شبهتهم في قوله تعالى "وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون" والرد عليها
الرد على الجهمية و الزنادقة
شرح الشيخ عبد العزيز الراجحي
قال -رضي الله عنه- أما قوله: )وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (فهذا من الأيام التي خلق الله فيه السماوات والأرض، كل يوم كألف سنة، وأما قوله: )يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (وذلك أن جبرائيل كان ينزل على النبي -صلى الله عليه وسلم- ويصعد إلى السماء في يوم كان مقداره ألف سنة، وذلك أنه من السماء إلى الأرض مسيرة خمسمائة عام، فهبوط خمسمائة عام، وصعود خمسمائة عام، فذلك ألف سنة.
وأما قوله: )فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (يقول: لو ولي حساب الخلائق غير الله ما فرغ منه في يوم مقداره خمسون ألف سنة، ويفرغ الله منه مقدار نصف يوم من أيام الدنيا، إذا أخذ في حساب الخلائق، فذلك قوله: )وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (يعني: سرعة الحساب.
إلى هنا انتهى الجواب. هذا هو جواب الإمام -رحمه الله- وأتى بآية ثالثة، وهي آية الحج، وهي قوله: )وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (تكون الآيات ثلاث )وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (والآية الأخرى )يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (والآية الثالثة: )تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (.
الإمام أحمد -رحمه الله- جمع بين هذه الآيات قال: إن آية الحج: )وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (هذا من الأيام التي خلق الله فيها السماوات والأرض، كل يوم كألف سنة، يعني: الأيام التي خلق الله فيها السماوات والأرض في قوله: )وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ (كل يوم مقداره ألف سنة.
هذا أحد الأقوال الذي اختاره الإمام -رحمه الله- وهناك قول آخر أن المراد مقداره كأيامنا هذه؛ لأن الله خاطبنا بما نعرف، فالأصل هو أنها مثل الأيام المعروفة الآن، مقدارها مقدار هذه الأيام المعروفة؛ لأن الله خاطبنا بما نعرف، لكن الإمام اختار هذا.
وأما آية السجدة وهي قوله تعالى: )يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (قال: يعني هذا في الدنيا، ما بين السماء والأرض، ما بين الخمسمائة، كما في الحديث الآخر جاء في الحديث: )أن ما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام (.
كما في حديث العباس بن عبد المطلب وغيره: )أن بُعْدَ ما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة، وما بين كل سماء وسماء مسيرة خمسمائة، وغلظ كل سماء مسيرة خمسمائة، وبين السماء السابعة بحر ما بين أعلاه وأسفله كما بين السماء والأرض، ثم بعد ذلك العرش (.
وعلى هذا فيكون قوله عز وجل: )يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (جبريل ينزل على النبي -صلى الله عليه وسلم- ويصعد، فنزوله مقداره خمسمائة، وصعوده مقداره خمسمائة، هذه أحسن.
ينزل الأمر من السماء إلى الأرض مقدار خمسمائة، ثم يعرج إليه مقدار خمسمائة، فيكون الجميع ألفا. فنزول الأمر من السماء، وعروجه إلى الله، الجميع ألف سنة، هذا معنى قوله: )يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (.
يقول الإمام -رحمه الله-: وذلك أن جبرائيل -عليه الصلاة والسلام- كان ينزل على النبي -صلى الله عليه وسلم- ويصعد إلى السماء في يوم كان مقداره ألف سنة، وذلك أنه من السماء إلى الأرض مسيرة خمسمائة عام، فهبوط خمسمائة، وصعود خمسمائة عام فلذلك )أَلْفَ سَنَةٍ (واضح هذا.
وأما آية المعارج فقال: وأما قوله تعالى: )فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (قال: لو ولي حساب الخلائق غير الله ما فرغ منه في يوم مقداره خمسون ألف سنة، ويفرغ الله منه مقدار نصف يوم من أيام الدنيا، إذا أخذ في حساب الخلائق، فذلك قول الله -عز وجل-: )وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (.
إذن الإمام -رحمه الله- فسَّر الآية: )فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (يقول: لو ولى حساب الخلائق غير الله ما فرغ منه في يوم مقداره خمسون ألف سنة، لكن الله يفرغ منه بقدر نصف يوم، إذا أخذ في الحساب -سبحانه وتعالى- ولهذا قال سبحانه: )وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (وقال: )وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (.
