المحجة البيضاء في أحكام عاشوراء
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فهذه مباحث مختصرة في أحكام عاشوراء انتقيتها من بين عدة بحوث ورتبتها على شكل سؤال وجواب وليس لي فيها إلا الجمع والترتيب راجيا من الله أن ينفع بها.
أبو أسامة سمير الجزائري
ما معنى عاشوراء وتاسوعاء؟
عاشوراء: العاشر من شهر الله المحرم.
وتاسوعاء: التاسع منه.
متى هو يوم عاشوراء؟
قال ابن قدامة في المغني (3/174):"عاشوراء هو اليوم العاشر من المحرم، وهذا قول سعيد بن المسيب والحسن؛ لما روى ابن عباس رضي الله عنهما قال: "أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصوم يوم عاشوراء العاشر من المحرم" (رواه الترمذي وقال: حديث صحيح حسن).
ما هو فضل صوم عاشوراء ؟
ثبت في الصحيحين عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ: «مَا هَذَا»؟ قَالُوا: هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ، هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ فَصَامَهُ مُوسَى، قَالَ: «فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ»، فَصَامَهُ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ.
وقد كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يُعنى بصوم عاشوراء، قال ابنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ إلا هَذَا الْيَوْمَ؛ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَهَذَا الشَّهْرَ" -يَعْنِي شَهْرَ رَمَضَانَ- (1) .
ويتحرى: يتقصد صومه.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "صيام يوم عاشوراء إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله" (2) .
قال النووي في شرحه لصحيح مسلم (4/8/55) :" قوله صلى الله عليه وسلم: "أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم" تصريح بأنه أفضل الشهور للصوم، وقد سبق الجواب عن إكثار النبي صلى الله عليه وسلم من صوم شعبان دون المحرم، وذكرنا فيه جوابين:
أحدهما: لعله إنما علم فضله في آخر حياته.
الثاني: لعله كان يعرض فيه أعذار من سفر أو مرض أو غيرهما" اهـ.
هل كان صيام عاشوراء معروفاً في أيام الجاهلية ؟؟
صيام عاشوراء كان معروفاً حتى على أيام الجاهلية قبل البعثة النبوية، فقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها قالت: "إن أهل الجاهلية كانوا يصومونه". قال القرطبي: "لعل قريشاً كانوا يستندون في صومه إلى شرع من مضى كإبراهيم عليه السلام". وقد ثبت أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصومه بمكة قبل أن يهاجر إلى المدينة، فلما هاجر إلى المدينة وجد اليهود يحتفلون به فسألهم عن السبب فأجابوه كما تقدم في الحديث، وأمر بمخالفتهم في اتخاذه عيداً، كما جاء في حديث أبي موسى رضي الله عنه قال: "كان يوم عاشوراء تعده اليهود عيداً". وفي رواية مسلم: "كان يوم عاشوراء تعظمه اليهود وتتخذه عيداً". وفي رواية له أيضاً: "كان أهل خيبر (اليهود) يتخذونه عيداً، ويلبسون نساءهم فيه حليهم وشارتهم"، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "فصوموه أنتم" (رواه البخاري). لكنه اسم إسلامي لا يعرف في الجاهلية.
قال ابن الأثير في جامع الأصول: (شارتهم) الشارة: الرواء والمنظر والحسن والزينة.
وظاهر هذا أن الباعث على الأمر بصومه: محبة مخالفة اليهود حتى يصام ما يفطرون فيه؛ لأن يوم العيد لا يُصام.
ماذا لو وافق عاشوراء يوم السبت؟
قال صلى الله عليه وسلم: «لا تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ إِلا فِيمَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدُكُمْ إِلا لِحَاءَ عِنَبَةٍ، أَوْ عُودَ شَجَرَةٍ فَلْيَمْضُغْهُ» (3) .
ومن العلماء من حكم على الحديث بالاضطراب، وعلى القول بصحته فإنَّه يجب علينا أن نوفق بين الأحاديث عند التعارض بدلاً من الترجيح الذي ينبغي ألا يصار إليه إلا عند تعذر الجمع، فالجمع بين النصوص وإعمالها أولى من الترجيح وتعطيل بعضها كما هو مقرر عند علمائنا.
