النهي عن إيطان الرجل المكان في المسجد فلا يجاوزه إلى غيره ولا يرضى له بديلا !
عن عبد الرحمن بن شبل رضي الله عنه قال :
(( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نقرة الغراب وافتراش السبع وأن يوطن الرجل المكان في المسجد [ وفي لفظ : المقام الواحد وفي آخر : المكان الذي يصلي فيه ] كما يوطن البعير ))
أخرجه أبو داود والنسائي والدارمي وابن ماجه والحاكم والبيهقي واللفظ الآخر له وأحمد واللفظ الثاني له كلهم من طريق جعفر بن عبد الله ابن الحكم عن تميم بن محمد عنه...وقال الشيخ الألباني رحمه الله : حديث حسن (السلسلة الصحيحة وصحيح الجامع والثمر المستطاب )
وفي ( شرح الإقناع ) : يكره لغير الإمام مداومة موضع منه لا يصلي إلا فيه
وقد قال ابن الهمام :
في ( النهاية ) عن الحلواني أنه ذكر في الصوم عن أصحابنا : يكره أن يتخذ في المسجد مكانا معينا فيه لأن العبادة تصير له طبعا فيه وتثقل في غيره والعبادة إذا صارت طبعا فسبيلها الترك وكذا كره صوم الأبد ا . هـ
والكراهة في عبارات السلف يراد بها التحريم فانتبه ...
قال الشيخ جمال الدين القاسمي رحمه الله في ( إصلاح المساجد من البدع والعوائد ) :
( يهوى بعض ملازمي الجماعات مكانا مخصوصا أو ناحية من المسجد إما وراء الإمام أو جانب المنبر أو أمامه أو طرف حائطه اليمين أو الشمال أو الصفة المرتفعة في آخره بحيث لا يلذ له التعبد ولا الإقامة إلا بها وإذا أبصر من سبقه إليها فربما اضطره إلى أن يتنحى له عنها لأنها محتكرة أو يذهب عنها مغضبا أو متحوقلا أو مسترجعا وقد يفاجئ الماكث بها بأنها مقامه من كذا وكذا سنة وقد يستعين بأشكاله من جهلة المتنسكين على أن يقام منها إلى غير ذلك من ضروب الجهالات التي ابتليت بها أكثر المساجد ولا يخفى أن محبة مكان من المسجد على حدة تنشأ عن الجهل أو الرياء والسمعة وأن يقال : إنه لا يصلي إلا في المكان الفلاني أو إنه من أهل الصف الأول مما يحبط العمل ملاحظته ومحبته نعوذ بالله . وهب أن هذا المتوطن لم يقصد ذلك فلا أقل أنه يفقد لذة العبادة بكثرة الإلف والحرص على هذا المكان بحيث لا يدعوه إلى المسجد إلا موضعه وقد ورد النهي عن ذلك...) انتهى كلامه رحمه الله
وترجم ابن خزيمة في صحيحه قائلا : ( باب النهي عن إيطان الرجل المكان في المسجد )...
لذا فيجب الحذر من اعتياد الصلاة في مكان معين في المسجد ولنحذر من هذا الأمر لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عنه ...
والحديث لا يتعارض مع الحديث الآخر الذي ذكره الشيخ الألباني رحمه الله في الثمر المستطاب :
عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( لا يوطن رجل مسلم المساجد للصلاة والذكر إلا تبشبش الله به [ من حين يخرج ] كما يتبشبش أهل الغائب بغائبهم إذا قدم عليهم )
أخرجه ابن ماجه والحاكم والطيالسي وأحمد وصححه الألباني رحمه الله في الثمر المستطاب...
ولا تعارض إن شاء الله فرواية الإمام أحمد أوضح في أن المقصود ليس هو الإيطان هذا الذي نتكلم عنه ...
أخرج الإمام أحمد بسند صحيح عن أبي هريرة أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
( لا يتوضأ أحدكم فيحسن وضوءه ويسبغه ثم يأتي المسجد لا يريد إلا الصلاة فيه إلا تبشبش الله عز وجل به كما يتبشبش أهل الغائب بطلعته )
فوضح أن المقصود في هذا الحديث هو إيطان الرجل المسجد ككل للصلاة وليس كما في الصورة الأخرى والتي فيها إيطان مكان معيّن في المسجد كما يوطن البعير مكانه ولا يبغي غيره ...
والله أعلم ...
تعليق