بسم الله الرحمان الرحيم
قال الشيخ العلاّمة عبد الرحمان بن ناصر السعدي رحمه الله
قال الشيخ العلاّمة عبد الرحمان بن ناصر السعدي رحمه الله
النّصيحة :
أخبر النبي صلى الله عليه و سلم أن الدّين النّصيحة، كررها ثلاثا، و فسّرها بأنّها النّصيحة لله و لكتابه و لرسوله و لأئمة المسلمين و عامّتهم (1).
و أخبر تعالى أن النصيحة طريقة أنبيائه و أصفيائه، و أخبر أنّ الحرج منفيّ عمّن نصح لله و لرسوله
فالنّصيحة لله: هي القيام التّام بحقوقه علما و عملا، و دعوة و تنفيذا.
و النّصيحة لكتابه : الإجتهاد في معرفة ألفاظه و معانيه، و العمل به و الدعوة لذلك.
و النّصيحة لرسوله : الإيمان به و محبّته و اتّباعه، و نصر سنته، و تقيدم هديه على هدي كل أحد، و الإجتهاد في كلّ ما يحبّه.
و النّصيحة لأئمّة المسلمين و عامّتهم : أن يحبّ لهم الخير و يكره لهم الشرّ، و يسعى في ذلك بحسب مقدوره، فيعلِّم جاهلهم، و يرشد منحرفهم، و يُذكّر غافلهم، و يعظ معرضهم و معارضهم، و يدعوا إلى سبيل ربّه بالحكمة و الموعظة الحسنة و المجادلة بالّتي هي أحسن، و يسلك كلَّ طريق فيه الصلاح لإخوانه المسلمين، و يسعى في تأليف ذات بينهم، و في إرشادهم على إختلاف طبقاتهم لمصالح دينهم و دنياهم، كلُّ أحد على حسب حاله.
و للنّصيحة فوائد عظيمة :
منها : أنّ الدّين لا يتمُّ إلاّ بها، بل هي الدّين كما ذكره صلى الله عليه و سلم.
و منها : أن الناصح لله و لرسوله و لكتابه و للخلق نفسُ عملِ قلبه هذا و استعداده و تهيئته للنّصيحة من اكبر الاعمال المقرّبة الى رب العالمين، فما تقرّب أحد الى الله بمثل توطين النّفس على النّصيحة الشّرعيّة المذكورة، فالنّاصح في عبادة مستمرّة إن قام أو قعد، أو عمل، أو ترك العمل.
و منها : أنّ من عجز عن العمل الدّيني إذا كان ناصحًا لله و لرسوله، ناويًا الخير إذا تيسَّر له، فإنّه لا حرج عليه، و يشارك العاملين في عملهم، فإنما الأعمال بالنيّات.
و منها : أنّ الله يُيَسِّرُ للنّاصح الصّادق أمورا لا تخطر له على بال، و أنّ السّاعي في نفع المسلمين إذا كان قصده النّصيحة فإنّه يفلح و ينجح، فإن تم ما سعى له فعلا و هو الغالب و إلا تم أجره، فمن عجز عن بعض عمل قد شرع فيه تمم له ذلك العمل قال تعالى : (( و مَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهاجِرًا إلى اللهِ و رَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ المَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أجْرُهُ على الله )) [ النّساء : 100 ]
و منها : السّلامة من الغشّ، فإنّ من غشَّ المسلمين في دينهم و دنياهم فليس منهم، و الغِشّ من أشنع الخصال القبيحة في حقّ القريب و البعيد، و المخالف و الموافق.
فهذا القرآن العظيم يدعوا إلى هذا الخُلُق الّذي هو أفضل الأخلاق، و هو النّصيحة التّي أسّس عليها دين الإسلام، و قام عليها بنيانه، و بان بها فضله على كلِّ شيئ، فإنّ النُّصح لكلّ أحد محمود شرعا و عقلا و فطرة، و ضدُّه قبيح شرعًا و عقلاً و فطرةً.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) : كما في حديث تميم بن أوس الدّاري رضي الله عنه المُخَرَّج في (( صحيح مسلم )) ( رقم : 55 )
المرجع : كتاب : (( فتح الرّحيم الملك العلاّم في علم العقائد و التوحيد و الاخلاق و الأحكام المستنبطة من القرآن )) للشيخ العلاّمة (( عبد الرحمان بن عبد الله بن ناصر السّعدي رحمه الله ))