فعلى القول بصحة حديث النهي عن صوم السبت فإنه يتوجه إلى من صام السبت لكونه سبتاً، أما من صامه لكونه عرفةً أو لكونه عاشوراء فلا حرج عليه. فإننا نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم صام التسع من ذي الحجة وفيها السبت، وندب إلى صوم داود عليه السلام ولابد أن يصادف سبتاً، وندب إلى صوم الأيام البيض ولابد أن تمر على أسْبُتٍ كثيرة. ولا بأس من إفراد الجمعة بالصوم كذلك لكونه عرفة أو لكونه عاشوراء. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "وليعلم أن صيام يوم السبت له أحوال:
الحال الأولى: أن يكون في فرضٍ كرمضان أداء، أو قضاءٍ، وكصيام الكفارة، وبدل هدي التمتع، ونحو ذلك، فهذا لا بأس به ما لم يخصه بذلك معتقدا أن له مزية.
الحال الثانية: أن يصوم قبله يوم الجمعة فلا بأس به؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لإحدى أمهات المؤمنين وقد صامت يوم الجمعة: «أصمت أمس»؟ قالت: لا. قال: «أتصومين غدا»؟ قالت: لا. قال: «فأفطري». فقوله: «أتصومين غدا»؟ يدل على جواز صومه مع الجمعة.
الحال الثالثة: أن يصادف صيام أيام مشروعة كأيام البيض ويوم عرفة، ويوم عاشوراء، وستة أيام من شوال لمن صام رمضان، وتسع ذي الحجة، فلا بأس؛ لأنه لم يصمه لأنه يوم السبت، بل لأنه من الأيام التي يشرع صومها.
الحال الرابعة: أن يصادف عادة كعادة من يصوم يوما ويفطر يوما فيصادف يوم صومه يوم السبت فلا بأس به، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لما نهى عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين: «إلا رجلاً كان يصوم صوماً فليصمه» وهذا مثله.
الحال الخامسة: أن يخصه بصوم تطوع فيفرده بالصوم، فهذا محل النهي إن صح الحديث في النهي عنه" (4) .
ماذا يكفر صوم عاشوراء؟
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وَتَكْفِيرُ الطَّهَارَةِ, وَالصَّلَاةِ, وَصِيَامِ رَمَضَانَ, وَعَرَفَةَ, وَعَاشُورَاءَ، لِلصَّغَائِرِ فَقَط.(5) .
ويدل له قول النبي صلى الله عليه وسلم: «الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفراتٌ ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر» رواه مسلم. فهذا رمضان، فكيف بالنفل؟
ما حكم ما يفعله الناس في يوم عاشوراء من الكحل، والاغتسال، والحناء، والمصافحة، وطبخ الحبوب، وإظهار السرور، وغير ذلك؟
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عما يفعله الناس في يوم عاشوراء من الكحل، والاغتسال، والحناء، والمصافحة، وطبخ الحبوب، وإظهار السرور، وغير ذلك.. فهل ورد في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث صحيح أم لا؟ وإذا لم يرد حديث صحيح في شيء من ذلك فهل يكون فعل ذلك بدعة أم لا؟ وما تفعله الطائفة الأخرى من المأتم، والحزن، والعطش، وغير ذلك من الندب، والنياحة، وشق الجيوب. هل لذلك أصل أم لا؟
فأجاب:
الحمد لله رب العالمين، لم يرد في شيء من ذلك حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه ولا استحب ذلك أحد من أئمة المسلمين. لا الأئمة الأربعة ولا غيرهم. ولا روى أهل الكتب المعتمدة في ذلك شيئا لا عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة ولا التابعين لا صحيحا ولا ضعيفا، لا في كتب الصحيح، ولا في السنن ولا المسانيد، ولا يعرف شيء من هذه الأحاديث على عهد القرون الفاضلة. ولكن روى بعض المتأخرين في ذلك أحاديث مثل ما رووا أن من اكتحل يوم عاشوراء لم يرمد من ذلك العام، ومن اغتسل يوم عاشوراء لم يمرض ذلك العام، وأمثال ذلك. ورووا فضائل في صلاة يوم عاشوراء، ورووا أن في يوم عاشوراء توبة آدم، واستواء السفينة على الجودي، ورد يوسف على يعقوب، وإنجاء إبراهيم من النار، وفداء الذبيح بالكبش، ونحو ذلك. ورووا في حديث موضوع مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم: أنه «من وسع على أهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر السنة». ورواية هذا كله عن النبي صلى الله عليه وسلم كذب، ولكنه معروف من رواية سفيان بن عيينة عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه. قال: «بلغنا أنه من وسع على أهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته»، وإبراهيم بن محمد بن المنتشر من أهل الكوفة، وأهل الكوفة كان فيهم طائفتان: طائفة رافضة يظهرون موالاة أهل البيت وهم في الباطن، إما ملاحدة زنادقة وإما جهال وأصحاب هوى. وطائفة ناصبة تبغض عليا وأصحابه لما جرى من القتال في الفتنة ما جرى.(6)
عاشوراء وكربلاء
في عاشوراء قتل الحسين رضي الله عنه.
