في هذا الحديث وقبل أن يصل القاضي عياض عند الحديث الذي سيأتي في إعفاء اللحية أو في إعفاء اللحى نقل عنه الإمام الشوكاني كلامًا ما كنت أظن أنَّه ينقل ويسكت عليه.
إعفاء اللحية: تركها وعدم التعرُّض لها، وعدم أخذ شيء منها، وعدم تقصيرها، كما ستأتي أحاديث فيها أوامر نحو خمس أوامر.
ولكنَّ القاضي عياض تناقض، قال: ( لا تقصّ ) هذا صحيح، ثمَّ قال: ( الأخذ من عرضها وطولها حسن )، ما معنى قولك فيما تقدَّم ( لا تقصّ )؟، ثمَّ تقول: ( الأخذ من عرضها وطولها حسن )؟، ومن الذي حسَّنه؟.
التحسين والتقبيح لا يكون إلَّا للشرع، التحسين والتقبيح العقلي لا يعمل به، إنَّما المحسِّن والمقبِّح الشرع.
إذا ثبت بأنَّ النبي-عليه الصلاة والسلام-لم يأخذ من لحيته لا من طولها ولا من عرضها لم يثبت، لا أقول: لم يرد، لأن ما ورد لم يصح، لم يثبت، إذا لم يثبت ذلك بأي شيء تحسِّن؟، وهذا التحسين يرد على القاضي عياض مع مكانته العلمية، فيقال فيه كما قال الإمام مالك: ( كل إنسان يؤخذ من قوله ويرد عليه إلَّا صاحب هذا القبر محمد-صلى الله عليه وسلَّم- ).
ولا ينبغي أن يتهاون الإنسان في ردِّ السنَّة نظرًا لمكانة القائل، إذا قال قائل كلامًا يخالف السنَّة يجب أن يرد ذلك الكلام بصرف النظر عن مكانة القائل، إن أمكن التماس العذر له التُمِس، وإلَّا ترك أمره إلى الله.
ولكن لا يتَّبع كلامه وتحسينه وشرحه وتحديد خلاف السنَّة، بأنَّ تعظيم اللحية وتركها عظيمة وربَّما يؤدي إلى الشهرة، هذا كلام ما كان يتوقَّع أن يقوله عالم.
كون اللحية إذا كانت عظيمة وضخمة طويلة وعريضة تؤدي إلى الشهرة، أي شهرة؟، بل هذه موافقة لهدي رسول الله-عليه الصلاة والسلام-وقريبة من لحية النبي-عليه الصلاة والسلام-.
وصف عبد الله بن عبَّاس لحية النبي-عليه الصلاة والسلام-أنَّها كانت من هاهنا إلى هاهنا أي: من الأذن إلى الأذن حتَّى كادت تستر نحره من طولها، طويلة وعريضة.
وكيف يقال: اللحية إذا طالت وعظمت تؤدي إلى الشهرة ويستحسن أن يؤخذ من طولها وعرضها؟، هذا كلام يعتبر هفوة، لكل جواد كبوة ولكل عالم هفوة، هذه هفوة.
وأمَّا الاستدلال بأثر ابن عمر وأنَّه كان إذا حجَّ او اعتمر يقبض هكذا فما زاد على القبضة يقص، إن صحَّ هذا لا يصلح أثر ابن عمر بعد صحَّته أن يخصص الأحاديث المطلقة التي فيها الإعفاء والإحفاء والتوفير والإكرام كما سيأتي، لا يخصص.
ولكن قلَّما يخلوا الإنسان من الهوى، هذا الأثر-أثر ابن عمر-وافق الهوى عند كثير من الناس وتعلَّقوا به وفرحوا به كثيرًا، بينما لو جاء هذا الأثر مخالفًا لِمَا يهوونه ولِمَا الفوا قالوا: هذا أثر صحابي عادي ليس من الخلفاء الراشدين لا يعمل به.
ولماذا لم نقل هنا مثل هذا الكلام وتعلَّقنا به؟، وعلَّقنا عليه؟، وخصَّصنا به أحاديث صحيحة صريحة؟، هذا نوع من الهوى وإن كان طالب علم الذي وقف هذا الموقف لا يدرك أنَّه اتبع الهوى، مع تقديرنا واحترامنا لكثير من طلبة العلم ومن كبار طلَّاب العلم الذين تعلَّقوا بهذا الأثر فصاروا يفتون للناس بجواز الأخذ من اللحية، وربَّمَا توسَّعوا.
