غربة الخلف عن كتب السلف
شرح الشيخ عبد الرحمن بن صالح الحجي
وحدثني عن موسى بن مهدي، عن إسرائيل، عن أشعث بن أبي الشافعةيعني الأسود بن هلال، قال: كان رجل يقص فأتى ابن مسعود، فأُتي فأُتي ابن مسعود،وهذا الآتي هو أنا فأتي ابن مسعود، كان رجل يقص فأتي ابن مسعود، فقيل له فجاء وجلسفي القوم فلما سمع ما يقولون، قام فقال: ألا تسمعون، فلما نظروا إليه قال: تعلمونأنكم لأهدى من محمد - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، أو أنكم لتمسكون بطرف ضلالة.
-------------------------------------------------
نعم. كل كلام أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - يخرج من مشكاة واحدة، وهوما تعلموه من النبي - صلى الله عليه وسلم -، إنكم لأهدى من محمد وأصحابه - صلى الله عليه وسلم -، أو إنكم ما تمسكون بطرف ضلالة، لأن الله أخر الإنكار فيتركونه، حتى لوكان في فعل خير ظاهر خير دعوة، أو قصص، أو وعظ يعدلون الناس يردوهم إلى السنة.
فيه أيها الإخوة من المسائل قبل أن تدخل في الباب الذي بعده فيه.
أولا: أن كتب الأقدمين كتب السلف كتب القرون الثلاثة، تثير أسئلة، وأنتم لاحظتم هذا .........، وتسير أسئلة كثيرة والسبب ليس فيها، السبب فينا نحن أنها مهجورة منذ زمان طويل، كتب المتأخرين كل الإشكالات التي فيها طرحت، ثم طرحت، وكتبت وبينت،وعرفها القريب والبعيد والصغير والكبير؛ لكثرة التركيز عليها، أما كتب الأقدمين فإنها مهجورة، نادرة لا تدرس في الجامعات، ولا تدرس في الدورات إلا نادرا ولا تدرس في الدروس إلا نادرا، ولذلك أصبحنا يعني في غربة عنها، إذا قرأنها مثل ما ترون،وأنا قلت إلى آخر الكتاب كل الآثار غالب الإخوة ربما أول مرة يسمع هذه الآثار،فإثارة الأسئلة كونك تثير الأسئلة هذا حق، تسأل ما من هم القصاص الذي يقصدونه السلف ما هي أصوات القرآن هذا حق، هذا أول التصحيح.
أول التصحيح: هو لو أنكم مثلهم من كان على مثل ما أنا عليه أنا وأصحابي، هو أنه نقرأ السنن وتزيل الإشكالات، ونسأل ونرجع إلى أهل العلم، ويكون فيها أخذ ورد وعطاء حتى يتضح الوجه، هذا لا يسوء أحد، أنها تثير، يعني: بعض الإخوة قد يحجم، بعض طلاب أهل العلم قد يحجم عن شرح كتب المتقدمين؛ خوفا من هذه الأسئلة، يعرف كتب وطريقته وُضِّحت وشرحت آلاف المرات، فهو يقول: هذا الطريق السهل، وهذه تثير عند الناسإشكالات وأشياء، أو ما هي ليست من جنس الذي يفتن الناس، بعض الكتب تفتن الناس؛ لأنك تحدثهم مالا يعقلون لكن هذا لا، هذا فعل محمد وأصحابه - صلى الله عليه وسلم -،وكونه مهجرا زمانا طويلا لا يعنيه أن يترك ويهجر هذه من ناحية.
ومن ناحية أخرى في بعض الإشكالات التي جاءت بالأمس، وضاق الوقت عنها ونذكر على سبيل الاختصار، ونمشي فيما تقدم من الدروس.
بعض الإخوة فهموا كلام شيخ الإسلام عن المدينة النبوية المدينة النبوية، وأنه لم تخرج منها بدعة أن هذا إلى آخر الزمان أن هذا إلى آخر الزمان؛ لأن المدينة معصومة من البدع معصومة من الفتن، هذا خطأ إن ما عنى شيخ الإسلام: إن في الصدر الأول كلامه واضح كان.
