بسم الله و الحمد لله . أما بعد
فهذه الأمة التي نتشرف بالانتساب لها ، هي خير أمة أخرجت للناس ، و هي الأمة الوسط بين الأمم ) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ( " البقرة : 143 " فلا إفراط ولا تفريط ولا غلو ولا جفو ، ولا إسراف ولا تقصير ، و بينما يتهاون النصارى في أمر النجاسات و يتباهى الواحد منهم بأنه أربعين سنة لا يغتسل ، نجد اليهود على العكس و النقيض ، فالواحد منهم إذا أصابت النجاسة ثوبه يقرضه بالمقرض ، و من رحمة الله بهذه الأمة رفع الآصال و الأغلال التي كانت من قبلنا ، و شرع لنا سبحانه شرعاً محكماً لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، و من أعظم سمات هذه الشريعة المطهرة اليسر و التخفيف ورفع الحرج قال تعالى ( يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) " سورة البقرة : 185 " و قال ( وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) " سورة الحج : 78 " و المتتبع لنصوص الشريعة و أحكامها يجد علاجاً ودواءاً لحالات الوسوسة التي تنتاب الكثيرين فمثلاً الثابت بيقين في العقائد و الأحكام لا يزحزحه الشك ولا الوسوسة ، فالإنسان يدخل في الإسلام بنطقه بالشهادتين باتفاق العلماء ثم يؤمر بالتزام أحكام الشرع التكليفية ، و قد يعرض له الشيطان بخواطر الشر و السوء فلا تضره بإذن الله ، و من ذلك أن البعض ذهب لرسول الله صلى الله عليه و سلم يقول له : إنا لنجد في أنفسنا ما لو خررنا من السماء إلى الأرض لكان أهون علينا من أن نتحدث به ، و قال البعض لأن أكون حممه ، و ذلك يوضح مبلغ المعاناة و حرصهم على معاني الإيمان ، و عدم إفصاحهم عن الوساوس التي انتابت نفوسهم و مجاهدتهم في رد و دفع هذه الخواطر السيئة ، فلما سمع النبي صلى الله عليه و سلم ذلك قال " أو قد وجدتموه ، ذلك صريح الإيمان " ، و قال الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة " و قال أيضاً " قل آمنت بالله " و قال ابن عباس رضى الله عنهما لمن وجد مثل ذلك قل " قل هو الأول و الأخر و الظاهر و الباطن وهو بكل شئ عليم " و كأن الإنسان مع سيره في طريق الإيمان لابد وأن يجد مثل هذه الخواطر أو الوساوس فالشيطان قطع عهداً على نفسه ليتخذن من العباد نصيباً مفروضاً ، وهو قد فرغ من اليهود و النصارى بإيقاعهم في الكفر و لذلك لا يوسوس لهم أما بالنسبة للمسلم إذا هم بطاعة ربه أجلب عليه الشيطان بخيله ورجله ، فيحدث معه مثل هذه الصورة التي عرضت للأفاضل ، و تخوفوا على أنفسهم بسببها ، إلا أنهم لم يذكروا هذه الخواطر لأحد و لم يعتبروها مشاعر و أحاسيس صادقة أو وجدنات فياضة كما يعبر بعض من لا خلاق له ولا دين عنده ، و قد أمر النبي صلى الله عليه و سلم من وجد ذلك أن يقول " آمنت بالله " و بين أن ذلك صريح الإيمان ، فهذه الوساوس لا تضر الإنسان طالما اعتصم بحبل الله المتين و بذكره الحكيم ( وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) " سورة آل عمران : 101 " و قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ ) " سورة الأعراف : 201 " يتذكرون أمره و نهيه ووعده ووعيده سبحانه ، فيحدث لهم ذلك تبصرة فعلى العبد أن يكثر من التعوذ بالله من الشيطان الرجيم وأن ينشغل بذكر الله ، فقد قالوا : نفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل ، فيحافظ على تلاوة القرآن الكريم و الأذكار الموظفة ، كأذكار الشروق و الغروب و النوم ، ولا يعقد مناظرات مع الشيطان فكلما فرغ من شبهة أجلب عليه بشبهة أخرى حتى يرهق عقله ، فينصرف ولو إلى أمر مباح ، و يعلم الخواطر قد عرضت لمن هو أفضل منه ، و لن تضره بإذن الله إذا قال آمنت بالله ، فذلك صريح الإيمان ، و الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة ، كما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم . فإذا انتقلنا إلى دائرة الأحكام وجدنا المسألة لا تختلف فلا عنت ولا مشقة ولا حرج ولا مبرر للاسترسال في الوساوس التي تنتاب البعض ، و من ذلك مثلاً أن الثابت بيقين لا يزحزحه الشك ، فلو تيقن الإنسان الطهارة و شك في الحدث ، فيطرح الشك ولا يلتفت له و يبنى على اليقين وهو الطهارة ، أما إذا تيقن الحدث و شك في الطهارة ، فعليه أن يجدد طهارته . و يعفى عن يسير النجاسة التي يشق التحرز منها ، كما يحدث في الاستجمار بالأحجار ، فقد يتبقى أثر النجاسة فلا يلتفت له ولا يعول عليه ، و كذلك المرآة إذا أصاب ثوبها دماء الحيض فإنها تغسله ، و قد يتبقى أثر الدم بالثوب فيعفى عنه ولا حرج في الصلاة به ، و لما قيل لرسول الله صلى الله عليه و سلم : كيف تصنع النساء بذيولهن ، قال : يرخينه شبراً ، قيل : إذاً تنكشف سوقهن ، قال : يرخينه ذراعاً لا يزدن عليه ، و قد تمر المرآة على نجاسة و تصيب ثوبها إلا أن ما بعده يطهر ما قبله ، فلا داعي للوسوسة في مثل ذلك ، و ليس العلاج في تقصير ثوب المرآة ، ولا يجوز الاعتراض على من أطالت جلبابها على النحو المذكور ، فالمرآة مأمورة بالصيانة و التحفظ و التحجب و التستر ، وإذا ورد شرع الله بطل نهر معقل فهل من يعقل . و كذلك يقولون العبرة بالظهور لا بالشعور ، فالإحساس بالاحتلام لا يترتب عليه عمل حتى يرى أثر المنى ، فإن لم يظهر أثر للمني فلا اغتسال عليه ، و المرآة قد تشعر بخروج دماء الحيض ولا تمتنع عن الصلاة و الصيام ولا تأخذ حكم الحائض حتى يظهر دم الحيض . و قد يسمع الإنسان أصواتاً بالبطن فلا ينصرف من الصلاة ، ولا يجب عليه تجديد الوضوء حتى يسمع صوتاً أو يشم ريحاً يستيقن به خروج شئ من السبيلين ( القبل و الدبر ) و قد لا يكتفي البعض بالاستنجاء بالماء بعد التبول و يظل يمشي و يتنحنح .... و يمكث على ذلك وقتاً طويلاً قد يفوت به وقت الصلاة ، ولا داعي لمثل ذلك ، فالبول كاللبن في الضرع إن حلبته در وإن تركته قر ، فبعد الاستنجاء ينقطع البول مباشرة عند الشخص السليم ، فلو استمر البول بعد ذلك دل الأمر على حالة مرضية و حينئذ يعامل معاملة أهل الأعذار ، فأصحاب سلس البول و المستحاضة ( التي ينقطع عنها الدم ) وأصحاب انفلات الريح و المذاء يتوضئون بعد دخول الوقت و يصلون به الفريضة و ما شاءوا من النوافل حتى دخول وقت الفريضة الثانية ، مع وضع حفاظ يمنع تلوث الملابس متى استطاع ، ولا حرج على هذه الأصناف ، إذ لا يكلف الله نفساً إلا وسعها ، ولا أحد أحب إليه العذر من الله ، وفى الحديث " هلك المتنطعون ، و جاء " لا تشددوا على أنفسكم فيشدد الله عليكم فإن قوماً شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم ، فتلك بقاياهم في الصوامع و الديار رهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم " حسن رواه أبو داود و غيره . و قد نهانا سبحانه عن الغلو في الدين فقال ) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ ( " سورة المائدة : 77 " . و يكره الإسراف في استخدام الماء ولو كنت على نهر جار ، و قد كان الإمام أحمد – رحمه الله – إذا أراد أن يتوضأ طلب من بعض إخوانه أن يستره ، كراهية أن يساء به الظن لقلة استخدامه الماء ، و كانوا يتوضئون بالمد و يغتسلون بالصاع ، وأقل الغسل مرة و أكثره ثلاث ، فمن زاد على ذلك فقد أساء و تعدى و ظلم ، و بعض أهل الوسوسة لا يكتفي بذلك بل قد يستخدم برميلاً للمياه و يظل يتوضأ ربع ساعة أو أكثر و يفتح صنبور المياه على يديه ، بل ينغمس في البحر و ما شابهه و يشك هل أصابه الماء أم لا و يصيبه الوسواس ، فلعل الماء لم يصل لهذه البقعة أو لتلك ، الأمر الذي يدل على أنه قد صار مغلوباً على عقله مقهوراً على فعله ، فإذا وصل إلى هذه الحالة رفع عنه قلم التكليف وفي الحديث " رفع القلم عن ثلاث : المجنون حتى يفيق و النائم حتى يستيقظ و الصبي حتى يبلغ " رواه أحمد و أبو داود . و قد شاهدت من غلب عليه الوسواس في طلاق امرأته و كان يحبها بشدة و يتخوف فراقها ، و يكثر السؤال عن حديثه مع نفسه و هل وقع به الطلاق أم لا ، كما شاهدت أيضاً رجلاً ظل يمسح الملعقة المغسولة ثلاثاً و ثلاثين مرة و قد شد انتباهى بطاعة الملعقة ثم قيامه بمسحها المرة تلو الأخرى ، كما سمعنا و شاهدنا كثيراً حالات الوسوسة في الطهارة و الوضوء ، و لن نعدم التناقض الصارخ عند بعض هؤلاء فبينما تصف بعض السلوكيات بأن مؤداها