رسالة الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله بن سالم إلى أهل مبايض يخبرهم بما بلغه عنهم من التفرق
وقال الشيخ: عبد الرحمن بن سالم، رحمه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد الرحمن بن عبد الله بن سالم، إلى الإخوان الكرام، أهل مبايض، وفقهم الله لقبول النصائح والمواعظ، وأعانهم على تكميل السنن بعد أداء الفرائض، وأعاذنا وإياهم من التدابر والتباغض، آمين، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد ذلك بلغنا عنكم ما يستنكر ممن هو مثلكم، من التفرق، والتنافس في أمور لا مصلحة لكم فيها، بل مضرتها عظيمة في الدين، بل الذي يجب عليكم، المحبة والمناصحة فيما بينكم.
وقال صلى الله عليه وسلم: إن الله يرضى لكم ثلاثا: أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم 1 رواه مسلم.
وفي مسند الإمام أحمد، عن أبي برزة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن أخوف ما أخاف عليكم، شهوات الغي في بطونكم وفروجكم، والفتن المضلة 2 .
وقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه: ألا أدلكم على ما هو أفضل من درجة الصلاة والصيام؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال إصلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين 3 .
والواجب عليكم إذا نابكم أمر: الاجتماع، والمشاورة وتقديم الأخيار، لأن الله تعالى أمر نبيه بمشاورة أصحابه، تطييبا لقلوبهم، وهو أفضل الخلق صلى الله عليه وسلم.
قال أبو هريرة رضي الله عنه: ما رأيت أكثر من مشاورة النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه، وقال قيس بن عاصم لبنيه عند موته: عليكم بالاجتماع، وإياكم والتفرق، فإن القوم إذا اجتمعوا صلحواوملكوا، وإذا تفرقوا فسدوا وهلكوا .
وعليكم- رحمكم الله- بما يجمع القلوب على طاعة الله، ويوجب لها خشية الله، والانكسار بين يديه، قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: لأن أجمع إخواني على صاع من طعام، أحب إلي من غزوة في سبيل الله والمعنى- والله أعلم- أنه قصد بهذا استطابة قلوبهم، لأن تحاب الإخوان بينهم من موجبات دخول الجنة، وتباغضهم بينهم من موجبات دخول النار.
وأنتم- وفقكم الله- ما اجتمعتم في هذا المكان، إلا تطلبون رضى الله، وتهربون مما يسخطه، ولكن الشيطان إذا عجز عن إيقاع الناس في الشرك، رضي عنهم بالوقوع في الكبائر، قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الشيطان لما أيس أن يعبد في جزيرة العرب، سعى بينهم بالتحريش .
والواجب عليكم: أن كل إنسان يعفو عن حقه، ويبيح أخاه كما جرى للصحابة، رضي الله عنهم، لما حصل بينهم ما حصل، ثم أتاهم النبي صلى الله عليه وسلم ووعظهم عانق بعضهم بعضا، وبكوا; وذلك لعلمهم: أن من ترك شيئا لله، عوضه الله خيرا منه .
نرجو الله أن يتم لنا ولكم ما قصدتم من الهجرة، ولا يجعل حظنا منها التسمي بالألسن، إنه جواد كريم، ولعباده رؤوف رحيم، والسلام آخره، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه أجمعين.
-------------------------------
1 مسلم : الأقضية 1715 , وأحمد 2/367 , ومالك : الجامع 1863.
2 أحمد 4/420.
3 الترمذي : صفة القيامة والرقائق والورع 2509 , وأبو داود : الأدب 4919 , وأحمد 6/444.
************************************
المصدر/ الدرر السنية
تعليق