بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الكريم، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فقد وقفت على حديث عظيم ، ويزداد عظمته للمعاني المُشتملة عليه، والتي للأسف أكثر الناس عنها غافلون، ومع كلام لطيف للشيخ الفاضل عبد الرزاق بن عبد المحسن العباد وأصلها خطبة جمعة. أسأل الله أن ينفعنا بها.
نص الحديث : قال النبي –صلى الله عليه وسلم- ( نَضَّرَ اللَّهُ عَبْدًا سَمِعَ مَقَالَتِي هَذِهِ فَحَمَلَهَا فَرُبَّ حَامِلِ الْفِقْهِ فِيهِ غَيْرُ فَقِيهٍ وَرُبَّ حَامِلِ الْفِقْهِ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ ثَلَاثٌ لَا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ صَدْرُ مُسْلِمٍ إِخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمُنَاصَحَةُ أُولِي الْأَمْرِ وَلُزُومُ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ ) وقال [ َمَنْ كَانَ همُّهُ الآخِرَةَ ، جَمَعَ الله شَمْلَهُ ، وَجَعَلَ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ ، وَمَنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ الدُّنْيَا، فَرَّقَ اللهُ عَليهِ ضَيْعَته ، وَجَعَلَ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ مَا كُتِبَ لَهُ.]
رواه عدد من الصحابة ك :عبد الله بن مسعود، وأنس بن مالك، وجبير بن مطعم، وزيد بن ثابت وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين.
و الحديث صحيح كما قال :
العلامة أحمد شاكر كما في مسند أحمد:(4/162 رقم 4157)،و (11/155 رقم 13283)،(13/144 رقم 16699)، و(16/32 رقم 21482) .
والعلامة الألباني كما في : السلسلة الصحيحة (رقم:404)،صحيح ابن ماجة (رقم:249، وتخريج المشكاة (223)، وصحيح الجامع (6766).
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 689 :
أخرجه أحمد ( 5 / 183 ) و اللفظ له و الدارمي ( 1 / 75 ) و ابن حبان ( 72 ، 73- موارد ) و ابن عبد البر في " الجامع " ( 1 / 38 - 39 ) عن شعبة حدثنا عمرابن سليمان من ولد عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن عبد الرحمن بن أبان بن عثمان عن أبيه . أن زيد بن ثابت خرج من عند مروان نحوا من نصف النهار ، فقلنا : ما بعث إليه الساعة إلا لشيء سأله عنه ، فقمت إليه فسألته فقال : أجل سألنا عنأشياء سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ، فذكره .
و هذا سند صحيح رجاله كلهم ثقات ، و روى ابن ماجه ( 2 / 524 - 525 ) الشطر الأخير منه من هذا الوجه ، و قال البوصيري في " الزوائد " ( 252 / 1 ) :" هذا إسناد صحيح ، رجاله ثقات ، رواه أبو داود الطيالسي عن شعبة بنحوه ،و رواه الطبراني بإسناد لا بأس به " .
تأملات في حديث ((نَضَّـرَ اللَّهُ امْـرَأً))
خطبة جمعة بتاريخ / 25-3-1425 هـ
الحمد لله الذي أتم لنا النعمة ، وجعل أمتنا أمّة الإسلام خير أمة ، هدى من شاء من عباده إلى دينه القويم ، وأكرم من أكرم منهم بلزوم صراطه المستقيم ، له جلّ وعلا الحمد أولاً وآخِرا ، وله الشكر ظاهراً وباطنا ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، بلَّغ الرسالة وأدّى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين ، وما ترك خيراً إلا دل الأمة عليه ولا شراً إلا حذرها منه ؛ فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين .
أما بعد معاشر المؤمنين : أوصيكم ونفسي بتقوى الله ، فإن من اتقى الله وقاه ، وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه.