كان يقول: في الصدر الأول خرجت بدع من الكوفة، ومن البصرة ومن الشام ومن مصر،أما المدينة النبوية فيأتون ببدعة من البدع، ويقولون: هي خرجت من المدينة، لا التشيع ولا الاعتزال ولا القدر، ولا الخوارج، ولا أي بدع. لماذا؟ وذكر العلة، قال: إن نور النبوة كان فيها قويًا؛ وجود العلماء، وجود أبناء الصحابة، وكذلك عامة أهل المدينة هم حديث عهد بفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - وبظهور الدين فيه، حتى إن الإمام مالك قال: عمل أهل المدينة بضوابط محددة يحتج به، يفهم به النص؛ لأنهم مايعرفوش كانوا يصلون المساجد قائمة على فعله وهم حديثوا عهد بذلك، وأما إذا ضعف نورالنبوة ذهبت العلة إذا، ضعف نور النبوة في المدينة، وفي غيرها ذهبت العلة تكون هناك بدعا يكون هناك تصوفا في المدينة، وغيرها يكون هناك بدعا إذا ما كان هناك نور ... والرفلي... للأنبياء.
كذلك حديث الصورة أيضا، بعض الإخوة يسأل إنا يعني في إشكال هل في مشابهة في حديث البخاري قد يفك الإشكال قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: -أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر- أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمرليلة البدر، هل هم مشابهين للقمر من كل وجه؟ هل هؤلاء زمرة مثل القمر في استدارته وفي شكله لا، لكن الصورة يعني في مشابهة من حيث الإنارة من حيث الإشراق من حيث كذا، فوجود الصورة لا ينفي كذلك مثلا في القصاص ونحن ذكرناها كثيرا، أنا بالأمس ذكرنا تقريبا ثلاثين أو أربعين أثر، ننتخب فقط ثلاثة آثار؛ تفك الإشكال.
الأثر الأول: أثر أبي قِلابة قوله: ما أمات بالعلم إلا القصاص، تجالس أحدهم سنة فلا تعلق منه بشيء، فإنما قصص وأحداث وأشياء ما تستفيد منها أشياء فكرية وثقافية ماتستفيد، وتجالس العالم جلسة واحدة؛ فتخرج بوحي، آيات وتفسيرها وأحاديث وآثار واضح، إذا وجد هذا في الشخص فإنه من القصاص إذا كان يميت العلم لا يركز على الوحي، لايشرح القرآن والسنة، فإنه من المحذور، هذا أثر ينتخب، وينتقى يعني يلخص كثيرا من الآثار، قوله: ما أمات العلم إلا القصاص، تجالس أحدهم سنة فلا تعلق بشيء.
والأثر الثاني: أثر أحمد بن حنبل، عندما قال: أكذب الناس القصاص والسؤال، أنهم يتوسعون في الكذب يتوسعون في المحدثات قالوا: وما أحوج الناس إلى قاص صدوق؛ يذكرللناس بالآخرة، ما أحوج الناس إلى قاص صدوق يذكرهم بالآخرة يعني بالوحي بالقرآن والسنة.
والأثر الثالث: قول عمر عندما استأذن تميم في القصص قال: إنه الذبح وأشار إلى الحلق، وقال: أنت تريد أن تقول أنا التميم فاعرفوني، بمعنى أن القصص يكون فتنة على الشخص، يكون فتنة عليه.
وأيضا أثر رابع: وسيأتي معنا في ابن وضاح أن القصص يكون بالكتاب والسنة، قصص الكتاب والسنة فيها غنية سيأتينا عن ابن عباس، وهو أعمى، يقف على عبيد بن عمير وهوأول قاص في الإسلام، ويقول: يا عبيد بن عمير اتل كتاب الله، وذكر الناس الآخرة بكتاب الله، وبالسنة فيها غنية، بعض الإخوة يسأل عن القصص الواقعي، يقول: هل يترك تمامًا؟ قصص مثلا واقعة في عصرنا تائب أو غيره فيقول أهل العلم: إذا كان تاب أوشيء إذا كان حقا لا يكون مثلما قال الإمام أحمد: أكذب الناس، يكون حقا.
والأمر الثاني: أن يكون تابعا مغمورا في الوحي، لا يكون كل الكلام عن القصص، لايكون يبين الوحي يبين القرآن يبين السنة ثم إذا جاء استشهاد بقصه التابع تابع التابع لا حكم له النادر لا حكم له، أما أن يكون هو الأساس كل المحاضرات وكل المواعظ تدور على القصص لا هذا هو الذي حذر منه السلف.
فإذا القصص الواقعي: إذا كان حقا وكان تابعا مغمورا في الوحي فلا بأس به.
