وبعد
خطبة منبرية :
للعلّامة عبد الحميد بن باديس ـ رحمه الله ـ بعنوان :
سرّ الضّحية
الحمد لله الواحد الأحد في ربوبيّته وألوهيّته ، مبتدئ الخلق برحمته ، الدّاعي إليه بنعمته ، شرع الشّرائع بالحكمة والعدل لسعادة الإنسان، وأودعها أسرارا وفوائد يعظم منها النّفع ويزداد بها الإيمان .
وأرسل إلينا محمّدا ـ صلّى الله عليه آله وسلّم ـ شاهدا ومبشّرا ونذيرا ، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ، وأنزل عليه القرآن آية بيّنة ، وحجّة باقية ، وهداية شاملة ، وعلّمه مالم يعلم ، وكان فضله عليه عظيما .
وأيّده بروح منه حتّى أدّى الرّسالة ، وبلّغ الأمانة ، وأقام الحجّة ، وأوضح المحجّة ، وأبقى لنا من بعده كتاب الله وسنّته هداية للمهتدين ، وتذكرة للذّاكرين ، وتبصرة للنّاظرين .
ووفقنا لتلبية دعوته ، واتّباع شريعته ، والتزام سنّته لا غلوّ الغالين ـ إن شاء الله ـ ولا تقصير المقصرين .
فالحمد لله على جميع نعمه ، وعلى هذه النّعمة ، والصّلاة والسّلام على جميع رسله ، وعلى إمامهم وخاتمهم محمد رسول الرّحمة ، وعلى آله وأصحابه والتّابعين لهم بإحسان إلى يوم الدّين .
أما بعد : فهذا يوم الحجّ الأكبر ، والموسم الأشهر ، جعله الله عيدا للمسلمين ، وشرع فيه ما شرع من شعائر الدّين تزكية للنّفوس ، وتبصرة للعقول ، وتحسينا للأعمال ، وتذكيرا بعهد إمام الموحدين ، وشيخ الأنبياء والمرسلين ؛ إبراهيم الخليل عليه وعليهم الصّلاة والسّلام أجمعين .
فقد كسّر الأصنام ، وحارب الوثنيّة ، وحاجّ قومه وما كانوا يدعون من دون الله ، وقام يدعو ربّه وحده طارحا ما سواه ، وحاجّ الملك الجبّار حتّى بهت الذي كفر ، وقذفوا به في النّار فما بالى بهم ولا بها وثبت وصبر حتى نجّاه الله ، وجعل الذين أرادوا به كيدا هم الأخسرين .
وأوحى الله إليه بذبح ابنه فامتثل ، واستشار ابنه ابنه إسماعيل ، فأجاب وقبل فطرحه للذّبح وأسلما لله في القصد والعمل .
ففداه الله بذبح عظيم ، وترك عليه في الآخرين ـ سلام على إبراهيم وأبقى ـ سنّة الضّحيّة في الملّة الإبراهيميّة ، والشّريعة المحمديّة تذكارا بهذا العمل العظيم والإسلام الصّادق لربّ العالمين ، ليتعلم المسلمون التّضحية لله بالنّفس والنّفيس ، وليعلموا أنّ المسلم من صدّق قولُه فعلَه ، ومن إذا جاء أمر الله كان لله كلّه .
فتدبّروا أيّها المسلمون في هذا السّر العظيم ، ومرّنوا أنفسكم على التّضحية في كل وقت في سبيل الخير العام بما تستطيعون ، ولا تنقطعوا عن التّضحية ، ولو ببذل القليل ، حتىّ تصير التّضحية خلقا فيكم في كلّ حين ، واجعلوا قصّة هذا النّبيّ الجليل نصب أعينكم ، وتدّبروا دائما ما قصّه الله منها في القرآن العظيم عليكم ، وأحيوا هذه السّنة ما استطعتم وأسلموا لله رب العالمين .
أعوذ بالله من الشّيطان الرجيم :
[ وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100) فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ (101) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاء الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ (108 ) سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (109) كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (111) [ سورة الصّافات ] .
.... طلب منّي كثير من إخواننا خطبة لعيد الأضحى ليخطبوا بها فلعل هذه الخطبة تقبل لديهم فيخطبون بها على النّاس .