ثم اعلموا - رعاكم الله - أن خير ما صُرفت فيه الأوقات وأمضيت فيه الأنفاس طلب العلم وتحصيله والعناية به ، والتفقه في دين الله ، ومعرفة العبد بما خلقه الله تبارك وتعالى لأجله ، والعناية - عباد الله - بسنة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم سماعاً وفهما ، حفظاً ومذاكرة ، عملاً وتطبيقا .
عباد الله : ولقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في سنن الترمذي وغيره من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا وَحَفِظَهَا وَبَلَّغَهَا ، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ ، ثَلَاثٌ لَا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ : إِخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ ، وَمُنَاصَحَةُ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ ، وَلُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ ، فَإِنَّ الدَّعْوَةَ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ )) .
عباد الله : وهذا الحديث رواه غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم تبلغ عدتهم نحواً من عشرين صحابيا ، وقد عدَّه غير واحد من أهل العلم في جملة الأحاديث المتواترة عن النبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه .
عباد الله : وتأملوا ملياً هذا الحديث العظيم ، تأملوا - عباد الله - هذه الدعوة المباركة الميمونة التي دعا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن حفظ حديثه - عليه السلام - فوعاه وفهمه وأداه كما حفظه وفهمه ، دعوة ميمونة من الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، فإذا أردت أيها المؤمن أن تفوز بدعوة خير البشر صلى الله عليه وسلم وأنت تعيش في القرن الرابع عشر فعليك بهذا الحديث ونظائره مما هو مشتمل على دعواتٍ مستجابات لخير خلق الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم .
أيها المؤمن : ألست تطمع أن ينضِّر الله لك وجهك ؟ ألست تطمع أيها المؤمن أن تكون ممن تصيبهم هذه الدعوة الكريمة من رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله : ((نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِي )) ؟ ومعنى نضَّره الله : أي كسا وجهه بالنُّضرة والحسن والبهاء ، حسناً في ظاهره وحسنا في باطنه ؛ أما باطنه فقد زان وحسن بالسنة ولزومها وحفظها والمحافظة عليها والتذَّ قلبه بذلك وأنِس غاية الأنس بهذا الأمر العظيم ، وأما جماله في باطنه فإنه أثر مبارك من آثار استجابته لسنة نبيه عليه الصلاة والسلام ولزومه لهديه الكريم صلوات الله وسلامه عليه .
ثم تأمل - أيها المؤمن - هذه الكلمات ((نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا وَحَفِظَهَا وَبَلَّغَهَا )) أربع كلمات فعليك بهن ينفعك الله تبارك وتعالى بهن نفعاً عظيما ((سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا وَحَفِظَهَا وَبَلَّغَهَا )) ؛ ولهذا أخذ أهل العلم أن العناية بالسنة لها رتب أربعة دل عليها هذا الحديث العظيم :
أما الرتبة الأولى : فسماع حديث النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ، وهذا يتطلب منك أيها المسلم أن تعطي السنة وقتاً من حياتك لتسمع أحاديث الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام ، ولا يليق بك أن تمر بك الأيام تلو الأيام والشهور تلو الشهور وليس للسنة من وقتك لسماعها والإفادة منها .
والمرتبة الثانية : في قوله عليه الصلاة والسلام : ((فَوَعَاهَا )) ؛ فإذا سمعت الحديث فاحرص على فهمه ، واحرص على أن يعيه قلبك ، وأن تفهم عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قوله .
فإذا سمعت وفهمت فاحفظ ذلك واستذكره دائما وليكن منك على بال. [1]
ثم تأتي الرتبة الرابعة وهي : إبلاغ هذا الخير إلى الغير، ولهذا قال ((وَبَلَّغَهَا )) ، فتحفظ سنته وتعيها وتحافظ عليها وتبلّغها لعباد الله فتفوز بهذه الدّعوة المباركة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
أخي المسلم : لا تقل إن أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم كثيرة ولا سبيل لي إلى حفظها ، ولا سبيل لي إلى العناية بها فإن هذا من تخذيل الشيطان ، وإنما الواجب عليك أن تتقي الله ما استطعت ، احفظ حديثا أو حديثين أو ثلاثة أو زد إلى عشرة أو زد على ذلك مجاهداً نفسك على حفظ أحاديث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم والعناية بها وأنت على خير ما دمت على ذلك , وإياك والتفريط والإضاعة .
