[تفريغ][كلمة علمية]
[نصَائحُ وتَوجِيهَات للسَّلفيِّين بالمَغرب]
لفضيلة الشيخ
عبدالله بن صلفيق الظفيري -حفظه الله-
الحمد لله ربِّ العالمين والصَّلاة والسَّلام على رسول الله وآله وأصحابه تسليماً كثيراً أمَّا بعدُ :
فقد طلب منِّي أخي الفاضل أبو زيد نبيل الدَّركاوي كلمة أوجِّهها ونصيحة إلى إخواننا في المغرب ؛ ونحن الآن مسافرون من محافظة حفر الباطن إلى عاصمة المملكة الرِّياض ، في يوم الإثنين الموافق 18 من شهر صفر لعام 1434 من هجرة المُصطفى صلَّى الله عليه وسلَّم .
فنسأل الله تعالى أن يوفقَّني وإيَّاه وإيَّاكم إلى العلم النافع والعمل الصَّالح ، وأن يجعلنا هداةً مهتدين وعلى نبراس نبيِّنا محمَّدٍ صلّى الله عليه وسلَّم وأعظم ما أوصي به نفسي وإيَّاكم إخوتي الأفاضل ما وصَّى الله به عباده المؤمنين حيثُ قال -سبحانه وتعالى-:﴿ وَلقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنْ اتَّقُواْ اللهَ ﴾[1] وكثيراً ما يوصي ربنا في كتابه بهذه الوصيَّة ﴿ يَآأيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ..﴾[2]﴿ يَآأيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ﴾[3]﴿ وَمَنْ يتقِّ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبْ ﴾[4]
﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً ﴾[5]﴿ يَآأيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنْ تَتَّقُواْ اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً﴾[6] وغيره من الآيات الكثيرة في كتاب الله ... فإنَّ صلاح الإنسان بتقوى الله -سبحانه وتعالى- والتَّقوى محلُّها القلب ، أن يتَّقي العبدُ ربَّه .
والقلبُ إذا صلح صلح سائرُ الجسد وإذا فسد فسد سائر الجسد ، كما قال النَّبي صلى الله عليه وسلم :« .. ألا وإن في الجسد مضغطة إذا صلحت صلح الجسدُ كلُّه وإذا فسدت فسد الجسد كلُّه ألا وهي : القلب »[7] .
والتَّقوى هي أساسُ سعادة العبد ، وهي زمَام كل خيرٍ.. فإذا اتَّقى العبدُ ربَّه و راقب ربَّه فإنّه يَسيرُ على مرْضاته ويتجنَّب مساخط الله -سبحانه وتعالى- ، ويحرصُ على أن يرضي ربَّه مولاه .
ثمَّ أُوصي نفسي وإيَّاكم بالعلم النَّافع ، الذي وصى الله -عزَّوجل- به والعمل بمقتضاه ليكون العبدُ على صراطِ الذين أنعم اللهُ عليهم من النَّبيين والصِّديقين والشُّهداء والصَّالحين وحسُن أولئك رفيقا.
فإنَّ العبادة على جهلٍ هي صفة النَّصارى ، والعلمُ بدون عملٍ صفةُ اليهود كما قال اللهُ -سبحانه وتعالى- :﴿..اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صَرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضّآلِّينْ ﴾[8].
قال المُفسِّرون كابن عباس وغيره :
﴿ المَغْضُوب عَلَيْهِمْ ﴾: اليهود .
ولهذا من كان عنده علمٌ ولم يعمل به ! ، كان فيه شبهٌ من اليهود .
و﴿ الضّآلِّينْ ﴾: همُ النَّصارى ، ولذلك من تعبَّد لله بالجهل كان فيه شبهٌ بالنصارى .
ولعظم شأن العِلم فإن الله تعالى وصَّى نبيَّه صلى الله عليه وسلَّم به ، فقال تعالى آمراً نبيه أن يسأل ربَّه الإستزادة من العلْم قال تعالى :﴿ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً ﴾[9] فلو كان شيءٌ أفضل من العلم لَوصَّى الله نبيَّه به ، ولكن لمَّا رأينا أنَّ الله أوصى نبيَّه بهذا الأمر علِمنا بِأنَّ أعظم شيء في هذه الحياة ينالها العبدُ ويتحصَّلها هو: العلم .
والعلم هو معرفةُ أحكام الشَّرع من كتاب الله -عزَّوجل- وسُنَّة نبيِّه ؛ وأعظم ذلك أمرُ الإعتقادِ والتَّوحيد الذي هو حقُّ الله على العباد ، ويعلم كيف يعبُد الله -عزَّوجل- ، لأنَّ به يتحقَّقُ العمل الصَّالح .. ويعرِف العبدُ كيف يتقرَّب العبد إلى ربه ومولاه ؛ بالعمل الصَّالح المُوافق لهدي النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم .
فإنَّ العمل إذا لم يوافق السنة (فإنه) مردود ، كما قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلَّم :« من عمِل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردٌّ »[10] والعلم يوجِّه العبد للإخلاص لأنَّ العلم يأمر بتحقيق الإخلاص لله ، كما جاء عن النَّبي صلى الله عليه وسلم ، حيث قال :« إنَّما الأعمال بالنِّيات ، وإنما لكلِّ امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يُصيبها أو امرأةٍ ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه »[11].
والعملُ لا يُقبل إلاَّ إذا كان خالصاً صَواباً ، خالصاً: لله -عزَّوجل- لارياء ولاسُمعةَ فيه .
وصواباً : على هدي النبِي صلَّى الله عليه وسلَّم ، وهذا ما وجَّه الله إليه في كثيرٍ من القرآن مثل قوله سبحانه وتعالى :﴿ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾[12] قال المفسِّرون كابن كثيرٍ وغيره :
﴿ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾ : أخلصه وأصوبه .اهـ
بأن يكون خالصاً لله عزَّوجل وحده لا شريك له ، صواباً على شريعة النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم ، ثم بعد ذلك التَّمسُّك بالسُّنة وهو على هدي النَّبي وما كان عليه الخلفاء الرَّاشدون ، لأنَّ التَّمسُّك بالسُّنة هو العاصم و النَّاجي من الفتن كما قال النَّبي صلَّى الله عليه وسلم عندما وصَّى أُمَّته ، قال :« عليْكم بِسنَّتي وسُنة الخُلفاء الرَّاشدين المهديين من بعدي ، وعضُّواْ عليها بالنَّواجد وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كلَّ محدثة بدعة وكل بدعةٍ ضلالة »[13].
وكما قال السَّلف :« السُّنة سفينة النَّجاة ، من ركبها نجى ومن تركها هلك »[14] ؛ والتَّمسُّك بما كان عليه السَّلف لأنها وصية النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم ، لأنهم شاهدواْ الوحي وهم أنقى قلوباً ، وأعلم النَّاس بهدي النَّبي والدِّين الإسلام.
فالواجب على المُسلم أن يَفهم القرآن والسنَّة علَى فهم الصَّحابة والسَّلف الصالح من الخُلفاء الرَّاشدين من الصَّحابة والتَّابعين وأتباعهم وأئمَّة الإسلام ، وعليه كذلك أن يرتبط بالعلماء الرَّبانيِّين عُلماء السُّنة : الَّذين يدُلُّون العبدَ علَى الْخير والعَالم الَّذي يُرتبطُ به هُو الَّذي يتمسُّك به السَّلف ، صاحبُ العلم والسُّنة .. فالإرتباط بالعلماء بعد التَّمسُّك بالقرآن والسُّنة هو المُنجي للعِباد ، فربُّ العالَمين أوصى بالرُّجوع للعلماء الرَّبانيِّين ﴿ فَاسْئَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كًنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونْ ﴾[15] ﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونْ ﴾[16] ﴿ يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾[17] ﴿ وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلْوْ رُدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ﴾[18] .
و ﴿ أُولِي الْأَمْرِ ﴾ : همُ العلماء الرَّبانيون، الَّذين أمرَ الله تعالى بطاعتهم.
كما قال الله -عزَّوجل- : ﴿ يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ﴾[19] .. فهذه السُّبل هي سُبل النجاة ، طريقُ النجاة . إذا أخلص العبد لله وصدق مع الله تعالى وحرص على أن يكون طريقه طريق الأوَّلين فإن الله سيسدِّده ويوفِّقه ، ويَأخذ بناصِيته إلى طريق النَّجاة ، ومن صدق مع الله صدق الله معه .
« مَن يَصدُق مَع اللهِ يَصدُقه »[20] ، ومن يُخلص لله -عزوجل- يهده إلى صراط الله المستقيم .
