صور من رحمة
الرسول صلى الله عليه وسلم
أعده
رائد علي أبو الكاس
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } (آل عمران:102)
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } (النساء:1) { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً } (الأحزاب:70-71) أما بعد:-
"فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار
وبعد:-
لقد جمع الله سبحانه وتعالى في نبيّه محمد صلى الله عليه وسلم صفات الجمال والكمال البشري ، وتألّقت روحـه الطاهرة بعظيم الشمائـل والخِصال ، وكريم الصفات والأفعال ، حتى أبهرت سيرته القريب والبعيد ، وتملكت هيبتهُ العدوّ والصديق ، وقد صوّر لنا هذه المشاعر الصحابي الجليل حسان بن ثابت رضي الله عنه أبلغ تصوير حينما قال :
وأجمل منك لم ترَ قط عيني وأكمل منك لم تلد النساء
خُلقت مبرّأً من كل عيب كأنك قد خُلقت كما تشاء
فمن سمات الكمال التي تحلّى بها – صلى الله عليه وسلم - خُلُقُ الرحمة والرأفة بالغير ، كيف لا ؟ وهو المبعوث رحمة للعالمين ، فقد وهبه الله قلباً رحيماً ، يرقّ للضعيف ، ويحنّ على المسكين ، ويعطف على الخلق أجمعين ، حتى صارت الرحمة له سجيّة ، فشملت الصغير والكبير ، والقريب والبعيد ، والمؤمن والكافر ، فنال بذلك رحمة الله تعالى ، فالراحمون يرحمهم الرحمن .
وصف الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم بالرحمة
قال تعالى
وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (الانبياء107)
قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: يَعْنِي رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ خَاصَّةً فَهُوَ رَحْمَةٌ لَهُمْ. [وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ عَامٌّ فِي حَقِّ مَنْ آمَنَ وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ فَمَنْ آمَنَ فَهُوَ رَحْمَةٌ لَهُ] فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ فَهُوَ رَحْمَةٌ لَهُ فِي الدُّنْيَا بِتَأْخِيرِ الْعَذَابِ عَنْهُمْ وَرَفْعِ الْمَسْخِ وَالْخَسْفِ وَالِاسْتِئْصَالِ عَنْهُمْ، (تفسير البغوي)
وقال تعالى
لقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (التوبة12
وقال تعالى
فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (آل عمران159)
وقد تجلّت صور من رحمته صلى الله عليه وسلم في عددٍ من المظاهر والمواقف ، ومن تلك المواقف :
رحمته صلى الله عليه وسلم بأمته
وقال تعالى
لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ * فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ(التوبة)
قال الإمام عبد الرحمن السعدي رحمه الله
يمتن [تعالى] على عباده المؤمنين بما بعث فيهم النبي الأمي الذي من أنفسهم، يعرفون حاله، ويتمكنون من الأخذ عنه، ولا يأنفون عن الانقياد له، وهو صلى الله عليه وسلم في غاية النصح لهم، والسعي في مصالحهم.
{ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ } أي: يشق عليه الأمر الذي يشق عليكم ويعنتكم.
[ ص 357 ]
{ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ } فيحب لكم الخير، ويسعى جهده في إيصاله إليكم، ويحرص على هدايتكم إلى الإيمان، ويكره لكم الشر، ويسعى جهده في تنفيركم عنه. { بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } أي: شديد الرأفة والرحمة بهم، أرحم بهم من والديهم.
(تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان)
فكان رحيما رؤوفا في كل أحواله وأموره فهو كثيراً ما يترك صلى الله عليه وسلم بعض الأعمال شفقاً على أمته حتى لا تفرض هذه الأعمال عليهم فيعجزوا عن القيام بها وعن الوفاء بها، فمن مظاهر رحمته بأمته أنه يسأل ربه التخفيف على أمته في التكاليف :
ألم تقرؤوا كثيراً في سنته قوله "لولا أن أشق على أمتي ما قعدت خلاف سرية تغزو في سبيل الله عز وجل" (رواه مسلم)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم عند كل صلاة بوضوء ومع كل وضوء بسواك
رواه أحمد بإسناد حسن ( حسن صحيح صحيح الترغيب والترهيب)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بتأخير العشاء وبالسواك عند كل صلاة ( متفق عليه )
وقال إني لأدخل في الصلاة وأنا أريد إطالتها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي مما أعلم من شدة وجد أمه من بكائه " . رواه البخاري
ويفرض الله عليه خمسين صلاة فما يزال حتى تخفف هذه الصلاة إلى خمس رحمة بأمته
ويصلي الناس بصلاة ثم يعتذر لهم ولا يخرج لهم خشية أن تفرض هذه الصلاة على أمته فلا يطيقوها
فعن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في المسجد فصلى بصلاته ناس ثم صلى من القابلة فكثر الناس ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أصبح قال قد رأيت الذي صنعتم فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم وذلك في رمضان.( صحيح سنن أبي داود)
ويأمره جبريل أن يقرئ أمته على حرف فيقول : إن أمتي لا تطيق ذلك، فيقول : أقرئهم على حرفين حتى أوصله على سبعة أحرف.
فعن أبي بن كعب قال : كنت في المسجد فدخل رجل يصلي فقرأ قراءة أنكرتها عليه ثم دخل آخر فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه فلما قضينا الصلاة دخلنا جميعا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت إن هذا قرأ قراءة أنكرتها عليه ودخل آخر فقرأ سوى قراءة صاحبه فأمرهما النبي صلى الله عليه وسلم فقرآ فحسن شأنهما فسقط في نفسي من التكذيب ولا إذ كنت في الجاهلية فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قد غشيني ضرب في صدري ففضت عرقا وكأنما أنظر إلى الله عز وجل فرقا فقال لي : " يا أبي أرسل إلي أن اقرأ القرآن على حرف فرددت إليه أن هون على أمتي فرد إلي الثانية اقرأه على حرفين فرددت إليه أن هون على أمتي فرد إلي الثالثة اقرأه على سبعة أحرف ولك بكل ردة رددتكها مسألة تسألنيها فقلت اللهم اغفر لأمتي اللهم اغفر لأمتي وأخرت الثالثة ليوم يرغب إلي الخلق كلهم حتى إبراهيم صلى الله عليه وسلم " . رواه مسلم
وعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ عَائِشَةَ، زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: " وَاللهِ، مَا سَبَّحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سُبْحَةَ الضُّحَى قَطُّ، وَإِنِّي لَأُسَبِّحُهَا "، وَقَالَتْ: " إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ يَتْرُكُ الْعَمَلَ وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَهُ، خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَنَّ بِهِ النَّاسُ، فَيُفْرَضُ عَلَيْهِمْ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُحِبُّ مَا خَفَّ عَلَى النَّاسِ مِنَ الْفَرَائِضِ
(مسند الإمام أحمد بن حنبل إسناده صحيح على شرط البخاري،)
وتعدت رحمته لكل فرد ألمت به عوارض الزمان ، فاحتاج للاستدانة من أموال الغير ثم جهد في سدادها ، فوافاه الأجل قبل ذلك .. فتعهد النبي صلى الله عليه وسلم بسدادهــا...