عباد الله : تأملوا رعاكم الله قول النبي صلى الله عليه وسلم في هذا السياق المبارك (( ثَلَاثٌ لَا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ : إِخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ ، وَمُنَاصَحَةُ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ ، وَلُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ ، فَإِنَّ الدَّعْوَةَ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ )) ؛ تأمل هذه الكلمات الثلاث فإنها - إي والله - من نفائس العلم ودرره ومن جميل التوجيه وبهيِّه وحسَنه من الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، أرشدك في هذا السياق المبارك إلى حفظ السنة والعناية بها ورعايتها ثم دلَّك إلى هذا المقام العظيم بقوله عليه الصلاة والسلام : (( ثَلَاثٌ لَا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ : إِخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ ، وَمُنَاصَحَةُ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ ، وَلُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ )) ؛ فاحفظ هذه الكلمات الثلاث ، احفظها حفظاً جيدا ، وافهمها فهماً حصيفا ، وعليك بالعناية بها علما وعملا وتطبيقا ؛ فإنها من جملة أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم التي دعا صلى الله عليه وسلم لمن حفظها وحافظ عليها وبلغها بالنضرة والحسن والبهاء .
وتأمل رعاك الله قوله صلى الله عليه وسلم : (( ثَلَاثٌ لَا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ )) ؛ وهذا فيه إشارة - عباد الله- أن بعض القلوب قد تستنكف عن هذا الأمر وقد يوجد فيها شيء من الغل عندما تُحدَّث به أو تُدعى إليه أو تناصح بتحقيقه وتطبيقه ، مثل حال بعض الناس إذا قرئِت عليهم بعض الأحاديث المشتملة على السمع والطاعة للأمراء وولاة أمر المسلمين عملاً بهدي النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أصيبوا بقشعريرة من سماع تلك الأحاديث، أليس الذي قال هذه الأحاديث هو رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي جاء بالصلاة وجاء الصيام وجاء بالصدقة ؟ فما بال بعض القلوب إذا سمعت أحاديث السمع والطاعة للأمراء اقشعرت من ذلك واستنكفت من سماع ذلك وتعالت وتكبرت على ذلك !! أليس ذلك نوعاً من الغل الذي حذَّر منه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم (( ثَلَاثٌ لَا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ )) ، ولهذا أيها المؤمن - رعاك الله - احذر أن تكون ممن يغل قلبه على شيء من هذه الخصال الثلاثة التي ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث .
والخصلة الأولى عباد الله : (( إِخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ )) بأن تكون أعمالك كلها لله خالصة ليس لأحد فيها شيء ، إنما تبتغي بأدائها والإتيان بها وجه الله ، والإخلاص عباد الله هو الصفاء والنقاء ؛ فتأتي الأعمال منك صافية نقية ، لا تريد بها سمعة ولا تريد بها رياء ولا تريد بها شيئا من حطام الدنيا وإنما تبتغي بها وجه الله جلّ وعلا والدار الآخرة، والله يقول: ﴿وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا﴾ [الإسراء:١٩] أي مرضياً مقبولاً عند الله جلّ وعلا.
