قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين في إحدى لقاءاته، متحدِّثًا عن أصول أهل السنة والجماعة:
كذلك من الأصول التي يختلف فيها أهل السنة وأهل البدع:(الخروج على الأئمَّة): فالحروريَّة هؤلاء الخوارج خرجوا على إمام المسلمين، وكفَّروه، وقاتلوه، واستباحوا دماء المسلمين من أجل ذلك.
وأمَّا أهل السُّنة والجماعة فيقولون: علينا أن نسمع ونطيع لوليِّ الأمر فعل ما فعل من الكبائر والفسق ما لم يصل إلى حد الكفر البَوَاح؛ فحينئذ نقاتله إذا لم يترتب على قتاله شر وفتن؛ وذلك أنَّ النَّبيَّ عليه الصَّلاة والسَّلام نهى عن الخروج على الأئمَّة إلا بشروط؛ وقال: ((ِإلاَّ أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَواحًا عِنْدَكُمْ فِيهِ مِنَ اللهِ بُرْهَان)).
أربعة شروط:
الأول: ((أَنْ تَرَوْا))؛ أي: بأعينكم، أو تعلموا ذلك.
الثاني: ((كُفْرًا)) لا فسقًا؛ أي: حتى لو رأى أنَّه يَزني، أو يَسرق، أو يَقتل النَّفس المحرَّمة بغير حقٍّ، دون استباحة لذلك؛ فإنه ليس كافرًا؛ بل هو فاسقٌ من جملة الفاسقين، ولا يحلُّ لنا أن نخرج عليه؛ فالرسول قال: ((كُفْرًا)).
الثالث: ((بَواحًا))؛ أي: صريحًا لا يمكن فيه التأويل؛ فإن أمكن فيه التأويل فإننا لا نُكفِّره، ولا نخرج عليه.
الرابع: ((عِنْدَكُمْ فِيهِ مِنَ اللهِ بُرْهَان))؛ يعني: ليس الكفر الذي رأيناه بواحًا، كفرًا بقياس أو ما أشبه ذلك؛ بل يكون عندنا فيه برهانٌ: دليلٌ واضحٌ مِنَ الكتاب والسُّنة.
هذه أربعة شروط.
وهناك شرط خامس يؤخذ من الأدلة الأخرى، وهو: أن يكون عندنا قدرة على إزاحة هذا الحاكم الكافر الذي كَفَرَ كفرًا صريحًا عندنا فيه من الله برهان، فيكون لنا قدرة على ذلك؛ فإن لم يكن لنا قدرة صار الشَّر الذي نريد إزالته أكثر مما لو تركناه على حاله؛ ثمَّ حاولنا بطريق أو بأخرى الإصلاح ما استطعنا.
ولهذا يُخطِئ بعض الإخوة الذين عندهم -ولله الحمد- غيرة إسلامية ودين، يخطِئون حينما يخرجون على مَن ولاَّه الله تعالى إياهم، والله حكيم، هو الذي يولِّي بعض الظالمين بعضًا، لا تظنُّوا أنَّ الولاة إذا ظلموا أو اعتدوا أن هذا تسليط من الله -تعالى- لمجرد مشيئة من الله، بل هو لحكمة؛ لأن الله قال: ﴿وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [الأنعام:129].
والولاة لا يتسلطون على الرعية إلا بسبب الرعية؛ (كما تكونون يُوَلَّى عليكم).
إلى أن قال -رحمه الله-:
وإنَّما ضيَّق النَّبيُّ عليه الصَّلاة والسَّلام ذلك؛ أي: الخروج على الأئمة بهذه القيود التي قد يظنها بعض النَّاسِ صعبة؛ لأنَّ ما يترتب على الخروج أشد ضررًا مما هم عليه.
وأنتم تشاهدون الآن ما حصل من الثَّورات، هل كانت الشعوب أسعد بعد الثَّورة منها قبل الثَّورة؟
أبدًا؛ بالعكس، وليس هناك حاجة إلى أن نعين بلادًا معيَّنة في هذا المكان؛ لأنَّ الأمر واضح.
فالمهم أنْ ننصح إخواننا المسلمين بعدم التَّسرُّع، وإذا سلَّطَ الله عليهم أحدًا ممن يتولَّى عليهم؛ فليسأل الله له الهداية والسَّلامة من شرِّه، وليصبر، كما قال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: ((إذا رأى أحدكم من أميره ما يكره؛ فليصبر، فإنَّه من فارق الجماعة قِيدَ شبرٍ مات مِيتةً جاهلية)).
لابدَّ من الصَّبر، ولابدَّ من النصيحة.
المصدر: لقاء الباب المفتوح (الشريط 45 / الوجه: ب/ الدقيقة: 21)