قال السائل: (( لقد أدرك الإخوة عندنا هنا أنَّه لا سبيل للهدى وللحق إلاّ بالرجوع إلى العلماء ـ علماء أهل السنة ـ في هذا العصر وسؤالهم، والتزام أقوالهم بعد ذلك، وها نحن الآن نعرض عليكم أخطر قضيّة تجري اليوم على الساحة الجزائرية، ألا وهي القتال القائم بيننا وبين النظام الحاكم منذ ثمان سنوات، نريد أن نعرف رأيكم فيه مع أكبر ت
فصيل ممكن.
عندنا تساؤلات نحتاج جداًّ أن تبيِّنوا لنا وجهَ الحق فيها، فنطمع منكم ـ يا شيخنا ـ في شرحٍ وافٍ وشافٍ، وأن تشرحوا لنا صدوركم؛ عسى الله أن يردَّ على أيديكم من شرد عن الحق ليعود إليه والله المستعان.
أوّل سؤال: ما رأيكم في هذا القتال القائم في الجزائر؟ وعلى أيِّ أساسٍ تبنون قولكم وموقفكم ـ يا شيخنا ـ عِلْماً بأنّنا ننتهج المنهج السلفي، ونرفع راية أهل السنة والجماعة، ونبرأ إلى الله من الهجرة والتكفير الذين يرتكبون المجازر والمذابح، ونبرأ إلى الله من الحزبيين الذين يُدَنْدِنون حول الانتخابات والتحزب وغير ذلك؟
قال الشيخ: جزاكم الله خيراً، أنا أولاً الآن أتهيّأ للذهاب للصلاة في المسجد الحرام. أذَكِّركم بما قد سمعتموه من فتاوى علماء وأئمّة السنة في هذا العصر مثل الشيخ الألباني والشيخ ابن باز وابن عثيمين، فهل سمعتم وقرأتم فتاواهم؟
السائل: إي نعم بلغتنا، ولكن حال دون الانتفاع بها بعضُ الشُبَه التي نحتاج إلى جوابها منكم يا شيخنا.
الشيخ: إذاً تُؤَجَّل الإجابة عن الأسئلة هذه إلى أن أعود من الصلاة من المسجد الحرام.
ثم ضرب لهم الشيخ موعداً آخر من اليوم نفسه.
ثم قبل انتهاء المكالمة قال الشيخ: أقول: بل أسألك سؤالاً سريعاً:
كم نسبة السلفيين في هؤلاء؟
السائل: هي أمّة كثيرة ـ يا شيخنا ـ أمة كثيرة!
الشيخ: طيّب إذا كانوا سلفيّين لماذا لم يرجعوا إلى العلماء قبل أن يدخلوا في هذه المشكلة؟
السائل: هم أصلاً كانوا يعتمدون في خروجهم على فتوى للشيخ ناصر الدين الألباني ـ يعني ـ فتوى قديمة، ثم ظهر الآن أنَّها لَم تكن ـ يعنِي ـ بتلك القوة وبتلك السلامة، والله تعالى أعلم.
الشيخ: خير إن شاء الله على كلِّ حال البحث يجري بعدين إن شاء الله.
وعند الموعد اتّصل الثوارُ بالشيخ.
قال السائل: نحن نحيطكم علماً أنَّ الذي يكلِّمك الآن هم إخوانك المقاتلون من الجزائر، وبالضبط المقاتلون: (الجماعة السلفية للدعوة والقتال)، ونحن في إحدى كتائبها: (كتيبة الغرباء) بالبويرة.
نعود طبعاً بعد أن بلغنا من كلام أهل العلم ما بلغنا أن نطرح عليكم بعض التساؤلات، وكنا قد أعطيناك بدايتها في الصباح، وها نحن نعطيك تفاصيلها إن شاء الله عزّ وجلّ.
عموماً أودُّ أن نعطيك ـ يا شيخنا ـ نظرةً لمجريات الأحداث منذ أن بدأت إلى يومنا هذا؛ حتى تكون عندك صورة متكاملة عمّا جرى إن شاء الله عزَّ وجلَّ.
