براءة السَّلفية من الحزبية
بقلم :
أسرة التحرير لمجلة الإصلاح السَّلفية الجزائرية
صانها الله من كل سوء
بسم الله الرحمن الرحيم
بقلم :
أسرة التحرير لمجلة الإصلاح السَّلفية الجزائرية
صانها الله من كل سوء
بسم الله الرحمن الرحيم
في زمن ما اصطُلِح على تسميته بـ "الرَّبيع العربي" و زَمن التَّحوُّلات السِّياسية الَّتي تشهدها دول عربيَّة إسلامية ، انتعشت الحركات الإسلاميَّة ولملمت جراحاتها مع الأنظمة وهي اليوم تسعى لعقد تحالفات كبرى خارجية وداخليِّة لأجل الوصول إلى سدَّة الحكم وتَسيير دواليبه ، ولمَّا كان من قواعد اللُّعبة الدِّيمقراطية - كما يقال - أنَّ الوسيلة الوحيدة لتحقيق هذا المأرب هي صناديق الانتخاب ، وأنَّه لا سبيل إلى الفوز إلا بجمع أكبر عدد من أصوات النَّاخبين ، صار حُلم هؤلاء الحركيِّين المتحزِّبين (الإسلاميِّين) أن يكسبوا أصوات الناس .
في العملية الإنتخابية ، ويتوقَّعون كما يتوقَّع كثير من المتتبِّعين أنَّ من يقف معه السَّلفيُّون ستَرجَحُ كفَّتُه في الانتخابات.
لذلك صرنا نسمع كثيرًا من الدَّغدغات وعبارات التَّملُّق التي يطلقها رؤوس هؤلاء الحركيِّين يخطبون بها ودَّ السَّلفيين، ويستميلونهم في محاولة لنيل رضاهم وكسب تأييدهم ، ظنًّا منهم أنَّ ذلك وحده كافٍ
لإذابة كلِّ خلاف ، وإزاحة كلِّ اختلاف ، وكأنَّ المخاطبين لقمةٌ سائغةٌ يسهل ابتلاعُها.
فنقول لهؤلاء وأمثالهم : إنَّ الخلاف بين السَّلفيين بحقٍّ وبين غيرهم في المنهج والتَّصوُّر ، وفي طريقة فهم الدِّين وطريقة التَّعامل مع النُّصوص الشَّرعيَّة ، ولو كان الخلاف فرعيًّا أو شكليًّا لهان الخطب وسهل الأمر ، وأمكن التَّجاوز والتَّطاوع.
إنَّ السَّلفيين يسلكون منهجَ الأنبياء - عليهم الصَّلاة والسَّلام - في الإصلاح والدَّعوة إلى الله ، ويجعلون على رأس الألويَّات مسألة تَوحيد الله رب العالمين والسَّعي لإزالة مظاهر الشِّرك ووسائله ، ومحاربة البدع والخرفات
ودفع الشُّبه والإفتراءات بنفي تحريفات الغالين ، وتأويلات المبطلين ، وانتحالات الجاهلين ليحفظ الإسلام من كلِّ شائبة ودخيل.
وإنَّ السَّلفيين لهم شأنٌ آخر إذ يحكُم تصرُّفاتهم الشَّريعَةُ ، فالطاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، ويسمعون ويطيعون لولاة الأمر فيما لا يخالفُ شرعًا ، إذ لا طاعةَ لمخلوق في معصية الخالق ، كما أنَّهم يوالون الصَّالحين ويناصحون المخالفين ، ويدعون إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة ، ولا يبوِّئون أحدًا منزلة لم يبوِّءه الله إيَّاها ، فالمقدَّم عندهم مَن قدَّمه الله وعظَّمه وهُم العلماء الحريصون على فهم مراد الله ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم ، كما فهمه السَّلف رضي الله عنهم ، ويبلِّغونه النَّاسَ ، فلا يصدر السَّلفيُّيون عن رأي في القَضايا الشَّرعية وبخاصة المستَجدَّة منها إلاَّ بعد معرفة رأي العُلماء ، لأنَّهم ورثة الأنبياء وساسَة الأمم ، وسعادة النَّاس وفلاحهم في كلِّ زمان ومكان منوطٌ بالتفافهم حول ميراث النُّبوَّة .
فالسَّلفيون مستَغنون بدعوتهم عن سائر الدَّعوات ، لتمسُّكهم بالطَّريق المستَقيم والسَّنَن القَويم الَّذي سلكه السَّلف الصَّالح ،وهو المنهج الواضح والمتجَر الرَّابح المأمون العَواقب والنتائج ، الَّذي أمَر الله ورسولُه باتباعه ،قال تعالى : " وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ " [ الأنعام 153] ، قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة في " المجموع " (149/4 ) : [ لا عيبَ على مَن أظهر مذهب السَّلف وانتَسب إليه ، واعتزى إليه ، بل يجبُ قبول ذلك منه بالاتِّفاق ، فإن مذهب السَّلف لا يكونُ إلاَّ حقًا ] وعليه ، فالسَّلفيون ليسوا بحاجة إلى الدُّخول في تحالفات سياسيَّة ، ولا الانضواء تحت تكتُّلات حزبيَّة ، ولا ينافسون على مناصبَ وزاريَّة أو مقاعد برلمانيَّة ، وإنَّما هـمُّهم أن يهتَدوا ويهتدي مَن حولهم ، وأن يصلحَ كلُّ فرد في نفسه ، ليصلح معه غيره ومجتمَعه ، وأن ينتَشر العلم الصَّحيح والإيمان بين النَّاس ليعمَّ الخير والأمان ، إذ لا عزَّة إلا بالإيمان ، ولا كرامةَ إلاَّ بالتَّقوى ، وأمَّا تقديس الأولياء والقبور ، وتشييد الأضرحة والقباب والتَّعصُّب للمذهب وآراء الرِّجال ولو صادمت النُّصوص الصَّحيحة الصَّريحة فهذا اسلام محرَّف ودين مزيَّف .
