المتكلم بالباطل شيطان ناطق، والساكت عن الحق شيطان أخرس
اللسان من المداخل التي ينفذ منها ويفسد بها الشيطان؛بني الإنسان وخاصة أهل الإيمان
فها هو يوصي أبناءه وجنده فيقول لهم موصياً ومعلماً:
(( قوموا على ثغر اللسان؛ فانه الثغر الأعظم
وهو قبالة الملك؛ فأجروا عليه من الكلام ما يضره ولا ينفعه وامنعوه أن يجري عليه شيء مما ينفعه
من ذكر الله واستغفاره وتلاوة كتابه ونصيحة عباده، والتكلم بالعلم النافع،
ويكون لكم في هذا الثغر أمران ان عظيمان، لا تبالون بأيهما ظفرتم:
أحدهما:
التكلم بالباطل؛ فان المتكلم بالباطل أخ من إخوانكم ومن أكبر جندكم وأعوانكم.
الثاني:
السكوت عن الحق، فان الساكت عن الحق أخ لكم أخرس،
كما أن الاول أخ ناطق،
وربما كان الاخ الثاني أنفع إخوانكم لكم، أما سمعتم قول الناصح:
(( المتكلم بالباطل شيطان ناطق
والساكت عن الحق شيطان أخرس))
فالرباط الرباط على هذا الثغر أن يتكلم بحق أو يمسك عن باطل، وزينوا له التكلم بالباطل بكل طريق،
وخوفوه من التكلم بالحق بكل طريق
واعلموا يا بني أن ثغر اللسان هو الذي أهلك منه بني آدم، وأكبهم منه على مناخرهم في النار،
فكم لي من قتيل أو أسير وجريح أخذته من هذا الثغر!!! وأوصيكم بوصية؛ فاحفظوها:
لينطق أحدكم على لسان أخيه من الانس بالكلمة،
ويكون الآخر على لسان السامع،
فينطق باستحسانها وتعظيمها والتعجب منها،
ويطلب من أخيه إعادتها
وكونوا أعوانا على الانس بكل طريق،
وأدخلوا عليهم من كل باب،
واقعدوا لهم كل مرصد،
أما سمعتم قسمي الذي أقسمت به لربهم حيث قلت:
{فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم. ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين}
أما تروني قد قعدت لابن آدم بطرقه كلها، فلا يفوتني من طريق الا قعدت له بطريق غيره،
حتى أصبت منه حاجتي أو بعضها!!
و قد حذرهم ذلك رسولهم وقال لهم: (( إن الشيطان قد قعد لابن آدم بطرقه كلها؛ فقعد له بطريق الإسلام، فقال:
له أتسلم وتذر دينك ودين آبائك؟
فخالفه وأسلم، فقعد له بطريق الهجرة فقال:
أتهاجر وتذر أرضك وسماءك؟ فخالفه وهاجر، فقعد له بطريق الجهاد، فقال:
أتجاهد فتقتل فيقسم المال وتنكح الزوجة؟)).
فهكذا فاقعدوا لهم بكل طرق الخير،
فاذا أراد أحدهم ان يتصدق فاقعدوا له على طريق الصدقة وقولوا له في نفسه:
أتخرج المال فتبقى مثل هذا السائل، وتصير بمنزلته أنت وهو سواء!!
أو ما سمعتم ما القيتُ على لسان رجل سأله آخر أن يتصدق عليه، فقال:
هي أموالنا اذا أعطيناكموها صرنا مثلكم .
واقعدوا له بطريق الحج فقولوا: طريقه مخوفة مُشقة، يتعرض سالكها لتلف النفس والمال،
وهكذا فاقعدوا له على سائر طرق الخير بالتنفير منها وذكر صعوبتها وآفاتها
ثم أقعدوا لهم على طرق المعاصي فحسنوها في أعين بني آدم وزينوها في قلوبهم
واجعلوا أكبر أعوانكم على ذلك النساء
فمن أبوابهن فادخلوا عليهم؛
فنعم العون هن لكم))
(الداء والدواء)للعلامة ابن القيم-رحمه الله-(154-156)
أخوكم المحب:عماد الحديدي
تعليق