سلامة الصدر واللسان
إنَّ من سمات المؤمنين العظيمة وصفاتهم الكريمة الدالة على كمال إيمانهم وتمام دينهم ونُبل أخلاقهم : سلامة صدورهم وألسنتهم تجاه إخوانهم المؤمنين ؛ فليس في قلوبهم حسد أو غل أو بُغض أو ضغينة ، وليس في ألسنتهم غيبة أو نميمة أو كذب أو وقيعة ، بل لا يحملون في قلوبهم إلا المحبة والخير والرحمة والإحسان والعطف والإكرام ، ولا يتلفظون بألسنتهم إلا بالكلمات النافعة والأقوال المفيدة والدعوات الصادقة .
هؤلاء هم الذين قال الله فيهم : { وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تجْعَلْ في قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر:10] . فنعتهم ربهم بخصلتين عظيمتين وخلَّتين كريمتين ؛ إحداهما تتعلق باللسان ، فليس في ألسنتهم تجاه إخوانهم المؤمنين إلا النصح والدعاء { يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ } ،والخصلة الثانية متعلقة بالقلب ؛ فقلوبهم سليمة تجاه إخوانهم ، ليس فيها غل أو حسد أو حقد أو ضغينة أو نحو ذلك .
إن سلامة الصدر واللسان هما من أوضح الدلائل وأصدق البراهين على تمام الإيمان وكماله ، وقد كان السلف رحمهم الله يعدُّون الأفضل فيهم من كان سليم الصدر سليم اللسان . قال إياس بن معاوية بن قرة : " كان أفضلهم عندهم – أي السلف – أسلَمهم صدوراً وأقلهم غيبة " . وقال سفيان بن دينار : " قلتُ لأبي بشر : أخبرني عن أعمال من كان قبلنا ، قال : كانوا يعملون يسيراً ويؤجرون كثيرا ، قلت : ولم ذاك ؟ قال لسلامة صدورهم " .
لقد كان السبب الأعظم لسلامة صدور هؤلاء الأخيار وألسنتهم هو قوة صلتهم بالله وشدة رضاهم عنه ، كما قال ابن القيم رحمه الله : " إنه – أي الرضا عن الله – يفتح له باب السلامة فيجعل قلبه سليماً نقياً من الغش والدغل والغل ، ولا ينجو من عذاب الله إلا من أتى الله بقلب سليم . كذلك وتستحيل سلامة القلب مع السخط وعدم الرضا ، وكلما كان العبد أشد رضًا كان قلبه أسلم ، فالخبثُ والدغل والغش: قرين السخط ، وسلامة القلب وبرُّه ونصحه: قرين الرضا ، وكذلك الحسدُ هو من ثمرات السخط ، وسلامة القلب منه من ثمرات الرضا " ا.هـ .
وثمرات سلامة القلب الذي هو ثمرة من ثمرات الرضا لا تُعدُّ ولا تحصى ، فسلامة الصدر راحة في الدنيا وأنس وطمأنينة ، وثوابه في الآخرة من أحسن الثواب ، وغنيمته أكبر غنيمة .
لما دُخِل على أبي دجانة رضي الله عنه وهو مريض كان وجهه يتهلَّل ، فقيل له : ما لوجهك يتهلل ؟ فقال : ما من عملِ شيء أوثقُ عندي من اثنتين : كنت لا أتكلم فيما لا يعنيني ، والأخرى فكان قلبي للمسلمين سليماً .
ومما يعينُ المسلمَ على سلامة صدره ولسانه تجاه إخوانه : اللجوء إلى الله عز وجل وسؤاله بصدق وإخلاص ، والنظر في العواقب الحميدة والنتائج المباركة في الدنيا والآخرة المترتبة على ذلك ، وكذلك النظر في العواقب السيئة والنتائج الوخيمة التي يجنيها ويحصِّلها من كان في قلبه غل أو حقد أو حسد أو نحو ذلك .
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في أدعية كثيرة أُثِرت عنه سؤال الله هداية القلب وسلامته وثباته ، فعن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( ... اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيرُ مَنْ زَكَّاهَا ... اللَّهُمَّ إِني أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ وَمِنْ قَلْبٍ لَا يخْشَعُ ...)) [1]. وعن أنس رضي الله عنه قال : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ : (( يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ )) [2]. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ... وَكَانَ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ : (( اللَّهُمَّ اجْعَلْ في قَلْبي نُورًا ))[3]. إلى غير ذلك من أدعيته الشريفة - صلوات الله وسلامه عليه - .
والواجب على كل مسلم أن يجاهد نفسه مجاهدة تامة في استصلاح قلبه وتزكية فؤاده وتنقيته من الإرادات السافلة والشهوات الدنيئة والغايات المنحطَّة ، ويصبر على ذلك في حياته ليلقى الله بقلب سليم .
