نصيحة لإخواننا السلفيين في تونس
للشيخ أبي بكر بن ماهر بن عطية المصري
للشيخ أبي بكر بن ماهر بن عطية المصري
بسم الله الرحمن الرحيم
من أبي بكر بن ماهر بن عطية المصري
إلى إخوانه في الله في تونس
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أما بعد.
فإنه قد رغِب إليَّ أحد إخوانكم ألا وهو الأخ / أبو أميمة السلفي رياض عباس-حفظه الله- عن طريق شبكة الإنترنت رغِب إليَّ في الإسهام والمشاركة بكلمة مني من باب تثبيت إخواننا السلفيين في تونس، على إثرِ قيام بعض الناس في تونس بحمل السلاح في مواجهة منهم لبعض رجال الشرطة التونسية، مما أدى إلى قتل عدد منهم ومن المواطنين، وإلى اختلال الأمن أيضًا.
فأقول وبالله التوفيق:
إن من أعظم نعم الله التي امتن بها على عباده المؤمنين نعمة الأمن، قال تعالى: ((الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ)) وقال تعالى ممتنًا على قريش بنعمة الإطعام والأمن: ((لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4)) وقال تعالى عن سبأ: ((وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ)) واختص الله البيت الحرام بمزايا منها الأمن، فقال تعالى: ((وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا)) وأمر الله تعالى بتأمين من دخل بيته الحرام فقال: ((إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96) فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا)) وهذا أسلوب خبريٌّ لفظًا إنشائىٌّ معنىً، والمعنى: ومن دخله أمنوه.
والدعاء بالأمن مطلبٌ عظيم، فقد دعا إبراهيم لمكة بالأمن، قال تعالى: ((وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـذَا الْبَلَدَ آمِنًا)) وفي آية أخرى ((بَلَدًا آمِنًا)) ووعد الله عباده المؤمنين بالأمن، قال تعالى: ((وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)) وقال تعالى لكليمه موسى -صلى الله عليه وسلم-: ((يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ)) وقال له أيضًا: ((يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ)) وقال له الرجل الصالح: ((لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)) وكما أن الأمن نعمة في الدنيا، فهو من نعم الله على أهل الجنة، قال تعالى في حق أهل الجنة: ((ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ آمِنِينَ)) إلى غير ذلك من الآيات.
فلما كانت نعمة الأمن نعمة عظيمة، ومِنَّة جسيمة من الله -عز وجل- على عباده، كان الواجب على العباد شكر الله على هذه النعمة ليزيدهم منها، وإلا عاقبهم بنقيض ذلك وهو الخوف، قال تعالى: ((لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)) وقال تعالى: ((وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ)) فالكافر بهذه النعمة المتسبب في زوالها متعرضٌ للوعيد كما فى الآيتين السابقتين وغيرهما من الآيات كقوله تعالى: ((إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)) وقوله تعالى: ((إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ * إِلَّا مَن ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ)) وقوله تعالى عن سبأ عقب الآية السابقة في شأنهم: ((فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ)) فالظالم المروع للآمنين لا يؤمَّن كونًا وقدرًا كما لا يؤمَّن شرعًا، بل يجب الأخذ على يديه لردعه عن ظلمه وجرمه وترويعه لعباد الله الآمنين في حياتهم ومعاشهم، ولا شك في أن أمثال هؤلاء الخوارج لهم نصيب كبير وحظ وافر من الوعيد المذكور في الآيات السابقة، وفي مثل قوله تعالى: ((وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ)) فمن أخاف عباد الله أخافه الله، ولم يُؤَمّنه الناس أيضًا، والجزاء من جنس العمل، قال تعالى: ((وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا)) وقال تعالى: ((وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى)).