فما قول أهل السنة في يزيد بن معاوية؟ وما قولهم في مقتل الحسين؟ وفيمن قتل الحسين؟
أما يزيد فلا نحبه ولا نسبه؛ فهو لم يأمر بقتله ولا انتصر له.
وقد سأل صالح أباه الإمام أحمد فقال: إن قوماً يقولون: إنهم يحبون يزيد؟ قال: يا بني وهل يحب يزيد أحد يؤمن بالله واليوم الآخر؟ فقلت: يا أبت فلماذا لا تلعنه؟ قال: يا بني ومتى رأيت أباك يلعن أحداً؟ وقيل له: أتكتب الحديث عن يزيد؟ فقال: لا ولا كرامة، أو ليس هو الذي فعل بأهل المدينة ما فعل؟ (7).
فائدة:
لماذا كان صوم يوم عرفة يكفر سنتين وصوم عاشوراء يكفر سنة ؟ قال بعض العلماء لأن صوم عرفة من شريعة محمد صلى الله عليه وسلم وصوم عاشوراء من شريعة موسى عليه السلام.
أبو أسامة سمير الجزائري
بلعباس 3 محرم 1434الموافق: 16 نوفمبر 2012
الحاشية:
(1) رواه البخاري.
(2) رواه مسلم.
(3) رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة.
(4) انتهى من مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين (20/57).
(5) الفتاوى الكبرى لابن تيمية (5/344)..
(6) مجموع الفتاوى (25/299-301).
(7) راجع لذلك كله الفتاوى لابن تيمية (3/412-48 ..
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فهذه مباحث مختصرة في أحكام عاشوراء انتقيتها من بين عدة بحوث ورتبتها على شكل سؤال وجواب وليس لي فيها إلا الجمع والترتيب راجيا من الله أن ينفع بها.
أبو أسامة سمير الجزائري
ما معنى عاشوراء وتاسوعاء؟
عاشوراء: العاشر من شهر الله المحرم.
وتاسوعاء: التاسع منه.
متى هو يوم عاشوراء؟
قال ابن قدامة في المغني (3/174):"عاشوراء هو اليوم العاشر من المحرم، وهذا قول سعيد بن المسيب والحسن؛ لما روى ابن عباس رضي الله عنهما قال: "أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصوم يوم عاشوراء العاشر من المحرم" (رواه الترمذي وقال: حديث صحيح حسن).
ما هو فضل صوم عاشوراء ؟
ثبت في الصحيحين عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ: «مَا هَذَا»؟ قَالُوا: هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ، هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ فَصَامَهُ مُوسَى، قَالَ: «فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ»، فَصَامَهُ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ.
وقد كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يُعنى بصوم عاشوراء، قال ابنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ إلا هَذَا الْيَوْمَ؛ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَهَذَا الشَّهْرَ" -يَعْنِي شَهْرَ رَمَضَانَ- (1) .
ويتحرى: يتقصد صومه.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "صيام يوم عاشوراء إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله" (2) .
قال النووي في شرحه لصحيح مسلم (4/8/55) :" قوله صلى الله عليه وسلم: "أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم" تصريح بأنه أفضل الشهور للصوم، وقد سبق الجواب عن إكثار النبي صلى الله عليه وسلم من صوم شعبان دون المحرم، وذكرنا فيه جوابين:
أحدهما: لعله إنما علم فضله في آخر حياته.
الثاني: لعله كان يعرض فيه أعذار من سفر أو مرض أو غيرهما" اهـ.
