شبهة : أن البحث عن حال المتصدرين لإفادة الناس هو من الطعن فيهم ومن تتبع عورات المسلمين وأن باب الجرح و التعديل قد أغلق:
قال فضيلة الشيخ أحمد بن عمر بن سالم بازمول -- حفظه الله --
ومعنى هذه الشبهة : أن الكلام في الدعاة المتصدرين لدعوة الناس لا يجوز . لانه يدخل في الغيبة ، وفي تتبع عورات المسلمين ، فهو محرم ومن كبائر الذنوب ، وإنما كان جائزاً في باب جرح الرواة ، فهو خاص بنقلة الحديث .
وهذه الشبهة باطلة من وجوه:
الأول : ليس الكلام في رواة الحديث وفي المتصدرين لإفادة الناس من باب الغيبة المحرمة ، بل هو واجب شرعي ، وداخل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، بل و الجهاد في سبيل الله وهو من أعظم أبواب العلم ، لما فيه من حفظ السنة والدين من البدع و الضلالات والأفكار المنحرفة .
وقد كان السلف من أحرص الناس على الرد على كل منحرف ومخالف ، وكشف كل زائغ وضال ، مهما كانت منزلته عند الناس تقربًا إلى الله .
قال عفان : (( كنت عند ابن علية فقال رجل : فلان ليس ممن يؤخذ عنه .
قال فقال له الآخر : قد اغتبت الرجل ! فقال رجل : ليست هذه بغيبة إنما هذا حكم . قال : فقال ابن علية : صدقك الرجل ، يعني الذي قال هذا الحكم ))
وقال ابن أبي زمنين (( لم يزل أهل السنة يعيبون أهل الأهواء المضلة ، وينهون عن مجالستهم ، ويخوفون فتنتهم ، ويخوفون فتنتهم ، ويخبرون بخلاقهم ، ولا يرون ذلك غيبة لهم ، ولا طعنًا عليهم ))
وقال الخطيب : (( ليس إبانة العلماء لأحوال الرواة غيبة ، بل هي نصيحة ولهم في إظهارها أعظم المثوبة ، لكونها مما يجب عليهم كشفه ولا يسعهم إخفاؤه وستره))
وقال ابن رجب : (( الكلام في الجرح و التعديل جائز ، قد أجمع عليه سلف الأمة وأئمتها ، لما فيه من تمييز ما يجب قبوله من السنن ، مما لا يجوز قبوله .
وقد ظن بعض من لا علم عنده أن ذلك من باب الغيبة ، وليس كذلك ، فإن ذكر عيب الرجل إذا كان فيه مصلحة ولو كانت خاصة كالقدح في شهادة شاهد الزور ، جائز بغير نزاع ، فما كان فيه مصلحة عامة للمسلمين أولى ))
وقال ابن رجب : (( أهل البدع و الضلال ومن تشبه بالعلماء وليس منهم ، يجوز بيان جهلهم ، وإظهار عيوبهم تحذيراً من الاقتداء بهم ))
وسئل الشيخ صالح الفوزان : هل بيان بعض أخطاء الكتب الحزبية أو الجماعات الوافدة إلى بلادنا ، يعتبر من التعرض للدعاة ؟ فأجاب : (( لا ، هذا ليس من التعرض للدعاة ، لأن هذه الكتب ليست كتب دعوة ، وهؤلاء – أصحاب هذه الكتب و الأفكار – ليسوا من الدعاة إلى الله على بصيرة ، وعلم وعلى حق .
فنحن حين نبين أخطاء هذه الكتب أو هؤلاء الدعاة ليس من باب التجريح اللأشخاص لذاتهم ، وإنما من باب النصيحة للأمة أن تتسرب إليها أفكار مشبوهة ، ثم تكون الفتنة ، وتتفرق الكلمة وتتشتت الجماعة .
وليس غرضنا الأشخاص ، غرضنا الأفكار الموجودة بالكتب التي وفدت إلينا باسم الدعوة ))
الثاني : أن السكوت عن المبتدعة وعن الجهال المتصدرين فيه تغرير بالعامة ، وتدليس عليهم ، فيظنون أنهم على حق وخير ، والواقع أكبر شاهد على ذلك .
قال الشيخ صالح الفوزان : (( لا يجوز تعظيم المبتدعة والثناء عليهم ، ولو كان عندهم شئ من الحق ، لأن مدحهم والثناء عليهم يروج بدعتهم ، ويجعل المبتدعة في صفوف المقتدي بهم من رجالات هذه الأمة ))
الثالث : أن الرد على المخالف ليس المقصود منه تنقصه أو الفضيحة ، بل المقصود منه النصيحة ، هذا الظاهر ، والسرائر علمها عند الله ، تبلى يوم تلتقي الخصوم .
سئل الشيخ صالح الفوزان السؤال التالي :ماحكم من أحب عالماً أو داعية وقال : إني أحبه حباً كثيراً ، لا أريد أن أسمع أحداً يرد عليه ، وأنا آخذ بكلامه حتى وإن كان مخالفاً للدليل ، لأن هذا الشيخ أعرف منا بالدليل ؟
فأجاب بقوله : (( هذا تعصب ممقوت مذموم ، لا يجوز ، نحن نحب العلماء – والله الحمد – ونحب الدعاة في الله عزوجل ، لكن إذا أخطأ واحد منهم في مسألة فنحن نبين الحق في هذه المسألة بالدليل ، ولا ينقص ذلك من محبة المردود عليه ، ولا من قدره ....
وبيان الخطأ من النصيحة للجميع ، وأما كتمانه فهو مخالف للنصيحة )) .
الرابع : أن دعوى اختصاص علم الجرح و التعديل بباب الرواية دعوى غير صحيحة ، لأن السلف إنما تكلموا فيمن تكلموا فيه حماية للدين من البدع الضلالات ، سواء كان في باب الرواية أو في باب الدراية .
ولذلك نجدهم قد تكلموا في جماعة لا رواية لهم ، وإذا كانوا يردون رواية الراوي المبتدع إذا كان داعية أو روى ما يوافق بدعته ، فرد كلام أهل الأهواء و البدع و الجهال الذي يفسرون به النصوص الشرعية من باب أولى .
قال ابن قيم الجوزية : (( جواز الطعن في الرجل بما يغلب على اجتهاد الطاعن حمية أو ذبًا عن الله ورسوله ، ومن هذا طعن أهل الحديث فيمن طعنوا فيه من الرواة ، ومن هذا طعن ورثة الأنبياء وأهل السنة في أهل الأهواء والبدع لله لا لحظوظهم وأغراضهم .
وجواز الرد على الطاعن إذا غلب على ظن الراد أنه وهم وغلط كما قال معاذ للذي طعن في كعب : بئس ما قلت ، والله يارسول الله ما علمنا عليه إلا خيراً ، ولم ينكر رسول الله على واحد منهما ))
وقال ابن رجب : (( لا فرق بين الطعن في رواة حفاظ الحديث ، ولا التمييز بين من تقبل روايته منهم ومن لا تقبل ، وبين تبيين خطأ من أخطأ في فهم معاني الكتاب والسنة وتأول شيئا منها على غير تأويله ، وتمسك بما لا يتمسك به ليحذر من الاقتداء به فيما أخطأ فيه ، وقد أجمع العلماء على جواز ذلك
كتبه : - أبو معاذ مجدي أبوبكر عبد الكريم العوامي
السبت الموافق 14/ شوال /1433 للهجرة النبوية الشريفة
من كتاب: - المعين لتوضيح معاني أثر الإمام ابن سيرين إن هذا العلم الدين