبصار (ص:99) ، نقلا عن عقيدة مالك (ص:29) .
فبالله عليكم أي الناس ألزم وأشد التزاما وتمسكا بهذه الوصية الذهبية من مالك وعملا بموجبها ؟
المنادون باحترام المرجعية زعموا أم السلفيون ؟
أليس من أصل أصول المنهج السلفي هذه الوصية العظيمة من مالك وهي التمسك بالكتاب والسنة وتقديمهما على آراء الرجال ؟ فلماذا لا يُلزم المنادون باحترام المرجعية بتطبيق هذه الوصية الذهبية المالكية ؟! ولماذا نجدهم يُلزمون الناس بأشياء ما أنزل الله بها من سلطان ، ولا فعلها مالك ولا خطرت بباله ، مثل ما يسمى بالحزب الراتب ، و .. أين احترام المرجعية التي يدعون ويزعمون !
ثانيًا : سأل رجل الإمام مالك ، فقال : من أهل السنة يا أبا عبد الله ؟ قال : "الذين ليس لهم لقب يعرفون به ، لا جهمي ، ولا رافضي ، ولا قدري" رواه عنه ابن عبد البر في الانتقاء (ص:35) والقاضي في ترجمة مالك (2/41) نقلا عن عقيدة مالك (ص:30) ، فبالله عليكم هل رأيتم السلفيين ينسبون لغير السنة ؟ أليس من أعظم شعاراتهم التمسك بالسنة والعض عليها بالنواجذ كما جاء في الحديث ، وكما يدل عليه واقعهم ؟ أليس من أشهر ألقابهم أنهم أهل السنة والجماعة ؟ فأين المنادون باحترام المرجعية من هذا الشعار؟ لماذا لم يرفعوه ويلتزموه كما هو حال السلفيين ؟ فإننا نجدهم بين متردية ونطيحة وما أكل السبع ، إلا من رحم ربك إن وجدوا ، وقليل ما هم ، فمن غارق في أوحال خرافات الصوفية ، ومن أشعري معطل لصفات كمال ربه ، ومن ، ومن .... فأين التمسك بالمرجعية إن كنتم صادقين ؟ ألم يقل الإمام مالك رحمه الله : "السنة سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق؟!"
ثالثًا: قال الإمام مالك رحمه الله : "من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمدًا خان الرسالة ، اقرؤوا قوله تعالى : ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ فما لم يكن يومئذ دينًا فلن يكون اليوم دينا ، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها" [الاعتصام (1/111)] ، فبالله عليكم من أتى بما لم يكن يومئذ – أي في زمن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم – دينا آالسلفيون ، أم المنادون باحترام المرجعية ؟
والجواب : أنه قد سبق في قول مالك الأول أن من أصول المنهج السلفي وصية مالك العظيمة التي هي التمسك بالكتاب والسنة وتقديمهما على آراء الرجال ، والعض عليها بالنواجذ ، وإذا كان الأمر كذلك ، فإنه يستحيل أن يأتي السلفيون بما لم يكن يومئذ دينا فيتدينون به ، أو يدعون الناس إليه ، لأن دين الإسلام الحق إنما هو كتاب الله ، وسنة رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم ، وفيما كان عليه سلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين ، وقد جمع الإمام مالك هذه الأصول الثلاثة – أعني التمسك بالكتاب والسنة على ما كان عليه السلف الصالح - ، في قوله السابق "فما لم يكن يومئذٍ دينًا فلن يكون اليوم دينا ، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها" ، ولاشك أننا من آخر هذه الأمة ، كما لاشك أيضا أن أول هذه الأمة هم السلف الصالح أصحاب القرون الثلاثة المفضلة ، وقول الإمام مالك واضح كالشمس في أن صلاح آخر هذه الأمة باتباعها واقتفائها لآثار أول هذه الأمة وقد عرفت من هم ؟
ومن الوصايا الذهبية للإمام مالك بوجوب اتباع الكتاب والسنة على فهم سلف ، والتي لا ندري ما محلها من الإعراب إن كان لها محل عند المنادين والملزمين باحترام المرجعية قوله: "التسليم للسنن ، لا تعارض برأي ، ولا تدافع بقياس ، وما تأوله منها السلف الصالح تأولناه ، وما عملوا به عملنا به ، وما تركوه تركناه ، ويسعنا أن نمسك عما أمسكوا ، ونتبعهم فيما بيَّنوا ، ونقتدي بهم فيما استنبطوا ورأوا في الحوادث ، ولانخرج عن جماعتهم فيما اختلفوا فيه أو في تأويله" فهذا مذهب مالك قائم على التسليم للكتاب والسنة وعدم معارضتهما ، وعلى اتباع السلف الصالح والاقتداء بهم ، وعدم الخروج على جماعتهم ، ومن هنا قام المنهج السلفي على هذه الأصول الثلاثة التي ينحصر فيها الإسلام بالمفهوم والمعنى الصحيح ، فأين مخالفتهم للمرجعية لو كنتم تعلمون ، بل تعقلون ؟!
فهلا ألزم المنادون أو الملزمون باحترام مرجعية الأمة بهذه الأصول الثلاثة التي حث الإمام مالك على التمسك بها بل وجعل صلاح الأمة في التمسك بها ؟! ولماذا استبدلوها بإلزامات لم تكن يومئذ دينا ، ولا عرفها أول هذه الأمة ، ولا خطرت على قلب الإمام مالك ، حتى جعلوها مقياسا يقيسون به المحترم للمرجعية لا يذهب ذهن الإنسان إلا لأشياء معدودة لطالما ضيقوا بل أقصوا من لم يلتزم بها وهي عصا الخطيب ، والحزب الراتب ، وقنوت الفجر ، والاحتفال بالمولد ، هذا هو ميزانهم الذي يزنون الناس به ، ويوالون ويعادون ويقربون ويبعدون من أجله ، فهل هذا هو مذهب مالك !!