واضح هذا، هذا الجمع بينها أحد الأقوال. هذا أحد الأقوال التي جمع بها الإمام. وابن القيم -رحمه الله- ذكر -في القصيدة النونية في الكافية الشافية- الجمع بين هذه الآيات. بين آية السجدة )يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (وآية المعارج وهي قوله عز وجل: )تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (.
قال فيها قولان مشهوران للعلماء:
القول الأول: أنَّ آية التنزيل، أي: آية السجدة في الدنيا، اليوم هذا في الدنيا، ينزل جبريل بالوحي من الله، ويصعد إليه نزول خمسمائة وصعود خمسمائة، كما قال الإمام، وأما آية المعارج فهي في يوم القيامة، يوم القيامة مقداره خمسون ألف سنة، وأما آية السجدة فهي في الدنيا: )يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ (ينزل الأمر من الله ويصعد إليه بمقدار ألف سنة، صعود خمسمائة، وهبوط خمسمائة.
وأما آية المعارج فهي في يوم القيامة. وقال: هذا اختاره جماعة من أهل العلم، اختار جماعة من أهل العلم هذا القول. وقال: أيدوا هذا بأمرين هذا القول، وأن آية المعارج في يوم القيامة:
الأمر الأول: أن سياق الآية يدل على أنها في يوم القيامة. إذا قرأت الآية: )سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ ( )لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ()مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ()تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَة(ٍ)فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلا) (إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا( )وَنَرَاهُ قَرِيبًا (يوم القيامة، قال: سياق الآية يدل على أنه في يوم القيامة.
واضح هذا. هذا دليل.
والأمر الثاني مما يؤيد أنه في يوم القيامة حديث: تعذيب مانع الزكاة يقول في الحديث الصحيح: (ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي حقها إلا إذا كان يوم القيامة صُفِّحَت له صفائح من نار، فأحمي بها جنبه وجبينه وظهره في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة كلما بردت أعيدت عليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد فَيُرَى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار. ولا صاحب إبل ولا بقر لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة يسطح لها بقاع قرقر، تطؤه بأخفافها، وتعضه بأفواهها، كلما مر عليه أخراها رُدَّ عليه أولاها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد ثم يرى سبيله إما إلى وإما إلى النار )
قال: إن هذا الحديث فيه أن يوم القيامة مقداره خمسين ألف سنة، فهذا يؤيد أنهما يومان، وأن اليوم الأول الذي فيه تنزيل -السجدة- في الدنيا، واليوم الذي في سورة المعارج يوم القيامة في الآخرة. واضح هذا.
القول الثاني: أنهما جميعًا في الدنيا. قال ابن القيم : "القول الثاني: أنهما في الدنيا، وقال: إن آية التنزيل - تنزيل السجدة- فيها أن الأمر ينزل من الله -عز وجل- ثم يصعد إليه، وأن مقدار ذلك ألف سنة؛ لأن الهبوط خمسمائة، والصعود خمسمائة.
وآية المعارج أيضًا في الدنيا ليست في يوم القيامة؛ وذلك أن المسافة مقدار خمسين ألف سنة من العرش إلى الأرض السابعة السفلي. مقدار خمسين ألف سنة المسافة بين العرش إلى المركز الذي في القرار، الذي في قرار الأرض السابعة السفلي؛ لأن هناك مركز، فالمركز هو محط الأثقال؛ لأن السماوات والأرضين كلها مستديرة الشكل ليس لها جهات إلا جهتان: جهة العلو وجهة السفل، فالأرض مثلًا والسماوات والأفلاك كلها ليس لها إلا جهتان: جهة العلو وجهة السفل.
واضح هذا، والأرض مستديرة الشكل كروية، وكذلك السماوات بل جميع الأفلاك، قال تعالى: )يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ (تكوير التدوير، فقوله: )يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ (هذا دليل على أن السماوات مستديرة والأرض مستديرة الشكل. واضح هذا.
والأفلاك المستديرة الثابتة ليس لها جهتان إلا جهة العلو والسفل. ما في جهة أمام وخلف، ويمين وشمال، أمام وخلف، ويمين وشمال، وتحت وفوق، هذا للحيوانات المتحركة، للإنسان المتحرك، الآن أنا لي ستة جهات: أمام وخلف، ويمين وشمال، وفوق وتحت، هذه الجهات الست، لكن ليست ثابتة.
