انقر الصورة لتكبيرها
رد شبهة إن أهل السنة أحدثوا أربع مذاهب ، وأهملوا أقاويل الصحابة.
تعريف :
هذه أحد ضربات شيخ الإسلام أبن تيمية رحمه الله التى سحق وكسر
بها عظام الحلي قبحه الله صاحب كتاب منهاج الندامة .
مدخـــل :
قال الرافضي : وأحدثوا مذاهب أربعة لم تكن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولا زمن صحابته ، وأهملوا أقاويل الصحابة .
أولاً :
فيقال له : متى كان مخالفة الصحابة والعدول عن أقاويلهم منكراً عند الإمامية ؟
وهؤلاء متفقون على محبة الصحابة وموالاتهم وتفضيلهم على سائر القرون ، وعلى أن إجماعهم حجة، وعلى أنه ليس لهم الخروج عن إجماعهم ، بل عامة الأئمة المجتهدين يصرُحون بأنه ليس لنا أن نخرج عن أقاويل الصحابة ، فكيف يطعن عليهم بمخالفة الصحابة من يقول : إن إجماع الصحابة ليس بحجة ، وينسبهم إلى الكفر و الظلم ؟
فإن كان إجماع الصحابة حجة فهو حجة على الطائفتين ، وإن لم يكن حجة فلا يحتج به عليهم .
وإن قال : أهل السنة يجعلونه حجة وقد خالفوه ؟
قيل : أما أهل السنة فلا يتصور أن ما يتفقوا على مخالفة إجماع الصحابة ، و أما الإمامية فلا ريب أنهم متفقون على مخالفة إجماع العترة النبوية ، مع مخالفة إجماع الصحابة ، فإنه لم يكن في العترة النبويــة
بني هاشم ــ على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وعليّ رضي الله عنهم من يقول بإمامة الاثني عشر ، ولا بعصمة أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا بكفر الخلفاء الثلاثة ، بل ولا من يطعن في إمامتهم ، بل ولا من ينكر الصفات ولا من يكذب بالقدر .
فالإمامية بلا ريب متفقون على مخالفة أجماع العترة النبوية ، مع مخالفتهم لإجماع الصحابة ، فكيف ينكرون على من لم يخالف لا إجماع الصحابة ولا إجماع العترة ؟ .
ثانيــاً:
إن قولـه : ( وأحدثوا مذاهب أربعة لم تكن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ) . إن أراد بذلك أنهم اتفقوا على أن يحدثوا هذه المذاهب مع مخالفة الصحابة فهذا كذب عليهم ، فإن هؤلاء الأئمة لم يكونوا في عصر واحد ، بل أبو حنيفة توفي سنة خمسين ومائة ، و مالك سنة تسع وسبعين ومائة ، و الشافعي سنة أربع ومائتين ،وأحمد بن حنبل سنة أحدى وأربعين ومائتين ، وليس في هؤلاء من يقلد الآخر، ولا من يأمر بـاتّباع الناس له ، بل كل منهم يدعو إلى متابعة الكتاب والسنة ، و إذا قال غيره قولاً يخالف الكتاب والسنة عنده رده ، ولا يوجب على الناس تقليده .
وإن قلت : إن أصحاب هذه المذاهب اتّبعهم الناس ، فهذا لم يحصل بمواطأة ، بل اتفق أن قومـًا اتّبعوا هذا ، وقومــًا اتّبعوا هذا ، كالحجاج الذين طلبوا من يدلهم على الطريق ، فرأى قوم هذا الدليل خبيراً فاتّبعوه ، وكذلك الآخرون .
وإذا كان كذلك لم يكن في ذلك اتفاق أهل السنة على الباطل ، بل كل قوم منهم ينكرُن ما عند غيرهم من الخطأ ، فلم يتفقوا على أن الشخص المعيّن عليه أن يقبل من كل هؤلاء ما قاله ، بل جمهورهم لا يأمرون العاميّ بتقليد شخص معيّن غير النبي صلى الله عليه وسلم في كل ما يقوله .
