لقد أمر الله بالشكر في كتابه ونهى عن ضده ، وأثنى على أهله ، ووصف به خواص خلقه ، ووعد أهله بأحسن جزائه ، وأخبر أنهم هم المنتفعون بآياته ، وجعله سبباً للمزيد من فضله وعطائه ، وحارساً وحافظاً لنعمه وآلائه ، وأخبر سبحانه أنَّ كفران النعم بوار وسببٌ لفرار النعم وزوالها . قال الله تعالى : { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم:7] ، {وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [البقرة:172] ، وقال سبحانه : {وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} [لقمان:12] .
وأصل الشكر وحقيقته : الاعتراف بإنعام المنعم على وجه الخضوع والذل والمحبة .
v فمن لم يعرف النعمة بل كان جاهلاً بها لم يشكرها .
v ومن عرف النعمة ولم يعرف المنعم بها لم يشكرها .
v ومن عرف النعمة والمنعم ولكن جحدها فقد كفرها ولم يشكرها .
v ومن عرف النعمة والمنعم وأقر بها ولم يجحدها ولكن لم يخضع له ويحبه ويرضَ به وعنه لم يشكرها .
v ومن عرفها وعرف المنعم بها وخضع له وأحبه ورضي به وعنه واستعملها في محابه وطاعته فهذا هو الشاكر لها.
فالشكر مبني على خمس قواعد : خضوع الشاكر للمشكور ، وحبه له ، واعترافه بنعمته ، وثناؤه عليه بها ، وأن لا يستعملها فيما يكره . وهو يكون بالقلب واللسان والجوارح ؛ يكون بالقلب خضوعاً واستكانة ومحبة ، وباللسان ثناءً واعترافاً ، وبالجوارح طاعة وانقياداً .
وإن من نعم الله على عباده ما هُيِّئ لهم ويُسِّر من وسائل النقل التي يركبونها وينتقلون عليها من مكان إلى مكان ويحملون عليها أمتعتهم وأثقالهم ، يقول الله تعالى { وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5) وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6) وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (7) وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ } [النحل:5-8] وقال تعالى : {وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ} [المؤمنون:22] ، وقال تعالى : {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (12) لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ} [الزخرف:12-14] .
وإذا كانت النعمة على من قبلنا عظيمة بأن يسَّر لهم من الفلك والأنعام ما يركبون ، فإنَّ النعمة علينا في هذا الباب أكبر ؛ حيث يسَّر لنا وسائل النقل الحديثة الحسنة في مركبها ، المريحة في تحركها وتنقلها ، الجميلة في شكلها ومنظرها . ويسَّر مع ذلك طرقها وذلَّل سبلها وهيَّأ كل الوسائل المحققة للراحة فيها ، ينتقل الناس عليها من مكان إلى مكان ومن بلد إلى بلد بلا مشقة أو تعب .
وإذا كان من قبلنا يكابدون في أسفارهم وهج الصحراء وحرارة الجو ولفح السموم والأعاصير ، فإن الناس في هذا الزمان لا يشعرون بشيء من ذلك لأنهم ينتقلون في عربات مغلقة وأجواء مكيَّفة ومقاعد مريحة وثيرة . فلله ما أعظمها من نعمة وأجلَّها من منَّة تستوجب شكر المنعم بها والمتفضل بتيسيرها ، فالحمد لله على ما أولانا ، ونسأله سبحانه أن يوزعنا وإياكم شكر نعمه ، وأن يعيذنا من كفرانها ، وأن يوفقنا لاستعمالها فيما يرضيه .
وإنَّ من الظواهر المؤسفة المتعلقة بوسائل النقل وبخاصة السيارات كثرة الحوادث المروعة كثرة فاحشة ، فأصبح المصابون بها ما بين كسير وجريح وميت ، ليس بالأفراد فحسب ولكن بالأفراد تارة وبالجملة تارة . وقد جاء في رصد إحصائي لعدد المتوفَّين والمصابين في حوادث السيارات خلال السنوات العشر الماضية أنَّ عدد المتوفَّين يزيد على خمسة وثلاثين ألف متوفَّى ، وعدد المصابين يزيد على ربع مليون ، أي بمعدل قتيل وثمانية مصابين كل ساعتين تقريباً ، وهي أعداد مخيفة وأرقام مهيلة ومآس محزنة .