ومن الأدعية العظيمة النافعة في باب سلامة الصدر واللسان : ما ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قَالَ أَبُو بَكْرٍ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مُرْني بِشَيْءٍ أَقُولُهُ إِذَا أَصْبَحْتُ وَإِذَا أَمْسَيْتُ ؟ قَالَ : (( قُلْ : اللَّهُمَّ عَالمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّ كُلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكَهُ ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ نَفْسِي وَمِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ وَشِرْكِهِ - وفي رواية أخرى : وَأَنْ أَقْترِفَ عَلَى نَفْسِي سُوءًا أَوْ أَجُرَّهُ إِلى مُسْلِمٍ - قَالَ : قُلْهُ إِذَا أَصْبَحْتَ وَإِذَا أَمْسَيْتَ وَإِذَا أَخَذْتَ مَضْجَعَكَ ))[4].
فقد تضمن هذا الحديث العظيم الاستعاذة بالله من الشر وأسبابه وغايته ؛ فإن الشر كله إمَّا أن يصدر من النفس أو من الشيطان فاستعاذ بالله منهما في قوله : ((أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ نَفْسِي وَمِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ وَشِرْكِهِ )) . وغاية الشر إما أن تعود على العامل نفسه أو على أخيه المسلم ، وفي هذا الحديث الاستعاذة من ذلك : ((وَأَنْ أَقْترِفَ عَلَى نَفْسِي سُوءًا أَوْ أَجُرَّهُ إِلى مُسْلِمٍ )) .
فتضمن هذا الحديث الاستعاذة من مصدري الشر اللذين يصدر عنهما ، وغايتيْه التين يصل إليهما ؛ فلله ما أكمله من دعاء وما أجمل مقاصده وأروع دلالته ، وما أجمل أن يوظفه المسلم في أذكار صباحه ومسائه وعند نومه كما أرشد إلى ذلك الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه .
________________
[1] رواه مسلم (2722) .
[2] رواه الترمذي (2140) ، وصححه الألباني رحمه الله في (صحيح سنن الترمذي) (1739) .
[3] رواه البخاري (6316) ، ومسلم (763) .
[4] رواه الترمذي (3392) ، (3529) ، وأبو داود (5067) ، (5083) ، وصححه الألباني رحمه الله في (صحيح سنن الترمذي) (2701) .
إنَّ من سمات المؤمنين العظيمة وصفاتهم الكريمة الدالة على كمال إيمانهم وتمام دينهم ونُبل أخلاقهم : سلامة صدورهم وألسنتهم تجاه إخوانهم المؤمنين ؛ فليس في قلوبهم حسد أو غل أو بُغض أو ضغينة ، وليس في ألسنتهم غيبة أو نميمة أو كذب أو وقيعة ، بل لا يحملون في قلوبهم إلا المحبة والخير والرحمة والإحسان والعطف والإكرام ، ولا يتلفظون بألسنتهم إلا بالكلمات النافعة والأقوال المفيدة والدعوات الصادقة .
هؤلاء هم الذين قال الله فيهم : { وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تجْعَلْ في قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر:10] . فنعتهم ربهم بخصلتين عظيمتين وخلَّتين كريمتين ؛ إحداهما تتعلق باللسان ، فليس في ألسنتهم تجاه إخوانهم المؤمنين إلا النصح والدعاء { يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ } ،والخصلة الثانية متعلقة بالقلب ؛ فقلوبهم سليمة تجاه إخوانهم ، ليس فيها غل أو حسد أو حقد أو ضغينة أو نحو ذلك .
إن سلامة الصدر واللسان هما من أوضح الدلائل وأصدق البراهين على تمام الإيمان وكماله ، وقد كان السلف رحمهم الله يعدُّون الأفضل فيهم من كان سليم الصدر سليم اللسان . قال إياس بن معاوية بن قرة : " كان أفضلهم عندهم – أي السلف – أسلَمهم صدوراً وأقلهم غيبة " . وقال سفيان بن دينار : " قلتُ لأبي بشر : أخبرني عن أعمال من كان قبلنا ، قال : كانوا يعملون يسيراً ويؤجرون كثيرا ، قلت : ولم ذاك ؟ قال لسلامة صدورهم " .
لقد كان السبب الأعظم لسلامة صدور هؤلاء الأخيار وألسنتهم هو قوة صلتهم بالله وشدة رضاهم عنه ، كما قال ابن القيم رحمه الله : " إنه – أي الرضا عن الله – يفتح له باب السلامة فيجعل قلبه سليماً نقياً من الغش والدغل والغل ، ولا ينجو من عذاب الله إلا من أتى الله بقلب سليم . كذلك وتستحيل سلامة القلب مع السخط وعدم الرضا ، وكلما كان العبد أشد رضًا كان قلبه أسلم ، فالخبثُ والدغل والغش: قرين السخط ، وسلامة القلب وبرُّه ونصحه: قرين الرضا ، وكذلك الحسدُ هو من ثمرات السخط ، وسلامة القلب منه من ثمرات الرضا " ا.هـ .