والله تعالى قد ضمن العصمة للأمة ، فمن تمام العصمة أن يجعل عدداً من العلماء إن أخطأ الواحد منهم في شيء كان الآخر قد أصاب فيه ، حتى لا يضيع الحق ، ولهذا لما كان في قول بعضهم من الخطأ مسائل ، كبعض المسائل التي أردوها ، كان الصواب في قول الآخر ، فلم يتفق أهل السنة على ضلالة أصلاً ، وأما خطأ بعضهم في بعض الدين ، فقد قّدّمنا في غير مرة أن هذا لا يضر ، كخطأ بعض المسلمين ، وأما الشيعة فكل ما خالفوا فيه أهل السنة كلهم ، فهم مخطئون فيه ، كما أخطأ اليهود والنصارى في كل ما خالفوا فيه المسلمين .
ثالثــاً : أن يقال قوله : ( إن هذه المذاهب لم تكن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة ) .
إن أراد أن الأقوال التي لهم لم تنقل عن النبي صلى الله عيه وسلم ولا عن الصحابة ، بل تركوا قول النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة وابتدعوا خلاف ذلك ، فهذا كذب عليهم ؛ فإنهم لم يتفقوا على مخالفة الصحابة ، بل هم ــ وسائر أهل السنة ــ متبعون للصحابة في أقوالهم ، وإن قدّر أن بعض أهل السنّة خالف الصحابة لعدم علمه بأقـاويلهم ، فالباقون يوافقون ويثبتون خطأ من يخالفهم ، وإن أراد أن نفس أصحابها لم يكونوا في ذلك الزمان ، فهذا لا محذور فيه ، فمن المعلوم أن كل قرن يأتي يكون بعد القرن الأول .
ربعــاً: قوله : ( وأهملوا أقاويل الصحابة ) . كذب منه ، بل كُتب أرباب المذاهب مشحونة بنقل أقاويل الصحابة و الاستدلال بها ، وإن كان عند كل طائفة منها ما ليس عند الأخرى .
وإن قال : أردت بذلك أنهم لا يقولون : مذهب أبي بكر وعمر ونحو ذلك ، فسبب ذلك أن الواحد من هؤلاء جمع الآثار وما استنبطه منها ، فأضيف ذلك إليه ، كما تضاف كتب الحديث إلى من جمعها ، كالبخاري ومسلم وأبي داود ، وكما تضاف القراءات إلى من اختارها ، كنافع و ابن كثير .
وغالب ما يقوله هؤلاء منقول عمن قبلهم ، وفي قول بعضهم ما ليس منقولاً عمن قبله ، لكنه استنبطه من تلك الأصول ، ثم قد جاء بعده من تعقب أقواله فبيّن منها ما كان خطأ عنده ، كل ذلك حفظـًـا لهذا الدين ، حتى يكون أهله كما وصفهم الله به (( يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ))التوبة 71 .. فمتى وقع من أحدهم منكر خطأ أو عمداً أنكره عليه غيره .
وليس العلماء بأعظم من الأنبياء ، وقد قال تعالى :( وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين (78 ) ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما ) الانبياء78ـ79 .
وثبت في الصحيحين ، عن ابن عمر رضي الله عنهما ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه عام الخندق : (( لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة، فأدر كتهم صلاة العصر في الطريق . فقال بعضهم : لم يُرد منا تفويت الصلاة ، فصلوا في الطريق . وقال بعضهم : لا نصلي إلا في بني قريظة ، فصلوا العصر بعد ما غربت الشمس ، فما عنـّف واحدة من الطائفتين )) فهذا دليل على أن المجتهدين يتنازعون في فهم كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وليس كل واحد منهم آثمـًا .
خامسـًا : أن أهل السنة لم يقل أحد منهم : إن إجماع الأئمة الأربعة حجة معصومة ، ولا قال : إن الحق منحصر فيها ، وإن ما خرج عنها باطل ، بل إذا قال من ليس من أتباع الأئمة ، كسفيان الثوري و الأوزاعي والليث بن سعد ، ومن قبلهم ومن بعدهم من المجتهدين قولاً يخالف قول الأئمة الأربعة ، رُد ما تنازعوا فيه إلى الله ورسوله ، وكان القول الراجح هو القول الذي قام عليه الدليل .