ولاشك أن وراء كثير من ذلك مخالفات وتجاوزات لم يجنِ أصحابها ومسببوها منها سوى مرارة تلك المآسي ونكد تلك الآلام ؛ أرواح تهدر ونفوس تروع وأموال تضيع نتيجة تلك الممارسات الخاطئة والمخالفة لأنظمة المرور أو الخروج عليها .
إن الوعي في هذا الباب الخطير مطلوب من كل من يمتلك سيارة ينطلق فيها بين المسلمين ليراعي حقوقهم وليحفظ حرماتهم ولئلا يعرض واحداً منهم إلى شيء من تلك الأخطار ، وفي الحديث يقول صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ))[1]، وفي الحديث الآخر يقول عليه الصلاة والسلام : ((كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ : دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ ))[2].
فهل راعى أولئك المتجاوزون هذه الأحاديث وأمثالها ؛ ليطمئن الناس في طرقاتهم ، وليأمنوا في سيرهم ، ولتقلَّ تلك المآسي والأخطار بينهم ؟! .
ومما ينبغي أن يعلم في هذا المقام : أنَّ طاعة ولي الأمر بالتزام الأنظمة المرورية التي تخدم مصالح الناس وتنظم سيرهم أمر واجب يأثم المسلم بتركه ، والله تعالى يقول : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59] .
وإنا لنسأل الله جل وعلا أن يمنَّ علينا جميعاً بالأمن والأمان والراحة والاطمئنان ، وأن يجنِّبنا الشرور والأخطار ، وأن يصلح لنا شأننا كله ، فهو سبحانه خير مرجو وأفضل مأمول .
أبيات لطيفة للشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله ، قالها أوَّل ما ركب السيارة مسافراً للحج :
يا راحلين إلى الحمى برواحلٍ
تطوي الفَلا والبِيد طيَّ المسـرع
ليست تبول ولا تروث وما لها
رُوحٌ تَحِنُّ إلى الربيــع المُمْرِع
ما استولدت من نوقِنا بل صُنعها
من بعض تعليم اللطيـف المبدع
كم أوصلت دار الحبيب ، وكم سرت
بحمولها نحو الديار الشُّسَّـــع [3]
وأصل الشكر وحقيقته : الاعتراف بإنعام المنعم على وجه الخضوع والذل والمحبة .
v فمن لم يعرف النعمة بل كان جاهلاً بها لم يشكرها .
v ومن عرف النعمة ولم يعرف المنعم بها لم يشكرها .
v ومن عرف النعمة والمنعم ولكن جحدها فقد كفرها ولم يشكرها .
v ومن عرف النعمة والمنعم وأقر بها ولم يجحدها ولكن لم يخضع له ويحبه ويرضَ به وعنه لم يشكرها .
v ومن عرفها وعرف المنعم بها وخضع له وأحبه ورضي به وعنه واستعملها في محابه وطاعته فهذا هو الشاكر لها.
فالشكر مبني على خمس قواعد : خضوع الشاكر للمشكور ، وحبه له ، واعترافه بنعمته ، وثناؤه عليه بها ، وأن لا يستعملها فيما يكره . وهو يكون بالقلب واللسان والجوارح ؛ يكون بالقلب خضوعاً واستكانة ومحبة ، وباللسان ثناءً واعترافاً ، وبالجوارح طاعة وانقياداً .
وإن من نعم الله على عباده ما هُيِّئ لهم ويُسِّر من وسائل النقل التي يركبونها وينتقلون عليها من مكان إلى مكان ويحملون عليها أمتعتهم وأثقالهم ، يقول الله تعالى { وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5) وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6) وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (7) وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ } [النحل:5-8] وقال تعالى : {وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ} [المؤمنون:22] ، وقال تعالى : {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (12) لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ} [الزخرف:12-14] .
