تويت
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(...بَابُ بَيَانِ أَنَّ لِكُلِّ بَلَدٍ رُؤْيَتَهُمْ وَأَنَّهُمْ إِذَا رَأَوُا الْهِلَالَ بِبَلَدٍ لَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ لِمَا بَعُدَ عَنْهُمْ...)
أورد فيه حديث-حديث كُرَيْبٍ -: (...أَنَّ أُمَّ الْفَضْلِ بِنْتَ الْحَارِثِ...) وهي مولاته: (...بَعَثَتْهُ إِلَى مُعَاوِيَةَ بِالشَّامِ، قَالَ: فَقَدِمْتُ الشَّامَ، فَقَضَيْتُ حَاجَتَهَا، وَاسْتُهِلَّ عَلَيَّ رَمَضَانُ وَأَنَا بِالشَّامِ، فَرَأَيْتُ الْهِلَالَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، ثُمَّ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فِي آخِرِ الشَّهْرِ، فَسَأَلَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ-رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-، ثُمَّ ذَكَرَ الْهِلَالَ فَقَالَ: مَتَى رَأَيْتُمُ الْهِلَالَ؟ فَقُلْتُ: رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، فَقَالَ: أَنْتَ رَأَيْتَهُ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، وَرَآهُ النَّاسُ، وَصَامُوا وَصَامَ مُعَاوِيَةُ، فَقَالَ: لَكِنَّا رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ السَّبْتِ، فَلَا نَزَالُ نَصُومُ حَتَّى نُكْمِلَ ثَلَاثِينَ، أَوْ نَرَاهُ، فَقُلْتُ: أَوَ لَا تَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ مُعَاوِيَةَ وَصِيَامِهِ؟، فَقَالَ: لَا، هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَشَكَّ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى فِي نَكْتَفِي أَوْ تَكْتَفِي...).
الشرح:
هذا الحديث فيه أنَّ لكل بلد رؤيتهم، وأنَّهم إذا رأوا الهلال في بلد لا يثبت لِمَ بعد عنهم، فما كان بمسافة قصر-يعني: عند الجمهور وهي: أربعة بُرُد-فحكمهم واحد، وما كان فوق ذلك فلا تكتفي بلدة برؤية بلدة، هذا مذهب جماعة من العلماء.
يقول النووي في حديث كريب عن ابن عبَّاس وهو ظاهر في دلالة الترجمة: (...وَالصَّحِيحُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّ الرُّؤْيَةَ لَا تَعُمُّ النَّاسَ بَلْ تَخْتَصُّ بِمَنْ قَرُبَ عَلَى مَسَافَةٍ لَا تُقْصَرُ فِيهَا الصَّلَاةُ، وَقِيلَ: إِنِ اتَّفَقَ الْمَطْلَعُ لَزِمَهُمْ، وَقِيلَ: إِنِ اتَّفَقَ الْإِقْلِيمُ وَإِلَّا فَلَا، وَقَالَ: بَعْضُ أَصْحَابِنَا تَعُمُّ الرُّؤْيَةُ فِي مَوْضِعٍ جَمِيعَ أَهْلِ الْأَرْضِ، فَعَلَى هَذَا نَقُولُ إِنَّمَا لَمْ يعمل بن عَبَّاسٍ بِخَبَرِ كُرَيْبٍ لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ فَلَا تَثْبُتُ بِوَاحِدٍ لَكِنَّ ظَاهِرَ حَدِيثِهِ أَنَّهُ لَمْ يَرُدَّهُ لِهَذَا وَإِنَّمَا رَدَّهُ لِأَنَّ الرُّؤْيَةَ لَمْ يَثْبُتْ حُكْمُهَا فِي حَقِّ الْبَعِيدِ...)أهـ.
سمعتم ما في المسألة من أقوال ومذاهب وهو أنَّ فيها عدَّة مذاهب.
المذهب الأول: أنَّه متى ما يقرب من محل الرؤية على مسافة قصر فأقل تلزمه الرؤية.
المذهب الثاني: إذا اتفقت المطالع لزمت الرؤية.
المذهب الثالث: إذا اتَّفق الإقليم لزمت الرؤية.
المذهب الرابع: أنَّ المسلمين كلَّهم يلزمهم رؤية واحدة، وهذا القول واضح البطلان.
السبب في ذلك: أنَّ الأمر الآن قد انكشف أحسن من ذي قبل، فالآن كلُّ بلدٍ تعرف توقيتهم بواسطة المذياع، عندنا مثلًا تغرب الشمس وبعدنا بساعة تغرب في مصر، وبساعتين تغرب في لندن، وبثلاث ساعات تغرب في جرينتش، وبثمان ساعات ونصف تغرب في أمريكا، كذلك مثلًا: تغرب الشمس في الهند وباكستان وأفغانستان قبلنا بلا شك.