كما تعلمون ـ شيخنا ـ القضية بدأت بظهور الجبهة الإسلامية للإنقاذ على الساحة، التحزب ـ يعني ـ المفهوم ذاك والانتخابات، ثم تَوقَّفت الانتخابات وجرى ما جرى في تلك الفترة، في 92 بدأ جماعة من التكفيريّين عمليّات القتل والجبهة الإسلامية للإنقاذ في إبّان تلك الفترة كانت تدعم القتال بشكل إعلامي فقط، وتحمِّس الشباب لذلك.
بعد ذلك شيخنا انتشر عند الإخوة أنَّ الشيخ ناصر الدين الألباني قد أفتى بهذا القتال، وقال: (( عجِّلوا! عجِّلوا! ))، وهناك شريط مسموعٌ في هذه الفترة مع هذه الظروف الإعلامية ومع الظروف المتقلبة ـ يعني ـ ... أصبح الشباب يلتحق أفواجاً أفواجاً بهؤلاء المقاتلين.
قال الشيخ: أَسمعني شريط الألباني.
السائل: ماذا شيخنا؟
الشيخ: أسمعني كلام الشيخ الألباني هذا الذي يقول: (( عجِّلوا! عجِّلوا! )).
السائل: ماذا يا شيخ ماذا؟
الشيخ: أقول: أَسمعوني صوت الشيخ الألباني هذا الذي اعتمدتم على فتواه.
السائل: الشريط موجود، لكنَّ الشريط بُني على واقعٍ غير واقع الذي سأل الشيخ، لم يعطه الواقع الصحيح؛ أوهمه أنَّ ثَمَّة عُدّة، وثَمَّة (7) ملايين و(3) ملايين وهكذا، فالشيخ قال: (( عجِّلوا! عجِّلوا! )) كأنّه أوهمه غير الواقع، فكان هذا الذي كان.
الشيخ: أقول بارك الله فيكم:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه، أمّا بعد، فأرى أنّك تفرِّق بين السلفيين وبين جماعة التكفير؟
السائل: إي نعم!
الشيخ: وفهمتُ من خلال كلامك أنَّكم تتبرَّؤون مِمَّن يكفِّر التكفير العام الشامل للشعب، فهذا يعطيني على أنكم أيضا تكفرون؟
السائل: إي نعم! إي نعم!
نحن ليس على هذه الصورة وإنما على صورة أخرى.
الشيخ: كيف تكفيركم؟
السائل: الجماعة يكفِّرون الحاكم، لهذا خرجوا عليه.
الشيخ: الحاكم والجيش والوزراء ومن حولهم؟
السائل: إي نعم! كلُّ من دخل في طائفة الحاكم قاتلوه معه!
الشيخ: قاتلوه على أساس أنَّه كافر؟
السائل: إي مش كفر عيني، أي على أساس ليس كفر تعيين ـ يا شيخنا ـ ليس كلّ واحد من أفراد الطائفة يكفر كفر عيني!
الشيخ: الحاكم الآن تكفِّرونه؟
السائل: أي نعم!
الشيخ: لماذا تُكفِّرونه؟
السائل: بناءً على أنَّه نَحَّى الشريعة الإسلامية وعوَّضها بقوانين وضعية، وحارب المسلمين وأنَّه أفتى فيه الشيخ ناصر الدِّين الألباني كما أسلفتُ لك سابقاً.
الشيخ: لا! الآن، الآن على فتوى الألباني الجديدة؟
السائل: الجديدة؟ ها هنا وقع استغرابنا وحيرتُنا يا شيخَنا!
الشيخ: الألباني يُكفِّر حُكَّام الجزائر ...، أو العثيمين أو الفوزان ـ يعنِي ـ قالوا بأنَّ الحُكَّام كفار؟ لا حول ولا قوة إلاَّ بالله!