لعلمه صلى الله عليه وسلم خطورة التعرض لأموال الناس ، وحقوقهم دون ضمان لها .. وكان لا يصلي على من مات وعليه دين لم يسدد ، حثاً للناس على سداد حقوق الغير لينالوا شرف صلاته عليهم ثم لما فتح الله على بيت أموال المسلمين تصدى النبي لكل صاحب دين لم يستطع سداده بسداد دينه من بيت مال المسلمين فقال صلى الله عليه وسلم أنا ولي المؤمنين من أنفسهم فمن توفي من المؤمنين فترك ديناً فعلي قضاؤه
فعن أبي هريرة قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤتي بالرجل المتوفى عليه الدين فيسأل : " هل ترك لدينه قضاء ؟ " فإن حدث أنه ترك وفاء صلى وإلا قال للمسلمين : " صلوا على صاحبكم " . فلما فتح الله عليه الفتوح قام فقال : " أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم فمن توفي من المؤمنين فترك دينا فعلي قضاؤه ومن ترك فهو لورثته " ( متفق عليه )
بل بلغ من رحمته صلى الله عليه وسلم حرصه على إيصال الأجر لكل مسلم لم يستطع شراء أضحية ليضحي بها بسبب الفقر
فقد حرص المصطفى صلى الله عليه وسلم على أن ينال من الأجر مثل ما نال إخوانه المضحين فهاهو ذا يضحي بكبشين فقال في أولها اللهم لمحمد وآل محمد وقال في آخرهما اللهم عن محمد وعن من لم يضح من أمة محمد(أبو داود 2810 ، و الترمذي 1521)
وهو يدل على أن أمته أمواتهم وأحياءهم قد نالهم النفع والأجر بتضحيته
قال الحليمي وهذا أبلغ ما يكون من البر والشفقة(شعب الإيمان 4 / 6
وما يزال في تلقيه للوحي وفي كلامه وفي أفعاله وعبادته يخشى أن يشق على أمته، ويخشى أن تكلف ما لا طاقة لها به، وأن تؤمر بما لا تطيق، ولهذا كان كما وصفه سبحانه وتعالى ونيسرك لليسرى لقد يسر لليسر في كل أموره وحياته.
و " قام ليلة . بآية يرددها حتى أصبح وهي : { إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ
تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ } (5 : 11 ؛ [ بها يركع ، وبها يسجد ،
وبها يدعو ] ، [ فلما أصبح ؛ قال له أبو ذر رضي الله عنه : يا رسول الله ! ما
زلتَ تقرأ هذه الآية حتى أصبحت ؛ تركع بها ، وتسجد بها ] ، [ وتدعو بها ] ،
[ وقد علَّمَك الله القرآن كله ] ، [ لو فعل هذا بعضُنا ؛ لَوَجَدْنَا عليه ؟ ] . [ قال :
" إني سألت ربي عز وجل الشفاعة لأمتي ؛ فأعطانيها ، وهي نَائِلَةٌ إن
شاء الله لمن لا يشرك بالله شيئاً " ] "
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم
تلا قول الله تعالى في إبراهيم : [ رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني ] وقال عيسى : [ إن تعذبهم فإنهم عبادك ] فرفع يديه فقال " اللهم أمتي أمتي " . وبكى فقال الله تعالى : " يا جبريل اذهب إلى محمد وربك أعلم فسله ما يبكيه ؟ " . فأتاه جبريل فسأله فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال فقال الله لجبريل اذهب إلى محمد فقل : إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوؤك " .
(رواه مسلم)
قال صاحب التحرير هو تأكيد للمعنى أي لا نحزنك لأن الإرضاء يحصل في حق البعض بالعفو عنهم ويدخل الباقي النار فقال تعالى : نرضيك ولا ندخل عليك حزنا بل ننجي الجميع
وهذا الإرضاء من الله لنبيه صلى الله عليه وسلم يترجم في صور عدة . منها إدخال أمته الجنّة ، واختصاص نبينا بالشفاعة لأمته ، وهذه الشفاعة وإن كانت اختصاص واصطفاء من الله لإعلاء مقام نبيه دون غيره من الأنبياء ، إلا أنها أيضاً مظهر من مظاهر رحمة النبي بهذه الأمة ، في الدنيا والآخرة
وحتي في موقف الحشر لم ينسى أمته صلى الله عليه وسلم
وعن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا كان يوم القيامة ماج الناس بعضهم في بعض فيأتون آدم فيقولون : اشفع لنا إلى ربك فيقول : لست لها ولكن عليكم بابراهيم فإنه خليل الرحمن فيأتون إبراهيم فيقول لست لها ولكن عليكم بموسى فإنه كليم الله فيأتون موسى فيقول لست لها ولكن عليكم بعيسى فإنه روح الله وكلمته فيأتون عيسى فيقول لست لها ولكن عليكم بمحمد فيأتوني فأقول أنا لها فأستأذن على ربي فيؤذن لي ويلهمني محامد أحمده بها لا تحضرني الآن فأحمده بتلك المحامد وأخر له ساجدا فيقال يا محمد ارفع رأسك وقل تسمع وسل تعطه واشفع تشفع فأقول يارب أمتي أمتي فيقال انطلق فأخرج من كان في قلبه مثقال شعيرة من إيمان فأنطلق فأفعل ثم أعود فأحمده بتلك المحامدوأخر له ساجدا فيقال يا محمد ارفع رأسك وقل تسمع وسل تعطه واشفع تشفع فأقول يارب أمتي أمتي فيقال انطلق فأخرج من كان في قلبه مثقال ذرة أو خردلة من إيمان فأنطلق فأفعل ثم أعود فأحمده بتلك المحامدوأخر له ساجدا فيقال يا محمد ارفع رأسك وقل تسمع وسل تعطه واشفع تشفع فأقول يارب أمتي أمتي فيقال انطلق فأخرج من كان في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال حبة من خردلة من إيمان فأخرجه من النار فأنطلق فأفعل ثم أعود الرابعة فأحمده بتلك المحامد وأخر له ساجدا فيقال يا محمد ارفع رأسك وقل تسمع وسل تعطه واشفع تشفع فأقول يارب ائذن لي فيمن قال لا إله إلا الله قال ليس ذلك لك ولكن وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي لأخرجن منها من قال لا إله إلا الله " . (متفق عليه )
قال النووي فيه كمال شفقته على أمته ورأفته بهم واعتناؤه بالنظر في مصالحهم فجعل دعوته في أهم أوقات حاجتهم(شرح النووي لمسلم 3 / 79)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْبَراً مِنْ نُورٍ وَإِنِّي لَعَلَى أطْوَلِها وَأَنْوِرِهَا فَيَجيءُ منادٍ فَيُنَادِي: أَيْنَ النَّبِيُّ الْأُمِّيُّ؟ قَالَ: فَيَقُولُ الْأَنْبِيَاءُ: كُلُّنَا نبيٌّ أُمِّيٌّ فَإِلَى أيِّنا أُرْسِلَ؟ فَيَرْجِعُ الثَّانِيَةَ فَيَقُولُ: أَيْنَ النَّبِيُّ الْأُمِّيُّ الْعَرَبِيُّ؟ قَالَ: فَيَنْزِلُ مُحَمَّدٌ حَتَّى يَأْتِيَ بَابَ الْجَنَّةِ فيقرعُهُ فَيَقُولُ: مَنْ؟ فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ ـ أَوْ أَحْمَدُ ـ فَيُقَالُ: أَوَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ فيُفْتَحُ لَهُ فَيَدْخُلُ فيتجلَّى لَهُ الرَّبُّ ـ وَلَا يَتَجَلَّى لِنَبِيٍّ قبلَهُ ـ فَيَخِرُّ لِلَّهِ سَاجِدًا وَيَحْمَدُهُ بِمَحَامِدَ لَمْ يَحْمَدْهُ أَحَدٌ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَهُ وَلَنْ يَحْمَدَهُ أَحَدٌ بِهَا مِمَّنْ كَانَ بَعْدَهُ فَيُقَالُ: لَهُ: مُحَمَّدُ! ارْفَعْ رَأْسَكَ تكلَّم تُسْمَعْ واشْفَعْ تُشَفَّعْ وسَلْ تُعْطَهْ فَيَقُولُ: يَا ربِّ! أُمَّتِي أُمَّتِي فَيُقَالُ: أخْرِجْ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ شَعِيرَةٍ ثُمَّ يَرْجِعُ الثَّانِيَةَ فيخرُّ لِلَّهِ سَاجِدًا وَيَحْمَدُهُ بِمَحَامِدَ لَمْ يَحْمَدْهُ أَحَدٌ كَانَ قَبْلَهُ وَلَنْ يَحْمَدَهُ بِهَا أَحَدٌ مِمَّنْ كَانَ بَعْدَهُ فَيُقَالُ لَهُ: مُحَمَّدُ! ارْفَعْ رَأْسَكَ تَكَلَّمْ تُسْمَعْ وَاشْفَعْ تُشَفَّع وسَلْ تُعْطَه فَيُقَالُ لَهُ: أخْرِجْ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ بُرَّةٍ ثُمَّ يَرْجِعُ الثَّالِثَةَ فيخرُّ لِلَّهِ سَاجِدًا ويحمدُهُ بِمَحَامِدَ لَمْ يَحْمَدْهُ بِهَا أَحَدٌ كَانَ قَبْلَهُ وَلَنْ يَحْمَدَهُ أَحَدٌ مِمَّنْ كان بعده فيُقال لَهُ: أخْرِجْ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ خَرْدَلَةٍ ثُمَّ يَرْجِعُ فَيَخِرُّ سَاجِدًا وَيَحْمَدُهُ بِمَحَامِدَ لَمْ [ص:215] يَحْمَدْهُ بِهَا أَحَدٌ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَهُ وَلَنْ يَحْمَدَهُ بِهَا أَحَدٌ مِمَّنْ كَانَ بَعْدَهُ فَيُقَالُ لَهُ: مُحَمَّدُ! ارْفَعْ رَأْسَكَ تكلَّم تُسْمَعْ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ وسَلْ تُعْطَهْ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَيُقَالُ لَهُ: مُحَمَّدُ! لَسْتَ هُنَاكَ تِلْكَ لِي وأنا اليوم أَجْزِي بها(حسن التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان)
وكان يحرص أشد الحرص على عدم إيقاعهم في الحرج في عدم قيامهم بحقه
