الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّد المرسلين، نبيّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أمّا بعد، فإنَّ الله عز وجل جعل العلماء ورثة الأنبياء، وجعلهم نجومًا يُهتدى بهم في الظلماء، ومعالم يُقتدى بهم في البيداء، أقامهم تعالى حماة للدين، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، ولولاهم لطمست معالمه، وانتكست أعلامه، بتلبيس المضلّين، وتدليس الغاوين.
فتح جلَّ وعلا بهم قلوباً غلفاً، وعيوناً عمياً، وآذاناً صمًّا، يُبصِّرون بنور الله أهل العمى، ويَدعون من ضلَّ إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى.
بهم تصلح العباد، وتستقيم البلاد، وتستبين سبل الرشاد، وتحقّق مصالح العباد في المعاش والمعاد.
ولهذا كان من البليَّة العظمى، والرزيَّة الكبرى، موت العلماء، إذ إنَّ ذلك سبب لفساد النظم، وهلاك الأمم، وحلول الظلم، وزوال النعم، واستجلاب النِّقم، فما عمارة العالَم إلاَّ بحياة العلماء، وما خراب العالَم إلاَّ بموت العلماء.
ومن علامات فساد نظام العالَم بسبب موت العالِم قرب الساعة، وظهور الجهل، وانتشار الفتن، قال الله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا﴾ [الرعد 41].
قال عطاء بن أبي رباح: «ذهاب فقهائها وخيار أهلها»، وكذا روي عن وكيع.
قال ابن عبد البر معلِّقاً على هذا الأثر: «وقول عطاء في تأويل الآية حسن جدًّا يلقاه أهل العلم بالقبول». «جامع بيان العلم» (1/155).
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ من أشراط الساعة أن يُرفع العلم، ويثبت الجهل، ويُشرب الخمر، ويظهر الزنا» متفق عليه.
وعن عبد الله بن مسعود وأبي موسى رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ بين يدي الساعة أياماً يرفع فيها العلم، وينزل فيها الجهل، ويكثر فيها الهرْج، والهرْج القتل » متفق عليه.
فأشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى أنَّ سبب ثبوت الجهل وشرب الخمر، وظهور الزنا، وكثرة الهرْج التي هي من علامات الساعة، رفع العلم.
وخصَّ هذه الأمور بالذِّكر؛ لأنَّ الإخلال بها سبب لاختلال نظام العالَم، وفساد مصالح الناس، فالجهل يُخلُّ بالدين، والخمر يخلُّ بالعقل، والزنا يُخلُّ بالنسب، والهرْج يخلُّ بالنفس والمال، ولهذا جاءت الشرائع السماوية بالمحافظة على هذه الضروريات الخمس.
وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم معنى رفع العلم في حديث آخر، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّ الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يُبْقِ عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسُئلوا فأفتوا بغير علم، فضلُّوا وأضلُّوا» متفق عليه.
وعن عوف بن مالك قال: «بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، فنظر في السماء ثم قال: هذا أوان العلم أن يُرفع ، فقال له رجل من الأنصار يُقال له زياد بن لبيد: أيُرفع العلم يا رسول الله وفينا كتاب الله، وقد علَّمناه أبناءنا ونساءنا؟! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن كنتُ لأظنُّك من أفقه أهل المدينة، ثم ذكر ضلالة أهل الكتابين وعندهما ما عندهما من كتاب الله عز وجل، فلقي جُبير بنُ نفير شداد بنَ أوس بالمصلى فحدَّثه بهذا الحديث عن عوف بن مالك، فقال: صدق عوف، ثم قال: وهل تدري ما رفع العلم؟ قال: قلت: لا أدري، قال: ذهاب أوعيته، قال: وهل تدري أي العلم أول ان يرفع؟ قال: قلت: لا أدري، قال: الخشوع في الصلاة، حتى لا تكاد ترى خاشعاً» رواه أحمد (6/26 ـ 27)، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في «المشكاة» (1/81).
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: «قراؤكم علماؤكم يذهبون، ويتّخذ الناس رؤوساً جهَّالاً»، وذكر الحديث. رواه ابن عبد البر في «الجامع» (1/152).
وقال أيضا: «عليكم بالعلم قبل أن يُرفع، ورفعُهُ هلاك العلماء» رواه الدارمي (1/54).