السائل: لم يقولوا ذلك يا شيخنا.
الشيخ: طيِّب، وأنتم عندكم بأنَّ كفرَهم بواح وفيه من الله برهان كأن قالوا بأنَّ الإسلام هذا لا يصلح، بأنَّه رجعية، وأنَّ القوانين هذه أفضل من الإسلام، قالوا هذا؟
السائل: هذا ما سمعناه منهم يا شيخنا.
الشيخ: إذاً ما عندكم دليلٌ واضح على أنَّهم كفَّار الكفر البواح هذا يُعامل بما جاء في الأحاديث عن الرسول عليه الصلاة والسلام في موقف المسلم من الحاكم المنحرف.
الحكَّام الذين تعرفون وتنكرون وقال فيهم: (( يهتدون بغير هديي ويستنُّون بغير سنَّتي ))، وأحاديث كثيرة جدًّا، حتى إنَّ الرسول لَمَّا قالوا له: أنقاتلهم؟ قال: (( لا ما أقاموا فيكم الصلاة ))، يعني أنَّهم يُغيِّرون في الإسلام إلى آخر شيء. إذا بقوا يُصلُّون ويدَّعون الإسلام لا يقاتَلون ولا يُخرج عليهم، هل عرفتم هذه الأشياء؟
السائل: نحن نسمع من فضيلتكم ـ يا شيخنا ـ نتعلَّم منكم الآن.
الشيخ: إي ـ بارك الله فيكم ـ ادرسوا هذه الأحاديث وادرسوا كلام العلماء وادرسوا كلام الألباني، وعليكم بطلب العلم ...
ثم أنا أسألك: هذه ثمان سنوات ما هي ثمار هذا القتال؟ ما استفاده المسلمون من هذا الجهاد؟
السائل: لحدِّ الآن لا شيء يا شيخ!
الشيخ: كم قُتل، وكم من المال، وكم من الأعراض انتُهكت، وكم، وكم ...؟
السائل: الكثير! الكثير!
الشيخ: الكثير! الكثير! أنتم أيَّدتم هذا الوضع، أيَّدتم التكفريِّين الذين يسفكون الدِّماء، وتشجَّعوا بكم، وعاضدتموهم، وإن قلتم إنَّكم سلفيُّون، وإنَّكم تخالفونهم في الرأي، ولكنهم يستفيدون من وقوفكم إلى جانبهم، وزادوا بكم جرأة على هذا الشعب فسحقوه سحقاً، فلم يبقوا له ديناً ولا دنيا! هل هذه الصفات يرضى بها الإسلام؟!
السائل: لا يا شيخنا! نحن قد جرى بيننا وبين هؤلاء قتال ونزاع طبعاً.
الشيخ: السبب الذي أوصل الشعب الجزائري الذي كان متجِّهاً إلى السلفية بأمَّته وشبابه وفتياته، جامعيين وغيرهم، متوجِّهين نحو النهج السلفي، هذا الوضع أحسن أو حينما جرت هذه الثورة وهذه الفتن؟
السائل: الوضع الآن ليس بأحسن!
الشيخ: طيِّب! أنتم قاتلتم ليكون الوضع أحسن مِمَّا كان؟
السائل: إي نعم! إي نعم!
الشيخ: فكيف كنت النتائج؟
السائل: سيِّئة ـ يا شيخنا ـ سيِّئة لحدِّ الآن!
الشيخ: أليس لكم عبرة في هذا؟! أليس هذا برهاناً على أنَّ هذا الجهاد جهادٌ كان منطلقاً من جهل، ومن فتاوى ـ يعني نسأل الله العافية ـ لم يستنجدوا بالعلماء، واتخذوا أصحاب الشرور رؤوساً جهالاً، فيُفتون بغير علم، فيَضلُّون ويُضلِّون، ولم يقفوا عند حدِّ الضلال والإضلال، بل تجاوزوه إلى سفك الدِّماء وهدم الإسلام.