[ نشرت هذه الخطبة : في جريدة الشّهاب : ج4 , م10 , غرّة ذي الحجة 1352 هـ 17 مارس 1934م ]
[ آثار الإمام عبد الحميد بن باديس ـ رحمه الله الجزء الرابع ـ صفحة 172 ـ الطبعة الأولى ] .
وأرسل إلينا محمّدا ـ صلّى الله عليه آله وسلّم ـ شاهدا ومبشّرا ونذيرا ، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ، وأنزل عليه القرآن آية بيّنة ، وحجّة باقية ، وهداية شاملة ، وعلّمه مالم يعلم ، وكان فضله عليه عظيما .
وأيّده بروح منه حتّى أدّى الرّسالة ، وبلّغ الأمانة ، وأقام الحجّة ، وأوضح المحجّة ، وأبقى لنا من بعده كتاب الله وسنّته هداية للمهتدين ، وتذكرة للذّاكرين ، وتبصرة للنّاظرين .
ووفقنا لتلبية دعوته ، واتّباع شريعته ، والتزام سنّته لا غلوّ الغالين ـ إن شاء الله ـ ولا تقصير المقصرين .
فالحمد لله على جميع نعمه ، وعلى هذه النّعمة ، والصّلاة والسّلام على جميع رسله ، وعلى إمامهم وخاتمهم محمد رسول الرّحمة ، وعلى آله وأصحابه والتّابعين لهم بإحسان إلى يوم الدّين .
أما بعد : فهذا يوم الحجّ الأكبر ، والموسم الأشهر ، جعله الله عيدا للمسلمين ، وشرع فيه ما شرع من شعائر الدّين تزكية للنّفوس ، وتبصرة للعقول ، وتحسينا للأعمال ، وتذكيرا بعهد إمام الموحدين ، وشيخ الأنبياء والمرسلين ؛ إبراهيم الخليل عليه وعليهم الصّلاة والسّلام أجمعين .
فقد كسّر الأصنام ، وحارب الوثنيّة ، وحاجّ قومه وما كانوا يدعون من دون الله ، وقام يدعو ربّه وحده طارحا ما سواه ، وحاجّ الملك الجبّار حتّى بهت الذي كفر ، وقذفوا به في النّار فما بالى بهم ولا بها وثبت وصبر حتى نجّاه الله ، وجعل الذين أرادوا به كيدا هم الأخسرين .
وأوحى الله إليه بذبح ابنه فامتثل ، واستشار ابنه ابنه إسماعيل ، فأجاب وقبل فطرحه للذّبح وأسلما لله في القصد والعمل .
ففداه الله بذبح عظيم ، وترك عليه في الآخرين ـ سلام على إبراهيم وأبقى ـ سنّة الضّحيّة في الملّة الإبراهيميّة ، والشّريعة المحمديّة تذكارا بهذا العمل العظيم والإسلام الصّادق لربّ العالمين ، ليتعلم المسلمون التّضحية لله بالنّفس والنّفيس ، وليعلموا أنّ المسلم من صدّق قولُه فعلَه ، ومن إذا جاء أمر الله كان لله كلّه .
فتدبّروا أيّها المسلمون في هذا السّر العظيم ، ومرّنوا أنفسكم على التّضحية في كل وقت في سبيل الخير العام بما تستطيعون ، ولا تنقطعوا عن التّضحية ، ولو ببذل القليل ، حتىّ تصير التّضحية خلقا فيكم في كلّ حين ، واجعلوا قصّة هذا النّبيّ الجليل نصب أعينكم ، وتدّبروا دائما ما قصّه الله منها في القرآن العظيم عليكم ، وأحيوا هذه السّنة ما استطعتم وأسلموا لله رب العالمين .
أعوذ بالله من الشّيطان الرجيم :
[ وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100) فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ (101) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاء الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ (108 ) سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (109) كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (111) [ سورة الصّافات ] .
.... طلب منّي كثير من إخواننا خطبة لعيد الأضحى ليخطبوا بها فلعل هذه الخطبة تقبل لديهم فيخطبون بها على النّاس .
[ نشرت هذه الخطبة : في جريدة الشّهاب : ج4 , م10 , غرّة ذي الحجة 1352 هـ 17 مارس 1934م ]
[ آثار الإمام عبد الحميد بن باديس ـ رحمه الله الجزء الرابع ـ صفحة 172 ـ الطبعة الأولى ] .