إذا كان عبد الله بن عمر ثبت عنه ذلك في الحج والعمرة، وهم قد زادوا في غير الحج والعمرة بعد أن عملوا بأصل الأثر.
الأصل عدم التعلق وعدم العمل بمثل هذا الأثر، إذا جاء مخالفًا لسنَّة صريحة، ويعتذر للقائل من الصحابة بعدم الاطلاع على تلك الأوامر الكثيرة التي عدَّد منها الشوكاني خمس أوامر ستأتي.
فإذا اعتذر له كما هو المعتاد أو المتَّبع من عادة أهل العلم، إذا عثر لعالم صحابيًا كان أو تابعيًّا أو من بعدهم على قول مخالف للسنَّة يعتذر له، قال ما هو معروف بتتبع السنَّة وخصوصًا عبد الله بن عمر، كان حريصًا على اتباع السنَّة، بل حتَّى العادات، غير الشرع-غير الشريعة-، يعتذر لأمثاله بأنَّه لم يطَّلع على هذه الأحاديث.
ولكنَّ المشكلة عندما يسرد عالم من العلماء تلك الأحاديث ويقول: تدل هذه الأحاديث على أنَّه لا تقصُّ اللحية ولا يؤخذ منها، ثمَّ يأتي فيقول: إذا عظمت يستحسن أن يؤخذ من طولها وعرضها!، هذا الكلام لا ينبغي الاغترار به لكون القائل له مكانة علمية.
وهذا لا يجعلنا ندع السنَّة ونترك السنَّة تقديرًا لذلك القائل، بل يجب أن تقدَّر السنَّة، هذا يذكِّرنا ما قال العلَّامة ابن القيِّم وهو يناقش الهروي في بعض المسائل، قال: (...شيخ الإسلام الهروي حبيب ولكنَّ الحق أحبُّ إلينا...)، شيخ الإسلام حبيب ينبغي أن نقدِّره ونأخذ كلامه ولكنَّ الحق أحب، هكذا ينبغي أن يقال في مثل هذا المقام[1].
[1] لفضيلة الشيخ العلَّامة محمد أمان بن علي الجامي-رحمه الله-/ تعليق على حديث: (خمس من الفطرة) من شرحه لنيل الأوطار كتاب الطهارة الشريط الثالث عشر.
إعفاء اللحية: تركها وعدم التعرُّض لها، وعدم أخذ شيء منها، وعدم تقصيرها، كما ستأتي أحاديث فيها أوامر نحو خمس أوامر.
ولكنَّ القاضي عياض تناقض، قال: ( لا تقصّ ) هذا صحيح، ثمَّ قال: ( الأخذ من عرضها وطولها حسن )، ما معنى قولك فيما تقدَّم ( لا تقصّ )؟، ثمَّ تقول: ( الأخذ من عرضها وطولها حسن )؟، ومن الذي حسَّنه؟.
التحسين والتقبيح لا يكون إلَّا للشرع، التحسين والتقبيح العقلي لا يعمل به، إنَّما المحسِّن والمقبِّح الشرع.
إذا ثبت بأنَّ النبي-عليه الصلاة والسلام-لم يأخذ من لحيته لا من طولها ولا من عرضها لم يثبت، لا أقول: لم يرد، لأن ما ورد لم يصح، لم يثبت، إذا لم يثبت ذلك بأي شيء تحسِّن؟، وهذا التحسين يرد على القاضي عياض مع مكانته العلمية، فيقال فيه كما قال الإمام مالك: ( كل إنسان يؤخذ من قوله ويرد عليه إلَّا صاحب هذا القبر محمد-صلى الله عليه وسلَّم- ).
ولا ينبغي أن يتهاون الإنسان في ردِّ السنَّة نظرًا لمكانة القائل، إذا قال قائل كلامًا يخالف السنَّة يجب أن يرد ذلك الكلام بصرف النظر عن مكانة القائل، إن أمكن التماس العذر له التُمِس، وإلَّا ترك أمره إلى الله.
ولكن لا يتَّبع كلامه وتحسينه وشرحه وتحديد خلاف السنَّة، بأنَّ تعظيم اللحية وتركها عظيمة وربَّما يؤدي إلى الشهرة، هذا كلام ما كان يتوقَّع أن يقوله عالم.
كون اللحية إذا كانت عظيمة وضخمة طويلة وعريضة تؤدي إلى الشهرة، أي شهرة؟، بل هذه موافقة لهدي رسول الله-عليه الصلاة والسلام-وقريبة من لحية النبي-عليه الصلاة والسلام-.