الإسلام هُدم في الجزائر هدماً شديداً شنيعاً؛ بفعل هؤلاء!!
وربَّما لو لم يتعجلوا ومشوا بالعلم والبصيرة لربَّما كانت دولة الإسلام في الجزائر، ولكن لجهلهم وسوء نواياهم؛ لأنَّ نواياهم سيِّئة لا يريدون إلاَّ الملك فقط، لا يريدون إعلاء كلمة الله، يريدون أن يتسنَّموا هم قمة الحكم، ولهذا السبب جعلت الانتخابات والديمقراطية والكلام الفارغ.
وهم ليس لهم إلاَّ مصارعة الحكام، ولا همَّ لهم إلاَّ أن يتسنَّموا قمة الحكم فقط، ثم بعد ذلك يديرون ظهورهم للإسلام، كما فعل أمثالُهم في السودان وفي تركيا وفي غيرها.
فهؤلاء لو وصلوا إلى الحكم لزادوا الناسَ خوفاً وظلماً وابتعدوا عن الإسلام ...
فالآن ... اعتبروا بهذا الذي حصل، وشمِّروا عن ساعد الجدِّ لتحصيل العلم ودعوة هذا الشعب الطيِّب إلى كتاب الله وسنة الرسول حتى يعود إلى ما كان عليه قبل هذه الفتنة، ثم يتقدَّم إلى تحقيق الغاية التي ينشدها الإسلام.
السائل: شيخنا! على حسب قولكم إذاً لا يمكن الحكم بكفر حاكم من الحكام وإن كان يحكم بغير ما أنزل الله حتى يحكم عليه العلماءُ بذلك.
الشيخ: نعم! حتى يرى العلماءُ فيه كفراً بواحاً، ثم بعد صدور الفتوى هل يُقاتَل أو لا يُقاتل؛ لأنَّ الله يقول: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِن قُوَّةٍ وَمِن رِبَاطِ الخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال 60]، هذا إذا كان كافراً.
أنا جاءني شبابٌ في أول هذا القتال، فقلت: أعددتم للقتال، وهم كفار عندكم؟ قال: لا!
قلت: ما عندكم قوة، وهم عندهم طائرات، وعندهم دبَّابات، وعندهم كذا، من ورائهم بريطانيا وأمريكا، والدول كلّها، وأنتم ما عندكم شيء، فأنتم ما أعددتم العدَّة التي تُرهبون بها عدوَّ الله، قد أعددتم العدة التي تُطمِعون عدوَّ الله فيكم وفي الإسلام، فلو كان الحاكم كافراً كفراً بواحاً، في الجزائروفي غيرها لكان يجب ان يُرجع في ذلك إلى العلماء، فهم الذين يُقدِّرون المصلحةَ والمفسدةَ، ومتى يُشرع القتال ومتى لا يُشرع إلخ، لا للسفهاء والجهلة وأصحاب الأهواء الطامحين إلى المُلك، فهذا من الخطأ، وقد عرفتم حصاد هذا التهوُّر.
فعليكم بالتوبة إلى الله تبارك وتعالى، فقد لا تسلمون من المسئولية أمام الله في الدِّماء التي أُبيحت، وفي الأعراض التي انتُهكت، وفي الأموال التي سُلبت ونُهبت، فتوبوا إلى الله توبة نصوحاً ـ بارك الله فيك ـ فإنَّ عليكم المسئولية أمام الله عزَّ وجلَّ؛ لأنَّكم شاركتم هؤلاء.
فتوبوا إلى الله توبة نصوحاً فيما وقع في حقِّ المسلمين ... مظلومين، ثم شمِّروا عن الساعد، والله يقبل التوبة.
وشمِّروا عن ساعد الجدِّ في طلب العلم، ونادوا إخوانكم الذين بقوا هناك في الجبال أن يتوبوا ويعودوا إلى الله، بلِّغوهم مثل هذا ...