الحيطة و الحذر أو توهم التقى و الورع تجد التفريط في الواجبات وارتكاب المحرمات التي لا يختلف عليها أحد ، كحالة أهل الكوفة قتلوا الحسين ابن بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم ورضى الله عنه . ثم يذهبون يسألون عن دم البعوض و هل هو نجس أم لا . و الوسوسة في النية في الصلاة و الصيام كثيرة ، و هذه النية محلها القلب ولا يجوز التلفظ بها لا على جهة الجهر ولا الإستسرار فهذا معدود من جملة البدع ، فتجد البعض قبل دخوله الصلاة يرفع صوته ، و يقول نويت أصلى الظهر أربع ركعات مؤتماً بإمام مقيم ، و قد يزيد عليه الثاني و يخطئ بعضهم بعضاً و يتخوفون هل قالوا هذه اللفظة أم لا ، و هل تصح الصلاة بهذه الصيغة أم تبطل !!! و كلهم مخطئ في نفس الأمر ، بل قد صار الكلام على النية أشبه بالألغاز عند الموسوسين رغم وجوبها فما يكاد الموسوس يسمع عن تبييت النية في الصيام مثلاً إلا و تنتابه الحيرة الشديدة و يتخوف لعله لم يبيت النية في بعض الأيام أو لعله تحولت نيته أثناء الصيام ، و الأمر سهل يسير بإذن الله لا معاناة فيه ، فبهذه النية – و بدون تلفظ – نفرق بين المشروع و المباح ، و بين الحلال و الحرام ، و بين الواجب و المستحب ، و بين الواجب و الواجب ، فالإنسان قد يمسك عن الأكل و الشرب ما بين طلوع الفجر إلى غروب الشمس بل إلى أزيد من ذلك بنية الانتحار – و هذا فعل محرم – و الثاني قد يمسك بنية إنقاص الوزن – و هذا مباح ما لم يتضرر – و الثالث قد يمسك بنية صيام الاثنين و الخميس و الرابع قد يمسك بنية صيام رمضان أو كفارة يمين أو نذر ... ثم في نهار رمضان قد يشتهي الإنسان الطعام الطيب فلا يفسد صومه ، أما من عقد العزم على الفطر فقد وقع صومه باطلاً ووجب عليه القضاء و خصوصاً عندما يتواكب ذلك مع قول أو فعل كحالة من يتشاجر فيقول : سأفطر فمثل هذا يجب عليه القضاء حتى وإن لم يأكل ، ففي الحديث " إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به نفسها ما لم تتكلم أو تعمل به " و للوسوسة قد تحدث في إخراج الحروف وفي التلاوة و الترتيل حتى يحمر الوجه و تنتفخ العروق و الأوداج و يكاد العبد يختنق بسبب عسر الوسوسة الذي يتنافى مع قوله تعالى ( وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ ) " سورة القمر : 40 " و صاحب الوسوسة يظل يتخوف لعله لم ينطق بهذا الحرف أو لم يخرجه من مخارجه الصحيحة فتبطل بذلك صلاته !! ولو علم يسر الشريعة لما استدخل المشقة و الحرج على نفسه ، فالفاتحة هي الواجبة في الصلاة و ما من آية من آياتها إلا و قرأت بأكثر من قراءة بحيث يندر وقوع اللحن فيها كما وضح شيخ الإسلام ابن تيميه ، ككلمة الصراط تقرأ السراط و الزراط ، و كلمة ملك قرأت مالك أيضاً ، و كلمة عليهم ، تقرأ عليهٌم ، عليهمٌ .... و هذا من رحمة الله بعباده ، والإنسان قد لا يحسن أخذ شئ من القرآن ولا يحفظ التشهد فيقرأ مكانها سبحان الله و الحمد لله ولا إله إلا الله و الله أكبر و ذلك حتى يتعلم و ليس له أن يترك الصلاة ، و الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة ، و الذي يقرأ القرآن وهو يتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران ، و الصلاة التي يغلب عليها الوسواس لا يؤمر العبد بإعادتها حتى وإن خرج منها بنصفها أو ثلثها أو عشرها ، إذ سماها النبي صلى الله عليه و سلم ، و ليس للمرء إلا ما عقل من صلاته ، و لم يأمر صلوات الله و سلامه عليه بإعادة هذه الصلاة كما ورد في مجموع الفتاوى . ولا شك أن التفقه في الدين و معرفة السنن سبيل قوى للخروج من دائرة الوسوسة ، فالمسلم الذي يحب النبي صلى الله عليه و سلم و يحرص على متابعته و يعلم أنه على الحق المبين و الصراط المستقيم وأن أكمل و أشرف مخلوق وأنه لا يحل مخالفته ولا يتصور الهدى في غير طريقته قال تعالى ( وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) " سورة الشورى : 52 " و قال ( وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا ) " سورة النساء : 115 " و قال ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) " سورة