عندنا إشكال آخر أيضا أما مسألة خطبة الجمعة هذه لا ينبغي فيها القصص خطبةالجمعة لها نظام محدد، لا ينبغي أن يزاد فيه ولا ينقص، خطبة الجمعة شعيرة، كما قال تعالى : -إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ-كذلك بعض العلماء يكره الشعر فيها، ويكره القصص فيها، والحق تكون بالوحي،وقال النبي - صلى الله عليه وسلم- -: إنالملائكة يكتبون الأول فالأول فإذا دخل الخطيب أغلقوا الصحف وجلسوا يستمعون - ماذا يستمعون، القصص أو الشعر، يستمعون ذكر الله جلسوا يستمعون ذكر الله، فخطبة الجمعة لها نظام محدد، الصحابة - رضي الله عنهم - ملوا ملا كما جاء في الحديث، حديث صحيح، يعني ثقل عليهم القرآن من كثرة ما يقرءون ويعملون به، فقالوا: يا رسول الله حدثنا يريدون حديثا، فأنزل الله: - اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ - إن كنتم تريدون الحديث القرآن هو الحديث، ثم ملوا ملا، فقالوا: يا رسول الله حدثناحديثا دون القرآن وفوق الحديث، يعنون القصص فأنزل الله ماذا: - نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ - سورة يوسف - بِمَاأَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ - إيش معنى أحسن القصص هنا معنى أحسن القصص، يعني أحسن السمت كما قال البخاري، يعني نسمته أحسن السمت، وإلا فكما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: سورة يوسف ليست هي أحسن القصص في القرآن من حيث النزول، سورةآدم أعظم منها؛ ولذلك سماها الله سورة يوسف ما كررها الله، ذكرها مرة واحدة، أماقصة آدم يكررها الله قصة موسى يكررها الله، فهو أحسن القصص من حيث السرد، هذا كل مافي القصص الواقع غير الواقع، يفهم هذا إذا كان يميت العلم يصرف عن الوحي فيه كذب فيه توسع، هذا مذموم، وأما إذا كان مغمورا في الوحي وهو حق، هو الأفضل والأعظم أن يتخول الناس بالموعظة، وأن يركز على الوحي، قال الله قال الرسول.
المسألة الثانية: الدروس في البيوت أيضا يسأل عنها كثير من الإخوة، هل هي ممنوعةبإطلاق؟
مر معنا أثر الحسن البصري، وأنس بن مالك، وطلحة بن عبيد الله الخزاعي فيقال: أيها الإخوة إن الأصل في العلم المساجد الأصل في العلم النشر، إيش معنى البلاغ، إيش معنى بلغ، البلاغ هو النشر والمساجد فيها البركة، وفيها الوضوح، لكن قد يكون هناك دروس في البيت، لكن بشرط يعني قد يكون هناك سبب مثل درس لا يفقه العامة، أو عالم راسخ يضع درسا للقضاة، يريد العامة أن يحضروه حتى لا يتعلموا بعض الشيء يعرفون القضاء ماذا يعملون، فيعرفون شيئا مثلا، أو شيء لا تبلغه عقول الناس، كما بوب البخاري على حديث معاذ لما قال له: أخبر الناس قال: لا تخبرهم فيتكلوا، قال: البخاري باب من خص بالعلم قوما دون آخرين خشية أن لا يفقهوه أو لا يفتنهم، قد يخص بالعلم قومًا دون آخرين.
لكن هناك فرق بين الخصوصية والسرية، عمر بن عبد العزيز يقول: تناجينا بأمر دون العامة والله عز وجل يقول: -أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى - خصوصية بعض الإخوة يقولون مثلا: الشيخ ابن باز - رحمه الله - كان يدرس في البيت، هذا حق؟ كان يدرس في البيت الحق الباب مفتوح، لو جاء شخص من العامة، أو ومن الخاصة وأراد أن يسمع؛ يسمع هذا خاص درس خاص يعني قد يكون له سبب، أما القضاة فيريدون أن ينفردون بالشيخ، أو مثلا في بيت ناس يعني مستوى عالي لا يريد العامة لا يفقهون لكن ليس سرا، ليس إذا جاءهم أحد أغلقوا الكتاب مثلا، وقالوا أو غيروا الموضوع، واضح. في فرق بين كونه خاص وكونه سر،الأصل: أن يكون في المساجد، لا يلجأ إلي البيوت وغيرها إلا للحاجة، يكون هو الفرع هو التابع ينبغي أن تتضح هذه الصورة.
إذا كان مثلا طالب العلم كل دروسه في البيوت فقط، ليس له دروس في المساجد لاينشر العلم لا يبلغ هذا، على تأسيس ضلالة، إذا كان لا يعرف إلا البيوت هذا ريبة، هذا ريبة الله عز وجل إيش قال عن المنافقين قال: - لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ - يريدون هذه المغارات هذه السرية، أما أهل الحق ما عندهم شيء تكتمونه عن الناس، وإنما يعلم المتشابه ويرد المحكم، ويبين ويكون الأصل وهو النشر يعرف الصغير والكبير من، الباب مفتوح بيت الله هذا هو أصل السلف، كونه خاص ليس بمعناه كونه سرا، إذا كانوا يتناجون بأمر دون العامة، إذا كان عندهم أشياء سر، إذا كانوا لا يريدون أحدا أن يدخل، هذا ريبة.
أما إذا كان شخص قال والله الأصل عندي عالم، الشيخ عبد العزيز- رحمه الله - قبل أن يموت كان يشرح في المساجد خمسة وعشرين كتاب في الأسبوع، خمسة وعشرين كتاب كلهم من الوحي، الكتب الستة، والموطأ، والمسند، وأمثاله، واضح هذا، يعني لو قال لك شخص: والله الشيخ عبد العزيز كل جهده في البيوت، نقول: كذبت كل جهده في المساجد، ولايكاد يذكر شيء في بيته إلا النادر لسبب؛ لحاجة هذا صح هذا حق، وليس سرا حتى الباب مفتوح، ولم إذا آتاهم أحد يغلقوه، ولذلك أهل البدع على طوال التاريخ هم يتناجون بأمر دون العامة، لا يظهرون إلا إذا كان الدولة لهم كما كان في عهد الإمام أحمد،كانت الدولة لهم والخليفة معهم، فهنا يؤوه شرهم، وإلا فإنهم كما قال عن المنافقين، أهل البدع، هم أهل النفاق: -لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ -.
أرجو أن تكون الصورة اتضحت في دروس البيوت، الأصل المساجد، لا يلجأ للبيوت إلالحاجة مثل أن لا يفتن الناس ألا ... عقولهم، وفي فرق بين الخاص والسري، في فرق بين النجوى، وبين الانفراد؛ يعني لأجل مصلحة، كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - ينفرد هو وأبو بكر وعمر ليسمر عندهم لمصلحة المسلمين، ولا يأتي شخص ثالث، الدوريات، يقول في الأثر الذي عنّ الحسن أنه قال: نحضر عند هذا يوم وعند هذا يوم ونقرأ كتاب الله، ما هو وجه الإنكار عليهم، لماذا أنكر الحسن وأنس بن مالك، وطلحة بن عبيدالله، على الذي يقوم في البيوت.
أولا: لم يكن يفعله النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه سيرة واضحة، أنهم كانوا ما عندهم شيء في البيوت يتخصصون به ... به.
الأمر الثاني: وهو ملمح خطير: هو الانحياز عن المسلمين هو أن الدروس التي تقوم في البيوت يكون بداية انحياز عن الجماعة عن جماعة المسلمين، ما يحضر إلى أصحابناوشبابنا ويكون في البيوت، ويتخصصون كما قال عمر بن عبد العزيز: " يتناجون بأمر دون العامة " هذا هو الملح الذي خاف منه السلف، وروى أنه بداية بدعة - الانحياز عن المسلمين - أن يكون هناك شيخا، مثلا لو قال شخص طيب النبي - صلى الله عليه وسلم - في دار الأرقم بن أبي الأرقم، كان عنده أشياء سر، فيقال النبي - صلى الله عليه وسلم - انحاز عن الكفار ما انحاز عن المسلمين، لا يوجد مسلم في مكة ممنوع من دخول دارالأرقم بن أبي الأرقم، مفتوح للمسلمين أما الكفار ينحاز عنهم؛ لأنه في وقت ضعف،وبعض أيضا هؤلاء الذين كانوا في البيوت، قد يكون عندهم بدع إضافية سببت إنكار السلف عليهم، مثل أنهم كانوا يتعمدون صيام أعياد الكفار ( النيروز والمهرجان ) ومر هذا معنا، هذه بدعة المحرك لهم على الصيام هو وجود عيد الكفار، أو يكون عندهم مد الأيدي ورفع الأصوات بالدعاء، فيكون سبب إنكار السلف وجود أيضا بدع، وجود بدع عندهم.
وكذلك أيضا نفس الطريقة في الدروس السرية، يعني مر معنا أثر أبي موسى - رضي الله عنه - أنه لما رأى الحلق في المسجد أنكر هذا بقلبه، وذهب إلى الوالي ابن مسعود، وأنكر لو كانت هذه الحلق في البيوت من يدري عنهم ستكون حلق، ثم تتأسس، ثم تتأصل، ثم تقوى البدعة، وهي في البيوت، لكن لما وضعوا الحلق في المسجد هدمه ابن مسعود، ثم جاءوا في المسجد الجامع أنكر عليهم، هذه الفائدة أن يكون النشاط العلمي نشاط الدعوة في المساجد، يعني إذا كان هناك خطأ يبينه أهل العلم ... وينتهي.
ولذلك قال: أول حديث في صحيح مسلم، لما حدثت بدعة القدر، وذهبوا إلى عبد الله بن عمر واكتنفوا يحيى بن يعمر وصاحبه، قال: إن عندنا قوما يتكثرون العلم، وأنهم يقولون إن الأمر أنف ولا قدر، فقال عبد الله بن عمر: أخبرهم أني منهم بريء، وذكر حديث جبريل.
فالنبي عليه الصلاة والسلام لا في الدوريات، ولا في الدروس ولا في العلم، لم تكن سيرته سريه، وأن يتخصص بالعلم قوم دون آخرين، لا يعرف عنه سر إلا أمر خاص مثل مسارته لفاطمة رضي الله عنها، أو أمر في مصلحة المسلمين العامة، وهو نادر مثل أبوبكر وعمر وقواد الجيوش، أو مثلا أسماء المنافقين، والذي أمر الله أن يعاملهم بالظاهر، الأسماء علم بها الحذيفة أشياء خاصة.
ولذلك لما قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم - قالوا لماذا لم تشر لنا بعينك ثقة رجل قال: -إنه لا ينبغي لنبي أن يكون عنده خائنة الأعين - النبي لا ينبغي أن يكون عنده خائنة الأعين -يشير بعينه أو يفعل أشياء سرا أو يغمز بعينه- هذا لا ينبغي لنبي لماذا؛ لأن النبي يجب أن يكون في غاية الصدق، حتى تقبل الدعوة ويصدقوه الناس ويأخذون بجد، وغاية الصبر، النبي عليه الصلاة والسلام يتمثل هذا الصابرين الصادقين، غاية الصدق.
وهكذا لمن أراد أن تنجح دعوته لا يكون له سر وعلن وظاهر وباطن، لا، يكون صادق في الدعوة، ولا يكون عنده خائنة أعين، ولا تخصص أحد دون أحد، هذا بإذن الله تكون على منهج المؤمنين على طريقة الأنبياء، وأحسن الهدي هدي النبي - صلى الله عليه وسلم -.
فهذه هذه مسائل مسألة القصاص وانتهينا منها، ومسألة دروس البيوت وأيضا وضحت الصورة، وهذا غاية ما عندي وما سألت عنه أهل العلم، ومسألة الدوريات التي في البيوت، وضحت الصورة، ومسألة المدينة وهل هم معصمون من البدعة ووضحت الصورة فيها، وأيضا حديث الصورة وبينه أهل العلم.
بقي عندنا مسألة قول ابن سيرين إن أصوات القرآن قال: إنها محدثة، وهذه التي يعني نقرأ في بعض الآثار، ثم نستمر في الآثار، أصوات القرآن محدثة، كما قال: يقول الطرطوشي سأنقل لكم بعض الآثار من الطرطوشي وأنا أحيلكم عليه في هذه المسألة، وفيغيرها كتاب نفيس، يقول: من البدع المحدثة في الكتاب العزيز الألحان والتطريب، التمويج والمد هذا والتطريب على طريقة الأعاجم، وهو كثير عندنا الآن، بل هو يقال هوالأكثر الآن أن ناسا يقرءون القرآن على ليس على لحون العرب، وإنما على لحون الأعاجم، آتانا التطريب في الآذان والتطريب في القراءة، آتانا من قبل الأعاجم، إما من الدول التركية لما كان لها هذا، أو من الإخوة في الهند أو الباكستان لما أتوا بتحفيظ القرآن وغيره، النبي عليه الصلاة والسلام الصحابة يقولون كما تسمعون في الآثار: إنما يقرأ القرآن على لحون العرب وأصواتها، بدون تطريب بدون تمويج وبدون مد زائد وبدون تكلف، هذا كله مذموم هذا كله مذموم.
والآن نقرأ الآثار يقول: الإلحان والتطريب قال الله عز وجل: -وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا - أي فصله تفصيلا وبينه تبينا وترسل فيه ترسيلا، ولا تعجل في قراءته، منقول العرب ... ثغر رتل إذا كان مفلجا، رتل كما قال تعالى: -وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً - إيش قال: الله -كَذَلِكَ - يعني على هذا الصفة -لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا - فرقناه تفريقا، فصلناه تفصيلا، حتى يثبت في الفؤاد، فإذا كان هذا في التنزيل فكذلك في التعلم، خذ قليلا قليلا، رتله ترتيلا يعني، وكما قال تعالى في قراءة: -وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ - إذاكان هذا في القراءة تقرأ على مكث، فكيف في التعلم؟ في التفكر فيه.
قال الإمام مالك: " لا تعجبني القراءة بالألحان؛ لأنهم أول ما بدأوا بالتطريب،ثم أصبح تطور أول حتى أصبح هذا على الألحان على ألحان الموسيقى " وذكر الطرطوشي أسماء لها ولا زالت موجودة إلى الآن، وقد بعض الناس يدرسونها، ولها مواقع وتدرس، يقرأ القرآن على اللحن الموسيقي، انظر كيف البدع تبدأ صغيرة، ثم تأول إلى هذاالأمر، قال: مالك لا تعجبني القراءة بالألحان ولا أحبها لا في رمضان ولا في غيره؛ لأنه يشبه الغناء، ويضحك بالقرآن؛ يقال: فلان أقرأ من فلان، وبلغني أن الجواري يعلمن ذلك كما يعلمن الغناء، أترى هذه من القراءة التي كان يقرأ بها النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه؟ لا والله.
وسمع سعيد بن المسيب عمر بن عبد العزيز في شبيبته يطرب بالقرآن فأرسل إليه فنهاه، عن التطريب فانتهى، بمعنى اقرأه بدون تكلف، مثل قراءة الآن كبار السن عندنا إذا كان يحسن القراءة، هذه أقرب للسنة، من قراءتنا نحن الشباب، فهي سمة كبار السنما يتكلف يقرأ القرآن بخشوع وبإطالة حروفه، ولا يتكلف لا يطرب ولا يزيد ولا ينقص.
وقال إبراهيم النخعي: كانوا يكرهون القراءة بالتطريب، وكانوا إذا قرءوا القرآن قرءوه حدرا، مرسلا بحزن، هكذا كانت قراءتهم حدرا مرسلا قريب بحزن، يعني العرب كان قراءتهم التحزين التشويق، يعني بدون - يقرأ بخشوع -، كما وصفوا قراءة الفضيل بن عياض قالوا: كانت قراءته شهية حزينة كأنه يخاطب إنسانا، يعني إذا جاء تعجب يتعجب، إذا جاء تخويف، يعني كأنه يخاطب إنسانا، يحركون القلوب، وليس همه ما آخر السورة، الآن بعض القراءة كأن قراءة نحوي، فقط يقيم الحروف ويتنطع في مسائل المخارج، وفي مسائل القلقة والاستفال، ولا فيه ما تدري ما تشعر أن هذا يعني يتدبر القرآن ويفهمه.
قال حذيفة بن اليمان: إذا قرأتم القرآن فاقرءوه بحزن، ولا تجفوا عنه وتعاهدوهورتلوه ترتيلا، وقال محمد بن سيرين: أصوات القرآن محدثة، وهذا ذكره ابن الوضاح بالإسناد.
وقال كعب: ليقرأن القرآن أقوام هم أحسن أصواتا فيه من العازفات بعزفهن، ومن حداة الإبل لإبلهم، لا ينظر الله إليهم يوم القيامة، نسأل الله العافية والسلامة.
كما قال حذيفة: أقرأ الناس للقرآن منافق، أقرأ الناس للقرآن منافق لا يخلي منه ألف ولا واوا ولكنه لا يجاوز ترقوته كما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الخوارج.
وقال أبو ذر الغفاري وعابث الغفاري سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم -: يتخوف على أمته قومًا يتخذون القرآن مزامير، يقدمون الرجل يأمهم، ليس بأفقههم، ولاأعلمهم، وإنما حتى يغنهم غناء، يقول: أنت صوتك حسن جميل ويطرب لهم حتى يتلذذون بالسماع، ما يصل للقلوب، وإنما قصدهم أن يهزون الرءوس ويستلذون اللذة، فقط نسأل الله العافية، وإنما الصوت الحسن يحمد إذا كان معه خشوع معه تدبر، كما قال أبو موسى لما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: -إنك أتيت مزمارا من مزامير آل داود-، يعني صوتا، فقال: لو علمت حبرت لك تحبيرا بالخشوع بالتدبر، وقال عبد الله بن أحمد: سألت أبي الإمام أحمد عن القراءة بالألحان فقال: محدث.
وقال سلمان :خطبنا علي بن أبي طالب يوما فذكر خطبة طويلة، وذكر فيها فتنة قربها قال فيها: تضيع حقوق الرحمن ويتغنى بالقرآن، ويجعل كالطرب والألحان.
ثم ذكر أصحاب الألحان وأنهم حدثوا في القرن الرابع وسماهم حتى قال: من ألحانهم النبقي والرومي والحساني والمكي، ذكر أسماء كثيرة، أسماء ابتدعوها قال: وإنما قال: والتالي منهم السامع لا يقصدون فهم المعاني، وإنما اللذة والطرب، كقول الله عز وجل: يذم قريش انتبهوا كقول الله -وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً - ماكَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً، أصوات فقط لايتعظون، وإنما نزل القرآن ليتدبر آياته، وتفهم معانيه وتحرك به القلوب ويعمل به،كما قال تعالى: -كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ -وقال تعالى: -أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ - وقال الله عز وجل: - إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا -وهذا يمنع أن يقرأ بالألحان المشبهة للأغاني، لينالوا مد الخشوع وضد الخوف والوجل، وقال تعالى: -وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ -ليسفقط يعني كثيرا من العاطفة، أحيانا إذا صاح مثلا القارئ، أو رفع صوته يبكي الناس، الإنسان تهيج عاطفته، لكن ليس من القلب قال والله عز وجل يقول: -لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ -.
ثم ذكر قول النبي عليه الصلاة والسلام: -ليس منا من لم يتغن بالقرآن -فقال: لفظ التغاني له معاني: إما أن يكون الاستغناء بالقرآن، وهذا هو تفسير سفيان الثوري، وأبي عبيد القاسم بن سلام، وهو من أئمة اللغة، وذكره البخاري في صحيحه، ليس منا من لم يستغن بالقرآن عن غيره ويفرح بالقرآن.
وإما أن يكون التغني الجهر به، وإما أن يكون تحسين الصوت على لحون العرب على طريقة العرب بدون تكلف، وذكر حديث أنس كيف كانت قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم - في البخاري قال: (كان يمد مدًا بسم الله الرحمن الرحيم، ويقف، يقول: يقف على الرحمن ... الرحيم الحمد لله رب العالمين)، حتى يتعظون الناس، ثم ذكر قول عائشة: أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يقرأ السورة فيرتلها حتى تكون أطول من أطول منها، يرتلهاحتى تكون أطول من أطول منها.
وأما الذي لا ينبغي في قراءة القرآن قال: وهذا آخر ما ذكر قال: ومما ابتدعه الناس في القرآن من محدثات البدع، الاقتصار على حفظ حروفه دون التفقه فيه.
روى الإمام مالك في الموطأ: أن عبد الله بن عمر مكث في سورة البقرة ثمان سنين يتعلمها، ثمان سنين وهو يتعلم قال: العلماء يتعلم فرائضها وأحكامها وحلالهاوحرامها؛ لأن العلماء يقولون في سورة البقرة: ألف أمر وألف نهي وألف حكم وألف خبر، هذه السورة العظيمة فسطاط القرآن، إذا كان فيها هذه الآلاف تحتاج إلى سنين يتعلم ويعرفها، وكذلك ذكر قال: وهذا هو حال المقرئين في هذه الأعصر، تجد أحدهم يروي القرآن بمائة رواية، ويثقف حروفه تثقيف قدح، وهو أجهل الجاهلين بأحكامه.
ومن ذلك حديث عبد الله بن مسعود قال: " إنكم في زمان كثير فقهاؤه قليل قراءه، تحفظ فيه حدود القرآن وتضيع الحروف ": يعني لا يهتم بالحروف اهتمام زائد " قليل من يسأل وكثير من يعطي، يبدءون أعمالهم قبل أهوائهم، وسيأتي على الناس زمان قليل فقهاؤه كثير قراءه تحفظ الحروف، وتضيع الحدود كثير من يسأل، وقليل من يعطي، يبدءون بالأهواء قبل الأعمال ".
وقال الحسن البصري: إن هذا القرآن قد قرأه عبيد وصبيان، يقصد مملوكا لماذا قص المملوك هنا؛ لأنه ليس عنده وقت ليتعلم هو مشغول بخدمة سيده، قال: لا علم لهم بتأويله والصبي؛ لأن السن ما يسمح بأن يعرف المعاني، قال: ولم يأت الأمر من قبل وجهه والله عز وجل يقول: -كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ - وماتدبر آياته إلا اتباعه بالعلم، ما هو والله بحفظ الحروف وإضاعة الحدود، حتى إن أحدهم ليقول، يقول الحسن البصري: والله لقد قرأت القرآن كله ما أسقط منه حرفا، ووالله لقد أسقطه كله لماذا؟ قال: لا يرى القرآن له في خلق ولا عمل، وإن أحدهم ليقول: إني لأقرأ السورة في نفس واحد، ما هؤلاء بقراء ولا هؤلاء بالعلماء، أهل الوعظ، متى كان القراء يكونون مثل هذا، لا كثر الله في الناس أمثاله، يقول الحسن البصري.
وقال الحسن أيضا: قرأ القرآن ثلاثة نفر إما رجل أعده ...، وإما رجل أقام حروفه وضيع حدوده، والثالث نسأل الله أن نكون منهم، قال: ورجل قرأ القرآن فبدأ بأدوية القرآن، التي يعلمها فجعلها على داء قلبه، كل دواء في القرآن يضعه على مرض قلبه، فهملت عينه وسهر نومه، وارتدى الخشوع بهم يسقي الله الغيث، وينفي العدو، ويدفع البلاء، والله لهذا الضرب في حامة القرآن أقل من الكبريت الأحمر، الذي يدري من الآيات أنها أدوية، وأن قلبه ونفسه فيه أمراض، والناس في أمراض، فيأخذ العلاج ويضعه على الدواء، ويظهر فيه الأثر يظهر فيه الخشوع، وقال الله عز وجل في من يحفظ الكتب المنزلة من السماء، ولا يعلم ما فيها ولا يتعلم ولا يفقه، قال: -وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ - الأماني يعني: قراءة فقط مثل ما قال الله تعالى: -وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّاإِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ - يعني في قراءته، بس أماني، قراءة بس يحفظون القرآن بس ما يفقهون، وهذا الذي سنتبع فيه سنن من كان قبلنا، منهم أميون سماهم الله أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني، قراءات فقط، كانوا يحفظون التوراة، ولا يعلمون ما استودع الله فيه من الحكم والعبروالمعاني، فوصفهم الله بذلك.
وقال الله تعالى: -مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَاكَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا - مثل الحمار الذي تحمل هذه الكتب؛ لأنه يحمل فقط لكنه لا يدخل قلبه لا يدخل جوفه، فشبه تالي القرآن من غير أن يفهمه كمثل الحمار يحمل أسفارا، فدخل في عموم هذا من يحفظ القرآن من أهل ملتنا، ثم لايفهمه ولا يعمل بما فيه.
وأيضا قول الله عز وجل: -يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا - ماقال: تقرءوا أو تحفظوا -حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ - يقول سُفْيَانُ الثوري: ليس في كتاب الله آية هي أشد عليّ من قول الله عز وجل، هذه الآية: -حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ -قال: وإقامتها أي الفهم والعمل بها، وذكر آثارا طيبة وذكر آثارا طيبة.
فيا أيها الإخوة: نحن لا نقول: إن الحفظ ... إشارة للبدعة منكرة، لكن نقول إنه ليس عليه عمل السلف، وأحسن الهدي هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا يؤدي الغرض، مقصودنا من القرآن ليس أن تحفظه في شهر، ليس هذا المقصود، أنظر ابن عمر جلس ثمان سنين في سورة واحدة.
المقصود: أنا إذا رأينا قارئ القرآن كما قال الحسن البصري: إذا رأيته عرفته من هديه ومن خشوعه ومن ذله ومن ابتسامته، لا ينبغي أن يقرأ القرآن حتى يبلغ أثر ذلك عليه، أن نأخذ القليل القليل نتفقه فيه، نعمل بما فيه، هذا أحسن، كلكم مجمعون على أن هذا هو هدي الصحابة.
كما قال أبو عبد الرحمنالسلمي: كان الذين يقرءون القرآن لا يجاوزون خمس آيات أو عشر حتى يعلمون ما فيها من العلم والعمل، وأحسن الهدي هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم نرضى إلى أنفسنا ما رضي الله لكتابه، لماقال الذين كفروا: -لَوْلَانُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً - لو حفظناه جملة واحدة لو أخذناه بسرعة فقال الله: لا -كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَبِهِ فُؤَادَكَ - إذا أخذته قليلا قليلا يثبت في فؤادك كل معنى يؤكد الآية التي بعده وكل عبرة تتأكد بما بعدها، وتأخذ وتبني قليلا قليلا، ورتلناه ترتيلا، نسأل الله أن يهدينا على السنة وأن يوفقنا لما ينفعنا وأن يفقهنا ويرزقنا اتباع سبيل من سلف.
أيها القراءة كما قال حذيفة عبد الله بن مسعود: اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم، إن أخذنا بآثار من قبلنا سبقنا سبقا بعيدًا، وإن تركنا الطريق يمينا وشمالا ضللنا ضلالا بعيدًا نعم.
----------------------------------شرح "التحذير من البدع"