السائل: شيخنا! بعض الإخوة المقاتِلين عندنا طرحوا سؤالاً فقالوا: إذا كان هذا ليس بجهاد، ولكن يُفكِّرون بالبقاء فيالجبال بسلاحهم، ولا ينزلون، بدعوى أنَّهم يخافون من الحكومة، ما يكون توجيهكم لهم؟
الشيخ: أولاً: جاءني سؤال ـ قبل سنة تقريباً ـ من واحد من هؤلاء التائبين.
قلت له: هل تعتبر أنَّ عملكم هذا جهاد؟
قال: نعم!
قلت له: يا ابْنِي! هذا خطأ، الجهاد: إذا كنتم تريدون إعلاء كلمة الله فيجب أن تزحفوا إلى دولة أوربية: إمَّا إيطاليا، أو فرنسا، أو إسبانيا ... هم كفار، تزحفون بجيشكم إلى بلد كافر فاسق بكفره حكومةً وشعباً، وتدعونهم إلى الدخول في الإسلام، ليشهدوا أن لا إله إلاَّ الله محمد رسول الله، فإن استجابوا فالحمد لله، وإن لم يستجيبوا فتطلبون منهم أداءَ الجزية، فإنْ أَبَوْا حينئذ يصحُّ القتال، ولكن قتالاً شريفاً، لا تُنتهك فيه الأعراض، ولا تقتل فيه النساء، ولا الصبيان، ولا .. ولا .. إلى آخر الشروط التي في إطار الإسلام في الجهاد الإسلامي النظيف، الذي ينفع ولا يضر.
فتستفيد منه البلاد ... الفاتحون والبلاد المفتوحة.
أما جهاد هؤلاء السفهاء، فوالله! لقد شقي بهم الإسلام والمسلمون، بارك الله فيكم.
الآن ننصح هؤلاء بأن يعودوا، وأظنُّ أنَّ الدولةَ لن تقتلهم، وقد توجِّه لهم أسئلة ثم تتركهم كما بلغنا.
ليس الخطورة ... كما يُصوِّر الشيطان لهؤلاء: أنَّهم إذا عادوا فسيُقتلون، وكذا وكذا.
يا أخي! لو قُتلت أنتَ ـ بارك الله فيك ـ وسَلِم الناسُ من أذاك، هذا هو المطلوب. فليرجعوا! وثِق أنَّ النتائج ستكون طيبة.
ولو فرض أنَّه سيكون هناك سجن وقتلٌ فعليهم بالصبر، عليهم بالصبر ـ بارك الله فيك ـ لمصلحة الإسلام، ولمصلحة هذا الشعب، وليستعيد أنفاسه، ويُفكِّر قليلاً، ثمَّ يعود ـ إن شاء الله ـ إلى الوجه الطيب المشرق الذي كان عليه سابقاً.
السائل: إذاً ما حكم من بلغه هذا، ثمَّ بقي مُصرًّا على القتال؟
الشيخ: والله! هذا ظالم، ويُناشَد أن يتقي الله، وأن يندم على ما صنع، إن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، إن كان له عقلٌ يُدرك به ما حصل من الفساد، وما نزل بهذا الشعب من الأضرار في دينه ودنياه، إن كان فيه بقية من خير فسيعود إلى ما كان عليه من قبل. وإن كان إنساناً منحرفاً قد استولى عليه الشيطان، فهذا: الله يتولى حسابه، ولا يجوز نصره ... ولا يجوز أن تُدعم جماعتُه، ولا أن يُمَدُّوا بالعون والسلاح أو بالمال أو بأي شيء.
السائل: شيخنا! إذا رؤساء المقاتلين لم يستجيبوا لهذه الدعوات الطيبة، ما واجب كلِّ مقاتل في حقِّ نفسه؟
الشيخ: أقول ـ بارك الله فيك ـ: هؤلاء المقاتلون هل هم التكفيريُّون أم هم الذين يدَّعون السلفية؟
السائل: أقول: الذين يدَّعون السلفية.