أمامي الآن هنا أمام، لكن لو تحركت واستدرت صار الخلف هو الأمام، والأمام هو الخلف، واليمين هو الشمال، والشمال هو اليمين. هذه غير ثابتة، لكن الأفلاك الثابتة السماوات والأرض، ليس لها إلا جهتان. جهة العلو وجهة السفل، فمثلًا الأرض مثل الكرة الآن، ليست مستديرة، لكنها تشبه البيضة، وليس لها إلا جهتان: جهة العلو، وجهة السفل.
وجهة العلو كل ما كان عاليًا ثم علو، ثم علو. هنا علو، هنا علو من جميع الجهات، لكن من سعى في الأرض، فيه ناس هنا تحت، وناس فوق، أيضًا الذي هنا من الجهة هذه يتصور أن الذي تحته هنا تحته، والذي هنا يتصور أن الذي فوق تحته، والواقع أن كلا منهما على علو الأرض، واضح هذا.
لكن ما هو السفل. السفل محط الأثقال في الوسط بحيث أنك لو خرقت في الأرض خرق من هنا، وخرقت من هنا من أسفل لالتقيا في المركز. لو نزل شخص من هنا، ونزل شخص من هذا التقت رجلاهما في المركز. واضح هذا، هذا مركز الأرض. هذا المركز، ومحط الأثقال.
والآن يعني كل من كان على ظهر الآن يسمى على جهتها، نحن الآن على ظهر الأرض. هناك ناس يتصورون أنهم تحتنا الآن، وهم على ظهر الأرض من سعة الأرض الآن. واضح هذا. لكن نحن فوق الأرض، وهم فوق الأرض ولو خرقنا خرقا وخرقوا هم خرقا لالتقيا في المركز الذي هو محط الأثقال.
واضح هذا. كونك الآن تتصور أن الأرض تحتك وهو يتصور هذا، لا غرابة فيه، كما أن النملة الآن حينما تمشي على السطح الآن. الآن السطح فوقها، وهي تتصوره تحتها، تمشي عليه على رجليها وتحتها وهو فوقها، فمحط الأثقال القرار في الأرض السابعة السفلى هذا هو المحط.
يقول ابن القيم -رحمه الله-: إن المسافة من العرش إلى القرار الذي هو محط الأثقال مسافة خمسين ألف سنة، وعلى هذا فتكون آية السجدة، وآية المعارج، كلها في يوم واحد، واختار ابن القيم هذا اليوم الثاني، قال: هذا هو القول الذي أختاره، وإن كان الأول اختاره الفطاحل من العلماء، لكن أنا اختار هذا القول، ثم قال ذلك في آخر القصيدة قال: "أن هذا القول الآن يعني لم ينضج عندي، وعندي فيه شك، وأعوذ بالله من القول على الله بغير علم".
هذا قاله في آخر القصيدة. في الأول قال: عندي أنهما يومان، ثم بعد ذلك من شدة ورعه -رحمه الله ورضي عنه- قال: "إن هذا القول الثاني يعني: عندي فيه شك لم ينضج بعد، وأعوذ بالله من القول على الله بغير علم" والله أعلم بمراده.
لكن فعلى هذا يكون هما قولان: قول أنهما اليوم الأول في الدنيا والثاني في الآخرة. والقول الثاني أنهما يومان، أن اليومين كلاهما في الدنيا. هذا بالنسبة من السماء إلى الأرض صعود وهبوط، وآية المعارج من العرش إلى قرار الأرض السابعة.
وهناك قول ثالث أيضًا: ذكره الحافظ ابن كثير، وهو أن المراد عمر الدنيا كله. فعمر الدنيا كلها خمسين ألف سنة.
وهناك قول رابع: وهو أن المراد بالخمسين ألف سنة اليوم الفاصل بين الدنيا والآخرة، فذكر الحافظ ابن كثير في الجمع بين الاثنين بأربعة أقوال:
القول الأول: أن اليوم الأول في الدنيا، والثاني في الآخرة. والقول الثاني أنهما يومان في الدنيا، والأول المسافة من السماء إلى الأرض، والثاني المسافة من العرش إلى القرار.