فهذا هو السَّبيل ﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُواْ إِلَى اللهِ عَلَى أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينْ ﴾[21] ، ثمَّ أُوصي بالحرص على المتون العلمية ، والأصول السَّلفية والتَّفقه في الدِّين والزِّيادة من ذلك ، وأن يتدرَّج طالبُ العلم بالمتون الشَّرعيَّة حتَّى ينبُت نباتاً علميّاً حسناً ، ويُثمر فيه ثباتاً على السُّنة . دون تخبُّطٍ وحيرة ، فيبدأُ بصغار العلوم قبل كبارها ويتدرَّج في العلم الشَّرعي حتَّى يُثمِر فيه علماً وعملاً ؛ وصدقاً وثباتا وقوَّة في التَّمسُّك بالحقِّ ورسوخاً فيه . وثباتاً إلى أن يلقى الله -عزَّوجل- بعد توفيق الله ورحمتهِ .
وأن يحرص طالب العلم علَى الدَّعوة إلى الله ؛ فإنَّ الدَّعوة إلى الله من الواجبات الكفائيَّة المفروضة على العباد فلا يترك طلاَّب العلم النَّاس فريسة للشَّياطين وأتباع الشياطين ، وأهل الأهواء وأهل البدع وأن يحرصواْ على الدَّعوة إلى الله علَى بصِيرة ، يُعلِّمون النَّاس أمُورَ السنَّة والتَّوحيد والعقيدة ، يعلِّمونهم أمورَ دِينهم وكيف يعْبدون اللهَ على بصِيرة وعلَى هُدى وعلَى السُّنَّة .هذا الواجبُ على طلاَّب العلم يُؤدِّي الأمانة الَّتي وكَّلهم الله بها.
ويحرصواْ على أن يكونواْ دعاة خيرٍ وفلاح ، ولا يتركواْ المجال لأهل البدع وأهل الأهواء يتخبَّطون بأهوائهم ويُضلُّون النَّاس ! ، فإن هذه المُهمَّة مهمَّة العُلماء وطلاَّب العلم .
فإنَّ العلماء إذا سكتواْ أو ذهبواْ ، وكذا طلاَّب العلم ظهر الجهَّال فأفسَدواْ وضلُّوا وأضلُّوا ، كما أخبر النبي صلَّى الله عليه وسلم كما جاء في صحيح البخاري ( باب ذهاب العلماء ) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أن النَّبي صلَّى الله عليه وسلم قال :« إنَّ الله لا ينتزع العلم إنتزاعاً من صدور الرِّجال ، ولكن ينتزعه بقبض العلماء حتَّى إذا لم يبقي الله عالماً ٱتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسُئلواْ فأفتواْ بغير علم فضلُّواْ وأضلُّواْ »[22] .
فإذا ذهب العلماء أو سكتواْ عن بيان الحقِّ أو سكت طلاب العلم عن بيان الحق ، والدعوة إلى الله فإنَّ السَّاحة تخلواْ لأهل البدع ورُؤوس الضَّلال ! .
فلا يجد عامَّة النَّاس إلاَّ هؤلاء كما هو مشاهدٌ ، في دُعاة الفتن الذين يظهرون في القنوات ويروِّج لهم أهل الأهواء فيُضلون النَّاس ! . بفتاواهم المبنيَّة على الهوى والبُعد عن السُّنة ؛ هذا الواجب على طلاب العلم أن يكونواْ جنوداً لله عزَّوجل مُخلصين صادقين ، هذه مُهمَّة طُلاَّب العلم في هذه الحيَاة .
مُهمَّة السَّلفيين ، نحنُ السَّلفيُّون نسأل الله أن يُثبتنا على ذلك . مُهمتنا حمايةُ دين الله -عزَّوجل- وتبصيرُ النَّاس بحق الله وحقِّ رسوله ، مُهمتنا بيانُ السُّنة و رَبطُ النَّاس بها مهمَّتنا حفظ الدِّين : ممَّا يشوبه من الشِّركيات والبدع والمعاصي.
ليست مهمَّتنا سياسة ولا كراسي ولا دنيا ، وجمع الأموال مهمَّتنا أن تقرَّب إلى الرَّحمان بحفظِ دينه ونشرة سنَّة رسوله وتبليغها للنَّاس ؛ هذا الواجبُ علينا ..
نسأل الله أن يُثبتنا وإيَّاكم على السُّنة ، وأن يجعلنا صَالحين مُصلحين وأن يَجعلنا دُعاةً مخلصين متَّبعين للسُّنة ، وأن يَجعلنا مُباركين أينَما كنَّا وصلَّى الله على نبينا محمَّد ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .اهـ
فرَّغه/
أبوشعبة محمد القادري المغربي
15 ربيع الأول 1434 ه/27 يناير 2013 م
تحميل المقطع الصوتي
الحواشي:
[1]-[النساء:131].
[2]-[النساء:1].
[3]-[آل عمران:102].
[4]- [الطلاق:3-2].
[5]- [الطلاق:4].
[6]-[الأنفال:29].