سـادساً : قوله : (( الصحابة نصوا على ترك القياس )) .
يقال له : الجمهور الذين يثبتون القياس قالوا : قد ثبت عن الصحابة أنهم قالوا بالرأي واجتهاد الرأي وقاسوا ، كما ثبت عنهم ، ذمُ ما ذموه من القياس . قالوا : وكلا القولين صحيح ، فالمذموم القياس المعارض للنص ، كقياس الذين قالوا ك إنما البيع مثل الربا ، وقياس إبليس الذي عارض به أمر الله له بالسجود لآدم ، وقياس المشركين الذين قالوا : أتأكلون ما قتلتم ولا تأكلون ما قتله الله ؟ قال تعالى : (( وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون )) الانعام121 .
وكذلك القياس الذي لا يكون الفرع فيه مشاركاً للأصل في مناط الحكم ، فالقياس يذُم إما لفوات شرطه ، وهو عدم المساواة في مناط الحكم ، وإما لوجود مانعه ، وهو النص الذي يجب تقديمه عليه ، وإن كانا متلازمين في نفس الأمر ، فلا يفوت الشرط إلا و المانع موجود ، ولا يوجد المانع إلا والشرط مفقود .
فأما القياس الذي يستوي فيه الأصل والفرع في مناط الحكم ، ولم يعارضه ما هو أرجح منه ، فهذا هو القياس الذي يتبع .
ولا ريب أن القياس فيه فاسد، وكثير من الفقهاء قاسوا أقيسة فاسدة ، بعضها باطل بالنص ، وبعضها مما اتفق على بطلانه ، ولكن بطلان كثير من القياس لا يقتضي بطلان جميعه ، كما أن وجود الكذب في كثير من الحديث لا يوجب كذب جميعه .
جمعه وكتابه الفقير لربه:
أخوكم فى الله :أبو أسيف
غفر الله لــــــــــــه ولوالــــــــــديه.
المصدر :
كتاب منهاج السنة النبوية لشيخ الإسلام أبن تيمية
رضى الله عنه وأرضاه
رد شبهة إن أهل السنة أحدثوا أربع مذاهب ، وأهملوا أقاويل الصحابة.
تعريف :
هذه أحد ضربات شيخ الإسلام أبن تيمية رحمه الله التى سحق وكسر
بها عظام الحلي قبحه الله صاحب كتاب منهاج الندامة .
مدخـــل :
قال الرافضي : وأحدثوا مذاهب أربعة لم تكن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولا زمن صحابته ، وأهملوا أقاويل الصحابة .
أولاً :
فيقال له : متى كان مخالفة الصحابة والعدول عن أقاويلهم منكراً عند الإمامية ؟
وهؤلاء متفقون على محبة الصحابة وموالاتهم وتفضيلهم على سائر القرون ، وعلى أن إجماعهم حجة، وعلى أنه ليس لهم الخروج عن إجماعهم ، بل عامة الأئمة المجتهدين يصرُحون بأنه ليس لنا أن نخرج عن أقاويل الصحابة ، فكيف يطعن عليهم بمخالفة الصحابة من يقول : إن إجماع الصحابة ليس بحجة ، وينسبهم إلى الكفر و الظلم ؟
فإن كان إجماع الصحابة حجة فهو حجة على الطائفتين ، وإن لم يكن حجة فلا يحتج به عليهم .
وإن قال : أهل السنة يجعلونه حجة وقد خالفوه ؟
قيل : أما أهل السنة فلا يتصور أن ما يتفقوا على مخالفة إجماع الصحابة ، و أما الإمامية فلا ريب أنهم متفقون على مخالفة إجماع العترة النبوية ، مع مخالفة إجماع الصحابة ، فإنه لم يكن في العترة النبويــة
بني هاشم ــ على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وعليّ رضي الله عنهم من يقول بإمامة الاثني عشر ، ولا بعصمة أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا بكفر الخلفاء الثلاثة ، بل ولا من يطعن في إمامتهم ، بل ولا من ينكر الصفات ولا من يكذب بالقدر .