والقول الثالث: أنهما عمر الدنيا مقداره خمسين ألف سنة.
والقول الرابع أنه اليوم الفاصل بين الدنيا والآخرة، لكن هذين القولين الأخيرين فيهما ضعف، والراجح القولان، وأرجح القولين الذي اختاره المحققون هو الذي تبين أن اليوم الأول الذي في سورة التنزيل، هذا في الدنيا، واليوم الذي مقداره خمسين ألف سنة، هذا في الآخرة.
هذا هو الراجح، وهذا هو الصواب. أصوب الأقوال الأربعة هو هذا. وكان الإمام أحمد -رحمه الله- أشار إلى هذا قال: "لو ولي حساب الخلائق غير الله لكان مقدار خمسين ألف سنة"
فهذا هو الصواب الذي تدل عليه النصوص، والذي هو ظاهر الأدلة أن اليوم الأول في: )فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (هذا في الدنيا هبوط وصعود، هبوط خمسمائة، وصعود خمسمائة، وأما اليوم الذي في سورة المعارج: )تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (فالمراد به يوم القيامة بدليل سياق الآيات: )إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا) (وَنَرَاهُ قَرِيبًا (.
وبدليل تعذيب مانع الزكاة، وأنه يعذب في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة. ولعلنا نقف هنا، وفقنا الله جميعًا لطاعته، ونجعل بقية الوقت للأسئلة إن كان هناك أسئلة. أحسن الله إليكم.
س: هذا سائل يقول: هل التنشئة يوم القيامة للأجساد هي تنشئة ذوات لا صفات أو العكس؟ جزاكم الله خيرًا.
ج: سبق الكلام على هذا، وأن الله -تعالى- يعيد الذرات التي استحالت، والتبديل تبديل الصفات، ينشئ الصفات والذوات هي هي، يعيدها الله. يعيد الله -تعالى- الذرات التي استحالت، ويركب من عدم، من عجب الذنب، وينشئ تنشئة أخرى قوية، والتبديل تبديل صفات لا تبديل ذوات. نعم.
أحسن الله إليك.
الرد على الجهمية و الزنادقة
شرح الشيخ عبد العزيز الراجحي
قال -رضي الله عنه- أما قوله: )وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (فهذا من الأيام التي خلق الله فيه السماوات والأرض، كل يوم كألف سنة، وأما قوله: )يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (وذلك أن جبرائيل كان ينزل على النبي -صلى الله عليه وسلم- ويصعد إلى السماء في يوم كان مقداره ألف سنة، وذلك أنه من السماء إلى الأرض مسيرة خمسمائة عام، فهبوط خمسمائة عام، وصعود خمسمائة عام، فذلك ألف سنة.
وأما قوله: )فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (يقول: لو ولي حساب الخلائق غير الله ما فرغ منه في يوم مقداره خمسون ألف سنة، ويفرغ الله منه مقدار نصف يوم من أيام الدنيا، إذا أخذ في حساب الخلائق، فذلك قوله: )وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (يعني: سرعة الحساب.
**********************************
إلى هنا انتهى الجواب. هذا هو جواب الإمام -رحمه الله- وأتى بآية ثالثة، وهي آية الحج، وهي قوله: )وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (تكون الآيات ثلاث )وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (والآية الأخرى )يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (والآية الثالثة: )تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (.
الإمام أحمد -رحمه الله- جمع بين هذه الآيات قال: إن آية الحج: )وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (هذا من الأيام التي خلق الله فيها السماوات والأرض، كل يوم كألف سنة، يعني: الأيام التي خلق الله فيها السماوات والأرض في قوله: )وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ (كل يوم مقداره ألف سنة.
هذا أحد الأقوال الذي اختاره الإمام -رحمه الله- وهناك قول آخر أن المراد مقداره كأيامنا هذه؛ لأن الله خاطبنا بما نعرف، فالأصل هو أنها مثل الأيام المعروفة الآن، مقدارها مقدار هذه الأيام المعروفة؛ لأن الله خاطبنا بما نعرف، لكن الإمام اختار هذا.