فإن تلكئوا في تنفيذ أمره رحمهم فهاهو يوم الحديبية عندما أمرهم بحل إحرامهم وذبح هديهم تلكئوا رغبة في إيفاء وعده بدخول المسجد الحرام كما أخبرهم برؤياه ورأيا الأنبياء حق فدخل صلى الله عليه وسلم مغضباً على أم المؤمنين أم سلمة فأخبرها بحالهم فأشارت عليه بأمر لو فعله ما كان منهم متخلف عنه فكان ما أشارت به رضي الله عنها(رواه البخاري)
ومن رحمته أنه دعا ربه أن يجعل شتمه للمسلمين زكاة ورحمة لهم
فإن غضب النبي فبدر منه سب وشتم لأحد من المسلمين فهو أمر خطير وويل ماحق يقع على ذلك المسلم ، أن يناله شتم النبي صلى الله عليه وسلم ، لذلك دعا النبي صلى الله عليه وسلم ربه أن يجعل شتمه للمسلمين زكاة ورحمة لهم .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اللهم إني اتخذت عندك عهدا لن تخلفنيه فإنما أنا بشر فأي المؤمنين آذيته شتمته لعنته جلدته فاجعلها له صلاة وزكاة وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة " ( متفق عليه )
قال النووي هذه الأحاديث مبنية على ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من الشفقة على أمته والاعتناء بمصالحهم والاحتياط لهم والرغبة في كل ما ينفعهم وإنما يكون دعاؤه عليهم رحمة وكفّارة وزكاة ونحو ذلك إذا لم يكن أهلاً للدعاء عليه والسب واللعن ونحوه ، وكان مسلماً وإلا فقد دعا صلى الله عليه وسلم على الكفار والمنافقين ، ولم يكن ذلك لهم رحمة
(شرح مسلم 16 / 151 ، 152)
وهذه الرحمة بأصحابه نالتهم حتى بعد وفاتهم ، فإن مات منهم أحد حزن من أجله وبكى عليه وحرص على الصلاة عليـه ، بل كان يتفقد قبور أصحابـه فمـا رأى منهـا جديداً سأل عنـه لمن هـو ويصلي عليه
من رحمته بأمته بكائه عليهم عن موتهم
فعن عائشة أيضا: " أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على عثمان بن مظعون وهو ميت، فكشف في وجهه، ثم أكب عليه فقبله، وبكى حتى رأيت الدموع تسيل على وجنتيه (رواه الترمذي )
وعن أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: أَرْسَلَتِ ابْنَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِ إِنَّ ابْنًا لِي قُبِضَ، فَأْتِنَا، فَأَرْسَلَ يُقْرِئُ السَّلاَمَ، وَيَقُولُ: «إِنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ، وَلَهُ مَا أَعْطَى، وَكُلٌّ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى، فَلْتَصْبِرْ، وَلْتَحْتَسِبْ»، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ تُقْسِمُ عَلَيْهِ لَيَأْتِيَنَّهَا، فَقَامَ وَمَعَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَمَعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَرِجَالٌ، فَرُفِعَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّبِيُّ وَنَفْسُهُ تَتَقَعْقَعُ - قَالَ: حَسِبْتُهُ أَنَّهُ قَالَ كَأَنَّهَا شَنٌّ - فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ، فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا هَذَا؟ فَقَالَ: «هَذِهِ رَحْمَةٌ جَعَلَهَا اللَّهُ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ، وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ»(رواه البخاري)
وعن أنس قال : دخلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سيف القين وكان ظئرا لإبراهيم فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم إبراهيم فقبله وشمه ثم دخلنا عليه بعد ذلك وإبراهيم يجود بنفسه فجعلت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تذرفان . فقال له عبد الرحمن بن عوف : وأنت يا رسول الله ؟ فقال : " يا ابن عوف إنها رحمة ثم أتبعها بأخرى فقال : إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون "( متفق عليه )
وكان يوصيهم إذا توفى أحدهم أن يؤذنوه ليصلي عليه
فعن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أنه قال : اشتكت امرأة بالعوالي مسكينة فكان النبي صلى الله عليه وسلم يسألهم عنها ، وقال إذا ماتت فلا تدفنوها حتى أصلي عليها ، فتوفيت فجاءوا بها إلى المدينة بعد العتمة ، فوجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نام فكرهوا أن يوقظوه فصلوا عليها ، ودفنوها ببقيع الغرقد ، فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءوا فسألهم عنها ، فقالوا قد دفنت يا رسول الله وقد جئنا فوجدناك نائماً فكرهنا أن نوقظك ، قال : فانطلقوا فانطلق يمشي ومشوا معه حتى أروه قبرها ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وصفوا وراءه فصلى عليها وكبر أربعاً(رواه البخاري)
وعن أبي هريرة أن امرأة سوداء كانت تقم المسجد أو شاب ففقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عنها أو عنه فقالوا : مات . قال : " أفلا كنتم آذنتموني ؟ " قال : فكأنهم صغروا أمرها أو أمره . فقال : " دلوني على قبره " فدلوه فصلى عليها . قال : " إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها وإن الله ينورها لهم بصلاتي عليهم " . ولفظه لمسلم ( متفق عليه )
وفي رواية أنه رأى قبراً جديداً فسألهم فقالوا هذه فلانة مولاة بني فلان فعرفها رسول الله .. ماتت ظُهراً وأنت نائم قائل فلم نحب أن نوقظك ثم قال لا يموت فيكم ميت مادمت بين أظهركم إلا آذنتموني به فإن صلاتي له رحمة(رواه مسلم)
وعند مسلم إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها ، وإن الله عز وجل ينورها لهم بصلاتي عليهم
ومن صور رحمته صلى الله عليه وسلم رحمته بالأطفال
فعن أبى هريرة رضى الله عنه قال : قبّل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن على ، وعنده الأقرع بن حابس التيمى ، فقال الأقرع : إن لى عشرة من الولد ما قبلت منهم أحداً ، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال من لا يَرحم لا يُرحم ( (متفق عليه)
وربما أراد أن يطيل فى الصلاة فيسمع بكاء الطفل فيخفف ، ولما بكت أمامة بنت زينب ابنته حملها وهو يصلى بالناس فإذا سجد وضعها وإذا قام رفعها
فعَنْ أَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي وَهُوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلِأَبِي العَاصِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا، وَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا(رواه البخاري)
وسجد مرة أخرى فصعد الحسن على ظهره فأطال السجود ، فلما سلم اعتذر للناس وقال إن ابنى هذا ارتحلنى فكرهت أن أرفع رأسى حتى ينزل
فعن عبد الله بن شداد عن أبيه قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في إحدى صلاتي العشاء وهو حامل حسنا أو حسينا فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعه ثم كبر للصلاة فصلى فسجد بين ظهراني صلاته سجدة أطالها قال أبي فرفعت رأسي وإذا الصبي على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ساجد فرجعت إلى سجودي فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة قال الناس يا رسول الله إنك سجدت بين ظهراني صلاتك سجدة أطلتها حتى ظننا أنه قد حدث أمر أو أنه يوحى إليك قال كل ذلك لم يكن ولكن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته .( صحيح وضعيف سنن النسائي)
ومن صور رحمته صلى الله عليه وسلم رحمته بالنساء
لما كانت طبيعة النساء الضعف وقلة التحمل ، كانت العناية بهنّ أعظم ، والرفق بهنّ أكثر ، وقد تجلّى ذلك في خلقه وسيرته على أكمل وجه ، فحثّ صلى الله عليه وسلم على رعاية البنات والإحسان إليهنّ ، وكان يقول من ولي من البنات شيئاً فأحسن إليهن كن له سترا من النار ،فعن عائشة رضي الله عنها قالت دخلت علي امرأة ومعها ابنتان لها تسأل فلم تجد عندي شيئا غير تمرة واحدة فأعطيتها إياها فقسمتها بين ابنتيها ولم تأكل منها شيئا ثم قامت فخرجت فدخل النبي صلى الله عليه وسلم علينا فأخبرته فقال من ابتلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كن له سترا من النار
رواه البخاري ومسلم والترمذي وفي لفظ له من ابتلي بشيء من البنات فصبر عليهن كن له حجابا من النار
وقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تكرهوا البنات ، فإنهن المؤنسات الغاليات (الصحيحة " 3206 " ).
وعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو وضم أصابعه
رواه مسلم واللفظ له
والترمذي ولفظه
من عال جاريتين دخلت أنا وهو الجنة كهاتين وأشار بأصبعيه السبابة والتي تليها
( صحيح )
وابن حبان في صحيحه ولفظه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من عال ابنتين أو ثلاثا أو أختين أو ثلاثا حتى يبن أو يموت عنهن كنت أنا وهو في الجنة كهاتين وأشار بأصبعيه السبابة والتي تليها ( صحيح )
وعن عقبة بن عامر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من كان له ثلاث بنات، وصبر عليهن، وكساهن من جدته(من غناه)؛ كن له حجابا من النار".
(صحيح الأدب المفرد)
وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من مسلم تدركه ابنتان، فيحسن صحبتهما، إلا أدخلتاه الجنة". (حسن لغيره الأدب المفرد)
وعن جابر بن عبد الله حدثهم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كان له ثلاث بنات، يؤويهن، ويكفيهن، ويرحمهن، فقد وجبت له الجنة البتة". فقال رجل من بعض القوم: وثنتين يا رسول الله؟ قال: "وثنتين".
وعن أبى سعيد الخدري؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يكون لأحد ثلاث بنات، أو ثلاث أخوات فيحسن إليهن، إلا دخل الجنة"(حسن الأدب المفرد)
بل إنه شدّد في الوصية بحق الزوجة والاهتمام بشؤونها فقال ألا واستوصوا بالنساء خيرا ؛
فعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " استوصوا بالنساء خيرا فإنهن خلقن من ضلع وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه فإن ذهبت تقيمه كسرته وإن تركته لم يزل أعوج فاستوصوا بالنساء " ( متفق عليه )
وعن عمرو بن الأحوص الحشمي رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع يقول بعد أن حمد الله وأثنى عليه وذكر ووعظ
ثم قال ألا واستوصوا بالنساء خيرا فإنما هن عوان عندكم ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربا غير مبرح فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا ألا إن لكم على نسائكم حقا ولنسائكم عليكم حقا فحقكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم من تكرهون ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن
رواه ابن ماجه والترمذي ( حسن لغيره صحيح الترغيب والترهيب)
عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر فلا يؤذ جاره و استوصوا بالنساء خيرا .( صحيح الجامع)
وضرب صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في التلطّف مع أهل بيته ، حتى إنه كان يجلس عند بعيره فيضع ركبته وتضع صفية رضي الله عنها رجلها على ركبته حتى تركب البعير ،
(رواه البخاري)
وكان عندما تأتيه ابنته فاطمة رضي الله عنها يأخذ بيدها ويقبلها ، ويجلسها في مكانه الذي يجلس فيه .
وكان يسابق زوجته فعن عائشة رضي الله عنها أنها كانت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر قالت : فسابقته فسبقته على رجلي فلما حملت اللحم سابقته فسبقني قال : " هذه بتلك السبقة " . رواه أبو داود(صحيح)
ولما سألت عائشة رضي الله عنه عنه صلى الله عليه وسلم
قالت رضي الله عنها كان بشراً من البشر؛ يفلي ثوبه، ويحلب شاته".( صحيح الأدب المفرد)
وعن الأسود قال: سألت عائشة رضي الله عنها : ما كان يصنع النبي صلى الله عليه وسلم في أهله؟ فقالت: "كان يكون في مهنة أهله، فإذا حضرت الصلاة خرج".
".( صحيح الأدب المفرد)
والشواهد على رحمته، سيرته مع أزواجه: ففي حجة الوداع أصاب عائشة رضي الله عنه عنها الحيض مما منعها أن تعتمر كما اعتمر الناس، فتقول للنبي : يذهب الناس بحج وعمرة وأذهب بعمرة؟ فيقول الراوي : وكان هيناً ليناً إذا هوت أمراً تابعها عليه. ومن تأمل سيرته وهديه في تعامله مع زوجاته يلمس ذلك واضحاً من رحمته وشفقته بهن.
ومن تلطف بزوجاته
فعن أنس قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم عند بعض نسائه فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين بصحفة فيها طعام فضربت التي النبي صلى الله عليه وسلم في بيتها يد الخادم فسقطت الصحفة فانفلقت فجمع النبي صلى الله عليه وسلم فلق الصحفة ثم جعل يجمع فيها الطعام الذي كان في الصحفة ويقول : " غارت أمكم " ثم حبس الخادم حتى أتي بصحفة من عند التي هو في بيتها فدفع الصحفة الصحيحة إلى التي كسرت صحفتها وأمسك المكسورة في بيت التي كسرت .
( رواه البخاري)
ومن تلطفه بزوجاته
فعن عائشة رضي الله عنها قالت : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إني لأعلم إذا كنت عني راضية وإذا كنت عني غضبى " فقلت : من أين تعرف ذلك ؟ فقال : " إذا كنت عني راضية فإنك تقولين : لا ورب محمد وإذا كنت علي غضبى قلت : لا ورب إبراهيم " . قالت : قلت : أجل والله يا رسول الله ما أهجر إلا اسمك ( متفق عليه )
ومن تلطف بعائشة رضي الله عنها
فعن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا عائش هذا جبريل يقرئك السلام " . قالت : وعليه السلام ورحمة الله . قالت : وهو يرى ما لا أرى (متفق عليه )
فما أحسن هذه المعاشرة، وما ألطف رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وما أحسن خلق عائشة -رضي الله عنها- مع زوجها الرسول الكريم.