ولو وقف الأمر عند هذا الحد من الظلم والفساد والإفساد بإهلاك الحرث والنسل وترويع الآمنين وإخافة للسبيل كما يفعله المجرمون من القتلة والسراق وقطاع الطريق لكان الخطب مع شدته وعظمه أهون من أمر من يتعبد بتلك الجرائم، بحيث يتدين بذلك، ويجعل منكره معروفًا، وظلمه وبغيه عدلاً وقسطًا، وإفساده في الأرض صلاحًا وإصلاحًا، وبدعته سُنَّة، وهواه دينًا، ذلك لأن هؤلاء ينسبون إلى الدين ما ليس منه، فيجمعون بين الإفساد وبين التدين به، بخلاف الأولين، فإنهم يفسدون في الأرض ولا يتدينون بإفسادهم، ألا ترى أن الرجل الذي قتل مائة نفس قد تاب إلى الله وأخذته ملائكة الرحمة، وهذا شأن العصاة، فإنهم يُرجى لهم التوبة من معاصيهم، بخلاف أهل البدع الذين يتدينون ببدعهم ويتعبدون بها، فإنهم لا تُرجى توبتهم في الغالب، فجمع أهل البدع في هذا الباب شرين، واقتصر أهل المعاصي على شر واحد، فالعاصي لا يتقرب إلى الله بمعصيته، بخلاف المبتدع، فإنه يتقرب إلى الله ببدعته وبما لا يزيده من الله إلا بعدًا ومقتًا، فيسمي إفساده جهادًا سلفيًا، والمنهجُ السلفيُّ براءٌ من ذلك، كما أن السلفيين براءٌ أيضًا من هؤلاء الخلوف، فاثبتوا معشر السلفيين على منهج السلف، ولا تغتروا بالألقاب التي يخلعها أهل البدع على أنفسهم، سواءٌ سموا أنفسهم مجاهدين سلفيين، أو سموا إفسادهم وإهلاكهم وإتلافهم للحرث والنسل وترويعهم للآمنين جهادًا سلفيًا، فإن الألقاب والأسماء لا تغني من الحق شيئًا، ولا تغير من الحقيقة شيئًا، بل يضاف إلى إفساد هؤلاء الزور والكذب والادعاء العريض الذي لا يغني عن صاحبه فتيلاً ولا نقيرًا ولا قطميرًا، حيث سموا الأشياء بغير اسمها، وهذا من الكذب والظلم ووضع الشيء في غير موضعه، فحذارِ من هؤلاء الأدعياء الكذبة المفسدين في الأرض، واعلموا أنه يجب بيان عوارهم للناس، وأنهم لا للإسلام ينصرون، ولا للباطل يكسرون، بل إنهم أحيوا سنن الخوارج من: سفك للدماء، وقتل للأبرياء، وترويع للآمنين، وإخافة للسبيل، وجر للويلات والابتلاءات على أنفسهم وعلى غيرهم.
واعلموا أن للخوارج إخوانًا في كثير من البلاد -إن لم يكونوا في كل البلاد- يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون، ويؤزونهم إلى الشر أزًّا، يمدونهم إما بالسلاح، وإما بالتثوير بالكلمة، وإما بالتهوين مما ارتكبوه من الجرائم، وإما بالسكوت عن بيان إفسادهم مع موافقتهم لهم على ما يفعلون ورضاهم بذلك، وإما بتبرير جرائمهم بمبررات لا تُسلم لهم، وإما بغير ذلك من وسائلهم الشيطانية الخبيثة الماكرة التي لا يفطن لها إلا الألباء الأذكياء، ولا يفطن لها الجهلة والحمقى والمغفلون، فيا قبَّح اللهُ الإخوان المفلسين وأفراخهم وإخوانهم من الخوارج الذين ساروا في ركبهم أو أرادوا اللحوق بهم أو سبقوهم في هذا الباب ألا وهو باب الخروج والفتن، ألا يعلم هؤلاء الفاتنون المفتونون أنه لا يجوز تغيير المنكر بما هو أنكر -هذا إن كان ما ينكرونه منكرًا في واقع الأمر وحقيقته- وأن ذلك من مُسَلَّمات الشريعة وقواعدها المبنية على جلب المصالح الخالصة أو الراجحة ودرء المفاسد الخالصة أو الراحجة، فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثًا، أم الأمر كما قيل:
لقد أسمعت إذ ناديت حيًا
ولكن لا حياة لمن تنادى!
وكما قيل:
ما لجرح بميت إيلام!
أم القوم يسيرون على مذهب: عنز ولو طارت!
أم الحقيقة هي أنهم جمعوا كل ذلك وما فوق ذلك !!!
يا أهل تونس أما لكم في الجزائر وغيرها عبرة
ألا تعلمون ما حصل من الفساد والشر واختلال الأمن وسفك الدماء وغير ذلك عند جيرانكم أهل الجزائر، قد كان ينبغي لكم أن تعتبروا بهم، والسعيد من وعظ بغيره، ولقد قال الله –عز وجل-: ((وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الْآَيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (27) فَلَوْلَا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آَلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ)).