النور : 63 " . من علم ذلك لابد وان يجاهد نفسه في التزام السنن ( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ) " سورة العنكبوت : 69 " . وأن يدور مع الشرع حيث دار فمثلاً كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يتوضأ بالمد و يغتسل بالصاع " متفق عليه ، فهذا القدر الوارد في السنة يكفي واعتقاد غير ذلك يستوجب المراجعة للنفس لا التمادي معها ، وورد عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه توضأ مرة مرة " رواه البخاري و لم يزد على ثلاث وأخيراً من زاد عليها فقد أساء و تعدى و ظلم فليس من الورع ولا من التقوى الزيادة على الثلاث و علينا أن نسمى الأشياء باسمها . و كان صلى الله عليه و سلم يغتسل هو و عائشة – رضى الله عنها من قصعة بينهما فيها أثر العجين " متفق عليه ، فمن فعل ذلك فقد أحسن ولا إنكار عليه ، و عن ابن عمر – رضى الله عنهما – قال : كان الرجال و النساء على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم يتوضئون من إناء واحد " رواه البخاري ، فتوهم النجاسة مطروح لا يلتفت له ، و قال الإمام أحمد : من فقه الرجل قلة ولوعه بالماء ، و كان رحمه الله يتوضأ فلا يكاد يبل الثرى . و قيل له : نزيد على ثلاث في الوضوء ؟ فقال : لا و الله إلا رجل مبتلى . و قد روى أبو داود في سننه من حديث عبد الله بن مغفل قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول " سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الطهور و الدعاء " وروى مسلم من حديث عثمان بن أبى العاص قال : قلت يا رسول الله : إن الشيطان قد حال بيني و بين صلاتي يلبسها على فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم " ذاك شيطان يقال له : خنزب ، فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه واتفل عن يسارك ثلاثاً ففعلت ذلك فأذهبه الله تعالى عني . و في الحديث " إن الشيطان يأتي أحدكم وهو في الصلاة فيأخذ بشعره من دبره فيمدها فيرى أنه قد أحدث فلا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً " رواه أحمد و أبو داود . وورد عن أبي داود " إذا أتى الشيطان أحدكم فقال له : إنك قد أحدثت فليقل له كذبت إلا ما وجد ريحاً بأنفه أو سمع صوتاً بأذنه ، و كان النبي صلى الله عليه و سلم إذا بال توضأ و ينتضح " رواه أبو داود ، و شكا إلى الإمام أحمد بعض أصحابه أنه يجد البلل بعد الوضوء فأمره أن ينضح فرجه إذا بال قال : ولا تجعل ذلك من همتك واله عنه . و عن على رضى الله عنه أنه خاض في طين المطر ثم دخل المسجد فصلى و لم يغسل رجليه ، و كان ابن عمر يمشي بمنى في الفروث و الدماء اليابسة حافياً ثم يدخل المسجد فيصلي فيه ولا يغسل قدميه ، و لما قيل يا رسول الله إن لنا طريقاً إلى المسجد منتنة فكيف نفعل إذا تطهرنا ؟ قال : " أو ليس بعدها طريق أطيب منها ؟ قالت : بلى ، قال : فهذه بهذه " رواه أحمد و أبو داود . ومن ذلك أن الخف و الحذاء إذا أصابت النجاسة أسفله أجزأ دلكه بالأرض مطلقاً و جازت الصلاة فيه بالسنة الثابتة ، ففي الحديث " إذا وطئ أحدكم بنعله الأذى فإن التراب له طهور " رواه أبو داود ، و في الحديث " إذا جاء أحدكم المسجد فلينظر فإن رأى على نعليه قذراً فليمسحه و ليصل فيهما " رواه أبو داود وأحمد و كان النبي صلى الله عليه و سلم يسجد على التراب تارة و على الحصى تارة و في الطين تارة حتى يرى أثره على جبهته و أنفه . و قد أمر النبي صلى الله عليه و سلم بالوضوء من المذي ، و لما قيل له : كيف ترى بما أصاب ثوبي منه ؟ قال : تأخذ كفاً من ماء فتنضح به حيث نرى أنه أصابه " رواه أحمد و الترمذي . و الودي الذي يخرج عقب البول و المذي الذي يخرج بسبب التفكير أو المباشرة كلاهما نجس و كلاهما يوجب الوضوء فقط أما المني الذي يوجب الاغتسال فهو طاهر وهو عبارة عن خروج الماء الدافق بشهوة و الذي يعقبه خدراً بالعضو و ماء الرجل أبيض و ماء المرأة أصفر ، وهو يخرج باحتلام أو جماع ، أما استفراغ المني باليد فهو من الأفعال المحرمة ، ولو خرج المني وجب الغسل .
الرابط: http://www.alsalafway.com/cms/news.p...ion=news&id=55
