بسم الله الرحمن الرحيم
انتشر في الآونة الأخيرة إنتشارا كبيراً قصة الإمام أحمد والخباز ويذكرونها في معرض ذكرهم لفضل الإستغفار ومن المستغرب سبب هذا الإنتشار حتى أن أغلب المساجد صارت تضعها في لوحة إعلانات المسجد ثم تَبيّن أن الواعظ محمد العريفي قد ذكرها في إحدى كلماته وعزاها إلى إبن الجوزي ,وكعادة الناس حملوا هذه القصة وطاروا بها من دون معرفة درجة صحتها لامن الواعظ المشهور ولا ممن أخذها عنه حتى أني في البارحة سألت إمام مسجد عن القصة وقد ذكرها في
مسجده أحدهم فقال إمام المسجد والله ماأعرف صحتها غير أن محمد العريفي ذكرها .
والقصة هي:
كان الإمام أحمد ابن حنبل يريد ان يقضي ليلته في المسجد ولكن مُنع من المبيت فيه بواسطة حارس المسجد لأن الحارس لا يعرف ابن حنبل لأنه كان في مدينة اخرى
حاول الإمام ولكن لا جدوى فقال الإمام للحارس : سأنام موضع قدمي ، وبالفعل نام مكان موضع قدميه
فقام حارس المسجد بإبعاده من مكان المسجد ، وكان الإمام شيخاً وقورا ، وتبدو عليه ملامح الصلاح والتقوى ، فرآه خباز فلما رآه بهذه الهيئة ؛ عرض عليه المبيت وذهب الإمام مع الخباز ، فذهب الخباز لتحضير عجينه لعمل الخبز ، وسمع الإمام الخباز يستغفر ويستغفر ، ومضى وقت طويل وهو على هذه الحال ، فتعجب الإمام !
فلما أصبح سأل الإمام الخباز عن استغفاره في الليل ، فأجابه الخباز : إنه طوال مايصنع عجينه ويعجن فهو يستغفر ..
فسأله الإمام وهل وجدت للإستغفار ثمرة ؟
والإمام يسأل هذا السؤال وهو يعلم ثمرات الاستغفار!
فقال الخباز: نعم والله ما دعوت دعوة إلا أجيبت إلا دعوة واحدة.
فقال الامام أحمد:ماهي؟
فقال الخباز: رؤية أحمد بن حنبل!
فقال الإمام : أنا أحمد بن حنبل ، والله إني جُررت إليك جراَ !!
وبعد هذه القصة كما قرأتم والسؤال عمن بحث فيها من أهل الإختصاص تبين مايلي : أنها غير موجودة عند إبن الجوزي ؛ وأن هناك قصة قريبة منها بعض الشيء أوردها ابن النجار في مؤلفه ذيل تاريخ بغداد ؛ والقصة هذه جرت بين الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه وهي : أنبأنا عبد الوهاب بن علي بن محمد بن ناصر الحافظ أخبره قال: أنبأنا أبو الحسين المبارك بن عبد الجبار الصيرفي قراءة عليه قال: حدثنا القاضي أبو القاسم عبيد الله بن القاضي الامام أبي يعلى محمد بن الحسين بن الفراء قال: أنبأنا القاضي أبو محمد همام ابن الحسن الايلي حدثنا أبو بكر أحمد بن علي بن الحسين بن قسانية الخطيب حدثنا أبو عبد الله الحسين بن بكر الوراق حدثنا أبو الطيب محمد بن جعفر حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال:
لما انطلق أبي إلى المحنة خشى أن يجئ إليه إسحاق بن راهويه فرحل أبي إليه يعني ابن حنبل - فلما بلغ أبي إلى الري دخل إلى المسجد فجاءه مطر كأفواه القِرب فلما كان العتمة قالوا له : أخرج من المسجد فإنّا نريد أن نغلقه فقال لهم : هذا مسجد الله وأنا عبد الله فقيل له : بعد كرى الصناع ما أعطيناهم أيما أحب إليك تخرج أو نجر برجلك قال: فقلت: سلاماً فخرجت من المسجد والمطر والرعد والبرق فلا أدري أين أضع رحلي ولا أين أتوجه فإذا رجل قد خرج من داره فقال لي: يا هذا إلى أين تمر في هذا الوقت ؟ فقلت: لا أدري أين أمر
فقال لي: ادخل ! فأدخلني دارا ونزع ثيابي وأعطوني ثيابا جافة وتطهرت للصلاة فدخلت إلى بيت فيه كانون فحم وكبود ومائدة منصوبة قيل لي : كل ! فأكلت معهم فقال لي: من أين أنت ؟ قلت: أنا من بغداد فقال لي: تعرف رجلا يقال له أحمد بن حنبل ؟ فقلت: أنا أحمد بن حنبل فقال لي: وأنا إسحاق بن راهويه.
وهذه القصة قد أوردها الذهبي في السير وعزاها لإبن الجوزي لكن الذهبي شنّع على ابن الجوزي في إيراده لهذه القصة وحكم عليها بالوضع .
فتبين بالنهاية أنه لاأصل لقصة الخباز . والقصة التي وردت قد حكم عليها الذهبي رحمه الله بالوضع فماذا بعد الحق إلا الضلال .
فنسأل الله أن يهدي من ضل من المسلمين وأن يعودوا إلى ماكان عليه سلف الأمة من الصدق والتقى .
قال تعالى (ياأيها الذين آمنوا إتقوا الله وكونوا مع الصادقين) التوبة 119
وقال عليه الصلاة والسلام "كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ماسمع " رواه مسلم في مقدمة الصحيح
وقال عليه الصلاة والسلام "كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع"
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد
المصدر
تعليق