هل كان صيام عاشوراء معروفاً في أيام الجاهلية ؟؟
صيام عاشوراء كان معروفاً حتى على أيام الجاهلية قبل البعثة النبوية، فقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها قالت: "إن أهل الجاهلية كانوا يصومونه". قال القرطبي: "لعل قريشاً كانوا يستندون في صومه إلى شرع من مضى كإبراهيم عليه السلام". وقد ثبت أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصومه بمكة قبل أن يهاجر إلى المدينة، فلما هاجر إلى المدينة وجد اليهود يحتفلون به فسألهم عن السبب فأجابوه كما تقدم في الحديث، وأمر بمخالفتهم في اتخاذه عيداً، كما جاء في حديث أبي موسى رضي الله عنه قال: "كان يوم عاشوراء تعده اليهود عيداً". وفي رواية مسلم: "كان يوم عاشوراء تعظمه اليهود وتتخذه عيداً". وفي رواية له أيضاً: "كان أهل خيبر (اليهود) يتخذونه عيداً، ويلبسون نساءهم فيه حليهم وشارتهم"، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "فصوموه أنتم" (رواه البخاري). لكنه اسم إسلامي لا يعرف في الجاهلية.
قال ابن الأثير في جامع الأصول: (شارتهم) الشارة: الرواء والمنظر والحسن والزينة.
وظاهر هذا أن الباعث على الأمر بصومه: محبة مخالفة اليهود حتى يصام ما يفطرون فيه؛ لأن يوم العيد لا يُصام.
ماذا لو وافق عاشوراء يوم السبت؟
قال صلى الله عليه وسلم: «لا تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ إِلا فِيمَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدُكُمْ إِلا لِحَاءَ عِنَبَةٍ، أَوْ عُودَ شَجَرَةٍ فَلْيَمْضُغْهُ» (3) .
ومن العلماء من حكم على الحديث بالاضطراب، وعلى القول بصحته فإنَّه يجب علينا أن نوفق بين الأحاديث عند التعارض بدلاً من الترجيح الذي ينبغي ألا يصار إليه إلا عند تعذر الجمع، فالجمع بين النصوص وإعمالها أولى من الترجيح وتعطيل بعضها كما هو مقرر عند علمائنا.
فعلى القول بصحة حديث النهي عن صوم السبت فإنه يتوجه إلى من صام السبت لكونه سبتاً، أما من صامه لكونه عرفةً أو لكونه عاشوراء فلا حرج عليه. فإننا نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم صام التسع من ذي الحجة وفيها السبت، وندب إلى صوم داود عليه السلام ولابد أن يصادف سبتاً، وندب إلى صوم الأيام البيض ولابد أن تمر على أسْبُتٍ كثيرة. ولا بأس من إفراد الجمعة بالصوم كذلك لكونه عرفة أو لكونه عاشوراء. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "وليعلم أن صيام يوم السبت له أحوال:
الحال الأولى: أن يكون في فرضٍ كرمضان أداء، أو قضاءٍ، وكصيام الكفارة، وبدل هدي التمتع، ونحو ذلك، فهذا لا بأس به ما لم يخصه بذلك معتقدا أن له مزية.
الحال الثانية: أن يصوم قبله يوم الجمعة فلا بأس به؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لإحدى أمهات المؤمنين وقد صامت يوم الجمعة: «أصمت أمس»؟ قالت: لا. قال: «أتصومين غدا»؟ قالت: لا. قال: «فأفطري». فقوله: «أتصومين غدا»؟ يدل على جواز صومه مع الجمعة.
الحال الثالثة: أن يصادف صيام أيام مشروعة كأيام البيض ويوم عرفة، ويوم عاشوراء، وستة أيام من شوال لمن صام رمضان، وتسع ذي الحجة، فلا بأس؛ لأنه لم يصمه لأنه يوم السبت، بل لأنه من الأيام التي يشرع صومها.
الحال الرابعة: أن يصادف عادة كعادة من يصوم يوما ويفطر يوما فيصادف يوم صومه يوم السبت فلا بأس به، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لما نهى عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين: «إلا رجلاً كان يصوم صوماً فليصمه» وهذا مثله.
الحال الخامسة: أن يخصه بصوم تطوع فيفرده بالصوم، فهذا محل النهي إن صح الحديث في النهي عنه" (4) .
ماذا يكفر صوم عاشوراء؟
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وَتَكْفِيرُ الطَّهَارَةِ, وَالصَّلَاةِ, وَصِيَامِ رَمَضَانَ, وَعَرَفَةَ, وَعَاشُورَاءَ، لِلصَّغَائِرِ فَقَط.(5) .