[7]- من حديث النُّعمان بن بشير -رضي الله عنهما- ، والذي رواه البُخاري برقم 1946 و مُسلم .
[8]-[الفاتحة:5-6-7].
[9]-[طه:114].
[10]- رواه مسلم من حديث أمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها وفي لفظ : « من أحدث من أمرنا هذا ما ليس منه ، فهو ردٌّ » رواه البخاري ومسلم.
[11]- رواه إماما المحدِّثين البخاري ومسلم في صحيحيهما اللذان هما أصحُّ الكتب بعدالله عزَّوجل من حديث أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب -رضي الله عنه- .
[12]-[الملك:1-2].
[13]- رواه الترمذي وأبوداود من حديث أبي نجيح العرباض بن سارية -رضي الله عنه- .
[14]- قال مالك -رحمه الله-: "السنة مثل سفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلَّف عنها هلك"، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : وهذا حق ، فإن سفينة نوح إنما ركبها من صدق المرسلين واتبعهم وأن من لم يركبها فقد كذب المرسلين . واتباع السنة هو اتباع الرسالة التي جاءت من عند الله فتابعها بمنزلة من ركب مع نوح السفينة باطنا وظاهرا . والمتخلف عن اتباع الرسالة بمنزلة المتخلف عن اتباع نوح عليه السلام وركوب السفينة معه .اهـ ( مجموع الفتاوى / ج:الرابع ، ص : 13.
[15]- [الأنبياء :7].
[16]- [الزمر: 9].
[17]- [المجادلة:11].
[18]-[النساء:83].
[19]-[ النساء:59].
[20] حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، أَخْبَرَنِي عِكْرِمَةُ بْنُ خَالِدٍ ، عَنْ أَبِي عَمَّارٍ ، عَنْ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ ، أَنَّ رَجُلا مِنَ الأَعْرَابِ جَاءَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَآمَنَ بِهِ وَاتَّبَعَهُ ، وَقَالَ : أُهَاجِرُ مَعَكَ ، فَأَوْصَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ أَصْحَابَهُ ، فَلَمَّا كَانَتْ غَزْوَةُ خَيْبَرَ ، أَوْ قَالَ حُنَيْنٍ ، غَنِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا ، فَقَسَمَهُ ، وَقَسَمَ لَهُ ، فَأَعْطَى أَصْحَابَهُ مَا قَسَمَ لَهُ ، وَكَانَ يَرْعَى ظَهْرَهُمْ ، فَلَمَّا جَاءَ دَفَعُوهُ إِلَيْهِ ، فَقَالَ : مَا هَذَا ؟ قَالُوا : قَسَمٌ قَسَمَهُ لَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَخَذَهُ فَجَاءَ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ مَا هَذَا ؟ قَالَ : " قَسَمٌ قَسَمْتُهُ لَكَ " ، قَالَ : مَا عَلَى هَذَا اتَّبَعْتُكَ ، وَلَكِنِّي اتَّبَعْتُكَ عَلَى أَنْ أُرْمَى هَهُنَا ، وَأَشَارَ إِلَى حَلْقِهِ ، بِسَهْمٍ ، فَأَمُوتَ فَأَدْخُلَ الْجَنَّةَ ، فَقَالَ : " إِنْ تَصْدُقِ اللَّهَ يَصْدُقْكَ " ، فَلَبِثُوا قَلِيلا ، ثُمَّ نَهَضُوا فِي قِتَالِ الْعَدُوِّ ، فَأُتِيَ بِهِ يُحْمَلُ ، قَدْ أَصَابَهُ سَهْمٌ حَيْثُ أَشَارَ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَهُوَ هُوَ ؟ " ، قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : " صَدَقَ اللَّهَ فَصَدَقَهُ " ، فَكَفَّنَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جُبَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ قَدَّمَهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ ، وَكَانَ مِمَّا ظَهَرَ مِنْ صَلاتِهِ عَلَيْهِ : " اللَّهُمَّ هَذَا عَبْدُكَ خَرَجَ مُهَاجِرًا فِي سَبِيلِكَ ، فَقُتِلَ شَهِيدًا ، أَنَا عَلَيْهِ شَهِيدٌ " .[رواه الطبراني برقم:6967] .
[21]-[يوسف:108].
[22]-(باب كيف يقبضُ العلم) 100 حدثنا إسماعيل بن أبي أُويس قال حدَّثني مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن عمرٍو بن العاص قال سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول:« إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا» .
قال الفربري: حدثنا عباس قال حدثنا قتيبة حدثنا جرير عن هشام نحوه.