وأما آية السجدة وهي قوله تعالى: )يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (قال: يعني هذا في الدنيا، ما بين السماء والأرض، ما بين الخمسمائة، كما في الحديث الآخر جاء في الحديث: )أن ما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام (.
كما في حديث العباس بن عبد المطلب وغيره: )أن بُعْدَ ما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة، وما بين كل سماء وسماء مسيرة خمسمائة، وغلظ كل سماء مسيرة خمسمائة، وبين السماء السابعة بحر ما بين أعلاه وأسفله كما بين السماء والأرض، ثم بعد ذلك العرش (.
وعلى هذا فيكون قوله عز وجل: )يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (جبريل ينزل على النبي -صلى الله عليه وسلم- ويصعد، فنزوله مقداره خمسمائة، وصعوده مقداره خمسمائة، هذه أحسن.
ينزل الأمر من السماء إلى الأرض مقدار خمسمائة، ثم يعرج إليه مقدار خمسمائة، فيكون الجميع ألفا. فنزول الأمر من السماء، وعروجه إلى الله، الجميع ألف سنة، هذا معنى قوله: )يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (.
يقول الإمام -رحمه الله-: وذلك أن جبرائيل -عليه الصلاة والسلام- كان ينزل على النبي -صلى الله عليه وسلم- ويصعد إلى السماء في يوم كان مقداره ألف سنة، وذلك أنه من السماء إلى الأرض مسيرة خمسمائة عام، فهبوط خمسمائة، وصعود خمسمائة عام فلذلك )أَلْفَ سَنَةٍ (واضح هذا.
وأما آية المعارج فقال: وأما قوله تعالى: )فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (قال: لو ولي حساب الخلائق غير الله ما فرغ منه في يوم مقداره خمسون ألف سنة، ويفرغ الله منه مقدار نصف يوم من أيام الدنيا، إذا أخذ في حساب الخلائق، فذلك قول الله -عز وجل-: )وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (.
إذن الإمام -رحمه الله- فسَّر الآية: )فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (يقول: لو ولى حساب الخلائق غير الله ما فرغ منه في يوم مقداره خمسون ألف سنة، لكن الله يفرغ منه بقدر نصف يوم، إذا أخذ في الحساب -سبحانه وتعالى- ولهذا قال سبحانه: )وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (وقال: )وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (.
واضح هذا، هذا الجمع بينها أحد الأقوال. هذا أحد الأقوال التي جمع بها الإمام. وابن القيم -رحمه الله- ذكر -في القصيدة النونية في الكافية الشافية- الجمع بين هذه الآيات. بين آية السجدة )يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (وآية المعارج وهي قوله عز وجل: )تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (.
قال فيها قولان مشهوران للعلماء:
القول الأول: أنَّ آية التنزيل، أي: آية السجدة في الدنيا، اليوم هذا في الدنيا، ينزل جبريل بالوحي من الله، ويصعد إليه نزول خمسمائة وصعود خمسمائة، كما قال الإمام، وأما آية المعارج فهي في يوم القيامة، يوم القيامة مقداره خمسون ألف سنة، وأما آية السجدة فهي في الدنيا: )يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ (ينزل الأمر من الله ويصعد إليه بمقدار ألف سنة، صعود خمسمائة، وهبوط خمسمائة.
وأما آية المعارج فهي في يوم القيامة. وقال: هذا اختاره جماعة من أهل العلم، اختار جماعة من أهل العلم هذا القول. وقال: أيدوا هذا بأمرين هذا القول، وأن آية المعارج في يوم القيامة:
الأمر الأول: أن سياق الآية يدل على أنها في يوم القيامة. إذا قرأت الآية: )سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ ( )لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ()مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ()تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَة(ٍ)فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلا) (إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا( )وَنَرَاهُ قَرِيبًا (يوم القيامة، قال: سياق الآية يدل على أنه في يوم القيامة.
واضح هذا. هذا دليل.