رابعًا : قال معن بن عيسى : سمعت مالك بن أنس يقول : "إنما أنا بشر أخطئ وأصيب ، فانظروا في رأيي ، فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوه ، وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه" [رواه ابن عبد البر في جامع العلم (ص:72)] ، والفلاني في إيقاظ الهمم (ص:72) وغيرها
فبالله عليكم من الذي أخذ بهذه النصيحة والوصية المالكية أالسلفيون أم المنادون باحترام المرجعية ؟ نحن نرى المنادين باحترام المرجعية يُلزمون الناس بمذهب مالك جملة وتفصيلا ، ويعاملون آراءه وأقواله معاملة النصوص الشرعية التي لا تقبل الرد والخطأ ، ويا ويل من خالف المذهب في جزئية من الجزئيات ، فأين هم من قول مالك : "أنا بشر أخطئ وأصيب ، فانظروا في رأيي ، فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوه ، وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه" ، وأين هم من قول مالك : "كل يؤخذ من قوله ويرد إلا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم" [عقيدة الإمام مالك (ص:34)] ، أما السلفيون فمن أصول مذهبهم مقالة الإمام مالك : "كل يؤخذ من قوله ويرد" ، ولذلك يأخذون من المذاهب والأقوال ما وافق الكتاب والسنة ، ويتركون ما خالفها ، ويعتذرون للأئمة بمقالة مالك :"إنما أنا بشر أخطئ وأصيب" فلا معصوم إلا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ، وما سواه فليس كذلك ومن هنا كان معرَّضا للخطأ كبر أو صغر ، فإذًا لا نعامل أقواله معاملة النصوص الشرعية ، لأنها ليست وحيًا يوحي ، فما بال المنادين باحترام المرجعية ينكرون بل ويشددون النكير علينا بل ويتهموننا بعدم احترام المرجعية إذا تركنا قول الإمام مالك المخالف للدليل واتبعنا الدليل عملاً بقول مالك "إنما أنا بشر أخطئ وأصيب" ، "فانظروا في رأيي ، فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوه وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه" ، فهل من عمل بهذا كما فعل السلفيون كان موافقًا للإمام مالك (المرجعية) أو مخالفًا له إن كنتم تعقلون ؟!
ألم تسمعوا ما جرى بين الإمام مالك والخليفة المنصور حيث إن الخليفة طلب من مالك أن يجمع كتابا ، قال : لأجمع عليه الأمة ، فقال له مالك : "ما ينبغي لك يا أمير المؤمنين أن تحمل الناس على قول رجل واحد يخطئ ويصيب ، وإنما الحق من رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم" [الطبقات الكبرى لابن سعد (ص:440) متمم]
وقال الشَّيخ الزرقا في "المدخل الفقهي" (1/89) : "لقد هم أبو جعفر المنصور ثم الرشيد من بعده أن يختارا مذهب الإمام مالك وكتابه (الموطأ) قانونا قضائيا للدولة العباسية فنهاهما مالك عن ذلك وقال : "إن أصحاب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم اختلفوا في الفروع وتفرقوا في البلدان" ، فما بال الملزِمِين باتباع المرجعية لا يرفعون رأسًا بهذه الوصايا والنصائح المالكية الذهبية ؟! بل ويخالفونها ثم يدعون احترام المرجعية !! ويتهمون من أخذ بهذه الوصايا بعدم احترام المرجعية الدينية ؟! فأي الفريقين أحق بالمرجعية (الإمام مالك) إن كنتم تعلمون ؟! فالذي يخالف عقيدة الإمام مالك ، ويعتقد عقيدة الأشعري التي تاب منها ، والذي جاء بعد مالك بقرون ، هو الذي لا يحترم المرجعية ، بل لا يحق له أن يتكلم باسم المذهب المالكي أصلا حتى يلتزم به عقيدة وفقها ، أصولا وفروعا ، ولا يأخذ ماله ويترك ما عليه ، فيقع في قوله تعالى : ﴿أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ﴾
ولعلنا نكتفي بهذه الآثار المالكية وهي غيض من فيض ، وقطرة من بحر ، وفيها ما يبين وبكل وضوح بُعد كثير ممن يدعون احترام المرجعية ويُلزمون الناس باحترامها زعموا عن المذهب الصَحيح ، وعن أصول المذهب ، وعن وصايا إمام المذهب وحالهم في الحقيقة كحال كثير من المنتسبين إلى الإسلام ممن لا حظ لهم منه إلا الاسم ، وإن كانوا ربما نصروا وانتصروا لبعض الآراء الاجتهادية الفقهية للإمام مالك ، التي قد يخطئ فيها وقد يصيب كما سبق من كلامه ، لكن المرجعية أو مذهب مالك ليس محصورا فيها ، ولماذا لا نجدهم متحمسين في نشر عقيدة الإمام مالك وإلزام الأمة بها كما يلزمونها بآرائه الفقهية ، مع أنها هي الأصل والأساس ؟! فلا تكاد تجد من هو متمسك بعقيدة الإمام مالك ومنهجه مثل السلفيين كل ذلك مما يبيِّن بجلاء ووضوح أن السلفيين هم أحق الناس بمذهب الإمام مالك وأهله ، فهو منهم ومن أئمتهم وهم منه ، فهما شيء واحد ، وأما غيرهم لا سيما من يخالفه في عقيدته ، فليس لهم إلا الدعاوى ، وقد قيل :الدعاوى إذا لم تقم عليها بينات فأهلها أدعياء .
منقول