[نصَائحُ وتَوجِيهَات للسَّلفيِّين بالمَغرب]
لفضيلة الشيخ
عبدالله بن صلفيق الظفيري -حفظه الله-
الحمد لله ربِّ العالمين والصَّلاة والسَّلام على رسول الله وآله وأصحابه تسليماً كثيراً أمَّا بعدُ :
فقد طلب منِّي أخي الفاضل أبو زيد نبيل الدَّركاوي كلمة أوجِّهها ونصيحة إلى إخواننا في المغرب ؛ ونحن الآن مسافرون من محافظة حفر الباطن إلى عاصمة المملكة الرِّياض ، في يوم الإثنين الموافق 18 من شهر صفر لعام 1434 من هجرة المُصطفى صلَّى الله عليه وسلَّم .
فنسأل الله تعالى أن يوفقَّني وإيَّاه وإيَّاكم إلى العلم النافع والعمل الصَّالح ، وأن يجعلنا هداةً مهتدين وعلى نبراس نبيِّنا محمَّدٍ صلّى الله عليه وسلَّم وأعظم ما أوصي به نفسي وإيَّاكم إخوتي الأفاضل ما وصَّى الله به عباده المؤمنين حيثُ قال -سبحانه وتعالى-:﴿ وَلقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنْ اتَّقُواْ اللهَ ﴾[1] وكثيراً ما يوصي ربنا في كتابه بهذه الوصيَّة ﴿ يَآأيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ..﴾[2]﴿ يَآأيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ﴾[3]﴿ وَمَنْ يتقِّ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبْ ﴾[4]
﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً ﴾[5]﴿ يَآأيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنْ تَتَّقُواْ اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً﴾[6] وغيره من الآيات الكثيرة في كتاب الله ... فإنَّ صلاح الإنسان بتقوى الله -سبحانه وتعالى- والتَّقوى محلُّها القلب ، أن يتَّقي العبدُ ربَّه .
والقلبُ إذا صلح صلح سائرُ الجسد وإذا فسد فسد سائر الجسد ، كما قال النَّبي صلى الله عليه وسلم :« .. ألا وإن في الجسد مضغطة إذا صلحت صلح الجسدُ كلُّه وإذا فسدت فسد الجسد كلُّه ألا وهي : القلب »[7] .
والتَّقوى هي أساسُ سعادة العبد ، وهي زمَام كل خيرٍ.. فإذا اتَّقى العبدُ ربَّه و راقب ربَّه فإنّه يَسيرُ على مرْضاته ويتجنَّب مساخط الله -سبحانه وتعالى- ، ويحرصُ على أن يرضي ربَّه مولاه .
ثمَّ أُوصي نفسي وإيَّاكم بالعلم النَّافع ، الذي وصى الله -عزَّوجل- به والعمل بمقتضاه ليكون العبدُ على صراطِ الذين أنعم اللهُ عليهم من النَّبيين والصِّديقين والشُّهداء والصَّالحين وحسُن أولئك رفيقا.
فإنَّ العبادة على جهلٍ هي صفة النَّصارى ، والعلمُ بدون عملٍ صفةُ اليهود كما قال اللهُ -سبحانه وتعالى- :﴿..اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صَرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضّآلِّينْ ﴾[8].
قال المُفسِّرون كابن عباس وغيره :
﴿ المَغْضُوب عَلَيْهِمْ ﴾: اليهود .
ولهذا من كان عنده علمٌ ولم يعمل به ! ، كان فيه شبهٌ من اليهود .
و﴿ الضّآلِّينْ ﴾: همُ النَّصارى ، ولذلك من تعبَّد لله بالجهل كان فيه شبهٌ بالنصارى .
ولعظم شأن العِلم فإن الله تعالى وصَّى نبيَّه صلى الله عليه وسلَّم به ، فقال تعالى آمراً نبيه أن يسأل ربَّه الإستزادة من العلْم قال تعالى :﴿ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً ﴾[9] فلو كان شيءٌ أفضل من العلم لَوصَّى الله نبيَّه به ، ولكن لمَّا رأينا أنَّ الله أوصى نبيَّه بهذا الأمر علِمنا بِأنَّ أعظم شيء في هذه الحياة ينالها العبدُ ويتحصَّلها هو: العلم .
والعلم هو معرفةُ أحكام الشَّرع من كتاب الله -عزَّوجل- وسُنَّة نبيِّه ؛ وأعظم ذلك أمرُ الإعتقادِ والتَّوحيد الذي هو حقُّ الله على العباد ، ويعلم كيف يعبُد الله -عزَّوجل- ، لأنَّ به يتحقَّقُ العمل الصَّالح .. ويعرِف العبدُ كيف يتقرَّب العبد إلى ربه ومولاه ؛ بالعمل الصَّالح المُوافق لهدي النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم .
فإنَّ العمل إذا لم يوافق السنة (فإنه) مردود ، كما قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلَّم :« من عمِل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردٌّ »[10] والعلم يوجِّه العبد للإخلاص لأنَّ العلم يأمر بتحقيق الإخلاص لله ، كما جاء عن النَّبي صلى الله عليه وسلم ، حيث قال :« إنَّما الأعمال بالنِّيات ، وإنما لكلِّ امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يُصيبها أو امرأةٍ ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه »[11].
والعملُ لا يُقبل إلاَّ إذا كان خالصاً صَواباً ، خالصاً: لله -عزَّوجل- لارياء ولاسُمعةَ فيه .
وصواباً : على هدي النبِي صلَّى الله عليه وسلَّم ، وهذا ما وجَّه الله إليه في كثيرٍ من القرآن مثل قوله سبحانه وتعالى :﴿ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾[12] قال المفسِّرون كابن كثيرٍ وغيره :
﴿ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾ : أخلصه وأصوبه .اهـ
بأن يكون خالصاً لله عزَّوجل وحده لا شريك له ، صواباً على شريعة النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم ، ثم بعد ذلك التَّمسُّك بالسُّنة وهو على هدي النَّبي وما كان عليه الخلفاء الرَّاشدون ، لأنَّ التَّمسُّك بالسُّنة هو العاصم و النَّاجي من الفتن كما قال النَّبي صلَّى الله عليه وسلم عندما وصَّى أُمَّته ، قال :« عليْكم بِسنَّتي وسُنة الخُلفاء الرَّاشدين المهديين من بعدي ، وعضُّواْ عليها بالنَّواجد وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كلَّ محدثة بدعة وكل بدعةٍ ضلالة »[13].
وكما قال السَّلف :« السُّنة سفينة النَّجاة ، من ركبها نجى ومن تركها هلك »[14] ؛ والتَّمسُّك بما كان عليه السَّلف لأنها وصية النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم ، لأنهم شاهدواْ الوحي وهم أنقى قلوباً ، وأعلم النَّاس بهدي النَّبي والدِّين الإسلام.
فالواجب على المُسلم أن يَفهم القرآن والسنَّة علَى فهم الصَّحابة والسَّلف الصالح من الخُلفاء الرَّاشدين من الصَّحابة والتَّابعين وأتباعهم وأئمَّة الإسلام ، وعليه كذلك أن يرتبط بالعلماء الرَّبانيِّين عُلماء السُّنة : الَّذين يدُلُّون العبدَ علَى الْخير والعَالم الَّذي يُرتبطُ به هُو الَّذي يتمسُّك به السَّلف ، صاحبُ العلم والسُّنة .. فالإرتباط بالعلماء بعد التَّمسُّك بالقرآن والسُّنة هو المُنجي للعِباد ، فربُّ العالَمين أوصى بالرُّجوع للعلماء الرَّبانيِّين ﴿ فَاسْئَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كًنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونْ ﴾[15] ﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونْ ﴾[16] ﴿ يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾[17] ﴿ وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلْوْ رُدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ﴾[18] .
و ﴿ أُولِي الْأَمْرِ ﴾ : همُ العلماء الرَّبانيون، الَّذين أمرَ الله تعالى بطاعتهم.
كما قال الله -عزَّوجل- : ﴿ يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ﴾[19] .. فهذه السُّبل هي سُبل النجاة ، طريقُ النجاة . إذا أخلص العبد لله وصدق مع الله تعالى وحرص على أن يكون طريقه طريق الأوَّلين فإن الله سيسدِّده ويوفِّقه ، ويَأخذ بناصِيته إلى طريق النَّجاة ، ومن صدق مع الله صدق الله معه .
« مَن يَصدُق مَع اللهِ يَصدُقه »[20] ، ومن يُخلص لله -عزوجل- يهده إلى صراط الله المستقيم .
فهذا هو السَّبيل ﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُواْ إِلَى اللهِ عَلَى أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينْ ﴾[21] ، ثمَّ أُوصي بالحرص على المتون العلمية ، والأصول السَّلفية والتَّفقه في الدِّين والزِّيادة من ذلك ، وأن يتدرَّج طالبُ العلم بالمتون الشَّرعيَّة حتَّى ينبُت نباتاً علميّاً حسناً ، ويُثمر فيه ثباتاً على السُّنة . دون تخبُّطٍ وحيرة ، فيبدأُ بصغار العلوم قبل كبارها ويتدرَّج في العلم الشَّرعي حتَّى يُثمِر فيه علماً وعملاً ؛ وصدقاً وثباتا وقوَّة في التَّمسُّك بالحقِّ ورسوخاً فيه . وثباتاً إلى أن يلقى الله -عزَّوجل- بعد توفيق الله ورحمتهِ .