والأمر الثاني مما يؤيد أنه في يوم القيامة حديث: تعذيب مانع الزكاة يقول في الحديث الصحيح: (ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي حقها إلا إذا كان يوم القيامة صُفِّحَت له صفائح من نار، فأحمي بها جنبه وجبينه وظهره في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة كلما بردت أعيدت عليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد فَيُرَى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار. ولا صاحب إبل ولا بقر لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة يسطح لها بقاع قرقر، تطؤه بأخفافها، وتعضه بأفواهها، كلما مر عليه أخراها رُدَّ عليه أولاها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد ثم يرى سبيله إما إلى وإما إلى النار )
قال: إن هذا الحديث فيه أن يوم القيامة مقداره خمسين ألف سنة، فهذا يؤيد أنهما يومان، وأن اليوم الأول الذي فيه تنزيل -السجدة- في الدنيا، واليوم الذي في سورة المعارج يوم القيامة في الآخرة. واضح هذا.
القول الثاني: أنهما جميعًا في الدنيا. قال ابن القيم : "القول الثاني: أنهما في الدنيا، وقال: إن آية التنزيل - تنزيل السجدة- فيها أن الأمر ينزل من الله -عز وجل- ثم يصعد إليه، وأن مقدار ذلك ألف سنة؛ لأن الهبوط خمسمائة، والصعود خمسمائة.
وآية المعارج أيضًا في الدنيا ليست في يوم القيامة؛ وذلك أن المسافة مقدار خمسين ألف سنة من العرش إلى الأرض السابعة السفلي. مقدار خمسين ألف سنة المسافة بين العرش إلى المركز الذي في القرار، الذي في قرار الأرض السابعة السفلي؛ لأن هناك مركز، فالمركز هو محط الأثقال؛ لأن السماوات والأرضين كلها مستديرة الشكل ليس لها جهات إلا جهتان: جهة العلو وجهة السفل، فالأرض مثلًا والسماوات والأفلاك كلها ليس لها إلا جهتان: جهة العلو وجهة السفل.
واضح هذا، والأرض مستديرة الشكل كروية، وكذلك السماوات بل جميع الأفلاك، قال تعالى: )يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ (تكوير التدوير، فقوله: )يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ (هذا دليل على أن السماوات مستديرة والأرض مستديرة الشكل. واضح هذا.
والأفلاك المستديرة الثابتة ليس لها جهتان إلا جهة العلو والسفل. ما في جهة أمام وخلف، ويمين وشمال، أمام وخلف، ويمين وشمال، وتحت وفوق، هذا للحيوانات المتحركة، للإنسان المتحرك، الآن أنا لي ستة جهات: أمام وخلف، ويمين وشمال، وفوق وتحت، هذه الجهات الست، لكن ليست ثابتة.
أمامي الآن هنا أمام، لكن لو تحركت واستدرت صار الخلف هو الأمام، والأمام هو الخلف، واليمين هو الشمال، والشمال هو اليمين. هذه غير ثابتة، لكن الأفلاك الثابتة السماوات والأرض، ليس لها إلا جهتان. جهة العلو وجهة السفل، فمثلًا الأرض مثل الكرة الآن، ليست مستديرة، لكنها تشبه البيضة، وليس لها إلا جهتان: جهة العلو، وجهة السفل.
وجهة العلو كل ما كان عاليًا ثم علو، ثم علو. هنا علو، هنا علو من جميع الجهات، لكن من سعى في الأرض، فيه ناس هنا تحت، وناس فوق، أيضًا الذي هنا من الجهة هذه يتصور أن الذي تحته هنا تحته، والذي هنا يتصور أن الذي فوق تحته، والواقع أن كلا منهما على علو الأرض، واضح هذا.
لكن ما هو السفل. السفل محط الأثقال في الوسط بحيث أنك لو خرقت في الأرض خرق من هنا، وخرقت من هنا من أسفل لالتقيا في المركز. لو نزل شخص من هنا، ونزل شخص من هذا التقت رجلاهما في المركز. واضح هذا، هذا مركز الأرض. هذا المركز، ومحط الأثقال.
والآن يعني كل من كان على ظهر الآن يسمى على جهتها، نحن الآن على ظهر الأرض. هناك ناس يتصورون أنهم تحتنا الآن، وهم على ظهر الأرض من سعة الأرض الآن. واضح هذا. لكن نحن فوق الأرض، وهم فوق الأرض ولو خرقنا خرقا وخرقوا هم خرقا لالتقيا في المركز الذي هو محط الأثقال.
