الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :
قال مسلم في صحيحه 7572- [37-2979] حَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ ، أَخْبَرَنِي أَبُو هَانِئٍ ، سَمِعَ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيَّ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَسَأَلَهُ رَجُلٌ ، فَقَالَ : أَلَسْنَا مِنْ فُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ ؟ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللهِ : أَلَكَ امْرَأَةٌ تَأْوِي إِلَيْهَا ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : أَلَكَ مَسْكَنٌ تَسْكُنُهُ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : فَأَنْتَ مِنَ الأَغْنِيَاءِ ، قَالَ : فَإِنَّ لِي خَادِمًا ، قَالَ : فَأَنْتَ مِنَ الْمُلُوكِ.
[...] قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ : وَجَاءَ ثَلاَثَةُ نَفَرٍ إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، وَأَنَا عِنْدَهُ ، فَقَالُوا : يَا أَبَا مُحَمَّدٍ إِنَّا ، وَاللَّهِ مَا نَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ ، لاَ نَفَقَةٍ ، وَلاَ دَابَّةٍ ، وَلاَ مَتَاعٍ ، فَقَالَ لَهُمْ : مَا شِئْتُمْ ، إِنْ شِئْتُمْ رَجَعْتُمْ إِلَيْنَا فَأَعْطَيْنَاكُمْ مَا يَسَّرَ اللَّهُ لَكُمْ ، وَإِنْ شِئْتُمْ ذَكَرْنَا أَمْرَكُمْ لِلسُّلْطَانِ ، وَإِنْ شِئْتُمْ صَبَرْتُمْ ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ : إِنَّ فُقَرَاءَ الْمُهَاجِرِينَ يَسْبِقُونَ الأَغْنِيَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى الْجَنَّةِ ، بِأَرْبَعِينَ خَرِيفًا.
قَالُوا : فَإِنَّا نَصْبِرُ ، لاَ نَسْأَلُ شَيْئًا.
أقول : الأغنياء هنا فضلاء أيضاً ، غير أن الفقراء فضلوهم بعظم البلاء ، فدخلوا قبلهم بأربعين عاماً والأربعون عاماً عمرٌ وافٍ
فإذا كان هذا الفرق بين الأغنياء وفقراء المهاجرين
فكم من السنين بين صاحب السنة وصاحب البدعة من أهل التوحيد ؟
وكم من السنين بين من أنفق وقته في طلب العلم صابراً محتسباً ، وبين المسرف في المباحات ؟
وقد قال الله عز وجل : (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ )
وكم من السنين بين من أدى الفرائض وحافظ على النوافل والرواتب وبين من اقتصر على الفرائض على عرج وتقصير ؟
وكم من السنين بين من لم يزل لسانه رطباً من ذكر الله ، وبين من لا يذكر الله إلا قليلاً ؟
وكم من السنين بين من اعتنى بكتاب الله وله ورده منه في كل يوم ، واعتنى بالتفقه فيه و بين من هجر كتاب الله عز وجل فلا يقرأه إلا في شهر رمضان ولا يعنى بشيء من التفقه فيه ؟
وكم من السنين بين من غض بصره وحفظ لسانه من الخوض في أعراض الناس بالباطل ، ومن أطلق بصره ولسانه بالمحرمات ؟
ومن تلوث بالقاذورات ليس له في مسابقة الأولياء نصيب ، إلا بعد أن يعلم هل ينفذ فيه الوعيد فيعذب على قدر ذنوبه ، أو تدركه رحمة الله عز وجل التي وسعت كل شيء فيسلم
ولا تستهن أخي وفقك الله بعذاب الله عز وجل
قال مسلم في صحيحه 55 - ( 2807 ) حدثنا عمرو الناقد حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن أنس بن مالك قال
: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة فيصبغ في النار صبغة ثم يقال يا ابن آدم هل رأيت خيرا قط ؟ هل مر بك نعيم قط ؟ فيقول لا والله يا رب ويؤتى بأشد الناس بؤسا في الدنيا من أهل الجنة فيصبغ صبغة في الجنة فيقال له يا ابن آدم هل رأيت بؤسا قط ؟ هل مر بك شدة قط ؟ فيقول لا والله يا رب ما مر بي بؤس قط ولا رأيت شدة قط