الشيخ: الذين يدَّعون السلفية: أنا أظنُّ أنَّ في سلفيَّتهم خللاً كبيراً جدًّا، بحيث لم يَبقَ عندهم من السلفية إلاَّ الادِّعاء، وإلاَّ لو كانوا سلفيِّين ما خرجوا أولاً.
وثانياً: حينما جاءتهم فتاوى العلماء لعادوا أدراجهم إلى [بيوتهم]، فأنا أعتقد أنَّ هؤلاء يحملون السلفية اسماً، وليسوا صادقين في سلفيَّتهم، ولو كانوا صادقين كما قلت ما دخلوا في هذه الفتنة، ولو دخلوها لخرجوا منها بسرعة، بمجرد [سماع] كلام العلماء، تفضل!
السائل: شيخنا! ما هو واجب كلِّ جندي الآن من المقاتِلين، إذا رؤساؤهم أَبَوْا الاستجابة لهذه الدعوة الطيِّبة؟
الشيخ: حقُّه أن يتوب إلى الله ويرجع يا أخي! هذا حقُّه يا أخي!
هذا لا يجوز؛ لأنَّ الجهادَ هذا أولاً: هو يُكفِّر الحكومة، وهذا الحكم جائر، الحكم لا شك أنَّه طاغوت، القوانين طاغوتية، لكن هل كلّ واحد يؤمن بهذا الطاغوت؟ حتى الحاكم نفسه يؤمن بهذا الطاغوت؟
وهل نحن على بصيرة وعلى برهان واضح أنَّ هذا هو الكفر البواح؟ ما فيه أدلَّة بارك الله فيك، أخوه مسلم، يصلي ...
على كلِّ حال عنده على الأقل كفر، وهذا ظالم لا شك، فاجر، لكن لا يخرج من دائرة الإسلام إلاَّ بدليل واضح كالشمس، وكثير ... مسلمبن مكرهين ...
القتل كلُّه في المسلمين والمساكين والضعفاء، قد يكونون مكرَهين، ينبغي إدراك هذه الأشياء، بارك الله فيك.
السائل: نعم، هذا واضح ـ يا شيخنا ـ وجيد، حفظكم الله وجزاكم عنَّا كلَّ خير.
الشيخ: أوصي نفسي وإياكم بتقوى الله، والتشمير عن طلب العلم، وادرسوا هذه الأبواب خاصة دراسة واعية، ادرسوا أحاديث الرسول في صحيح مسلم وغيره من كتب السنة والعقائد السلفية، ومِن جامع المسانيد لابن كثير، وكتب الفقه، وكتب ابن تيمية وابن القيم، وادرسوا الأمور هذه واستوعبوها تماماً.
وقبلها ادرسوا العقيدة، تمكَّنوا فيها، والشريعة الإسلامية، وتمكَّنوا فيها.
والشعب الجزائري يحتاج إلى علماء، ما يحتاج إلى مقاتلين جهلة فجرة، ما يحتاج إلى هذا الصنف الذي أوصله إلى هذه الهوة السحيقة من الجهل والضلال والفقر والضياع، يُريد علماء حكماء يسيرون بالأمة في الطريق الإسلامي الصحيح، ويدفعون عنهم المفاسد، ويُقدِّرون المصلحة ويضعونها في موضعها، والمفسدة ويضعونها في موضعها، ما يريد هؤلاء الناس الطائشين، فتجنَّبوا هؤلاء، عليكم بالعلم ـ بارك الله فيكم ـ العلم والعمل وتقوى الله والإخلاص في كلِّ ذلك.
والشعب الجزائري من أفضل الشعوب، ومن أسرعها استجابة إلى الحقِّ، وأيضاً شمِّروا عن ساعد الجدِّ لدعوتهم إلى المنهج السلفيِّ الذي هو دين الله الحق.