فهذه الأمة التي نتشرف بالانتساب لها ، هي خير أمة أخرجت للناس ، و هي الأمة الوسط بين الأمم ) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ( " البقرة : 143 " فلا إفراط ولا تفريط ولا غلو ولا جفو ، ولا إسراف ولا تقصير ، و بينما يتهاون النصارى في أمر النجاسات و يتباهى الواحد منهم بأنه أربعين سنة لا يغتسل ، نجد اليهود على العكس و النقيض ، فالواحد منهم إذا أصابت النجاسة ثوبه يقرضه بالمقرض ، و من رحمة الله بهذه الأمة رفع الآصال و الأغلال التي كانت من قبلنا ، و شرع لنا سبحانه شرعاً محكماً لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، و من أعظم سمات هذه الشريعة المطهرة اليسر و التخفيف ورفع الحرج قال تعالى ( يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) " سورة البقرة : 185 " و قال ( وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) " سورة الحج : 78 " و المتتبع لنصوص الشريعة و أحكامها يجد علاجاً ودواءاً لحالات الوسوسة التي تنتاب الكثيرين فمثلاً الثابت بيقين في العقائد و الأحكام لا يزحزحه الشك ولا الوسوسة ، فالإنسان يدخل في الإسلام بنطقه بالشهادتين باتفاق العلماء ثم يؤمر بالتزام أحكام الشرع التكليفية ، و قد يعرض له الشيطان بخواطر الشر و السوء فلا تضره بإذن الله ، و من ذلك أن البعض ذهب لرسول الله صلى الله عليه و سلم يقول له : إنا لنجد في أنفسنا ما لو خررنا من السماء إلى الأرض لكان أهون علينا من أن نتحدث به ، و قال البعض لأن أكون حممه ، و ذلك يوضح مبلغ المعاناة و حرصهم على معاني الإيمان ، و عدم إفصاحهم عن الوساوس التي انتابت نفوسهم و مجاهدتهم في رد و دفع هذه الخواطر السيئة ، فلما سمع النبي صلى الله عليه و سلم ذلك قال " أو قد وجدتموه ، ذلك صريح الإيمان " ، و قال الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة " و قال أيضاً " قل آمنت بالله " و قال ابن عباس رضى الله عنهما لمن وجد مثل ذلك قل " قل هو الأول و الأخر و الظاهر و الباطن وهو بكل شئ عليم " و كأن الإنسان مع سيره في طريق الإيمان لابد وأن يجد مثل هذه الخواطر أو الوساوس فالشيطان قطع عهداً على نفسه ليتخذن من العباد نصيباً مفروضاً ، وهو قد فرغ من اليهود و النصارى بإيقاعهم في الكفر و لذلك لا يوسوس لهم أما بالنسبة للمسلم إذا هم بطاعة ربه أجلب عليه الشيطان بخيله ورجله ، فيحدث معه مثل هذه الصورة التي عرضت للأفاضل ، و تخوفوا على أنفسهم بسببها ، إلا أنهم لم يذكروا هذه الخواطر لأحد و لم يعتبروها مشاعر و أحاسيس صادقة أو وجدنات فياضة كما يعبر بعض من لا خلاق له ولا دين عنده ، و قد أمر النبي صلى الله عليه و سلم من وجد ذلك أن يقول " آمنت بالله " و بين أن ذلك صريح الإيمان ، فهذه الوساوس لا تضر الإنسان طالما اعتصم بحبل الله المتين و بذكره الحكيم ( وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) " سورة آل عمران : 101 " و قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ ) " سورة الأعراف : 201 " يتذكرون أمره و نهيه ووعده ووعيده سبحانه ، فيحدث لهم ذلك تبصرة فعلى العبد أن يكثر من التعوذ بالله من الشيطان الرجيم وأن ينشغل بذكر الله ، فقد قالوا : نفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل ، فيحافظ على تلاوة القرآن الكريم و الأذكار الموظفة ، كأذكار الشروق و الغروب و النوم ، ولا يعقد مناظرات مع الشيطان فكلما فرغ من شبهة أجلب عليه بشبهة أخرى حتى يرهق عقله ، فينصرف ولو إلى أمر مباح ، و يعلم الخواطر قد عرضت لمن هو أفضل منه ، و لن تضره بإذن الله إذا قال آمنت بالله ، فذلك صريح الإيمان ، و الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة ، كما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم . فإذا انتقلنا إلى دائرة الأحكام وجدنا المسألة لا تختلف فلا عنت ولا مشقة ولا حرج ولا مبرر للاسترسال في الوساوس التي تنتاب البعض ، و من ذلك مثلاً أن الثابت بيقين لا يزحزحه الشك ، فلو تيقن الإنسان الطهارة و شك في الحدث ، فيطرح الشك ولا