وأما الخصلة الثانية عباد الله : (( مُنَاصَحَةُ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ )) ؛ والنصيحة أمرها معلوم وشأنها مفهوم ، والنصح - عباد الله - يقتضي محبةَ الخير للمنصوح والشفقة عليه ورحمته والإحسان في دلالته على الخير ، وعدم الحقد عليه والحسد ، وأن تدعو له بظهر الغيب بالتوفيق والسداد والصلاح والهداية ، وأن لا تدعو عليه ، وإن الدعوة على ولاة المسلمين نوع من الغل الذي حذر منه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، ولهذا قال غير واحد من أئمة السلف : " لو كانت لي دعوة مستجابة لجعلتها للسلطان ، ومن أمارة السنة في الرجل دعوته لولي الأمر بالتوفيق والصلاح ، ومن أمارة البدعة والهوى فيه دعوته عليه " . فلنحذر عباد الله من ذلك ولنكن ناصحين لأئمتنا وولاة أمورنا بالدعاء لهم بالتوفيق والسداد والصلاح والمعافاة والهداية والرشاد ، وأن ننصح لهم قدر الاستطاعة ، وأن نطيعهم في المعروف ، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق جلّ وعلا .
وأما الخصلة الثالثة عباد الله : فـ(( لُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ )) ؛ لزوم جماعة المسلمين بعدم الافتيات عليهم ، أو الخروج على جماعتهم ، أو رفع السيف في الأمة قتلاً وضربا ، أو الاعتداء على أعراض المسلمين نهباً وتخريباً وإفسادا ؛ فإن ذلك من الخروج على الجماعة ، والواجب على كل مسلم أن يلزم جماعة المسلمين .
وتأمل رعاك الله قول النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث العظيم المبارك: ((فَإِنَّ الدَّعْوَةَ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ )) ؛ فشبَّه عليه الصلاة والسلام أمر المسلمين ودعوتهم بالسور المحيط بالمسلمين ؛ بمعنى أن من لزم الجماعة فإنه داخل هذا السور ، ومن خرج على جماعة المسلمين فإنه يصبح بذلك خارج السور فيكون فريسة للأعداء ونهباً للشيطان ، وقد قال عليه الصلاة والسلام : (( فَإِنَّ الدَّعْوَةَ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ )) فإذا كنت كذلك - عبد الله - لازماً لجماعة المسلمين محافظا عليها فإن دعوتهم وهي الإسلام تحيط بك وتشملك ، وأيضا دعوتهم وهي دعاؤهم لإخوانهم بظهر الغيب تشملهم في مساجدهم وفي صلواتهم وفي عموم أدعيتهم .
لنتأمل - عباد الله - هذا الحديث المبارك مرة تلو الأخرى فإنه عظيم ولاسيما في مثل هذه الأوقات - أوقات الفتن- نسأل الله جلّ وعلا أن يحمينا وإياكم ، وأن يعيذنا وإياكم من الفتن جميعها ما ظهر منها وما بطن ، ونسأله بمنِّه وكرمه أن لا يجعل في قلوبنا غلاً على شيء مما ذكره رسولنا عليه الصلاة والسلام ، وأن يجعل أعمالنا له خالصة ، وأن يوفقنا للنصيحة لولاة أمرنا ، وأن يعيننا على لزوم جماعة المسلمين بمنِّه وكرمه إنه سميع الدعاء وهو أهل الرجاء وهو حسبنا ونعم الوكيل.
الخطبة الثانية :
الحمد لله عظيم الإحسان واسع الفضل والجود والامتنان ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد أيها المؤمنون عباد الله : اتقوا الله تعالى ، فإن تقوى الله جلّ وعلا عزٌّ لصاحبها وفلاحٌ له في الدنيا والآخرة.
عباد الله : إننا ونحن نتأمل هذا الحديث العظيم المبارك عن رسولنا وقدوتنا محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه لنأسف غاية الأسف ونألم غاية الألم لحال بعض شبيبة المسلمين ممن تخطَّفهم الشيطان وأضلَّهم عن سواء السبيل فخرجوا عن جماعة المسلمين ونزعوا اليد من الطاعة ورفعوا السيف وأشهروه على أمة الإسلام ضرباً وقتلاً وتهديماً وتخريبا ، أين هؤلاء البغاة الظلمة من أحاديث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ؟! أين هؤلاء من أحاديثه عليه الصلاة والسلام وتوجيهاته المباركة لأمة الإسلام ؟! توجيهاته التي هي سبيل عزّ المسلمين وتمكينهم وسؤددهم في الدنيا والآخرة .