إنا قائلون للخوارج المفسدين من أهل تونس: إنَّ حاكم بلادكم لا يخرج عن أحد حالين:
فإما أن يكون كافرًا، وإما أن يكون مسلمًا، فإن كان كافرًا، فمعلومٌ أنه أقوى منكم وأشد بأسًا وبطشًا وتنكيلاً، حيث إنه أكثر منكم عددًا وعدة لا محالة، فمقاتلتكم إياه تؤدي إلى مفاسد عظيمة من سفك الدماء، وهتك الأعراض، وإخافة السبيل، وترويع الآمنين، وتشريد طائفة منكم في الجبال وغيرها، وسجن طائفة أخرى وتعذيبها، وتشويه الدعوة وعرقلة مسيرتها، إلى غير ذلك من المفاسد في هذا الباب والتي لا يحصيها إلا الله، ومعلومٌ أن الدين مبنيٌ على جلب المصالح ودرء القبائح كما سبق، فمفاسد هذا الخروج قد عرفناها أو عرفنا بعضها، فما هي المصالح المترتبة على هذا الخروج ؟!
واعلموا أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وأصحابه -رضي الله عنهم- لم يؤذن لهم وهم بمكة في عصر الضعف والقلة بقتال مشركي مكة، ولا بكسر أصنامهم، مع شجاعة النبي وأصحابه، وغيرتهم على الحق، وإيمانهم الراسخ بما يفوق غيرهم، إلى غير ذلك من الخصال السنية المرضية، وقد قال الله –عز وجل- آمرًا إياهم بذكر حالهم هذا الماضي فقال: ((وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآَوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)).
فالعبد لا يخلو من أحد حالين: إما حال ضعف، وإما حال قوة، فمن كان ضعيفًا غير قادر على مقاتلة عدوه الكافر، فإنَّ له أسوة بالنبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وأصحابه في العصر المكي، ومن لم يكن له في رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أسوة فليس له في أحد أسوة، اللهم إلا أن يكون أسوته أهل الجهل والطيش والحمق والتثوير، من أهل الشهوات والجهالات والبدع والضلالات، أهل الفتاوى الزائغة الزائفة، الذين يضحون بغيرهم ويقدمونهم كباش فداء لأنفسهم ولتحقيق مآربهم، وهم في مواقعهم ناعمون فاكهون، فمن ركن إلى هؤلاء فله نصيبٌ من قوله تعالى: ((وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ)) وعلى نفسها براقش تجني.
وإن كان الحاكم مسلمًا -والأصل أن حكام المسلمون إلا من ارتد عن دينه وحكم عليه العلماء الراسخون بكفره من أمثال الشيخ ابن باز والألباني وابن عثيمين والوادعي والنجمي والمدخلي والجابري والفوزان وغيرهم من أهل العلم ممن هم على شاكلتهم وطريقتهم في الدينونة بمذهب السلف الصالح رضي الله عنهم- أقول:
إن كان الحاكم مسلمًا، فلا يجوز الخروج عليه من باب أولى، لورود الأدلة الكثيرة الصحيحة الثابتة في وجوب السمع والطاعة لولاة أمور المسلمين في غير معصية الله، وعدم جواز الخروج عليهم بالسيف والسلاح، ولا بما يؤدي إلى ذلك، ومن عمي عن هذه الأدلة فلينظر -على الأقل- في كتاب الإمارة من صحيح مسلم -رحمه الله تعالى- فإنه يجد هناك ما يغنيه ويشفيه ويكفيه ويهديه إن شاء الله تعالى.
وبناءًا على ما تقدم يُعلم أن هؤلاء الخارجين في تونس مخطئون على كل تقدير، وأنهم ليسوا من العلم في شيء، ولا من السلفية في شيء، وإن تسموا بأسماء سلفية، وإن سموا خروجهم وإفسادهم جهادًا سلفيًا، ويُعلم أن هؤلاء أيضًا إنما هم أهل أهواء وضلال وفساد وإفساد في الأرض، وأنهم قوم اتخذوا رؤوسًا جهالاً فأفتوهم بغير علم فضلوا في أنفسهم وأضلوا غيرهم، أو أنهم ركنوا إلى اتباع أهوائهم فأردتهم، قال تعالى: ((وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)) وقال: ((أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ)).