ومن الظُّلم بمكان أن يُنظر إلى السَّلفية على أنَّها حزب أو حركة كسائر الحركات والأحزاب ، لأنَّ السَّلفية ليست تيارًا ، ولا تنظيمًا، ولا هيكلاً إنَّما هي منهجٌ لفهم الإسلام فهمًا سليمًا وتطبيقه تطبيقًا صحيحًا ، وليس لها واضعٌ ولا مؤسِّس ولا منشئٌ ، إنَّما جاء بها مَن جاء بالوحي وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل :" قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا فَعَلَيْكُمْ بِمَا عَرَفْتُمْ مِنْ سُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَعَلَيْكُمْ بِالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا.." الحديث [ أخرجه ابن ماجة (43) ، وأحمد (17142) من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه ، وهو صحيح ]
فالسَّلفية هي الإسلام ، وهي الوحي ، وهي البَيَاض النَّقيُّ الَّذي يمكنُ صبغُه بلون غير البياض ، فلا رسم ولا وصف للسَّلفيين إلاَّ متابعة الرَّسول صلى الله عليه وسلم في العلم والعمل ، وعلى منهج السَّلف الصَّالح - من الصَّحابة والتَّابعين وتابعيهم بإحسَان من أهل القرون المشهود لهم بالخيريَّة - إيمانًا واعتقادًا ، فقهًا وفهمًا ، عبادةً وسلوكًا ، تربيَّةً وتزكيَّةً ، قال صلى الله عليه وسلم :" إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ تَفَرَّقَتْ عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً كُلُّهُمْ فِي النَّارِ إِلَّا مِلَّةً وَاحِدَةً قَالُوا وَمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي " [ أخرجه الترمذي (2525) ].
وإذا اعتَزَّ النَّاس بشعاراتهم وبأحزابهم وانتماءاتهم ، فإنَّ السَّلفيِّين يعتزُّون أشدَّ الاعتزاز بانتسابهم إلى السَّلف الصَّالح ، وإن تآلب المُخالفين والمناوئين لدَعوتهم لا يزيدُهم إلاَّ ثباتًا وتمسُّكًا بما هُم عليه ، وإنَّهم ماضون في طريقهم " لا يَضُرُّهُمْ مَن خَذَلَهُمْ وَلاَ مَنْ خَالَفَهُمْ ، حَتَّى يَأتِيهُمْ أَمْرُ اللهَ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ " فهم يرون أنَّهم يرفعون عَلَم الدِّعاية لدين محمَّد صلى الله عليه وسلم باطنًا بمنهجِهم ، وظاهرًا بمظهرهم الخارجي ، وما أسعَد من عاش مشهِّرًا بدين محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وسنَّته بين النَّاس.
فالسَّلفية ليس لها شكلٌ تتشكَّل فيه ، ولا قالب تنصَهر فيه ، فلا يحيويها حزب ، ولا تعتليها جبهة ، فهي حقٌّ يعلو الجميع ، وبُعْدُها عن الأحزاب والحزبية كبعد المشرق عن المغرب ، لقناعة حمَلَتها من عدم جدوى هذه الوسيلة التي لم تترك جمعًا إلاَّ فرَّقته ولا شملاً إلاَّ شتَّته ، وما أحسنَ تصوير الشَّيخ البشير الإبراهيمي لها بقوله :" إنَّ هذه الأحزاب كالميزاب ، جمع الماء كدرًا ، وفرَّقه هدرًا ، فلا الزُّلال جمع ، ولا الأرضَ نفع " [الآثار (265/ 3)] .
وليس من السَّهل على الأحداث أن تكيِّف السَّلفية بغير كيفيَّتها الَّتي طُبعت عليه وهي السُّنَّة المنافية للبدعة ، والإجتماع المنافي للفرقة ، والموجب للرَّحمة .
نسأل الله أن يجعلنا من أتباع منهج السَّلف ، وأن يوفق جميع المسلمين - حكومات وشعوبًا- في كل مكان للتَّمسُّك بكتابه العَزيز ، وسُنَّة رسُولِه الأمين وتحكيمهما والتَّحاكم إليهما ، والحذَر من كلِّ ما يخالفهما ،إنَّه وليُّ ذلكَ والقَادر عليه.
المصدر : طليعة العدد الثامن والعشرون لمجلة الإصلاح السَّلفية الجزائرية
كتبه نقلاً : الأخ رضوان محمد الجزائري
كتبه نقلاً : الأخ رضوان محمد الجزائري