عباد الله : أليس من الظلم والبغي والعدوان أن يقف أحد هؤلاء في طريق من طرق المسلمين في هذه البلاد المباركة ثم يستوقف دورية للأمن تسعى في رعاية أمر المؤمنين والمحافظة على أمنهم - يستوقف تلك الدورية - وما أن تقف لمساعدته ومد يد العون له إلا ويبادر من فيها بالسلاح فيقتلهم أجمعين ، أين النصيحة لدين الله ؟! أين النصيحة لعباد الله ؟! أين زوال الغش والغل من القلوب ؟! أين هؤلاء من تقوى الله جلّ وعلا ؟! أين هؤلاء من القرآن الكريم ومن أحاديث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ؟! أيُّ دين هذا؟ وأي جهاد هذا ؟ وأي طاعة لله تبارك وتعالى في مثل هذه الأعمال الشنيعة والتصرفات الظالمة الباغية ؟! .
وإنا لنسأل الله جلّ وعلا أن يريح المسلمين من شر هؤلاء ، وأن يطهر بلادهم من رجسهم ، وأن يحفظ على أهل الإيمان أمنهم وإيمانهم وسلامتهم وإسلامهم ، وأن يحفظ علينا ديننا بمنِّه وكرمه إنه سميع مجيب ، وأن يهدي ضال المسلمين إلى الحق ، وأن يبصرهم بدينهم إنه تبارك وتعالى سميع مجيب .
وصلوا - رعاكم الله - على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ [الأحزاب:٥٦] ، وقال صلى الله عليه وسلم : (( مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا))
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد . وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين ، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنا معهم بمنك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين .
اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ، ودمر أعداء الدين ، واحم حوزة الدين يا رب العالمين ، اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين .
اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى ، وأعنه على البر والتقوى ، وسدده في أقواله وأعماله ، وألبسه ثوب الصحة والعافية ، وارزقه البطانة الصالحة الناصحة . اللهم وفق جميع ولاة أمر المسلمين للعمل بكتابك واتباع سنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم ، واجعلهم رأفة ورحمة على عبادك المؤمنين .
اللهم إنا نسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك ، والغنيمة من كل بر والسلامة من كل إثم ، والفوز بالجنة والنجاة من النار . اللهم إنا نسألك من كل خير خزائنه بيدك , ونعوذ بك اللهم من كل شر خزائنه بيدك ، ونسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل ، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل ، وأن تجعل كل قضاءٍ قضيته لنا خيراً يا رب العالمين . اللهم آت نفوسنا تقواها ، زكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها، اللهم أصلح ذات بيننا وألف بين قلوبنا ، واهدنا سبل السلام ، وأخرجنا من الظلمات إلى النور ، وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وأزواجنا وذرياتنا وأموالنا وأوقاتنا ، واجعلنا مباركين أينما كنا ، اللهم اجعلنا شاكرين لنعمك مستعملين لها في طاعتك يا ذا الجلال والإكرام .
اللهم انصر إخواننا المسلمين في كل مكان ، اللهم انصرهم في العراق وفي فلسطين وفي كل مكان , اللهم أيِّدهم بتأييدك ، اللهم ارحم ضعفهم ، واجبر كسرهم ، وأعنهم يا حي يا قيوم ، اللهم وعليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك ، اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك اللهم من شرورهم . ربنا إنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ، ربَّنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .
عباد الله : اذكروا الله يذكركم ، واشكروه على نعمه يزدكم [ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُون] .
[1] تنبيه :لم يذكر الشيخ المرتبة الثالثة باللفظ سهواً، ولعله قصد الثالثة : الحفظ، والله أعلم.
تعليق