وقال صلى الله عليه وسلم يا أنجشة رويدك سوقا بالقوارير
وفي رواية ويحك يا أنجشة ، رويدا سوقك بالقوارير
وفي رواية يا أنجشة ، لا تكسر القوارير يعني ضعفة النساء(رواه مسلم)
ويوضح رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في جملة بلاغية رائعة أن النساء يُماثِلن الرجال في القدر والمكانة, ولا ينتقص منهن أبدًا كونُهنَّ نساء, فيقول: "إِنَّ النِّسَاءَ شَقَائِقُ الرِّجَالِ". (صحيح الجامع(
ويقول ابن الأثير رحمه الله: شقائق الرجال بمعنى نظرائهم وأمثالهم
بل إن رسول الله يأمر المسلمين بعدم كراهية النساء حتى لو كانت هناك بعض الأخلاق المكروهة فيهن فيقول: "لا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ(رواه مسلم)
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي(صحيح رواه الترمذي)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال خيركم خيركم لاهله وأنا خيركم لاهلي
رواه ابن ماجه والحاكم إلا أنه قال خيركم خيركم للنساء
وقال صحيح الإسناد ( صحيح لغيره صحيح الترغيب والترهيب )
موضحا صلى الله عليه وسلم خير هذه الأمة رجلا الذي يكون خيرا في أهله
الرسول صلى الله عليه وسلم
أعده
رائد علي أبو الكاس
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } (آل عمران:102)
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } (النساء:1) { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً } (الأحزاب:70-71) أما بعد:-
"فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار
وبعد:-
لقد جمع الله سبحانه وتعالى في نبيّه محمد صلى الله عليه وسلم صفات الجمال والكمال البشري ، وتألّقت روحـه الطاهرة بعظيم الشمائـل والخِصال ، وكريم الصفات والأفعال ، حتى أبهرت سيرته القريب والبعيد ، وتملكت هيبتهُ العدوّ والصديق ، وقد صوّر لنا هذه المشاعر الصحابي الجليل حسان بن ثابت رضي الله عنه أبلغ تصوير حينما قال :
وأجمل منك لم ترَ قط عيني وأكمل منك لم تلد النساء
خُلقت مبرّأً من كل عيب كأنك قد خُلقت كما تشاء
فمن سمات الكمال التي تحلّى بها – صلى الله عليه وسلم - خُلُقُ الرحمة والرأفة بالغير ، كيف لا ؟ وهو المبعوث رحمة للعالمين ، فقد وهبه الله قلباً رحيماً ، يرقّ للضعيف ، ويحنّ على المسكين ، ويعطف على الخلق أجمعين ، حتى صارت الرحمة له سجيّة ، فشملت الصغير والكبير ، والقريب والبعيد ، والمؤمن والكافر ، فنال بذلك رحمة الله تعالى ، فالراحمون يرحمهم الرحمن .
وصف الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم بالرحمة
قال تعالى
وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (الانبياء107)
قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: يَعْنِي رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ خَاصَّةً فَهُوَ رَحْمَةٌ لَهُمْ. [وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ عَامٌّ فِي حَقِّ مَنْ آمَنَ وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ فَمَنْ آمَنَ فَهُوَ رَحْمَةٌ لَهُ] فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ فَهُوَ رَحْمَةٌ لَهُ فِي الدُّنْيَا بِتَأْخِيرِ الْعَذَابِ عَنْهُمْ وَرَفْعِ الْمَسْخِ وَالْخَسْفِ وَالِاسْتِئْصَالِ عَنْهُمْ، (تفسير البغوي)
وقال تعالى
لقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (التوبة12
وقال تعالى
فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (آل عمران159)
وقد تجلّت صور من رحمته صلى الله عليه وسلم في عددٍ من المظاهر والمواقف ، ومن تلك المواقف :
رحمته صلى الله عليه وسلم بأمته
وقال تعالى
لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ * فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ(التوبة)
قال الإمام عبد الرحمن السعدي رحمه الله
يمتن [تعالى] على عباده المؤمنين بما بعث فيهم النبي الأمي الذي من أنفسهم، يعرفون حاله، ويتمكنون من الأخذ عنه، ولا يأنفون عن الانقياد له، وهو صلى الله عليه وسلم في غاية النصح لهم، والسعي في مصالحهم.
{ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ } أي: يشق عليه الأمر الذي يشق عليكم ويعنتكم.
[ ص 357 ]
{ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ } فيحب لكم الخير، ويسعى جهده في إيصاله إليكم، ويحرص على هدايتكم إلى الإيمان، ويكره لكم الشر، ويسعى جهده في تنفيركم عنه. { بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } أي: شديد الرأفة والرحمة بهم، أرحم بهم من والديهم.
(تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان)
فكان رحيما رؤوفا في كل أحواله وأموره فهو كثيراً ما يترك صلى الله عليه وسلم بعض الأعمال شفقاً على أمته حتى لا تفرض هذه الأعمال عليهم فيعجزوا عن القيام بها وعن الوفاء بها، فمن مظاهر رحمته بأمته أنه يسأل ربه التخفيف على أمته في التكاليف :
ألم تقرؤوا كثيراً في سنته قوله "لولا أن أشق على أمتي ما قعدت خلاف سرية تغزو في سبيل الله عز وجل" (رواه مسلم)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم عند كل صلاة بوضوء ومع كل وضوء بسواك
رواه أحمد بإسناد حسن ( حسن صحيح صحيح الترغيب والترهيب)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بتأخير العشاء وبالسواك عند كل صلاة ( متفق عليه )
وقال إني لأدخل في الصلاة وأنا أريد إطالتها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي مما أعلم من شدة وجد أمه من بكائه " . رواه البخاري
ويفرض الله عليه خمسين صلاة فما يزال حتى تخفف هذه الصلاة إلى خمس رحمة بأمته
ويصلي الناس بصلاة ثم يعتذر لهم ولا يخرج لهم خشية أن تفرض هذه الصلاة على أمته فلا يطيقوها
فعن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في المسجد فصلى بصلاته ناس ثم صلى من القابلة فكثر الناس ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أصبح قال قد رأيت الذي صنعتم فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم وذلك في رمضان.( صحيح سنن أبي داود)
ويأمره جبريل أن يقرئ أمته على حرف فيقول : إن أمتي لا تطيق ذلك، فيقول : أقرئهم على حرفين حتى أوصله على سبعة أحرف.
فعن أبي بن كعب قال : كنت في المسجد فدخل رجل يصلي فقرأ قراءة أنكرتها عليه ثم دخل آخر فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه فلما قضينا الصلاة دخلنا جميعا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت إن هذا قرأ قراءة أنكرتها عليه ودخل آخر فقرأ سوى قراءة صاحبه فأمرهما النبي صلى الله عليه وسلم فقرآ فحسن شأنهما فسقط في نفسي من التكذيب ولا إذ كنت في الجاهلية فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قد غشيني ضرب في صدري ففضت عرقا وكأنما أنظر إلى الله عز وجل فرقا فقال لي : " يا أبي أرسل إلي أن اقرأ القرآن على حرف فرددت إليه أن هون على أمتي فرد إلي الثانية اقرأه على حرفين فرددت إليه أن هون على أمتي فرد إلي الثالثة اقرأه على سبعة أحرف ولك بكل ردة رددتكها مسألة تسألنيها فقلت اللهم اغفر لأمتي اللهم اغفر لأمتي وأخرت الثالثة ليوم يرغب إلي الخلق كلهم حتى إبراهيم صلى الله عليه وسلم " . رواه مسلم
وعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ عَائِشَةَ، زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: " وَاللهِ، مَا سَبَّحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سُبْحَةَ الضُّحَى قَطُّ، وَإِنِّي لَأُسَبِّحُهَا "، وَقَالَتْ: " إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ يَتْرُكُ الْعَمَلَ وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَهُ، خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَنَّ بِهِ النَّاسُ، فَيُفْرَضُ عَلَيْهِمْ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُحِبُّ مَا خَفَّ عَلَى النَّاسِ مِنَ الْفَرَائِضِ
(مسند الإمام أحمد بن حنبل إسناده صحيح على شرط البخاري،)
وتعدت رحمته لكل فرد ألمت به عوارض الزمان ، فاحتاج للاستدانة من أموال الغير ثم جهد في سدادها ، فوافاه الأجل قبل ذلك .. فتعهد النبي صلى الله عليه وسلم بسدادهــا...