ولو ذهبت أستقصي ما ورد في شأن عذاب الآخرة لطال بي المقام والمراد هنا الإشارة
والمراد قوله هنا أن الغنى ليس معصيةً ، ولا تفريطاً في واجب أو مستحب ، ومع ذلك كان سبباً في تأخر دخول الجنة لبعض أهل الفضل في مقابلة الفقراء الذين صبروا على البلاء بأربعين عاماً ، فكيف بالعصاة في مقابلة الطائعين السابقين بالخيرات ؟
والناس اليوم يتحاسدون على متاعٍ زائل ولذات شابها من الكدر ما شابها ويتنافسون فيها كالسكرى ، ولو تنافسوا في بعض ما ذكرت ومثلت به لكان أحمد لهم في الأولى والآخرة ، إذ ليس الدائم كالزائل ، وليس الصافي كالكدر
قال ابن القيم في إغاثة اللهفان (1/3 :" فإن صاحب الدنيا كلما اطمأن منها إلى سرور أشخصته إلى مكروه وصل الرخاء منها بالبلاء وجعل البقاء فيها إلى فناء سرورها مشوب بالحزن أمانيها كاذبة وآمالها باطلة وصفوها كدر وعيشها نكد فلو كان ربنا لم يخبر عنها خبرا ولم يضرب لها مثلا لكانت قد أيقظت النائم ونبهت الغافل فكيف وقد جاء من الله فيها واعظ وعنها زاجر فمالها عند الله قدر ولا وزن ولا نظر إليها منذ خلقها ولقد عرضت على نبينا بمفاتيحها وخزائنها لا ينقصها عند الله جناح بعوضة فأبى أن يقبلها كره أن يحب ما أبغض خالقه أو يرفع ما وضع مليكه فزواها عن الصالحين اختيارا وبسطها لاعدائه اغترارا فيظن المغرور بها المقتدر عليها أنه أكرم بها ونسى ما صنع الله عز و جل برسوله حين شد الحجر على بطنه وقال الحسن أيضا : إن قوما أكرموا الدنيا فصلبتهم على الخشب فأهينوها فأهنأ ما تكون إذا أهنتموها"
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم
أما بعد :
قال مسلم في صحيحه 7572- [37-2979] حَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ ، أَخْبَرَنِي أَبُو هَانِئٍ ، سَمِعَ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيَّ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَسَأَلَهُ رَجُلٌ ، فَقَالَ : أَلَسْنَا مِنْ فُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ ؟ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللهِ : أَلَكَ امْرَأَةٌ تَأْوِي إِلَيْهَا ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : أَلَكَ مَسْكَنٌ تَسْكُنُهُ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : فَأَنْتَ مِنَ الأَغْنِيَاءِ ، قَالَ : فَإِنَّ لِي خَادِمًا ، قَالَ : فَأَنْتَ مِنَ الْمُلُوكِ.
[...] قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ : وَجَاءَ ثَلاَثَةُ نَفَرٍ إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، وَأَنَا عِنْدَهُ ، فَقَالُوا : يَا أَبَا مُحَمَّدٍ إِنَّا ، وَاللَّهِ مَا نَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ ، لاَ نَفَقَةٍ ، وَلاَ دَابَّةٍ ، وَلاَ مَتَاعٍ ، فَقَالَ لَهُمْ : مَا شِئْتُمْ ، إِنْ شِئْتُمْ رَجَعْتُمْ إِلَيْنَا فَأَعْطَيْنَاكُمْ مَا يَسَّرَ اللَّهُ لَكُمْ ، وَإِنْ شِئْتُمْ ذَكَرْنَا أَمْرَكُمْ لِلسُّلْطَانِ ، وَإِنْ شِئْتُمْ صَبَرْتُمْ ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ : إِنَّ فُقَرَاءَ الْمُهَاجِرِينَ يَسْبِقُونَ الأَغْنِيَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى الْجَنَّةِ ، بِأَرْبَعِينَ خَرِيفًا.
قَالُوا : فَإِنَّا نَصْبِرُ ، لاَ نَسْأَلُ شَيْئًا.