على كلٍّ فالذي يظهر لي أنَّه هو الحق: أنَّ الرؤية تلزم من كان بعد بلد رؤي بالتوقيت، بطريقة عقلية: عندما تكون الرؤية ثبتت في السعودية بشهادة وصام الناس في السعودية، حينئذٍ نقول: أنَّ أهل مصر وإفريقيا تلزمهم رؤية السعودية، بسبب ماذا؟، بسبب أنَّهم بعدنا بالتوقيت، وما كان مساويًا لنا أيضًا تلزمهم.
فمثلًا: الحبشة الذي نحن معه على خط الاستواء أو أريتريا هؤلاء يكونون معنا ذلك كما بلغني، فهؤلاء متَّفقون معنا في الزمن، وإذا اتفقوا معنا في التوقيت اتفقوا معنا في الرؤية، فإذا كانت مثلًا: تغرب عندنا السادسة والنصف وتغرب عندهم السادسة والنصف، فإذا كان قد ثبت أن الهلال رؤي عندنا فإنَّه يكون ثابتًا عندهم، ومن بعدهم من باب أولى.
شمال إفريقيا مثلًا: إذا كان بعدنا في ساعة فلا بد أن يكون تونس بعدنا في ساعة ونصف وهكذا مثلًا الجزائر، أمَّا المغرب فأظنُّها ما تبعد عن ساعتين، وهكذا.
فإذا ثبتت الرؤية عندنا لزم من كان معنا ومن كان بعدنا، لأنَّه إذا كان الأمر كذلك ورؤي الهلال عندنا في الساعة السادسة والنصف بعد صلاة المغرب ورآه الناس بعد صلاة المغرب، في هذه الحالة يتبيَّن بأن القمر الشمس قد سبقته بقدر ما يكون مرئيًا بعد الغروب، وإن كان هذا يتفاوت كما سيأتي أمدَّه لرؤيته.
معنى أمدَّه لرؤيته-يعني-: أنَّه يتفاوت، فأحيانًا يكون ليلة الهلال تسبق الشمس القمر بعشر دقائق، وقد يكون أنَّه لا يرى بسبب شعاع الشمس، أو لا يراه إلَّا حادّ النظر هكذا، فإذا سبقت الشمس الهلال بربع ساعة ربما يكون أوضح، يكون بعد الصلالة لِمَن يصلي بعد الغروب على طول، فيكون الهلال بعد الصلاة مرئيًا على الحال.
وهكذا لو تأخَّر مثلًا عشرين دقيقة أو خمسة وعشرين دقيقة فقط.
والمهم أنَّه إذا ثبت عندنا فهو يلزم من معنا ومن بعدنا، ولكن لا تلزم من قبلنا، فلا تلزم مثلًا أهل الكويت والعراق وباكستان وأفغانستان لأنَّه ربما أنَّه غربت الشمس عندهم قبلنا ولم تسبق القمر لم تسبق الهلال فغاب معها أو قبلها بدقيقتين أو قبلها بخمس دقائق أو هكذا، ولله في خلقه حكمة.
إذن: لا تلزمهم رؤيتنا وإنَّما تلزَم من بعدنا في التوقيت ومن كان معنا، فمن يوازينا مثلًا على خط الاستواء وتوقيته معنا متَّضح عندئذ تلزمهم الرؤية، ومن كان قبلنا لا تلزمهم الرؤية، ومن كان بعدنا من باب أولى تلزمهم الرؤية.
والمهم أن يكون الاطمئنان إلى هذه الدولة أنَّها تستعمل الرؤية الشرعية، التي هي رؤية العين المجرَّدة لا تعتمد على رؤية المنظار الفلكي، نعم.
سائل: طيب يا شيخ إذا ظهر في الدولة التي بعدنا يعني: حال بيننا وبين رؤية الهلال غيم.
الشيخ: إذا حال بين الدولة التي بعدنا وبين رؤية الهلال غيم لزمهم إذا سمعوا إذاعة السعودية أثبت الهلال لزمهم أن يثبتوه وأن يصوموا، لأنَّه بالطريقة المعقولة مثلًا: كيف لا يلزمهم وهم بعدنا بساعة؟، أو بنصف ساعة؟، أو بساعة ونصف أو بساعتين؟، فإذا كان عندما غابت الشمس عندنا وقد سبقت الهلال وكان الهلال بعدها فمن باب أولى أن يكون عندهم كذلك، هذا هو الحق فيما أرى، لأن زمننا الآن قد ظهرت فيه من الوسائل التي يتبين بها اختلاف المطالع واتفاقها وتباينها ما هو واضح الآن لكل الناس، اصبح شيء لا يتمارى فيه اثنان، نعم[1].
لسماع المادة الصوتية:
قام بتفريغه: أبو عبيدة منجد بن فضل الحداد
الاثنين الموافق: 11/ رمضان/ 1433 للهجرة النبوية الشريفة.
[1] من شرح الشيخ-رحمه الله-لصحيح مسلم/ كتاب الصيام/ باب بيان أنَّ لكل بلد رؤيتهم للهلال.