فالإمامية بلا ريب متفقون على مخالفة أجماع العترة النبوية ، مع مخالفتهم لإجماع الصحابة ، فكيف ينكرون على من لم يخالف لا إجماع الصحابة ولا إجماع العترة ؟ .
ثانيــاً:
إن قولـه : ( وأحدثوا مذاهب أربعة لم تكن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ) . إن أراد بذلك أنهم اتفقوا على أن يحدثوا هذه المذاهب مع مخالفة الصحابة فهذا كذب عليهم ، فإن هؤلاء الأئمة لم يكونوا في عصر واحد ، بل أبو حنيفة توفي سنة خمسين ومائة ، و مالك سنة تسع وسبعين ومائة ، و الشافعي سنة أربع ومائتين ،وأحمد بن حنبل سنة أحدى وأربعين ومائتين ، وليس في هؤلاء من يقلد الآخر، ولا من يأمر بـاتّباع الناس له ، بل كل منهم يدعو إلى متابعة الكتاب والسنة ، و إذا قال غيره قولاً يخالف الكتاب والسنة عنده رده ، ولا يوجب على الناس تقليده .
وإن قلت : إن أصحاب هذه المذاهب اتّبعهم الناس ، فهذا لم يحصل بمواطأة ، بل اتفق أن قومـًا اتّبعوا هذا ، وقومــًا اتّبعوا هذا ، كالحجاج الذين طلبوا من يدلهم على الطريق ، فرأى قوم هذا الدليل خبيراً فاتّبعوه ، وكذلك الآخرون .
وإذا كان كذلك لم يكن في ذلك اتفاق أهل السنة على الباطل ، بل كل قوم منهم ينكرُن ما عند غيرهم من الخطأ ، فلم يتفقوا على أن الشخص المعيّن عليه أن يقبل من كل هؤلاء ما قاله ، بل جمهورهم لا يأمرون العاميّ بتقليد شخص معيّن غير النبي صلى الله عليه وسلم في كل ما يقوله .
والله تعالى قد ضمن العصمة للأمة ، فمن تمام العصمة أن يجعل عدداً من العلماء إن أخطأ الواحد منهم في شيء كان الآخر قد أصاب فيه ، حتى لا يضيع الحق ، ولهذا لما كان في قول بعضهم من الخطأ مسائل ، كبعض المسائل التي أردوها ، كان الصواب في قول الآخر ، فلم يتفق أهل السنة على ضلالة أصلاً ، وأما خطأ بعضهم في بعض الدين ، فقد قّدّمنا في غير مرة أن هذا لا يضر ، كخطأ بعض المسلمين ، وأما الشيعة فكل ما خالفوا فيه أهل السنة كلهم ، فهم مخطئون فيه ، كما أخطأ اليهود والنصارى في كل ما خالفوا فيه المسلمين .
ثالثــاً : أن يقال قوله : ( إن هذه المذاهب لم تكن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة ) .
إن أراد أن الأقوال التي لهم لم تنقل عن النبي صلى الله عيه وسلم ولا عن الصحابة ، بل تركوا قول النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة وابتدعوا خلاف ذلك ، فهذا كذب عليهم ؛ فإنهم لم يتفقوا على مخالفة الصحابة ، بل هم ــ وسائر أهل السنة ــ متبعون للصحابة في أقوالهم ، وإن قدّر أن بعض أهل السنّة خالف الصحابة لعدم علمه بأقـاويلهم ، فالباقون يوافقون ويثبتون خطأ من يخالفهم ، وإن أراد أن نفس أصحابها لم يكونوا في ذلك الزمان ، فهذا لا محذور فيه ، فمن المعلوم أن كل قرن يأتي يكون بعد القرن الأول .
ربعــاً: قوله : ( وأهملوا أقاويل الصحابة ) . كذب منه ، بل كُتب أرباب المذاهب مشحونة بنقل أقاويل الصحابة و الاستدلال بها ، وإن كان عند كل طائفة منها ما ليس عند الأخرى .