يلتفت له و يبنى على اليقين وهو الطهارة ، أما إذا تيقن الحدث و شك في الطهارة ، فعليه أن يجدد طهارته . و يعفى عن يسير النجاسة التي يشق التحرز منها ، كما يحدث في الاستجمار بالأحجار ، فقد يتبقى أثر النجاسة فلا يلتفت له ولا يعول عليه ، و كذلك المرآة إذا أصاب ثوبها دماء الحيض فإنها تغسله ، و قد يتبقى أثر الدم بالثوب فيعفى عنه ولا حرج في الصلاة به ، و لما قيل لرسول الله صلى الله عليه و سلم : كيف تصنع النساء بذيولهن ، قال : يرخينه شبراً ، قيل : إذاً تنكشف سوقهن ، قال : يرخينه ذراعاً لا يزدن عليه ، و قد تمر المرآة على نجاسة و تصيب ثوبها إلا أن ما بعده يطهر ما قبله ، فلا داعي للوسوسة في مثل ذلك ، و ليس العلاج في تقصير ثوب المرآة ، ولا يجوز الاعتراض على من أطالت جلبابها على النحو المذكور ، فالمرآة مأمورة بالصيانة و التحفظ و التحجب و التستر ، وإذا ورد شرع الله بطل نهر معقل فهل من يعقل . و كذلك يقولون العبرة بالظهور لا بالشعور ، فالإحساس بالاحتلام لا يترتب عليه عمل حتى يرى أثر المنى ، فإن لم يظهر أثر للمني فلا اغتسال عليه ، و المرآة قد تشعر بخروج دماء الحيض ولا تمتنع عن الصلاة و الصيام ولا تأخذ حكم الحائض حتى يظهر دم الحيض . و قد يسمع الإنسان أصواتاً بالبطن فلا ينصرف من الصلاة ، ولا يجب عليه تجديد الوضوء حتى يسمع صوتاً أو يشم ريحاً يستيقن به خروج شئ من السبيلين ( القبل و الدبر ) و قد لا يكتفي البعض بالاستنجاء بالماء بعد التبول و يظل يمشي و يتنحنح .... و يمكث على ذلك وقتاً طويلاً قد يفوت به وقت الصلاة ، ولا داعي لمثل ذلك ، فالبول كاللبن في الضرع إن حلبته در وإن تركته قر ، فبعد الاستنجاء ينقطع البول مباشرة عند الشخص السليم ، فلو استمر البول بعد ذلك دل الأمر على حالة مرضية و حينئذ يعامل معاملة أهل الأعذار ، فأصحاب سلس البول و المستحاضة ( التي ينقطع عنها الدم ) وأصحاب انفلات الريح و المذاء يتوضئون بعد دخول الوقت و يصلون به الفريضة و ما شاءوا من النوافل حتى دخول وقت الفريضة الثانية ، مع وضع حفاظ يمنع تلوث الملابس متى استطاع ، ولا حرج على هذه الأصناف ، إذ لا يكلف الله نفساً إلا وسعها ، ولا أحد أحب إليه العذر من الله ، وفى الحديث " هلك المتنطعون ، و جاء " لا تشددوا على أنفسكم فيشدد الله عليكم فإن قوماً شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم ، فتلك بقاياهم في الصوامع و الديار رهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم " حسن رواه أبو داود و غيره . و قد نهانا سبحانه عن الغلو في الدين فقال ) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ ( " سورة المائدة : 77 " . و يكره الإسراف في استخدام الماء ولو كنت على نهر جار ، و قد كان الإمام أحمد – رحمه الله – إذا أراد أن يتوضأ طلب من بعض إخوانه أن يستره ، كراهية أن يساء به الظن لقلة استخدامه الماء ، و كانوا يتوضئون بالمد و يغتسلون بالصاع ، وأقل الغسل مرة و أكثره ثلاث ، فمن زاد على ذلك فقد أساء و تعدى و ظلم ، و بعض أهل الوسوسة لا يكتفي بذلك بل قد يستخدم برميلاً للمياه و يظل يتوضأ ربع ساعة أو أكثر و يفتح صنبور المياه على يديه ، بل ينغمس في البحر و ما شابهه و يشك هل أصابه الماء أم لا و يصيبه الوسواس ، فلعل الماء لم يصل لهذه البقعة أو لتلك ، الأمر الذي يدل على أنه قد صار مغلوباً على عقله مقهوراً على فعله ، فإذا وصل إلى هذه الحالة رفع عنه قلم التكليف وفي الحديث " رفع القلم عن ثلاث : المجنون حتى يفيق و النائم حتى يستيقظ و الصبي حتى يبلغ " رواه أحمد و أبو داود . و قد شاهدت من غلب عليه الوسواس في طلاق امرأته و كان يحبها بشدة و يتخوف فراقها ، و يكثر السؤال عن حديثه مع نفسه و هل وقع به الطلاق أم لا ، كما شاهدت أيضاً رجلاً ظل يمسح الملعقة المغسولة ثلاثاً و ثلاثين مرة و قد شد انتباهى بطاعة الملعقة ثم قيامه بمسحها المرة تلو الأخرى ، كما سمعنا و شاهدنا كثيراً حالات الوسوسة في الطهارة و الوضوء ، و لن نعدم التناقض الصارخ عند بعض هؤلاء فبينما تصف بعض السلوكيات بأن مؤداها الحيطة و الحذر