واضح هذا. كونك الآن تتصور أن الأرض تحتك وهو يتصور هذا، لا غرابة فيه، كما أن النملة الآن حينما تمشي على السطح الآن. الآن السطح فوقها، وهي تتصوره تحتها، تمشي عليه على رجليها وتحتها وهو فوقها، فمحط الأثقال القرار في الأرض السابعة السفلى هذا هو المحط.
يقول ابن القيم -رحمه الله-: إن المسافة من العرش إلى القرار الذي هو محط الأثقال مسافة خمسين ألف سنة، وعلى هذا فتكون آية السجدة، وآية المعارج، كلها في يوم واحد، واختار ابن القيم هذا اليوم الثاني، قال: هذا هو القول الذي أختاره، وإن كان الأول اختاره الفطاحل من العلماء، لكن أنا اختار هذا القول، ثم قال ذلك في آخر القصيدة قال: "أن هذا القول الآن يعني لم ينضج عندي، وعندي فيه شك، وأعوذ بالله من القول على الله بغير علم".
هذا قاله في آخر القصيدة. في الأول قال: عندي أنهما يومان، ثم بعد ذلك من شدة ورعه -رحمه الله ورضي عنه- قال: "إن هذا القول الثاني يعني: عندي فيه شك لم ينضج بعد، وأعوذ بالله من القول على الله بغير علم" والله أعلم بمراده.
لكن فعلى هذا يكون هما قولان: قول أنهما اليوم الأول في الدنيا والثاني في الآخرة. والقول الثاني أنهما يومان، أن اليومين كلاهما في الدنيا. هذا بالنسبة من السماء إلى الأرض صعود وهبوط، وآية المعارج من العرش إلى قرار الأرض السابعة.
وهناك قول ثالث أيضًا: ذكره الحافظ ابن كثير، وهو أن المراد عمر الدنيا كله. فعمر الدنيا كلها خمسين ألف سنة.
وهناك قول رابع: وهو أن المراد بالخمسين ألف سنة اليوم الفاصل بين الدنيا والآخرة، فذكر الحافظ ابن كثير في الجمع بين الاثنين بأربعة أقوال:
القول الأول: أن اليوم الأول في الدنيا، والثاني في الآخرة. والقول الثاني أنهما يومان في الدنيا، والأول المسافة من السماء إلى الأرض، والثاني المسافة من العرش إلى القرار.
والقول الثالث: أنهما عمر الدنيا مقداره خمسين ألف سنة.
والقول الرابع أنه اليوم الفاصل بين الدنيا والآخرة، لكن هذين القولين الأخيرين فيهما ضعف، والراجح القولان، وأرجح القولين الذي اختاره المحققون هو الذي تبين أن اليوم الأول الذي في سورة التنزيل، هذا في الدنيا، واليوم الذي مقداره خمسين ألف سنة، هذا في الآخرة.
هذا هو الراجح، وهذا هو الصواب. أصوب الأقوال الأربعة هو هذا. وكان الإمام أحمد -رحمه الله- أشار إلى هذا قال: "لو ولي حساب الخلائق غير الله لكان مقدار خمسين ألف سنة"
فهذا هو الصواب الذي تدل عليه النصوص، والذي هو ظاهر الأدلة أن اليوم الأول في: )فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (هذا في الدنيا هبوط وصعود، هبوط خمسمائة، وصعود خمسمائة، وأما اليوم الذي في سورة المعارج: )تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (فالمراد به يوم القيامة بدليل سياق الآيات: )إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا) (وَنَرَاهُ قَرِيبًا (.
وبدليل تعذيب مانع الزكاة، وأنه يعذب في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة. ولعلنا نقف هنا، وفقنا الله جميعًا لطاعته، ونجعل بقية الوقت للأسئلة إن كان هناك أسئلة. أحسن الله إليكم.
س: هذا سائل يقول: هل التنشئة يوم القيامة للأجساد هي تنشئة ذوات لا صفات أو العكس؟ جزاكم الله خيرًا.
ج: سبق الكلام على هذا، وأن الله -تعالى- يعيد الذرات التي استحالت، والتبديل تبديل الصفات، ينشئ الصفات والذوات هي هي، يعيدها الله. يعيد الله -تعالى- الذرات التي استحالت، ويركب من عدم، من عجب الذنب، وينشئ تنشئة أخرى قوية، والتبديل تبديل صفات لا تبديل ذوات. نعم.
أحسن الله إليك.
تعليق