أقول : الأغنياء هنا فضلاء أيضاً ، غير أن الفقراء فضلوهم بعظم البلاء ، فدخلوا قبلهم بأربعين عاماً والأربعون عاماً عمرٌ وافٍ
فإذا كان هذا الفرق بين الأغنياء وفقراء المهاجرين
فكم من السنين بين صاحب السنة وصاحب البدعة من أهل التوحيد ؟
وكم من السنين بين من أنفق وقته في طلب العلم صابراً محتسباً ، وبين المسرف في المباحات ؟
وقد قال الله عز وجل : (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ )
وكم من السنين بين من أدى الفرائض وحافظ على النوافل والرواتب وبين من اقتصر على الفرائض على عرج وتقصير ؟
وكم من السنين بين من لم يزل لسانه رطباً من ذكر الله ، وبين من لا يذكر الله إلا قليلاً ؟
وكم من السنين بين من اعتنى بكتاب الله وله ورده منه في كل يوم ، واعتنى بالتفقه فيه و بين من هجر كتاب الله عز وجل فلا يقرأه إلا في شهر رمضان ولا يعنى بشيء من التفقه فيه ؟
وكم من السنين بين من غض بصره وحفظ لسانه من الخوض في أعراض الناس بالباطل ، ومن أطلق بصره ولسانه بالمحرمات ؟
ومن تلوث بالقاذورات ليس له في مسابقة الأولياء نصيب ، إلا بعد أن يعلم هل ينفذ فيه الوعيد فيعذب على قدر ذنوبه ، أو تدركه رحمة الله عز وجل التي وسعت كل شيء فيسلم
ولا تستهن أخي وفقك الله بعذاب الله عز وجل
قال مسلم في صحيحه 55 - ( 2807 ) حدثنا عمرو الناقد حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن أنس بن مالك قال
: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة فيصبغ في النار صبغة ثم يقال يا ابن آدم هل رأيت خيرا قط ؟ هل مر بك نعيم قط ؟ فيقول لا والله يا رب ويؤتى بأشد الناس بؤسا في الدنيا من أهل الجنة فيصبغ صبغة في الجنة فيقال له يا ابن آدم هل رأيت بؤسا قط ؟ هل مر بك شدة قط ؟ فيقول لا والله يا رب ما مر بي بؤس قط ولا رأيت شدة قط
ولو ذهبت أستقصي ما ورد في شأن عذاب الآخرة لطال بي المقام والمراد هنا الإشارة
والمراد قوله هنا أن الغنى ليس معصيةً ، ولا تفريطاً في واجب أو مستحب ، ومع ذلك كان سبباً في تأخر دخول الجنة لبعض أهل الفضل في مقابلة الفقراء الذين صبروا على البلاء بأربعين عاماً ، فكيف بالعصاة في مقابلة الطائعين السابقين بالخيرات ؟
والناس اليوم يتحاسدون على متاعٍ زائل ولذات شابها من الكدر ما شابها ويتنافسون فيها كالسكرى ، ولو تنافسوا في بعض ما ذكرت ومثلت به لكان أحمد لهم في الأولى والآخرة ، إذ ليس الدائم كالزائل ، وليس الصافي كالكدر
قال ابن القيم في إغاثة اللهفان (1/3 :" فإن صاحب الدنيا كلما اطمأن منها إلى سرور أشخصته إلى مكروه وصل الرخاء منها بالبلاء وجعل البقاء فيها إلى فناء سرورها مشوب بالحزن أمانيها كاذبة وآمالها باطلة وصفوها كدر وعيشها نكد فلو كان ربنا لم يخبر عنها خبرا ولم يضرب لها مثلا لكانت قد أيقظت النائم ونبهت الغافل فكيف وقد جاء من الله فيها واعظ وعنها زاجر فمالها عند الله قدر ولا وزن ولا نظر إليها منذ خلقها ولقد عرضت على نبينا بمفاتيحها وخزائنها لا ينقصها عند الله جناح بعوضة فأبى أن يقبلها كره أن يحب ما أبغض خالقه أو يرفع ما وضع مليكه فزواها عن الصالحين اختيارا وبسطها لاعدائه اغترارا فيظن المغرور بها المقتدر عليها أنه أكرم بها ونسى ما صنع الله عز و جل برسوله حين شد الحجر على بطنه وقال الحسن أيضا : إن قوما أكرموا الدنيا فصلبتهم على الخشب فأهينوها فأهنأ ما تكون إذا أهنتموها"
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم