[صوتية وتفريغها] نَصِيحَةٌ وتَوجِيهٌ للخُطَبَاءِ:: سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ حفظه الله

[أم عبد الرحمن الهاشمية]

بِسم الله الرحمن الرحيم
نَصِيحَةٌ وتَوجِيهٌ للخُطَبَاءِ
سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ حفظه الله مفتي عام المملكة العربية السعودية، ورئيس هيئة كبار العلماء، ورئيس اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
[من هنا] ^{سأرفعها لاحقاً على المرفقات إن شاء الله}

السؤال:
ما هو دور خطبة الجمعة في إصلاح وتوجيه المجتمع، وما واجب الخطباء من حيث واجب الاهتمام بالمصلين، والحرص على إعداد الخطبة إعداداً يُفيدهم ويصلح من أحوالهم جزاكم الله خيراً؟.

الإجابة:
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله ربّ العالمين، اللّهم صلِّ وسلِّم وبارك على عبدكَ ورسولك؛ محمد أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدّين أمّا بعد:
خطبة الجمعة -أولاً- نعلم أنّ من شرط صحة الجمعة أن يسبقها خطبتان، ويتقدمها خطبتان، فالخطبتان شرطٌ لصحَّةِ الجُمعة، إذن؛ لو صلَّى جمعة بِلا خطبتة فجمعته غير منعقدةٍ، لا بُدَّ مِن تَقَدُّم خطبتين قبل صلاة الجمعة، هاتان الخطبتان لهما شأنٌ عظيمٌ وأهميةٌ كبرى، ذلك أن الخطيب يحرص في يوم الجمعة ويستغلُّ اجتماع النّاس -يعني اجتماع الجمعة- لأنَّ اجتماع الجمعة أوسع من اجتماع الصلوات الخمس، فالاجتماع للصلوات الخمس يخُصُ أهل الحيِّ، والاجتماع لصلاة الجمعة يتعدّاهم إلى غيرهم، فيكون الحضور كبيراً يوم الجمعة، ولهذا يَسْتغلُّ الخطيب وجود هذا الجمع من النّاسِ فيوجههم وينصحهم، ويختارُ موضوعاً مناسباً يتَحسس فيه مشاكل المجتمع وما يعيش المجتمع، فأيُّما قضية يرى أنّ من المهمِّ التحدثُ عنها سواء كانت تتعلق بالعقيدة، بالعبادة، بالمعاملات، بالأحوال الشخصية، بالحدود أو بالأخلاق والآداب، أيُّ قضية يراها مناسبةً يتحدثُّ عنها في ذلك اليوم-يوم الجمعة- يجعل خطبته دينيةً، وعظيةً، توعويةً، هادفةً، موجِّهةً يخرج منها المصلي وقد تزوَّد علماً ومعرفةً، فترى الخطيب يعالج ربطَ العبدِ بربّهِ، وصلته بربِّه، وتقوية العقيدة في نفسهِ وتقويةَ علاقته بربِّه حُباً وخَبواً وملجأً، ويحث العبد على الإيمان بالله حق الإيمان، والإيمان بكتبِ الله ورسله وملائكتِه واليومِ الآخِرِ، ويحُثهم أيضا على تطبيق ذلك الإيمان وحقيقتهِ حتى يزداد المؤمن إيماناًَ. يحثهم في العقيدة على عبادة الله وإخلاص الدّين لله، ويحذرهم من الشركِ بالله ووسائل درئهِ على اختلافها، وتارةً تراهُ يتحدث عن أحكام الطهارة، أحكام الوضوءِ وأركان الوضوء وواجباته ومستحبّاته، ويتحدث أحياناً عن الصلاة وشروطها وأحكامها، أركانها، واجباتها والخشوع فيها، بيان صفة أدائها على وجهٍ أكمل، وتارةً يتحدث عن الزكاة وأهميتها في الإسلام، وماالمقدار الواجب من الزكاة، وأنواع أموال الزكاة، وأيضا يتحدث عن الصيام، ومن يجب عليه الصيام، وأحكام الصيام وآداب الصيام ومفسداتُ الصيام وما في ذلك، كلُّ هذا يتحدثُ عنه في موضوعاتٍ متعددةٍ، وتارة الحجّ وأحكامة وأركانه وواجباته وصفة الحج والآداب المطلوبة للحاجِّ، وتارة يتحدّثٌ عن المعاملاتِ ما يحلُّ منها وما يحرمُ؛ وماذا ينبغي أن يتحلّى به في مبيعهِ وشرائهِ ومخالطة الآخرين، وتاره يتحدث عن الأسرة وماذا يجب على الزوجين؛ كلٌّ منهما نحو الآخر، وأحكام العلاقة الزوجية وعشِّ الزوجية بما ينفع، وتارةً يتحدث عن الحدود الشرعية وحكم انتهاكها والعقوبة المترتبة عليها ردعاً لما تيسّر وقوعه من المحرّمات، وتارة يتحدث عن آداب الإسلام وأخلاقه من الصدق والأمانة والوفاء والصلة والبرِّ والإحسان وغير ذلك من الآداب الشرعية.
إذن؛ فالخطيب دائماً في خُطَبِه ما بين آمرٍ وناه وموجّهٍ وداع، والحثِّ على الأخلاق الكريمة والصفات الحميدة. الخطيب يريدُ من خطبته ربطَ النّاسِ بدينهم وآداب إسلامهم. الخطيب يريد بخطبته إصلاح قلوب المسلمين وتوجيههم وتوصيلهم، الخطيب ليس سبّاباً ولا بذيءَ اللّسان ولا فاحش القول، ولا يحدد شخصاً معيناً ولا جهة معينة وإنّما يأتي بالتلميح القائم مقام التصريح، وفي التلميحِ خيرٌ؛ كما قال النبي ^ﷺ: «ما بالُ رجالٍ» إلى غير ذلك، الخطيب يحرص على أن تكون الخطبة معدّةً إعداداً جيّداً، مدعمة بأدلة من كتاب الله وسنة رسول الله ^ﷺ ، حريصا على أن تكون جامعةً بين الإيجاز وبين الفائدة فإنّه ^ﷺ يقول: « إِنَّ قِصَرَ الْخُطْبَةِ ، وَطُولَ الصَّلاةِ مَئِنَةٌ مِنْ فِقْهِ الرَّجُلِ ، فَأَطِيلُوا الصَّلاةَ ، وَاقْصُرُوا الْخُطَبَ ، وَإِنَّ مِنَ الْبَيَانِ لَسِحْرًا » ترى هذا الخطيب يراعي الوقت فلا يدخل يوم الجمعة إلّا بعد دخول وقت الظهر حتى لا يحمل من في البيوت على الصلاة قبل وقتها، ترى هذا الخطيب يتحلَّى بالحلمِِ والأناتِ والخلق الكريم سابقا إلى العمل بما دعا إليه، حريصا على هداية الناس وتبصيرهم، فليس بسبّابٍ ولا ببذيءِ اللِّسان، ولا تراه يُجَرّحُ أحداً ولا يشتم أحداً، ولا يتخذُّ المنابر وسيلة للهجوم السيئ، والتحدث بأحاديث فوق طاقة المأمومين، يعلم الخطيب أنّ معهُ علماء ومُتعلمون وعامة فيجعل خطابه صالحاً للجميع ليس أسلوباً قوياً لا يفهمه ضعفاء العلم، وإنّما أسلوباً جامعا بين حسن الأسلوب وبين قوّته وبين مناسبته لعقول الناس ، من حدّث الناس بحديث لا تفهمه عقولهم فقد فتنهم فلا بدَّ أن تحدث النّاسَ بحديث واقعيٍّ مناسبٍ، دعْ عنك الخرافات والمنامات والقصص التي -لا داعي لها !!- اقتصر على الكتاب والسنة ففيهما من الخير، وأقوال السلف الصالح وأقوال التابعين، احرص على أن تكون معدَّةً إعداداً جيداً، تتقِي الله فيها، وتعدها بصدقٍ وإخلاصٍ. وأسأل الله لي ولكم وللخطباء السدادَ لما يُحبُ ويرضى.