بسم الله الرحمن الرحيم
قال الشيخ الفاضل العلَّامة محمد بن هادي المدخلي-حفظه الله-معلقًا على فصل من فصول كتاب الآداب الشرعية لابن مفلح-رحمه الله-:
وأكثر الناس هلاكًا في هذا الباب ثلاثة أصناف:
النساء أول صنف، ثمَّ سفهاء الرجال-السفيه-، الثالث: الأحمق من الناس-من الرجال-، فهؤلاء ثلاثة اصناف أكثر الناس هلاكًا بسبب القول.
- النساء أول وذلك: لضعف عقلهنَّ ودينهنَّ، تسمع الكلمة وتُستَأمن عليها وينبَّه عليها وتفشيها، فكيف إذا لم يُقَل لها شيء في هذا الباب؟، حدِّث ولا حرج، نعم ثمَّ إنَّها تكفر ما أكثر ما تكفر-تكفر العشير-، (...فقيل يا رسول الله: تكفر بالله؟، قال: لا يكفرن العشير...).
لو أحسنت إلى إحداهنَّ الدهر ثمَّ رأت منك شيئًا تسخطه تأتي بكلمة واحدة (ما رأيت منك خيرًا قط)، وهذا هو الكفران، فتؤاخذ عليه، يكون زوجها محسنًا إليها الليل والنهار، السرَّ والجهار، ولكنَّها إذا رأت منه شيئًا تسخطه أنكرت جميع معروفه بهذه الكلمة، فقالت: (ما رأيت منك خيرًا قط)، وأنت راتبك كله في جيبها، وكدحك كله عليها، وكل ما تشقى به تجبيه إليها، رأت منك شيئًا تسخطه قالت: (ما رأيت منك خيرًا قط)، هذا إذا سلمت منها.
لكن الرجل كم يرى منها ويصبر؟، يرى منها أضْعاف أضعاف ويصبر، ومن أضعاف ما يرى هذا الكلام لذي يعلم هو علم اليقين وعين اليقين أنَّه كذب، فين ما حصَّلته؟، أين ما كدحته-ما كدحت من أجله، وشقيت من أجله، ونصبت من أجله، وتعبت من أجله، أين ذهب-؟، ما هو لأجلكم؟، ما رأت منك خيرًا قط!، وهذا الزمن كله تعيشين معي وأنت لا ترين خيرًا؟، فانظر إلى كفران العشير، فتهلك بسبب هذه الكلمة وأمثالها.
أمَّا النميمة والغيبة فحدِّث فيه في جانب النساء ولا حرج، والكذب حدِّث فيه في جانبهنّ ولا حرج إلَّ من عصم الله منهنّ، ذات العقل والدين، فهذا في جانب النساء.
- السفيه، وكلنا يمر بهذا النوع من الناس السفهاء، فتسمع كم ينطق من الكلام السيئ القبيح البذيء الماجن الساقط، أوَ يظن أن هذا الكلام لا يحسب عليه؟، بلى والله محسوب (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)(ق/1، واحد يسجل هنا وواحد يسجل هنا، (كِرَامًا كَاتِبِينَ)(الانفطار/11)، (اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا)(الإسراء/14).
هذا الذي سطر ومع ذلك يأتي المجادل ويقول: ما أرضى إلَّا شاهد من نفسي!، قال: (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)(يس/65)، (وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)(فصِّلت/21).
فهذا يقرأ أمامه بنفسه، يقرأ القارئ وغير القارئ في الدنيا-يوم القيامة يقرأ كتابه-، فسيجد هذا الكلام الذي تفوَّه به مسطورًا.
فالسفهاء الذين لا يراقبون أنفسهم نرى نحن منهم في حياتنا الكثير، ونسمع منه الكثير، ولهذا العاقل لا يجاري السفيه، وقديمًا قيل شعرًا:
إذا نطـــق السفيــه فلا تجبه......فخير من إجابته السكـــوت
فإن كلمته فرجت عنـــــه......وإن خليته كمدًا يمـــــوت
يتكلم حتى ينتهي، انتهيت؟، أجمل شيء تقول له: الله يسامحك، أو ( سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ)(القصص/55)، لأنَّك إن نزلت سيجرك فسيأتي معنا، سيجرك المخاصمة مع هذا إلى مثله أو أقبح، وهذا لا يليق بك لا دينًا ولا عقلًا.
أمَّا من حيث الديانة فأنت تراقب من غفله عنه ولم يراقبه، ومن حيث العقل أنت تزري بنفسك وهو لم يعد يرى هذا شيئًا مؤثرًا فيه، فلذلك لا يبالي.
فالعاقل الموَقَّرْ والموَقِّرُ لنفسه المحترم ما يزن نفسه بالسفيه فيجعل نفسه في منزلة السفيه، لأ، وإنَّمَا يجعل نفسه في منزلة الفقيه العالم، وقديمًا قيل:
ومنزلة الفقيه من السفيه......كمنزلة السفيه من الفقيه
فهذا زاهد في قرب هذا ...........................
السفيه ما يبقى عند الفقيه
قال:
...................... وهذا فيه أزهد منه فيه
والفقيه ما وِدُّه يرى السفيه، يعني: أنت زاهد في الفقيه؟، الفقيه أشد زهدًا فيك، ما يريدك، لأنك إن جئت إليه ضيعت المجلس عليه.
فالشاهد: كن مع السفيه كالفقيه ولا تكن مع السفيه كالسفيه، فأنت تربأ بنفسك وترتفع بها.
- الصنف الثالث: الأحمق.
الأحمق ليس له دواء إلَّا الإعراض عنه، ولهذا يركب الأحمق ما يوبق عليه دينه ودنياه بكلمة واحدة يزل بها، والحمق داء إذا جئت إلى صاحبه في وقت تقول: هذا مجنون، وإذا هدأ جئت إليه تقول: هذا من أعقل الناس، ولكنَّك لا تأمنه لأنَّه على خطر-على جناح خطر-، فهذا مثله حتى لا ينبغي أن يتَّخذ صاحبًا، لماذا؟، لأنَّه سوء وبلاء.
ولهذا يقول ابن مشرَّف:
وجاء في الصحيح نقلًا عن المسيـح......عالجت كل أكمه وأبرص مشـوَّه
لكنني لم أطق قط علاج الأحمـق
فالأحمق ما له علاج، ( عدو سوء عاقل ولا صديق جاهل)، فالأحمق صحبته بلاء، ومُمَاشاته أذى، ومجاراته إيش؟، ردى، لِمَ؟، لأنَّه في حال ركوبه للحمق لا يتورَّع عن شيء، حينما يركب الحمق لا يفكِّر في النطق، فينبغي للعاقل أن يبتعد عن هذا الصنف من الناس[1].
لسماع المادة الصوتيَّة:
قام بتفريغه: أبو عبيدة منجد بن فضل الحداد
الخميس الموافق: 13/ شوَّال/ 1433 للهجرة النبوية الشريفة.
[1] (لفضيلة الشيخ الدكتور العلَّامة محمد بن هادي المدخلي-حفظه الله-/ التعليق على فصول من الآداب الشرعية/ فَصْلٌ فِي حِفْظِ اللِّسَانِ وَتَوَقِّي الْكَلَامِ)