وإن قال : أردت بذلك أنهم لا يقولون : مذهب أبي بكر وعمر ونحو ذلك ، فسبب ذلك أن الواحد من هؤلاء جمع الآثار وما استنبطه منها ، فأضيف ذلك إليه ، كما تضاف كتب الحديث إلى من جمعها ، كالبخاري ومسلم وأبي داود ، وكما تضاف القراءات إلى من اختارها ، كنافع و ابن كثير .
وغالب ما يقوله هؤلاء منقول عمن قبلهم ، وفي قول بعضهم ما ليس منقولاً عمن قبله ، لكنه استنبطه من تلك الأصول ، ثم قد جاء بعده من تعقب أقواله فبيّن منها ما كان خطأ عنده ، كل ذلك حفظـًـا لهذا الدين ، حتى يكون أهله كما وصفهم الله به (( يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ))التوبة 71 .. فمتى وقع من أحدهم منكر خطأ أو عمداً أنكره عليه غيره .
وليس العلماء بأعظم من الأنبياء ، وقد قال تعالى :( وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين (78 ) ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما ) الانبياء78ـ79 .
وثبت في الصحيحين ، عن ابن عمر رضي الله عنهما ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه عام الخندق : (( لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة، فأدر كتهم صلاة العصر في الطريق . فقال بعضهم : لم يُرد منا تفويت الصلاة ، فصلوا في الطريق . وقال بعضهم : لا نصلي إلا في بني قريظة ، فصلوا العصر بعد ما غربت الشمس ، فما عنـّف واحدة من الطائفتين )) فهذا دليل على أن المجتهدين يتنازعون في فهم كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وليس كل واحد منهم آثمـًا .
خامسـًا : أن أهل السنة لم يقل أحد منهم : إن إجماع الأئمة الأربعة حجة معصومة ، ولا قال : إن الحق منحصر فيها ، وإن ما خرج عنها باطل ، بل إذا قال من ليس من أتباع الأئمة ، كسفيان الثوري و الأوزاعي والليث بن سعد ، ومن قبلهم ومن بعدهم من المجتهدين قولاً يخالف قول الأئمة الأربعة ، رُد ما تنازعوا فيه إلى الله ورسوله ، وكان القول الراجح هو القول الذي قام عليه الدليل .
سـادساً : قوله : (( الصحابة نصوا على ترك القياس )) .
يقال له : الجمهور الذين يثبتون القياس قالوا : قد ثبت عن الصحابة أنهم قالوا بالرأي واجتهاد الرأي وقاسوا ، كما ثبت عنهم ، ذمُ ما ذموه من القياس . قالوا : وكلا القولين صحيح ، فالمذموم القياس المعارض للنص ، كقياس الذين قالوا ك إنما البيع مثل الربا ، وقياس إبليس الذي عارض به أمر الله له بالسجود لآدم ، وقياس المشركين الذين قالوا : أتأكلون ما قتلتم ولا تأكلون ما قتله الله ؟ قال تعالى : (( وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون )) الانعام121 .
وكذلك القياس الذي لا يكون الفرع فيه مشاركاً للأصل في مناط الحكم ، فالقياس يذُم إما لفوات شرطه ، وهو عدم المساواة في مناط الحكم ، وإما لوجود مانعه ، وهو النص الذي يجب تقديمه عليه ، وإن كانا متلازمين في نفس الأمر ، فلا يفوت الشرط إلا و المانع موجود ، ولا يوجد المانع إلا والشرط مفقود .
فأما القياس الذي يستوي فيه الأصل والفرع في مناط الحكم ، ولم يعارضه ما هو أرجح منه ، فهذا هو القياس الذي يتبع .
ولا ريب أن القياس فيه فاسد، وكثير من الفقهاء قاسوا أقيسة فاسدة ، بعضها باطل بالنص ، وبعضها مما اتفق على بطلانه ، ولكن بطلان كثير من القياس لا يقتضي بطلان جميعه ، كما أن وجود الكذب في كثير من الحديث لا يوجب كذب جميعه .
جمعه وكتابه الفقير لربه:
أخوكم فى الله :أبو أسيف
غفر الله لــــــــــــه ولوالــــــــــديه.
المصدر :
كتاب منهاج السنة النبوية لشيخ الإسلام أبن تيمية
رضى الله عنه وأرضاه