أو توهم التقى و الورع تجد التفريط في الواجبات وارتكاب المحرمات التي لا يختلف عليها أحد ، كحالة أهل الكوفة قتلوا الحسين ابن بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم ورضى الله عنه . ثم يذهبون يسألون عن دم البعوض و هل هو نجس أم لا . و الوسوسة في النية في الصلاة و الصيام كثيرة ، و هذه النية محلها القلب ولا يجوز التلفظ بها لا على جهة الجهر ولا الإستسرار فهذا معدود من جملة البدع ، فتجد البعض قبل دخوله الصلاة يرفع صوته ، و يقول نويت أصلى الظهر أربع ركعات مؤتماً بإمام مقيم ، و قد يزيد عليه الثاني و يخطئ بعضهم بعضاً و يتخوفون هل قالوا هذه اللفظة أم لا ، و هل تصح الصلاة بهذه الصيغة أم تبطل !!! و كلهم مخطئ في نفس الأمر ، بل قد صار الكلام على النية أشبه بالألغاز عند الموسوسين رغم وجوبها فما يكاد الموسوس يسمع عن تبييت النية في الصيام مثلاً إلا و تنتابه الحيرة الشديدة و يتخوف لعله لم يبيت النية في بعض الأيام أو لعله تحولت نيته أثناء الصيام ، و الأمر سهل يسير بإذن الله لا معاناة فيه ، فبهذه النية – و بدون تلفظ – نفرق بين المشروع و المباح ، و بين الحلال و الحرام ، و بين الواجب و المستحب ، و بين الواجب و الواجب ، فالإنسان قد يمسك عن الأكل و الشرب ما بين طلوع الفجر إلى غروب الشمس بل إلى أزيد من ذلك بنية الانتحار – و هذا فعل محرم – و الثاني قد يمسك بنية إنقاص الوزن – و هذا مباح ما لم يتضرر – و الثالث قد يمسك بنية صيام الاثنين و الخميس و الرابع قد يمسك بنية صيام رمضان أو كفارة يمين أو نذر ... ثم في نهار رمضان قد يشتهي الإنسان الطعام الطيب فلا يفسد صومه ، أما من عقد العزم على الفطر فقد وقع صومه باطلاً ووجب عليه القضاء و خصوصاً عندما يتواكب ذلك مع قول أو فعل كحالة من يتشاجر فيقول : سأفطر فمثل هذا يجب عليه القضاء حتى وإن لم يأكل ، ففي الحديث " إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به نفسها ما لم تتكلم أو تعمل به " و للوسوسة قد تحدث في إخراج الحروف وفي التلاوة و الترتيل حتى يحمر الوجه و تنتفخ العروق و الأوداج و يكاد العبد يختنق بسبب عسر الوسوسة الذي يتنافى مع قوله تعالى ( وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ ) " سورة القمر : 40 " و صاحب الوسوسة يظل يتخوف لعله لم ينطق بهذا الحرف أو لم يخرجه من مخارجه الصحيحة فتبطل بذلك صلاته !! ولو علم يسر الشريعة لما استدخل المشقة و الحرج على نفسه ، فالفاتحة هي الواجبة في الصلاة و ما من آية من آياتها إلا و قرأت بأكثر من قراءة بحيث يندر وقوع اللحن فيها كما وضح شيخ الإسلام ابن تيميه ، ككلمة الصراط تقرأ السراط و الزراط ، و كلمة ملك قرأت مالك أيضاً ، و كلمة عليهم ، تقرأ عليهٌم ، عليهمٌ .... و هذا من رحمة الله بعباده ، والإنسان قد لا يحسن أخذ شئ من القرآن ولا يحفظ التشهد فيقرأ مكانها سبحان الله و الحمد لله ولا إله إلا الله و الله أكبر و ذلك حتى يتعلم و ليس له أن يترك الصلاة ، و الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة ، و الذي يقرأ القرآن وهو يتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران ، و الصلاة التي يغلب عليها الوسواس لا يؤمر العبد بإعادتها حتى وإن خرج منها بنصفها أو ثلثها أو عشرها ، إذ سماها النبي صلى الله عليه و سلم ، و ليس للمرء إلا ما عقل من صلاته ، و لم يأمر صلوات الله و سلامه عليه بإعادة هذه الصلاة كما ورد في مجموع الفتاوى . ولا شك أن التفقه في الدين و معرفة السنن سبيل قوى للخروج من دائرة الوسوسة ، فالمسلم الذي يحب النبي صلى الله عليه و سلم و يحرص على متابعته و يعلم أنه على الحق المبين و الصراط المستقيم وأن أكمل و أشرف مخلوق وأنه لا يحل مخالفته ولا يتصور الهدى في غير طريقته قال تعالى ( وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) " سورة الشورى : 52 " و قال ( وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا ) " سورة النساء : 115 " و قال ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) " سورة النور : 63 " . من