وقال علي رضي الله عنه: «يموت العلم بموت حملته» رواه الخطيب في الفقيه والمتفقه (1/49 ـ 50)، وحسنه.
وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: «ما لي أرى علماءَكم يذهبون، وجُهَّلَكم لا يتعلَّمون، تعلَّموا قبل أن يُرفع العلم، فإنَّ رفعَ العلم ذهاب العلماء» رواه ابن عبد البر في «الجامع» (1/156).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «هل تدرون ما ذهابُ العلم؟ قلنا: لا، قال: ذهاب العلماء» رواه الدارمي (1/7.
وعنه أنَّه كان يقول: «لا يزال عالم يموت، وأثرٌ بالحقّ يُدرس، حتى يكثر أهل الجهل وقد ذهب أهل العلم فيعملون بالجهل، ويدينون بغير الحقِّ، ويضلُّون عن سواء السبيل» ذكره ابن عبد البر في «الجامع» (1/155).
وعن أبي وائل قال: قال حذيفة: «أتدري كيف ينقص العلم؟ قال: قلت: كما ينقص الثوب، كما ينقص الدرهم، قال: لا، وإنَّ ذلك لمِنْهُ قبض العلم قبض العلماء» رواه الدارمي (1/7.
وعن ابن شهاب الزهري قال: «بلغنا عن رجال من أهل العلم، قالوا: الاعتصام بالسنن نجاة، والعلم يُقبض قبضاً سريعاً، فنعش العلم ثبات الدِّين والدنيا، وذهاب ذلك كله في ذهاب العلم» رواه الدارمي (1/7.
ولهذا، ما نراه اليوم من الفتن ما ظهر منها وما بطن إلا أثر من آثار موت العلماء وغيابهم، فنسأل الله العظيم أن يحفظ لنا بقيتهم، ويفسح لهم في أعمارهم، ويبارك لهم في جهودهم، وينفعنا بعلومهم، آمين، والحمد لله رب العالمين.
المصدرقضايا تربوية - مجلة الإصلاح
أمّا بعد، فإنَّ الله عز وجل جعل العلماء ورثة الأنبياء، وجعلهم نجومًا يُهتدى بهم في الظلماء، ومعالم يُقتدى بهم في البيداء، أقامهم تعالى حماة للدين، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، ولولاهم لطمست معالمه، وانتكست أعلامه، بتلبيس المضلّين، وتدليس الغاوين.
فتح جلَّ وعلا بهم قلوباً غلفاً، وعيوناً عمياً، وآذاناً صمًّا، يُبصِّرون بنور الله أهل العمى، ويَدعون من ضلَّ إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى.
بهم تصلح العباد، وتستقيم البلاد، وتستبين سبل الرشاد، وتحقّق مصالح العباد في المعاش والمعاد.
ولهذا كان من البليَّة العظمى، والرزيَّة الكبرى، موت العلماء، إذ إنَّ ذلك سبب لفساد النظم، وهلاك الأمم، وحلول الظلم، وزوال النعم، واستجلاب النِّقم، فما عمارة العالَم إلاَّ بحياة العلماء، وما خراب العالَم إلاَّ بموت العلماء.
تعلَّم ما الرزيَّة فَقْدُ مالٍ ولا شاةٌ تموت ولا بعيرُ ولكن الرزيَّةُ فَقْدُ حُرٍّ يموت بموته بشرٌ كثيرُ
ومن علامات فساد نظام العالَم بسبب موت العالِم قرب الساعة، وظهور الجهل، وانتشار الفتن، قال الله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا﴾ [الرعد 41].
قال عطاء بن أبي رباح: «ذهاب فقهائها وخيار أهلها»، وكذا روي عن وكيع.
قال ابن عبد البر معلِّقاً على هذا الأثر: «وقول عطاء في تأويل الآية حسن جدًّا يلقاه أهل العلم بالقبول». «جامع بيان العلم» (1/155).
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ من أشراط الساعة أن يُرفع العلم، ويثبت الجهل، ويُشرب الخمر، ويظهر الزنا» متفق عليه.
وعن عبد الله بن مسعود وأبي موسى رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ بين يدي الساعة أياماً يرفع فيها العلم، وينزل فيها الجهل، ويكثر فيها الهرْج، والهرْج القتل » متفق عليه.
فأشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى أنَّ سبب ثبوت الجهل وشرب الخمر، وظهور الزنا، وكثرة الهرْج التي هي من علامات الساعة، رفع العلم.
وخصَّ هذه الأمور بالذِّكر؛ لأنَّ الإخلال بها سبب لاختلال نظام العالَم، وفساد مصالح الناس، فالجهل يُخلُّ بالدين، والخمر يخلُّ بالعقل، والزنا يُخلُّ بالنسب، والهرْج يخلُّ بالنفس والمال، ولهذا جاءت الشرائع السماوية بالمحافظة على هذه الضروريات الخمس.
وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم معنى رفع العلم في حديث آخر، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّ الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يُبْقِ عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسُئلوا فأفتوا بغير علم، فضلُّوا وأضلُّوا» متفق عليه.
وعن عوف بن مالك قال: «بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، فنظر في السماء ثم قال: هذا أوان العلم أن يُرفع ، فقال له رجل من الأنصار يُقال له زياد بن لبيد: أيُرفع العلم يا رسول الله وفينا كتاب الله، وقد علَّمناه أبناءنا ونساءنا؟! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن كنتُ لأظنُّك من أفقه أهل المدينة، ثم ذكر ضلالة أهل الكتابين وعندهما ما عندهما من كتاب الله عز وجل، فلقي جُبير بنُ نفير شداد بنَ أوس بالمصلى فحدَّثه بهذا الحديث عن عوف بن مالك، فقال: صدق عوف، ثم قال: وهل تدري ما رفع العلم؟ قال: قلت: لا أدري، قال: ذهاب أوعيته، قال: وهل تدري أي العلم أول ان يرفع؟ قال: قلت: لا أدري، قال: الخشوع في الصلاة، حتى لا تكاد ترى خاشعاً» رواه أحمد (6/26 ـ 27)، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في «المشكاة» (1/81).
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: «قراؤكم علماؤكم يذهبون، ويتّخذ الناس رؤوساً جهَّالاً»، وذكر الحديث. رواه ابن عبد البر في «الجامع» (1/152).
وقال أيضا: «عليكم بالعلم قبل أن يُرفع، ورفعُهُ هلاك العلماء» رواه الدارمي (1/54).
وقال علي رضي الله عنه: «يموت العلم بموت حملته» رواه الخطيب في الفقيه والمتفقه (1/49 ـ 50)، وحسنه.
وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: «ما لي أرى علماءَكم يذهبون، وجُهَّلَكم لا يتعلَّمون، تعلَّموا قبل أن يُرفع العلم، فإنَّ رفعَ العلم ذهاب العلماء» رواه ابن عبد البر في «الجامع» (1/156).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «هل تدرون ما ذهابُ العلم؟ قلنا: لا، قال: ذهاب العلماء» رواه الدارمي (1/7.
وعنه أنَّه كان يقول: «لا يزال عالم يموت، وأثرٌ بالحقّ يُدرس، حتى يكثر أهل الجهل وقد ذهب أهل العلم فيعملون بالجهل، ويدينون بغير الحقِّ، ويضلُّون عن سواء السبيل» ذكره ابن عبد البر في «الجامع» (1/155).
وعن أبي وائل قال: قال حذيفة: «أتدري كيف ينقص العلم؟ قال: قلت: كما ينقص الثوب، كما ينقص الدرهم، قال: لا، وإنَّ ذلك لمِنْهُ قبض العلم قبض العلماء» رواه الدارمي (1/7.
وعن ابن شهاب الزهري قال: «بلغنا عن رجال من أهل العلم، قالوا: الاعتصام بالسنن نجاة، والعلم يُقبض قبضاً سريعاً، فنعش العلم ثبات الدِّين والدنيا، وذهاب ذلك كله في ذهاب العلم» رواه الدارمي (1/7.
ولهذا، ما نراه اليوم من الفتن ما ظهر منها وما بطن إلا أثر من آثار موت العلماء وغيابهم، فنسأل الله العظيم أن يحفظ لنا بقيتهم، ويفسح لهم في أعمارهم، ويبارك لهم في جهودهم، وينفعنا بعلومهم، آمين، والحمد لله رب العالمين.
المصدرقضايا تربوية - مجلة الإصلاح