ويدل له قول النبي صلى الله عليه وسلم: «الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفراتٌ ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر» رواه مسلم. فهذا رمضان، فكيف بالنفل؟
ما حكم ما يفعله الناس في يوم عاشوراء من الكحل، والاغتسال، والحناء، والمصافحة، وطبخ الحبوب، وإظهار السرور، وغير ذلك؟
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عما يفعله الناس في يوم عاشوراء من الكحل، والاغتسال، والحناء، والمصافحة، وطبخ الحبوب، وإظهار السرور، وغير ذلك.. فهل ورد في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث صحيح أم لا؟ وإذا لم يرد حديث صحيح في شيء من ذلك فهل يكون فعل ذلك بدعة أم لا؟ وما تفعله الطائفة الأخرى من المأتم، والحزن، والعطش، وغير ذلك من الندب، والنياحة، وشق الجيوب. هل لذلك أصل أم لا؟
فأجاب:
الحمد لله رب العالمين، لم يرد في شيء من ذلك حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه ولا استحب ذلك أحد من أئمة المسلمين. لا الأئمة الأربعة ولا غيرهم. ولا روى أهل الكتب المعتمدة في ذلك شيئا لا عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة ولا التابعين لا صحيحا ولا ضعيفا، لا في كتب الصحيح، ولا في السنن ولا المسانيد، ولا يعرف شيء من هذه الأحاديث على عهد القرون الفاضلة. ولكن روى بعض المتأخرين في ذلك أحاديث مثل ما رووا أن من اكتحل يوم عاشوراء لم يرمد من ذلك العام، ومن اغتسل يوم عاشوراء لم يمرض ذلك العام، وأمثال ذلك. ورووا فضائل في صلاة يوم عاشوراء، ورووا أن في يوم عاشوراء توبة آدم، واستواء السفينة على الجودي، ورد يوسف على يعقوب، وإنجاء إبراهيم من النار، وفداء الذبيح بالكبش، ونحو ذلك. ورووا في حديث موضوع مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم: أنه «من وسع على أهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر السنة». ورواية هذا كله عن النبي صلى الله عليه وسلم كذب، ولكنه معروف من رواية سفيان بن عيينة عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه. قال: «بلغنا أنه من وسع على أهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته»، وإبراهيم بن محمد بن المنتشر من أهل الكوفة، وأهل الكوفة كان فيهم طائفتان: طائفة رافضة يظهرون موالاة أهل البيت وهم في الباطن، إما ملاحدة زنادقة وإما جهال وأصحاب هوى. وطائفة ناصبة تبغض عليا وأصحابه لما جرى من القتال في الفتنة ما جرى.(6)
عاشوراء وكربلاء
في عاشوراء قتل الحسين رضي الله عنه.
فما قول أهل السنة في يزيد بن معاوية؟ وما قولهم في مقتل الحسين؟ وفيمن قتل الحسين؟
أما يزيد فلا نحبه ولا نسبه؛ فهو لم يأمر بقتله ولا انتصر له.
وقد سأل صالح أباه الإمام أحمد فقال: إن قوماً يقولون: إنهم يحبون يزيد؟ قال: يا بني وهل يحب يزيد أحد يؤمن بالله واليوم الآخر؟ فقلت: يا أبت فلماذا لا تلعنه؟ قال: يا بني ومتى رأيت أباك يلعن أحداً؟ وقيل له: أتكتب الحديث عن يزيد؟ فقال: لا ولا كرامة، أو ليس هو الذي فعل بأهل المدينة ما فعل؟ (7).
فائدة:
لماذا كان صوم يوم عرفة يكفر سنتين وصوم عاشوراء يكفر سنة ؟ قال بعض العلماء لأن صوم عرفة من شريعة محمد صلى الله عليه وسلم وصوم عاشوراء من شريعة موسى عليه السلام.
أبو أسامة سمير الجزائري
بلعباس 3 محرم 1434الموافق: 16 نوفمبر 2012
الحاشية:
(1) رواه البخاري.
(2) رواه مسلم.
(3) رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة.
(4) انتهى من مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين (20/57).
(5) الفتاوى الكبرى لابن تيمية (5/344)..
(6) مجموع الفتاوى (25/299-301).
(7) راجع لذلك كله الفتاوى لابن تيمية (3/412-48 ..