ولما كان الأمر أحد هذين أو كليهما، كانت راية الخارجين راية جاهلية تدعوا لبدعة أو تنصر بدعة أو تدعوا لعصبة أو تنصر عصبة، ومثل هذه الرايات لا يجوز الانضواء تحتها، ولا الاستظلال بها، ولا مناصرتها، ولا تأييدها، ومن قاتل تحت تلك الراية الجاهلية فقُتِل فقتلة جاهلية، وقد ثبت في الحديث في صحيح مسلم عن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أنه قال: (من قاتل تحت راية عُِمِّـيَّة يدعوا لعصبة أو يغضب لعصبة أو ينصر عصبة فقتل فقتلة جاهلية) وقال أيضًا: (من خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها ولا يتحاش من مؤمنها فقتل فقتلة جاهلية) أو كما قال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
ومعلومٌ أن تلك الراية المرفوعة في تونس ليست راية سلفية، وإنما هي راية حزبية، بدعية، جاهلية، عصبية، لا تنصر كتابًا ولا سنةً ولا مذهب السلف، وإنما تنصر مذهب الخوارج وأذنابهم وأوليائهم، وليعلموا أن خروجهم هذا يدل على قلة فقههم، وعدم سلفيتهم، وعدم رجوعهم إلى العلماء السلفيين، وحينما يقف السلفيون هذا الموقف من تلك الرايات فإنهم يحرصون على سلامة البلاد والعباد في دينهم ودنياهم، وليس تثبيطًا لداعي الجهاد، بل وأدًا لداعي الفساد، وعملاً بقوله تعالى: ((فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ)) ورجاءً للنجاة، قال تعالى: ((فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ)) واعلموا معشر السلفيين في تونس-حفظكم الله- أنَّ لكم إخوانًا في غير تونس يشدون من أزركم ببيان ما عليه الخوارج وأهل البدع من الباطل، وبخاصة هؤلاء الذين جعلوا البدعة شعارًا لهم، ثم تدثروا بلباس السلف زورًا وكذبًا وادعاءًا، فبينما هم على تلك الأحوال من الدعاوى الفارغة، والألقاب الكاذبة، إذ هبت رياح السنة فعصفت بمعاقل البدع، ونـزعت ذلك الدثار المزعوم المكذوب، وكشفت عما وراءه من الشعار البدعي الخلفي الخارجي، فإذا به منتن الريح خبيثها، وما لبث أهل الحق أن عرفوا ما عليه أهل التلبيس والتدليس من الغش والكذب والخيانة، ولا يزال أهل العلم والحمد لله يكشفون عوار هؤلاء، ويخرجون ما يحذرون نصحًا لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكارهون.
واعلموا أن دعوتكم لا تزال حية مثمرة ما دمتم تردون على أهل الأهواء أهواءهم وعلى أهل الأخطاء أخطاءهم، فإياكم ثم إياكم أن يزهدكم مزهد في نقد أهل الأهواء والبدع وإبانة ما هم عليه، وإن كنا ننصح بالقصد في ذلك، حيث لا إفراط ولا تفريط، واحرصوا -حفظكم الله- على أن تكون دعوتكم صافية نقية من أكدار وشوائب البدع، وتعاونوا على الخير والبر والتقوى، وقفوا صفًا واحدًا في وجوه أهل البدع، وتجلدوا في الثبات على الحق، فإن أهل الباطل متجلدون في الثبات على باطلهم، فأنتم أولى بالثبات على الحق والصبر عليه.
وفي ختام هذه النصيحة، أحب أن ألطم الإخوان المسلمين عندنا بمصر -حفظها الله- بل وفي غيرها لطمة، وذلك ببيان سوءة من سوءاتهم وعورة من عوراتهم -وما أكثرها-، وهي أنهم بوابة لدخول التشيع والرفض في مصر -بل وفي غيرها-، حيث إنهم أو بعضهم يوالون الشيعة، ويهنئون حزب الشيطان في لبنان على انتصارهم الكاذب على اليهود، وهم مع ذلك يحملون على السلفيين ويعادونهم، وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالكتاب والسنة بفهم السلف الصالح، وأن يحذروا من حزب الشيطان وأوليائه.
فالثبات الثبات يا أهل تونس على مذهب السلف حتى الممات، ولا تعجزوا، ولا تفرطوا فتندموا على ما فات، واعلموا أنه إن كان عندكم مصيبة فعندنا لها أخت أو أخوات من المصائب، فإنا لله وإنا إليه راجعون، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أملاه
أبو بكر بن ماهر بن عطية المصري
في ليلة الجمعة الموافق الثاني والعشرين من ذي الحجة لسنة سبعٍ وعشرين وأربعمائة وألف من الهجرة النبوية على صاحبها الصلاة والسلام
*************************************
المصدر http://www.abu-bkr.com/makalat/makalat09.html
تعليق