السائل: شيخنا! بلغنا أنَّكم ممَّن يحمل لواء الجرح والتعديل في هذا الزمان( )، فنوَدُّ أن نسألكم عن بعض الأشخاص الذين لهم مكانة ههنا عن بعض المقاتلين، نبدأ بأبي قتادة الفلسطيني الماكث في بريطانيا، هل تعرفونه شيخنا؟
الشيخ: أسمع أنَّ هذا من أسوأ خلق الله وأفجرهم وأجْرئهم على الفتوى، وأنَّه يُبيح قتل الأطفال والنساء، فبئسما صنع، وبئسما أفتى هذا الرجل!!
وهذا ليس من أهل العلم، هذا من أهل الأهواء؛ ومن الأدلة: أنَّه يعيش في بلاد الكفر، وأنا أشكُّ أنَّ بريطانيا تشجِّع هذه الأصناف؛ لأنَّها تريد للعالم الإسلامي دماراً، وهؤلاء أنزلوا بالشعب الإسلامي من الهلاك والدَّمار ما يشفي صدورَ الكفار.
هذه النتائج التي وصلتْ إليها الجزائر، مَن يفرح بها؟ يفرح بها اليهودُ والنصارى وأعداءُ الإسلام.
ومن أوصل الشعب الجزائري إلى النتائج المُرَّة غير هذه الفتاوى ...؟!
هل [تعلمون] أنَّ أبا قتادة سلفي؟
السائل: لا نعرفه سلفيًّا، شيخنا!
الشيخ: سلفي؟
السائل: لا نعرفه سلفيًّا.
الشيخ: ... لاتعرفونه بالسلفية، يعني: تكفيري؟!
فقال أحد المقاتلين: تكفيري إيه!
وقال السائل موافقاً زميله: أي نعم!
قال الشيخ: خلاص، تعرفه وتسألني عنه؟
قال السائل: حتى يعرفه الإخوة؛ لأنَّ الإخوة مخطئون فيه، فإذا سمعوا كلامَكم، وأنتم أهلٌ للقول فيه، فيُؤخَذ قولكم إن شاء الله عزَّ وجلَّ.
الشيخ: جزاك الله خيراً.
السائل: شيخنا! أيضاً: أبو مصعب السوري، هل تعرفونه؟
الشيخ: لا! أبو مصعب مَن؟
السائل: السوري هذا؟!
الشيخ: هو في بريطانيا يعيش؟
السائل: ربَّما، وهو يتكلَّم أيضاً في هذه المسائل: التكفير والجهاد.
الشيخ: وأيضاً هناك أبو حمزة( )! من قيادات الشر والفتن!
وأظنُّ أنَّ لهم علاقات بأعداء الإسلام، بريطانيا وغيرها ـ والله أعلم ـ تشجِّعهم على هذه الفتن التي يثيرونها في بلاد الإسلام، وعلى هذه الفتاوى التي تضرُّ بالمسلمين ولا تنفعهم؟
السائل: شيخنا! ما قولكم في أسامة بن لادن؟
الشيخ: والله ! ما هو بعيد عن هؤلاء! ما هو بعيد عن هؤلاء!
السائل: شيخنا! الإخوة .. نحن مثلاً .. الجماعة السلفية .. الإخوة في الجماعة السلفية ـ كما كنت أسلفتُ لك ـ خرجوا متأوِّلين؛ ظانِّين أنَّ هذا جهاد مشروع وقد أخطأوا، وقد مضى عليهم في هذه سنوات من التعب والنصب، وهناك فيهم من قُتل! فما حكم تلك السنوات التي كانوا فيها متأوِّلين من التعب والنصب؟
وما حكم من قتل أيضاً منهم؟
الشيخ: والله فهم لا تبصَّروا في الأمر، ولا رجعوا إلى العلماء، وأنت تعلم أنَّ الذي يحصل جاء هذا مصيره ـ بارك الله فيك ـ هم حكموا على الحكومة ـ والله أعلم ـ والشعب بالكفر، [وشرعوا في إراقة الدماء] هذا مصيره مصير الخوارج، والله أعلم، هذا ما أعتقد، وأعوذ بالله إن كنتُ قد أخطأتُ!
