إعـــــــلان

تقليص
1 من 3 < >

تحميل التطبيق الرسمي لموسوعة الآجري

2 من 3 < >

الإبلاغ عن مشكلة في المنتدى

تساعدنا البلاغات الواردة من الأعضاء على منتدى الآجري في تحديد المشكلات وإصلاحها في حالة توقف شيء ما عن العمل بشكل صحيح.
ونحن نقدّر الوقت الذي تستغرقه لتزويدنا بالمعلومات عبر مراسلتنا على بريد الموقع ajurryadmin@gmail.com
3 من 3 < >

فهرسة جميع الشروح المتوفرة على شبكة الإمام الآجري [مبوبة على حسب الفنون] أدخل يا طالب العلم وانهل من مكتبتك العلمية

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه - وعلى آله ومن ولاه وبعد :

فرغبة منا في تيسير العلم واشاعته بين طلابه سعينا لتوفير جميع المتون وشروحها المهمة لتكوين طلبة العلم ، وقد قطعنا شوطا لابأس به في ذلك ولله الحمد والمنة وحده ، إلا أنه إلى الآن يعاني بعض الأعضاء والزوار من بعض الصعوبات في الوصول للشروح والمتون المرادة لتداخل الشروح أو لقلة الخبرة التقنية .

من أجل هذا وذاك جاء هذا الموضوع ليكون موضوعا مرجعا جامعا مرتبا بإذن الله لكل المواد العلمية الموضوعة حاليا في شبكتنا ومرتبا على حسب أبواب الفنون العلمية (العقيدة، الفقه، الحديث،...)وسنحاول أيضا ترتيبها على مستويات الطلب (المبتدئ ، المتوسط ، المنتهي) سيتم تحديثه تبعا بعد إضافة أي شرح جديد .

من هـــــــــــنا
شاهد أكثر
شاهد أقل

الطائفة الناجية المنصورة وتعظيم الشريعة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • [مقال] الطائفة الناجية المنصورة وتعظيم الشريعة

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
    يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.
    يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا.
    يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما.
    أما بعد :
    فقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم" لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة".
    وفي رواية لمسلم ج3/ص1525: "عن سَعْدِ بن أبي وَقَّاصٍ قال قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يَزَالُ أَهْلُ الْغَرْبِ ظَاهِرِينَ على الْحَقِّ حتى تَقُومَ السَّاعَةُ".
    قال النووي في شرح مسلم13/68:" قال على بن المدينى المراد بأهل الغرب العرب والمراد بالغرب الدلو الكبير لاختصاصهم بها غالبا وقال آخرون المراد به الغرب من الأرض وقال معاذ هم بالشام وجاء في حديث آخر هم ببيت المقدس وقيل هم أهل الشام وما وراء ذلك قال القاضي وقيل المراد بأهل الغرب أهل الشدة والجلد وغرب كل شيء حدته".
    وقال السيوطي في الديباج على مسلم ج4/ص514:" وقيل المراد الغرب من الأرض الذي هو ضد الشرق فقيل المراد أهل الشام وقيل الشام وما وراء ذلك وقيل أهل بيت المقدس قال القرطبي أول الغرب بالنسبة إلى المدينة النبوية هو الشام وآخره حيث تنقطع الأرض من الغرب الأقصى وما بينهما كل ذلك يقال عليه مغرب فهل المراد المغرب كله أو أوله كل ذلك محتمل وقال أبو بكر الطرطوشي في رسالة بعث بها إلى أقصى المغرب الله أعلم هل أرادكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث أو أراد بذلك جملة أهل المغرب لما هم عليه من التمسك بالسنة والجماعة وطهارتهم من البدع والإحداث في الدين والاقتفاء لآثار من مضى من السلف الصالح؛ ومما يؤيد أن المراد بالغرب من الأرض رواية عبد بن حميد وبقي بن مخلد ولا يزال أهل الغرب ورواية الدارقطني لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق في المغرب حتى تقوم الساعة قلت(السيوطي) لا يبعد أن يراد بالمغرب مصر فإنها معدودة في الخط الغربي بالاتفاق وقد روى الطبراني والحاكم وصححه عن عمرو بن الحمق قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تكون فتنة أسلم الناس فيها الجند الغربي قال ابن الحمق فلذلك قدمت عليكم مصر وأخرجه محمد بن الربيع الجيزي في مسند الصحابة الذين دخلوا مصر وزاد فيه وأنتم الجند الغربي فهذه منقبة لمصر في صدر الملة واستمرت قليلة الفتن معافاة طول الملة لم يعترها ما اعترى غيرها من الأقطار وما زالت معدن العلم والدين ثم صارت في آخر الأمر دار الخلافة ومحط الرحال ولا بلد الآن في سائر الأقطار بعد مكة والمدينة يظهر فيها من شعائر الدين ما هو ظاهر في مصر".
    قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى ج28/ص552: " وأول الغرب ما يسامت البيرة ونحوها فإن النبي صلى الله عليه وسلم تكلم بهذا الكلام وهو بالمدينة النبوية فما يغرب عنها فهو غرب كالشام ومصر وما شرق عنها فهو شرق كـالجزيرة والعراق وكان السلف يسمون أهل الشام أهل المغرب".
    قال ياقوت بن عبدالله الحموي في معجم البلدان ج1/ص526:" البيرة في عدة مواضع منها بلد قرب سميساط بين حلب والثغور الرومية وهي قلعة حصينة ولها رستاق واسع ... والبيرة بين بيت المقدس ونابلس خربها الملك الناصر حين استنقذها من الأفرنج رأيتها وفي عدة مواضع، وأما إلبيرة التي في الأندلس فألفها أصلي والنسبة الإلبيري". وهي غير مرادة في كلام شيخ الإسلام ولعله أراد بيرة حلب أو بيرة المقدس لا إلبيرة الأندلس والله أعلم.
    قال الشيخ الألباني في الضعيفة(ح6390):" وفي تفسير أهل الغرب " اختلاف ، والظاهر أنهم أهل الشام ، لأنهم غرب المدينة كما حققه شيخ الإسلام ابن تيمية ، فانظر "الفتاوى" (27/507 - 50.ولكن ذلك لا يستلزم الدوام ، وعدم وجود الطائفة في إقليم آخر".
    ولكن المعلمي يرى غير ذلك فيقول في الأنوار الكاشفة (ص140):" أقول: قد قيل وقيل، وأقرب الأقوال أن المراد بالغرب الحدة والشوكة في الجهاد، ففي حديث جابر بن سمرة ((لا يزال هذا الدين قائماً تقاتل عليه عصابة.. )) وفي حديث جابر بن عبد الله ((طائفة من أمتي يقاتلون )) ونحوه في حديث معاوية وحديث عقبة بن عامر".
    وقال القرطبي في تفسيره ج8/ص296: "قال يزيد بن هارون إن لم يكونوا أصحاب الحديث فلا أدري من هم. قلت ( القرطبي) وهذا قول عبد الرزاق في تأويل الآية إنهم أصحاب الحديث ذكره الثعلبي سمعت شيخنا الأستاذ المقرئ النحوي المحدث أبا جعفر أحمد بن محمد بن محمد القيسي القرطبي المعروف بابن أبي حجة رحمه الله يقول في تأويل قوله عليه السلام لا يزال أهل الغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة إنهم العلماء قال وذلك أن الغرب لفظ مشترك يطلق على الدلو الكبير وعلى مغرب الشمس ويطلق على فيضة من الدمع فمعنى لا يزال أهل الغرب أي لا يزال أهل فيض الدمع من خشية الله عن علم به وبأحكامه ظاهرين الحديث... قال الله تعالى إنما يخشى الله من عباده العلماء قلت وهذا التأويل يعضده قوله عليه السلام في صحيح مسلم من يرد الله به خيرا يفقه في الدين ولا تزال عصابة من المسلمين يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناوأهم إلى يوم القيامة وظاهر هذا المساق أن أوله مرتبط بآخره والله أعلم".