وأن يحرص طالب العلم علَى الدَّعوة إلى الله ؛ فإنَّ الدَّعوة إلى الله من الواجبات الكفائيَّة المفروضة على العباد فلا يترك طلاَّب العلم النَّاس فريسة للشَّياطين وأتباع الشياطين ، وأهل الأهواء وأهل البدع وأن يحرصواْ على الدَّعوة إلى الله علَى بصِيرة ، يُعلِّمون النَّاس أمُورَ السنَّة والتَّوحيد والعقيدة ، يعلِّمونهم أمورَ دِينهم وكيف يعْبدون اللهَ على بصِيرة وعلَى هُدى وعلَى السُّنَّة .هذا الواجبُ على طلاَّب العلم يُؤدِّي الأمانة الَّتي وكَّلهم الله بها.
ويحرصواْ على أن يكونواْ دعاة خيرٍ وفلاح ، ولا يتركواْ المجال لأهل البدع وأهل الأهواء يتخبَّطون بأهوائهم ويُضلُّون النَّاس ! ، فإن هذه المُهمَّة مهمَّة العُلماء وطلاَّب العلم .
فإنَّ العلماء إذا سكتواْ أو ذهبواْ ، وكذا طلاَّب العلم ظهر الجهَّال فأفسَدواْ وضلُّوا وأضلُّوا ، كما أخبر النبي صلَّى الله عليه وسلم كما جاء في صحيح البخاري ( باب ذهاب العلماء ) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أن النَّبي صلَّى الله عليه وسلم قال :« إنَّ الله لا ينتزع العلم إنتزاعاً من صدور الرِّجال ، ولكن ينتزعه بقبض العلماء حتَّى إذا لم يبقي الله عالماً ٱتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسُئلواْ فأفتواْ بغير علم فضلُّواْ وأضلُّواْ »[22] .
فإذا ذهب العلماء أو سكتواْ عن بيان الحقِّ أو سكت طلاب العلم عن بيان الحق ، والدعوة إلى الله فإنَّ السَّاحة تخلواْ لأهل البدع ورُؤوس الضَّلال ! .
فلا يجد عامَّة النَّاس إلاَّ هؤلاء كما هو مشاهدٌ ، في دُعاة الفتن الذين يظهرون في القنوات ويروِّج لهم أهل الأهواء فيُضلون النَّاس ! . بفتاواهم المبنيَّة على الهوى والبُعد عن السُّنة ؛ هذا الواجب على طلاب العلم أن يكونواْ جنوداً لله عزَّوجل مُخلصين صادقين ، هذه مُهمَّة طُلاَّب العلم في هذه الحيَاة .
مُهمَّة السَّلفيين ، نحنُ السَّلفيُّون نسأل الله أن يُثبتنا على ذلك . مُهمتنا حمايةُ دين الله -عزَّوجل- وتبصيرُ النَّاس بحق الله وحقِّ رسوله ، مُهمتنا بيانُ السُّنة و رَبطُ النَّاس بها مهمَّتنا حفظ الدِّين : ممَّا يشوبه من الشِّركيات والبدع والمعاصي.
ليست مهمَّتنا سياسة ولا كراسي ولا دنيا ، وجمع الأموال مهمَّتنا أن تقرَّب إلى الرَّحمان بحفظِ دينه ونشرة سنَّة رسوله وتبليغها للنَّاس ؛ هذا الواجبُ علينا ..
نسأل الله أن يُثبتنا وإيَّاكم على السُّنة ، وأن يجعلنا صَالحين مُصلحين وأن يَجعلنا دُعاةً مخلصين متَّبعين للسُّنة ، وأن يَجعلنا مُباركين أينَما كنَّا وصلَّى الله على نبينا محمَّد ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .اهـ
فرَّغه/
أبوشعبة محمد القادري المغربي
15 ربيع الأول 1434 ه/27 يناير 2013 م
تحميل المقطع الصوتي
الحواشي:
[1]-[النساء:131].
[2]-[النساء:1].
[3]-[آل عمران:102].
[4]- [الطلاق:3-2].
[5]- [الطلاق:4].
[6]-[الأنفال:29].