لعلمه صلى الله عليه وسلم خطورة التعرض لأموال الناس ، وحقوقهم دون ضمان لها .. وكان لا يصلي على من مات وعليه دين لم يسدد ، حثاً للناس على سداد حقوق الغير لينالوا شرف صلاته عليهم ثم لما فتح الله على بيت أموال المسلمين تصدى النبي لكل صاحب دين لم يستطع سداده بسداد دينه من بيت مال المسلمين فقال صلى الله عليه وسلم أنا ولي المؤمنين من أنفسهم فمن توفي من المؤمنين فترك ديناً فعلي قضاؤه
فعن أبي هريرة قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤتي بالرجل المتوفى عليه الدين فيسأل : " هل ترك لدينه قضاء ؟ " فإن حدث أنه ترك وفاء صلى وإلا قال للمسلمين : " صلوا على صاحبكم " . فلما فتح الله عليه الفتوح قام فقال : " أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم فمن توفي من المؤمنين فترك دينا فعلي قضاؤه ومن ترك فهو لورثته " ( متفق عليه )
بل بلغ من رحمته صلى الله عليه وسلم حرصه على إيصال الأجر لكل مسلم لم يستطع شراء أضحية ليضحي بها بسبب الفقر
فقد حرص المصطفى صلى الله عليه وسلم على أن ينال من الأجر مثل ما نال إخوانه المضحين فهاهو ذا يضحي بكبشين فقال في أولها اللهم لمحمد وآل محمد وقال في آخرهما اللهم عن محمد وعن من لم يضح من أمة محمد(أبو داود 2810 ، و الترمذي 1521)
وهو يدل على أن أمته أمواتهم وأحياءهم قد نالهم النفع والأجر بتضحيته
قال الحليمي وهذا أبلغ ما يكون من البر والشفقة(شعب الإيمان 4 / 6
وما يزال في تلقيه للوحي وفي كلامه وفي أفعاله وعبادته يخشى أن يشق على أمته، ويخشى أن تكلف ما لا طاقة لها به، وأن تؤمر بما لا تطيق، ولهذا كان كما وصفه سبحانه وتعالى ونيسرك لليسرى لقد يسر لليسر في كل أموره وحياته.
و " قام ليلة . بآية يرددها حتى أصبح وهي : { إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ
تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ } (5 : 11 ؛ [ بها يركع ، وبها يسجد ،
وبها يدعو ] ، [ فلما أصبح ؛ قال له أبو ذر رضي الله عنه : يا رسول الله ! ما
زلتَ تقرأ هذه الآية حتى أصبحت ؛ تركع بها ، وتسجد بها ] ، [ وتدعو بها ] ،
[ وقد علَّمَك الله القرآن كله ] ، [ لو فعل هذا بعضُنا ؛ لَوَجَدْنَا عليه ؟ ] . [ قال :
" إني سألت ربي عز وجل الشفاعة لأمتي ؛ فأعطانيها ، وهي نَائِلَةٌ إن
شاء الله لمن لا يشرك بالله شيئاً " ] "
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم
تلا قول الله تعالى في إبراهيم : [ رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني ] وقال عيسى : [ إن تعذبهم فإنهم عبادك ] فرفع يديه فقال " اللهم أمتي أمتي " . وبكى فقال الله تعالى : " يا جبريل اذهب إلى محمد وربك أعلم فسله ما يبكيه ؟ " . فأتاه جبريل فسأله فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال فقال الله لجبريل اذهب إلى محمد فقل : إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوؤك " .
(رواه مسلم)
قال صاحب التحرير هو تأكيد للمعنى أي لا نحزنك لأن الإرضاء يحصل في حق البعض بالعفو عنهم ويدخل الباقي النار فقال تعالى : نرضيك ولا ندخل عليك حزنا بل ننجي الجميع
وهذا الإرضاء من الله لنبيه صلى الله عليه وسلم يترجم في صور عدة . منها إدخال أمته الجنّة ، واختصاص نبينا بالشفاعة لأمته ، وهذه الشفاعة وإن كانت اختصاص واصطفاء من الله لإعلاء مقام نبيه دون غيره من الأنبياء ، إلا أنها أيضاً مظهر من مظاهر رحمة النبي بهذه الأمة ، في الدنيا والآخرة
وحتي في موقف الحشر لم ينسى أمته صلى الله عليه وسلم
وعن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا كان يوم القيامة ماج الناس بعضهم في بعض فيأتون آدم فيقولون : اشفع لنا إلى ربك فيقول : لست لها ولكن عليكم بابراهيم فإنه خليل الرحمن فيأتون إبراهيم فيقول لست لها ولكن عليكم بموسى فإنه كليم الله فيأتون موسى فيقول لست لها ولكن عليكم بعيسى فإنه روح الله وكلمته فيأتون عيسى فيقول لست لها ولكن عليكم بمحمد فيأتوني فأقول أنا لها فأستأذن على ربي فيؤذن لي ويلهمني محامد أحمده بها لا تحضرني الآن فأحمده بتلك المحامد وأخر له ساجدا فيقال يا محمد ارفع رأسك وقل تسمع وسل تعطه واشفع تشفع فأقول يارب أمتي أمتي فيقال انطلق فأخرج من كان في قلبه مثقال شعيرة من إيمان فأنطلق فأفعل ثم أعود فأحمده بتلك المحامدوأخر له ساجدا فيقال يا محمد ارفع رأسك وقل تسمع وسل تعطه واشفع تشفع فأقول يارب أمتي أمتي فيقال انطلق فأخرج من كان في قلبه مثقال ذرة أو خردلة من إيمان فأنطلق فأفعل ثم أعود فأحمده بتلك المحامدوأخر له ساجدا فيقال يا محمد ارفع رأسك وقل تسمع وسل تعطه واشفع تشفع فأقول يارب أمتي أمتي فيقال انطلق فأخرج من كان في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال حبة من خردلة من إيمان فأخرجه من النار فأنطلق فأفعل ثم أعود الرابعة فأحمده بتلك المحامد وأخر له ساجدا فيقال يا محمد ارفع رأسك وقل تسمع وسل تعطه واشفع تشفع فأقول يارب ائذن لي فيمن قال لا إله إلا الله قال ليس ذلك لك ولكن وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي لأخرجن منها من قال لا إله إلا الله " . (متفق عليه )
قال النووي فيه كمال شفقته على أمته ورأفته بهم واعتناؤه بالنظر في مصالحهم فجعل دعوته في أهم أوقات حاجتهم(شرح النووي لمسلم 3 / 79)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْبَراً مِنْ نُورٍ وَإِنِّي لَعَلَى أطْوَلِها وَأَنْوِرِهَا فَيَجيءُ منادٍ فَيُنَادِي: أَيْنَ النَّبِيُّ الْأُمِّيُّ؟ قَالَ: فَيَقُولُ الْأَنْبِيَاءُ: كُلُّنَا نبيٌّ أُمِّيٌّ فَإِلَى أيِّنا أُرْسِلَ؟ فَيَرْجِعُ الثَّانِيَةَ فَيَقُولُ: أَيْنَ النَّبِيُّ الْأُمِّيُّ الْعَرَبِيُّ؟ قَالَ: فَيَنْزِلُ مُحَمَّدٌ حَتَّى يَأْتِيَ بَابَ الْجَنَّةِ فيقرعُهُ فَيَقُولُ: مَنْ؟ فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ ـ أَوْ أَحْمَدُ ـ فَيُقَالُ: أَوَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ فيُفْتَحُ لَهُ فَيَدْخُلُ فيتجلَّى لَهُ الرَّبُّ ـ وَلَا يَتَجَلَّى لِنَبِيٍّ قبلَهُ ـ فَيَخِرُّ لِلَّهِ سَاجِدًا وَيَحْمَدُهُ بِمَحَامِدَ لَمْ يَحْمَدْهُ أَحَدٌ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَهُ وَلَنْ يَحْمَدَهُ أَحَدٌ بِهَا مِمَّنْ كَانَ بَعْدَهُ فَيُقَالُ: لَهُ: مُحَمَّدُ! ارْفَعْ رَأْسَكَ تكلَّم تُسْمَعْ واشْفَعْ تُشَفَّعْ وسَلْ تُعْطَهْ فَيَقُولُ: يَا ربِّ! أُمَّتِي أُمَّتِي فَيُقَالُ: أخْرِجْ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ شَعِيرَةٍ ثُمَّ يَرْجِعُ الثَّانِيَةَ فيخرُّ لِلَّهِ سَاجِدًا وَيَحْمَدُهُ بِمَحَامِدَ لَمْ يَحْمَدْهُ أَحَدٌ كَانَ قَبْلَهُ وَلَنْ يَحْمَدَهُ بِهَا أَحَدٌ مِمَّنْ كَانَ بَعْدَهُ فَيُقَالُ لَهُ: مُحَمَّدُ! ارْفَعْ رَأْسَكَ تَكَلَّمْ تُسْمَعْ وَاشْفَعْ تُشَفَّع وسَلْ تُعْطَه فَيُقَالُ لَهُ: أخْرِجْ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ بُرَّةٍ ثُمَّ يَرْجِعُ الثَّالِثَةَ فيخرُّ لِلَّهِ سَاجِدًا ويحمدُهُ بِمَحَامِدَ لَمْ يَحْمَدْهُ بِهَا أَحَدٌ كَانَ قَبْلَهُ وَلَنْ يَحْمَدَهُ أَحَدٌ مِمَّنْ كان بعده فيُقال لَهُ: أخْرِجْ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ خَرْدَلَةٍ ثُمَّ يَرْجِعُ فَيَخِرُّ سَاجِدًا وَيَحْمَدُهُ بِمَحَامِدَ لَمْ [ص:215] يَحْمَدْهُ بِهَا أَحَدٌ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَهُ وَلَنْ يَحْمَدَهُ بِهَا أَحَدٌ مِمَّنْ كَانَ بَعْدَهُ فَيُقَالُ لَهُ: مُحَمَّدُ! ارْفَعْ رَأْسَكَ تكلَّم تُسْمَعْ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ وسَلْ تُعْطَهْ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَيُقَالُ لَهُ: مُحَمَّدُ! لَسْتَ هُنَاكَ تِلْكَ لِي وأنا اليوم أَجْزِي بها(حسن التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان)
وكان يحرص أشد الحرص على عدم إيقاعهم في الحرج في عدم قيامهم بحقه