وثمرات سلامة القلب الذي هو ثمرة من ثمرات الرضا لا تُعدُّ ولا تحصى ، فسلامة الصدر راحة في الدنيا وأنس وطمأنينة ، وثوابه في الآخرة من أحسن الثواب ، وغنيمته أكبر غنيمة .
لما دُخِل على أبي دجانة رضي الله عنه وهو مريض كان وجهه يتهلَّل ، فقيل له : ما لوجهك يتهلل ؟ فقال : ما من عملِ شيء أوثقُ عندي من اثنتين : كنت لا أتكلم فيما لا يعنيني ، والأخرى فكان قلبي للمسلمين سليماً .
ومما يعينُ المسلمَ على سلامة صدره ولسانه تجاه إخوانه : اللجوء إلى الله عز وجل وسؤاله بصدق وإخلاص ، والنظر في العواقب الحميدة والنتائج المباركة في الدنيا والآخرة المترتبة على ذلك ، وكذلك النظر في العواقب السيئة والنتائج الوخيمة التي يجنيها ويحصِّلها من كان في قلبه غل أو حقد أو حسد أو نحو ذلك .
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في أدعية كثيرة أُثِرت عنه سؤال الله هداية القلب وسلامته وثباته ، فعن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( ... اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيرُ مَنْ زَكَّاهَا ... اللَّهُمَّ إِني أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ وَمِنْ قَلْبٍ لَا يخْشَعُ ...)) [1]. وعن أنس رضي الله عنه قال : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ : (( يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ )) [2]. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ... وَكَانَ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ : (( اللَّهُمَّ اجْعَلْ في قَلْبي نُورًا ))[3]. إلى غير ذلك من أدعيته الشريفة - صلوات الله وسلامه عليه - .
والواجب على كل مسلم أن يجاهد نفسه مجاهدة تامة في استصلاح قلبه وتزكية فؤاده وتنقيته من الإرادات السافلة والشهوات الدنيئة والغايات المنحطَّة ، ويصبر على ذلك في حياته ليلقى الله بقلب سليم .
ومن الأدعية العظيمة النافعة في باب سلامة الصدر واللسان : ما ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قَالَ أَبُو بَكْرٍ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مُرْني بِشَيْءٍ أَقُولُهُ إِذَا أَصْبَحْتُ وَإِذَا أَمْسَيْتُ ؟ قَالَ : (( قُلْ : اللَّهُمَّ عَالمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّ كُلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكَهُ ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ نَفْسِي وَمِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ وَشِرْكِهِ - وفي رواية أخرى : وَأَنْ أَقْترِفَ عَلَى نَفْسِي سُوءًا أَوْ أَجُرَّهُ إِلى مُسْلِمٍ - قَالَ : قُلْهُ إِذَا أَصْبَحْتَ وَإِذَا أَمْسَيْتَ وَإِذَا أَخَذْتَ مَضْجَعَكَ ))[4].
فقد تضمن هذا الحديث العظيم الاستعاذة بالله من الشر وأسبابه وغايته ؛ فإن الشر كله إمَّا أن يصدر من النفس أو من الشيطان فاستعاذ بالله منهما في قوله : ((أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ نَفْسِي وَمِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ وَشِرْكِهِ )) . وغاية الشر إما أن تعود على العامل نفسه أو على أخيه المسلم ، وفي هذا الحديث الاستعاذة من ذلك : ((وَأَنْ أَقْترِفَ عَلَى نَفْسِي سُوءًا أَوْ أَجُرَّهُ إِلى مُسْلِمٍ )) .
فتضمن هذا الحديث الاستعاذة من مصدري الشر اللذين يصدر عنهما ، وغايتيْه التين يصل إليهما ؛ فلله ما أكمله من دعاء وما أجمل مقاصده وأروع دلالته ، وما أجمل أن يوظفه المسلم في أذكار صباحه ومسائه وعند نومه كما أرشد إلى ذلك الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه .
*********
[1] رواه مسلم (2722) .
[2] رواه الترمذي (2140) ، وصححه الألباني رحمه الله في (صحيح سنن الترمذي) (1739) .
[3] رواه البخاري (6316) ، ومسلم (763) .
[4] رواه الترمذي (3392) ، (3529) ، وأبو داود (5067) ، (5083) ، وصححه الألباني رحمه الله في (صحيح سنن الترمذي) (2701) .