[7]- من حديث النُّعمان بن بشير -رضي الله عنهما- ، والذي رواه البُخاري برقم 1946 و مُسلم .
[8]-[الفاتحة:5-6-7].
[9]-[طه:114].
[10]- رواه مسلم من حديث أمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها وفي لفظ : « من أحدث من أمرنا هذا ما ليس منه ، فهو ردٌّ » رواه البخاري ومسلم.
[11]- رواه إماما المحدِّثين البخاري ومسلم في صحيحيهما اللذان هما أصحُّ الكتب بعدالله عزَّوجل من حديث أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب -رضي الله عنه- .
[12]-[الملك:1-2].
[13]- رواه الترمذي وأبوداود من حديث أبي نجيح العرباض بن سارية -رضي الله عنه- .
[14]- قال مالك -رحمه الله-: "السنة مثل سفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلَّف عنها هلك"، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : وهذا حق ، فإن سفينة نوح إنما ركبها من صدق المرسلين واتبعهم وأن من لم يركبها فقد كذب المرسلين . واتباع السنة هو اتباع الرسالة التي جاءت من عند الله فتابعها بمنزلة من ركب مع نوح السفينة باطنا وظاهرا . والمتخلف عن اتباع الرسالة بمنزلة المتخلف عن اتباع نوح عليه السلام وركوب السفينة معه .اهـ ( مجموع الفتاوى / ج:الرابع ، ص : 13.
[15]- [الأنبياء :7].
[16]- [الزمر: 9].
[17]- [المجادلة:11].
[18]-[النساء:83].
[19]-[ النساء:59].
[20] حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، أَخْبَرَنِي عِكْرِمَةُ بْنُ خَالِدٍ ، عَنْ أَبِي عَمَّارٍ ، عَنْ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ ، أَنَّ رَجُلا مِنَ الأَعْرَابِ جَاءَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَآمَنَ بِهِ وَاتَّبَعَهُ ، وَقَالَ : أُهَاجِرُ مَعَكَ ، فَأَوْصَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ أَصْحَابَهُ ، فَلَمَّا كَانَتْ غَزْوَةُ خَيْبَرَ ، أَوْ قَالَ حُنَيْنٍ ، غَنِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا ، فَقَسَمَهُ ، وَقَسَمَ لَهُ ، فَأَعْطَى أَصْحَابَهُ مَا قَسَمَ لَهُ ، وَكَانَ يَرْعَى ظَهْرَهُمْ ، فَلَمَّا جَاءَ دَفَعُوهُ إِلَيْهِ ، فَقَالَ : مَا هَذَا ؟ قَالُوا : قَسَمٌ قَسَمَهُ لَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَخَذَهُ فَجَاءَ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ مَا هَذَا ؟ قَالَ : " قَسَمٌ قَسَمْتُهُ لَكَ " ، قَالَ : مَا عَلَى هَذَا اتَّبَعْتُكَ ، وَلَكِنِّي اتَّبَعْتُكَ عَلَى أَنْ أُرْمَى هَهُنَا ، وَأَشَارَ إِلَى حَلْقِهِ ، بِسَهْمٍ ، فَأَمُوتَ فَأَدْخُلَ الْجَنَّةَ ، فَقَالَ : " إِنْ تَصْدُقِ اللَّهَ يَصْدُقْكَ " ، فَلَبِثُوا قَلِيلا ، ثُمَّ نَهَضُوا فِي قِتَالِ الْعَدُوِّ ، فَأُتِيَ بِهِ يُحْمَلُ ، قَدْ أَصَابَهُ سَهْمٌ حَيْثُ أَشَارَ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَهُوَ هُوَ ؟ " ، قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : " صَدَقَ اللَّهَ فَصَدَقَهُ " ، فَكَفَّنَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جُبَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ قَدَّمَهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ ، وَكَانَ مِمَّا ظَهَرَ مِنْ صَلاتِهِ عَلَيْهِ : " اللَّهُمَّ هَذَا عَبْدُكَ خَرَجَ مُهَاجِرًا فِي سَبِيلِكَ ، فَقُتِلَ شَهِيدًا ، أَنَا عَلَيْهِ شَهِيدٌ " .[رواه الطبراني برقم:6967] .
[21]-[يوسف:108].
[22]-(باب كيف يقبضُ العلم) 100 حدثنا إسماعيل بن أبي أُويس قال حدَّثني مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن عمرٍو بن العاص قال سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول:« إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا» .
قال الفربري: حدثنا عباس قال حدثنا قتيبة حدثنا جرير عن هشام نحوه.
تعليق