فإن تلكئوا في تنفيذ أمره رحمهم فهاهو يوم الحديبية عندما أمرهم بحل إحرامهم وذبح هديهم تلكئوا رغبة في إيفاء وعده بدخول المسجد الحرام كما أخبرهم برؤياه ورأيا الأنبياء حق فدخل صلى الله عليه وسلم مغضباً على أم المؤمنين أم سلمة فأخبرها بحالهم فأشارت عليه بأمر لو فعله ما كان منهم متخلف عنه فكان ما أشارت به رضي الله عنها(رواه البخاري)
ومن رحمته أنه دعا ربه أن يجعل شتمه للمسلمين زكاة ورحمة لهم
فإن غضب النبي فبدر منه سب وشتم لأحد من المسلمين فهو أمر خطير وويل ماحق يقع على ذلك المسلم ، أن يناله شتم النبي صلى الله عليه وسلم ، لذلك دعا النبي صلى الله عليه وسلم ربه أن يجعل شتمه للمسلمين زكاة ورحمة لهم .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اللهم إني اتخذت عندك عهدا لن تخلفنيه فإنما أنا بشر فأي المؤمنين آذيته شتمته لعنته جلدته فاجعلها له صلاة وزكاة وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة " ( متفق عليه )
قال النووي هذه الأحاديث مبنية على ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من الشفقة على أمته والاعتناء بمصالحهم والاحتياط لهم والرغبة في كل ما ينفعهم وإنما يكون دعاؤه عليهم رحمة وكفّارة وزكاة ونحو ذلك إذا لم يكن أهلاً للدعاء عليه والسب واللعن ونحوه ، وكان مسلماً وإلا فقد دعا صلى الله عليه وسلم على الكفار والمنافقين ، ولم يكن ذلك لهم رحمة
(شرح مسلم 16 / 151 ، 152)
وهذه الرحمة بأصحابه نالتهم حتى بعد وفاتهم ، فإن مات منهم أحد حزن من أجله وبكى عليه وحرص على الصلاة عليـه ، بل كان يتفقد قبور أصحابـه فمـا رأى منهـا جديداً سأل عنـه لمن هـو ويصلي عليه
من رحمته بأمته بكائه عليهم عن موتهم
فعن عائشة أيضا: " أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على عثمان بن مظعون وهو ميت، فكشف في وجهه، ثم أكب عليه فقبله، وبكى حتى رأيت الدموع تسيل على وجنتيه (رواه الترمذي )
وعن أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: أَرْسَلَتِ ابْنَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِ إِنَّ ابْنًا لِي قُبِضَ، فَأْتِنَا، فَأَرْسَلَ يُقْرِئُ السَّلاَمَ، وَيَقُولُ: «إِنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ، وَلَهُ مَا أَعْطَى، وَكُلٌّ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى، فَلْتَصْبِرْ، وَلْتَحْتَسِبْ»، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ تُقْسِمُ عَلَيْهِ لَيَأْتِيَنَّهَا، فَقَامَ وَمَعَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَمَعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَرِجَالٌ، فَرُفِعَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّبِيُّ وَنَفْسُهُ تَتَقَعْقَعُ - قَالَ: حَسِبْتُهُ أَنَّهُ قَالَ كَأَنَّهَا شَنٌّ - فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ، فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا هَذَا؟ فَقَالَ: «هَذِهِ رَحْمَةٌ جَعَلَهَا اللَّهُ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ، وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ»(رواه البخاري)
وعن أنس قال : دخلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سيف القين وكان ظئرا لإبراهيم فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم إبراهيم فقبله وشمه ثم دخلنا عليه بعد ذلك وإبراهيم يجود بنفسه فجعلت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تذرفان . فقال له عبد الرحمن بن عوف : وأنت يا رسول الله ؟ فقال : " يا ابن عوف إنها رحمة ثم أتبعها بأخرى فقال : إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون "( متفق عليه )
وكان يوصيهم إذا توفى أحدهم أن يؤذنوه ليصلي عليه
فعن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أنه قال : اشتكت امرأة بالعوالي مسكينة فكان النبي صلى الله عليه وسلم يسألهم عنها ، وقال إذا ماتت فلا تدفنوها حتى أصلي عليها ، فتوفيت فجاءوا بها إلى المدينة بعد العتمة ، فوجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نام فكرهوا أن يوقظوه فصلوا عليها ، ودفنوها ببقيع الغرقد ، فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءوا فسألهم عنها ، فقالوا قد دفنت يا رسول الله وقد جئنا فوجدناك نائماً فكرهنا أن نوقظك ، قال : فانطلقوا فانطلق يمشي ومشوا معه حتى أروه قبرها ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وصفوا وراءه فصلى عليها وكبر أربعاً(رواه البخاري)
وعن أبي هريرة أن امرأة سوداء كانت تقم المسجد أو شاب ففقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عنها أو عنه فقالوا : مات . قال : " أفلا كنتم آذنتموني ؟ " قال : فكأنهم صغروا أمرها أو أمره . فقال : " دلوني على قبره " فدلوه فصلى عليها . قال : " إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها وإن الله ينورها لهم بصلاتي عليهم " . ولفظه لمسلم ( متفق عليه )
وفي رواية أنه رأى قبراً جديداً فسألهم فقالوا هذه فلانة مولاة بني فلان فعرفها رسول الله .. ماتت ظُهراً وأنت نائم قائل فلم نحب أن نوقظك ثم قال لا يموت فيكم ميت مادمت بين أظهركم إلا آذنتموني به فإن صلاتي له رحمة(رواه مسلم)
وعند مسلم إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها ، وإن الله عز وجل ينورها لهم بصلاتي عليهم
ومن صور رحمته صلى الله عليه وسلم رحمته بالأطفال
فعن أبى هريرة رضى الله عنه قال : قبّل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن على ، وعنده الأقرع بن حابس التيمى ، فقال الأقرع : إن لى عشرة من الولد ما قبلت منهم أحداً ، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال من لا يَرحم لا يُرحم ( (متفق عليه)
وربما أراد أن يطيل فى الصلاة فيسمع بكاء الطفل فيخفف ، ولما بكت أمامة بنت زينب ابنته حملها وهو يصلى بالناس فإذا سجد وضعها وإذا قام رفعها
فعَنْ أَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي وَهُوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلِأَبِي العَاصِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا، وَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا(رواه البخاري)
وسجد مرة أخرى فصعد الحسن على ظهره فأطال السجود ، فلما سلم اعتذر للناس وقال إن ابنى هذا ارتحلنى فكرهت أن أرفع رأسى حتى ينزل
فعن عبد الله بن شداد عن أبيه قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في إحدى صلاتي العشاء وهو حامل حسنا أو حسينا فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعه ثم كبر للصلاة فصلى فسجد بين ظهراني صلاته سجدة أطالها قال أبي فرفعت رأسي وإذا الصبي على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ساجد فرجعت إلى سجودي فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة قال الناس يا رسول الله إنك سجدت بين ظهراني صلاتك سجدة أطلتها حتى ظننا أنه قد حدث أمر أو أنه يوحى إليك قال كل ذلك لم يكن ولكن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته .( صحيح وضعيف سنن النسائي)
ومن صور رحمته صلى الله عليه وسلم رحمته بالنساء
لما كانت طبيعة النساء الضعف وقلة التحمل ، كانت العناية بهنّ أعظم ، والرفق بهنّ أكثر ، وقد تجلّى ذلك في خلقه وسيرته على أكمل وجه ، فحثّ صلى الله عليه وسلم على رعاية البنات والإحسان إليهنّ ، وكان يقول من ولي من البنات شيئاً فأحسن إليهن كن له سترا من النار ،فعن عائشة رضي الله عنها قالت دخلت علي امرأة ومعها ابنتان لها تسأل فلم تجد عندي شيئا غير تمرة واحدة فأعطيتها إياها فقسمتها بين ابنتيها ولم تأكل منها شيئا ثم قامت فخرجت فدخل النبي صلى الله عليه وسلم علينا فأخبرته فقال من ابتلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كن له سترا من النار
رواه البخاري ومسلم والترمذي وفي لفظ له من ابتلي بشيء من البنات فصبر عليهن كن له حجابا من النار
وقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تكرهوا البنات ، فإنهن المؤنسات الغاليات (الصحيحة " 3206 " ).
وعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو وضم أصابعه
رواه مسلم واللفظ له
والترمذي ولفظه
من عال جاريتين دخلت أنا وهو الجنة كهاتين وأشار بأصبعيه السبابة والتي تليها
( صحيح )
وابن حبان في صحيحه ولفظه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من عال ابنتين أو ثلاثا أو أختين أو ثلاثا حتى يبن أو يموت عنهن كنت أنا وهو في الجنة كهاتين وأشار بأصبعيه السبابة والتي تليها ( صحيح )
وعن عقبة بن عامر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من كان له ثلاث بنات، وصبر عليهن، وكساهن من جدته(من غناه)؛ كن له حجابا من النار".
(صحيح الأدب المفرد)
وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من مسلم تدركه ابنتان، فيحسن صحبتهما، إلا أدخلتاه الجنة". (حسن لغيره الأدب المفرد)
وعن جابر بن عبد الله حدثهم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كان له ثلاث بنات، يؤويهن، ويكفيهن، ويرحمهن، فقد وجبت له الجنة البتة". فقال رجل من بعض القوم: وثنتين يا رسول الله؟ قال: "وثنتين".
وعن أبى سعيد الخدري؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يكون لأحد ثلاث بنات، أو ثلاث أخوات فيحسن إليهن، إلا دخل الجنة"(حسن الأدب المفرد)
بل إنه شدّد في الوصية بحق الزوجة والاهتمام بشؤونها فقال ألا واستوصوا بالنساء خيرا ؛
فعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " استوصوا بالنساء خيرا فإنهن خلقن من ضلع وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه فإن ذهبت تقيمه كسرته وإن تركته لم يزل أعوج فاستوصوا بالنساء " ( متفق عليه )
وعن عمرو بن الأحوص الحشمي رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع يقول بعد أن حمد الله وأثنى عليه وذكر ووعظ
ثم قال ألا واستوصوا بالنساء خيرا فإنما هن عوان عندكم ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربا غير مبرح فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا ألا إن لكم على نسائكم حقا ولنسائكم عليكم حقا فحقكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم من تكرهون ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن
رواه ابن ماجه والترمذي ( حسن لغيره صحيح الترغيب والترهيب)
عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر فلا يؤذ جاره و استوصوا بالنساء خيرا .( صحيح الجامع)
وضرب صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في التلطّف مع أهل بيته ، حتى إنه كان يجلس عند بعيره فيضع ركبته وتضع صفية رضي الله عنها رجلها على ركبته حتى تركب البعير ،
(رواه البخاري)
وكان عندما تأتيه ابنته فاطمة رضي الله عنها يأخذ بيدها ويقبلها ، ويجلسها في مكانه الذي يجلس فيه .
وكان يسابق زوجته فعن عائشة رضي الله عنها أنها كانت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر قالت : فسابقته فسبقته على رجلي فلما حملت اللحم سابقته فسبقني قال : " هذه بتلك السبقة " . رواه أبو داود(صحيح)
ولما سألت عائشة رضي الله عنه عنه صلى الله عليه وسلم
قالت رضي الله عنها كان بشراً من البشر؛ يفلي ثوبه، ويحلب شاته".( صحيح الأدب المفرد)
وعن الأسود قال: سألت عائشة رضي الله عنها : ما كان يصنع النبي صلى الله عليه وسلم في أهله؟ فقالت: "كان يكون في مهنة أهله، فإذا حضرت الصلاة خرج".
".( صحيح الأدب المفرد)
والشواهد على رحمته، سيرته مع أزواجه: ففي حجة الوداع أصاب عائشة رضي الله عنه عنها الحيض مما منعها أن تعتمر كما اعتمر الناس، فتقول للنبي : يذهب الناس بحج وعمرة وأذهب بعمرة؟ فيقول الراوي : وكان هيناً ليناً إذا هوت أمراً تابعها عليه. ومن تأمل سيرته وهديه في تعامله مع زوجاته يلمس ذلك واضحاً من رحمته وشفقته بهن.
ومن تلطف بزوجاته
فعن أنس قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم عند بعض نسائه فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين بصحفة فيها طعام فضربت التي النبي صلى الله عليه وسلم في بيتها يد الخادم فسقطت الصحفة فانفلقت فجمع النبي صلى الله عليه وسلم فلق الصحفة ثم جعل يجمع فيها الطعام الذي كان في الصحفة ويقول : " غارت أمكم " ثم حبس الخادم حتى أتي بصحفة من عند التي هو في بيتها فدفع الصحفة الصحيحة إلى التي كسرت صحفتها وأمسك المكسورة في بيت التي كسرت .
( رواه البخاري)
ومن تلطفه بزوجاته
فعن عائشة رضي الله عنها قالت : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إني لأعلم إذا كنت عني راضية وإذا كنت عني غضبى " فقلت : من أين تعرف ذلك ؟ فقال : " إذا كنت عني راضية فإنك تقولين : لا ورب محمد وإذا كنت علي غضبى قلت : لا ورب إبراهيم " . قالت : قلت : أجل والله يا رسول الله ما أهجر إلا اسمك ( متفق عليه )
ومن تلطف بعائشة رضي الله عنها
فعن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا عائش هذا جبريل يقرئك السلام " . قالت : وعليه السلام ورحمة الله . قالت : وهو يرى ما لا أرى (متفق عليه )
فما أحسن هذه المعاشرة، وما ألطف رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وما أحسن خلق عائشة -رضي الله عنها- مع زوجها الرسول الكريم.
وقال صلى الله عليه وسلم يا أنجشة رويدك سوقا بالقوارير
وفي رواية ويحك يا أنجشة ، رويدا سوقك بالقوارير
وفي رواية يا أنجشة ، لا تكسر القوارير يعني ضعفة النساء(رواه مسلم)
ويوضح رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في جملة بلاغية رائعة أن النساء يُماثِلن الرجال في القدر والمكانة, ولا ينتقص منهن أبدًا كونُهنَّ نساء, فيقول: "إِنَّ النِّسَاءَ شَقَائِقُ الرِّجَالِ". (صحيح الجامع(
ويقول ابن الأثير رحمه الله: شقائق الرجال بمعنى نظرائهم وأمثالهم
بل إن رسول الله يأمر المسلمين بعدم كراهية النساء حتى لو كانت هناك بعض الأخلاق المكروهة فيهن فيقول: "لا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ(رواه مسلم)
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي(صحيح رواه الترمذي)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال خيركم خيركم لاهله وأنا خيركم لاهلي
رواه ابن ماجه والحاكم إلا أنه قال خيركم خيركم للنساء
وقال صحيح الإسناد ( صحيح لغيره صحيح الترغيب والترهيب )
موضحا صلى الله عليه وسلم خير هذه الأمة رجلا الذي يكون خيرا في أهله
تعليق