وإذا كانت النعمة على من قبلنا عظيمة بأن يسَّر لهم من الفلك والأنعام ما يركبون ، فإنَّ النعمة علينا في هذا الباب أكبر ؛ حيث يسَّر لنا وسائل النقل الحديثة الحسنة في مركبها ، المريحة في تحركها وتنقلها ، الجميلة في شكلها ومنظرها . ويسَّر مع ذلك طرقها وذلَّل سبلها وهيَّأ كل الوسائل المحققة للراحة فيها ، ينتقل الناس عليها من مكان إلى مكان ومن بلد إلى بلد بلا مشقة أو تعب .
وإذا كان من قبلنا يكابدون في أسفارهم وهج الصحراء وحرارة الجو ولفح السموم والأعاصير ، فإن الناس في هذا الزمان لا يشعرون بشيء من ذلك لأنهم ينتقلون في عربات مغلقة وأجواء مكيَّفة ومقاعد مريحة وثيرة . فلله ما أعظمها من نعمة وأجلَّها من منَّة تستوجب شكر المنعم بها والمتفضل بتيسيرها ، فالحمد لله على ما أولانا ، ونسأله سبحانه أن يوزعنا وإياكم شكر نعمه ، وأن يعيذنا من كفرانها ، وأن يوفقنا لاستعمالها فيما يرضيه .
وإنَّ من الظواهر المؤسفة المتعلقة بوسائل النقل وبخاصة السيارات كثرة الحوادث المروعة كثرة فاحشة ، فأصبح المصابون بها ما بين كسير وجريح وميت ، ليس بالأفراد فحسب ولكن بالأفراد تارة وبالجملة تارة . وقد جاء في رصد إحصائي لعدد المتوفَّين والمصابين في حوادث السيارات خلال السنوات العشر الماضية أنَّ عدد المتوفَّين يزيد على خمسة وثلاثين ألف متوفَّى ، وعدد المصابين يزيد على ربع مليون ، أي بمعدل قتيل وثمانية مصابين كل ساعتين تقريباً ، وهي أعداد مخيفة وأرقام مهيلة ومآس محزنة .
ولاشك أن وراء كثير من ذلك مخالفات وتجاوزات لم يجنِ أصحابها ومسببوها منها سوى مرارة تلك المآسي ونكد تلك الآلام ؛ أرواح تهدر ونفوس تروع وأموال تضيع نتيجة تلك الممارسات الخاطئة والمخالفة لأنظمة المرور أو الخروج عليها .
إن الوعي في هذا الباب الخطير مطلوب من كل من يمتلك سيارة ينطلق فيها بين المسلمين ليراعي حقوقهم وليحفظ حرماتهم ولئلا يعرض واحداً منهم إلى شيء من تلك الأخطار ، وفي الحديث يقول صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ))[1]، وفي الحديث الآخر يقول عليه الصلاة والسلام : ((كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ : دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ ))[2].
فهل راعى أولئك المتجاوزون هذه الأحاديث وأمثالها ؛ ليطمئن الناس في طرقاتهم ، وليأمنوا في سيرهم ، ولتقلَّ تلك المآسي والأخطار بينهم ؟! .
ومما ينبغي أن يعلم في هذا المقام : أنَّ طاعة ولي الأمر بالتزام الأنظمة المرورية التي تخدم مصالح الناس وتنظم سيرهم أمر واجب يأثم المسلم بتركه ، والله تعالى يقول : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59] .
وإنا لنسأل الله جل وعلا أن يمنَّ علينا جميعاً بالأمن والأمان والراحة والاطمئنان ، وأن يجنِّبنا الشرور والأخطار ، وأن يصلح لنا شأننا كله ، فهو سبحانه خير مرجو وأفضل مأمول .
*********
يا راحلين إلى الحمى برواحلٍ
تطوي الفَلا والبِيد طيَّ المسـرع
ليست تبول ولا تروث وما لها
رُوحٌ تَحِنُّ إلى الربيــع المُمْرِع
ما استولدت من نوقِنا بل صُنعها
من بعض تعليم اللطيـف المبدع
كم أوصلت دار الحبيب ، وكم سرت
بحمولها نحو الديار الشُّسَّـــع [3]
تعليق