علم ذلك لابد وان يجاهد نفسه في التزام السنن ( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ) " سورة العنكبوت : 69 " . وأن يدور مع الشرع حيث دار فمثلاً كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يتوضأ بالمد و يغتسل بالصاع " متفق عليه ، فهذا القدر الوارد في السنة يكفي واعتقاد غير ذلك يستوجب المراجعة للنفس لا التمادي معها ، وورد عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه توضأ مرة مرة " رواه البخاري و لم يزد على ثلاث وأخيراً من زاد عليها فقد أساء و تعدى و ظلم فليس من الورع ولا من التقوى الزيادة على الثلاث و علينا أن نسمى الأشياء باسمها . و كان صلى الله عليه و سلم يغتسل هو و عائشة – رضى الله عنها من قصعة بينهما فيها أثر العجين " متفق عليه ، فمن فعل ذلك فقد أحسن ولا إنكار عليه ، و عن ابن عمر – رضى الله عنهما – قال : كان الرجال و النساء على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم يتوضئون من إناء واحد " رواه البخاري ، فتوهم النجاسة مطروح لا يلتفت له ، و قال الإمام أحمد : من فقه الرجل قلة ولوعه بالماء ، و كان رحمه الله يتوضأ فلا يكاد يبل الثرى . و قيل له : نزيد على ثلاث في الوضوء ؟ فقال : لا و الله إلا رجل مبتلى . و قد روى أبو داود في سننه من حديث عبد الله بن مغفل قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول " سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الطهور و الدعاء " وروى مسلم من حديث عثمان بن أبى العاص قال : قلت يا رسول الله : إن الشيطان قد حال بيني و بين صلاتي يلبسها على فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم " ذاك شيطان يقال له : خنزب ، فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه واتفل عن يسارك ثلاثاً ففعلت ذلك فأذهبه الله تعالى عني . و في الحديث " إن الشيطان يأتي أحدكم وهو في الصلاة فيأخذ بشعره من دبره فيمدها فيرى أنه قد أحدث فلا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً " رواه أحمد و أبو داود . وورد عن أبي داود " إذا أتى الشيطان أحدكم فقال له : إنك قد أحدثت فليقل له كذبت إلا ما وجد ريحاً بأنفه أو سمع صوتاً بأذنه ، و كان النبي صلى الله عليه و سلم إذا بال توضأ و ينتضح " رواه أبو داود ، و شكا إلى الإمام أحمد بعض أصحابه أنه يجد البلل بعد الوضوء فأمره أن ينضح فرجه إذا بال قال : ولا تجعل ذلك من همتك واله عنه . و عن على رضى الله عنه أنه خاض في طين المطر ثم دخل المسجد فصلى و لم يغسل رجليه ، و كان ابن عمر يمشي بمنى في الفروث و الدماء اليابسة حافياً ثم يدخل المسجد فيصلي فيه ولا يغسل قدميه ، و لما قيل يا رسول الله إن لنا طريقاً إلى المسجد منتنة فكيف نفعل إذا تطهرنا ؟ قال : " أو ليس بعدها طريق أطيب منها ؟ قالت : بلى ، قال : فهذه بهذه " رواه أحمد و أبو داود . ومن ذلك أن الخف و الحذاء إذا أصابت النجاسة أسفله أجزأ دلكه بالأرض مطلقاً و جازت الصلاة فيه بالسنة الثابتة ، ففي الحديث " إذا وطئ أحدكم بنعله الأذى فإن التراب له طهور " رواه أبو داود ، و في الحديث " إذا جاء أحدكم المسجد فلينظر فإن رأى على نعليه قذراً فليمسحه و ليصل فيهما " رواه أبو داود وأحمد و كان النبي صلى الله عليه و سلم يسجد على التراب تارة و على الحصى تارة و في الطين تارة حتى يرى أثره على جبهته و أنفه . و قد أمر النبي صلى الله عليه و سلم بالوضوء من المذي ، و لما قيل له : كيف ترى بما أصاب ثوبي منه ؟ قال : تأخذ كفاً من ماء فتنضح به حيث نرى أنه أصابه " رواه أحمد و الترمذي . و الودي الذي يخرج عقب البول و المذي الذي يخرج بسبب التفكير أو المباشرة كلاهما نجس و كلاهما يوجب الوضوء فقط أما المني الذي يوجب الاغتسال فهو طاهر وهو عبارة عن خروج الماء الدافق بشهوة و الذي يعقبه خدراً بالعضو و ماء الرجل أبيض و ماء المرأة أصفر ، وهو يخرج باحتلام أو جماع ، أما استفراغ المني باليد فهو من الأفعال المحرمة ، ولو خرج المني وجب الغسل .
الرابط: http://www.alsalafway.com/cms/news.p...ion=news&id=55