السائل: يا شيخ! هل تختمون هذه المكالمة بنصيحة توجِّهونها للإخوة؟
الشيخ: النصيحة الأولى: أوصيكم بتقوى الله تبارك وتعالى، والإخلاص لله في كلِّ قول وعمل، والتشمير عن ساعد الجدِّ في طلب العلم من مناهله ومنابعه الصحيحة من كتاب الله وسنة الرسول وكتب السلف الصالح، ثم كذلك دعوة الناس إلى هذا المنهج الصحيح، والتربية عليه تربية صحيحة، مَن يموت منهم يموت على الإسلام الحقِّ، على عقيدة صحيحة وعلى منهج صحيح وعلى بصيرة من دينه.
ثم هؤلاء الذين يستقيمون على منهج الله لن يُضيِّعهم الله تبارك وتعالى، ولن يضيِّع أعمالهم إن شاء الله.
ونسأل الله تبارك وتعالى أن يُجنِّبنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، ومسألة الجهاد ليست مسألة سهلة ـ يعني ـ بهذه السهولة، يعني ... يَقتُل ثم يُكتب في المجتهدين وفي المؤوِّلين ... والله أعلم؟! هذا مصيرهم بيد الله عزَّ وجلَّ ... وأنَّهم مخطئون عليهم مسئولية أمام الله تبارك وتعالى.
فلينصحوا أنفسهم جميعاً بتقوى الله و بلزوم كتابه وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، والسير على نهج السلف الصالح في العقيدة والعمل والمنهج، فلا سداد إلاَّ للعلم النافع، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح.
السائل: يا شيخنا! ههنا أخ مقاتل يريد أن يسألكم، نحوِّل إليه المكالمة.
السائل: شيخنا! حفظك الله، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
السائل: لقد سألك أخونا ـ وكانت الأجوبة شافية كافية، وعلى أتَمِّ البيان ـ والحمد لله تبارك وتعالى ـ غير أنِّي في الختام أطلب منكم شيئاً بعد هذا الذي أصابنا وأصاب الأمة، ألا وهو أن تألِّفوا رسالة توجِّهونها إلى الشباب في الجزائر، تحثُّونهم فيها على الأخذ من أهل العلم، وتبيِّنون أسماء العلماء المعاصرين، وتبيِّنون كذلك رؤوس الخوارج؛ لأنَّ في هذه البلاد ينعدم العلماء السلفيُّون.
ربَّما في بعض البلدان يجد الشباب من يوجِّههم إلى السنة ومنهجهم ويبيِّن لهم الحقَّ والباطلَ، لكن في أماكن كثيرة من هذا الوطن تجد الشباب لا يعرف، ويقرأ الرسائل ويسمع الأشرطة، وتجده في حيرة من أمره: هذا يقول هكذا، وذلك يقول هكذا، وحيثما أوقع الشباب في ضلال الجبهة الإسلامية للإنقاذ، ولذلك ـ يا شيخنا ـ نتمنى أن تجيبوا لنا هذه الدعوة وهذا الذي طلبناه منكم.
الشيخ: أرجو الله تبارك وتعالى أن يحقق هذا الأمل الذي تقترحه ...
السائل: شيخنا! اذكر لنا تاريخ المكالمة والاسم حتى يتأكَّد الإخوة أنَّ هذه المكالمة حديثة.
الشيخ: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد، فهذه المكالمة جرت بيني وبين بعض الإخوة الجزائريِّين الذين يُهمّهم حقنُ دماء المسلمين، جرت هذه المكالمة في الثاني من رمضان عام 1420هـ، وأنا ربيع بن هادي عمير المدخلي، أسأل الله تبارك وتعالى أن يتقبَّل منِّي هذه النصيحة، وأن ينفع بها، وأن يهدي إخواننا الذين يخالفوننا أن يعودوا إلى الصواب والرشد والهدى )).
بتاريخ 2 رمضان 1420هـ
منقول سحاب