وصف عبد الله بن عبَّاس لحية النبي-عليه الصلاة والسلام-أنَّها كانت من هاهنا إلى هاهنا أي: من الأذن إلى الأذن حتَّى كادت تستر نحره من طولها، طويلة وعريضة.
وكيف يقال: اللحية إذا طالت وعظمت تؤدي إلى الشهرة ويستحسن أن يؤخذ من طولها وعرضها؟، هذا كلام يعتبر هفوة، لكل جواد كبوة ولكل عالم هفوة، هذه هفوة.
وأمَّا الاستدلال بأثر ابن عمر وأنَّه كان إذا حجَّ او اعتمر يقبض هكذا فما زاد على القبضة يقص، إن صحَّ هذا لا يصلح أثر ابن عمر بعد صحَّته أن يخصص الأحاديث المطلقة التي فيها الإعفاء والإحفاء والتوفير والإكرام كما سيأتي، لا يخصص.
ولكن قلَّما يخلوا الإنسان من الهوى، هذا الأثر-أثر ابن عمر-وافق الهوى عند كثير من الناس وتعلَّقوا به وفرحوا به كثيرًا، بينما لو جاء هذا الأثر مخالفًا لِمَا يهوونه ولِمَا الفوا قالوا: هذا أثر صحابي عادي ليس من الخلفاء الراشدين لا يعمل به.
ولماذا لم نقل هنا مثل هذا الكلام وتعلَّقنا به؟، وعلَّقنا عليه؟، وخصَّصنا به أحاديث صحيحة صريحة؟، هذا نوع من الهوى وإن كان طالب علم الذي وقف هذا الموقف لا يدرك أنَّه اتبع الهوى، مع تقديرنا واحترامنا لكثير من طلبة العلم ومن كبار طلَّاب العلم الذين تعلَّقوا بهذا الأثر فصاروا يفتون للناس بجواز الأخذ من اللحية، وربَّمَا توسَّعوا.
إذا كان عبد الله بن عمر ثبت عنه ذلك في الحج والعمرة، وهم قد زادوا في غير الحج والعمرة بعد أن عملوا بأصل الأثر.
الأصل عدم التعلق وعدم العمل بمثل هذا الأثر، إذا جاء مخالفًا لسنَّة صريحة، ويعتذر للقائل من الصحابة بعدم الاطلاع على تلك الأوامر الكثيرة التي عدَّد منها الشوكاني خمس أوامر ستأتي.
فإذا اعتذر له كما هو المعتاد أو المتَّبع من عادة أهل العلم، إذا عثر لعالم صحابيًا كان أو تابعيًّا أو من بعدهم على قول مخالف للسنَّة يعتذر له، قال ما هو معروف بتتبع السنَّة وخصوصًا عبد الله بن عمر، كان حريصًا على اتباع السنَّة، بل حتَّى العادات، غير الشرع-غير الشريعة-، يعتذر لأمثاله بأنَّه لم يطَّلع على هذه الأحاديث.
ولكنَّ المشكلة عندما يسرد عالم من العلماء تلك الأحاديث ويقول: تدل هذه الأحاديث على أنَّه لا تقصُّ اللحية ولا يؤخذ منها، ثمَّ يأتي فيقول: إذا عظمت يستحسن أن يؤخذ من طولها وعرضها!، هذا الكلام لا ينبغي الاغترار به لكون القائل له مكانة علمية.
وهذا لا يجعلنا ندع السنَّة ونترك السنَّة تقديرًا لذلك القائل، بل يجب أن تقدَّر السنَّة، هذا يذكِّرنا ما قال العلَّامة ابن القيِّم وهو يناقش الهروي في بعض المسائل، قال: (...شيخ الإسلام الهروي حبيب ولكنَّ الحق أحبُّ إلينا...)، شيخ الإسلام حبيب ينبغي أن نقدِّره ونأخذ كلامه ولكنَّ الحق أحب، هكذا ينبغي أن يقال في مثل هذا المقام[1].
لسماع المادة الصوتية:
قام بتفريغه: أبو عبيدة منجد بن فضل الحداد
الثلاثاء الموافق: 5/ رمضان/ 1433 للهجرة النبوية الشريفة.
[1] لفضيلة الشيخ العلَّامة محمد أمان بن علي الجامي-رحمه الله-/ تعليق على حديث: (خمس من الفطرة) من شرحه لنيل الأوطار كتاب الطهارة الشريط الثالث عشر.