    قلت ( أبو الحسين ): لا تنافي بين هذه الأقوال فقد يكونون في الشام؛ مصر ؛ بيت المقدس؛ الغرب كله ؛ أو بعضه ؛ ولا يلزم من عدم وجودهم في مكان آخر ومع ذلك هم أهل حدة في قتالهم الكفار وأهل دمع في تهجدهم في الليل؛ فهم أهل علم وتقوى وجهاد".
    كما تفيد لفظة (لا تزال) الدوام والاستمرار ؛ قال الصبان في حاشيته على شرح الأشموني لألفية ابن مالك1/333 " تدل على ملازمة المخبر عنه على ما يقتضيه الحال ".
    وقال الشيخ عبد الله الفوازان في شرحه لألفية ابن مالك1/111:" تدل على ملازمة الخبر للاسم ملازمة مستمرة لا تنقطع. أو مستمرة إلى وقت الكلام، ثم تنقطع بعد وقت طويل أو قصير، فالأول نحو: ما زال الأدب حلية طالب العلم. ومثال الثاني: لا يزال الخطيب متكلماً".
    وهنا يلازم الخبر اسمه ملازمة مستمرة إلى يوم القيامة لقوله صلى الله عليه وسلم" ولا تزال عصابة من المسلمين يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناوأهم إلى يوم القيامة".
    قال الشنقيطي رحمه الله في أضواء البيان ج7/ص377:" ولا شك في أن هذه الطائفة التي صرح النبي صلى الله عليه وسلم بأنها لا تزال ظاهرة على الحق حتى يأتي أمر الله أنها طائفة على كتاب الله وسنة رسوله وليست ألبتة من المقلدين التقليد الأعمى لأن الحق هو ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من الكتاب والسنة كما قال تعالى في سورة النساء" يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَآءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِن رَّبِّكُمْ" وقال في الأنعام"وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ" وقال في النمل" فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ" وقال في يونس"يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَآءَكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ" والآيات بمثل ذلك كثيرة".
    وهذا الحديث متواتر روي من حديث ستة عشر صحابيا وقد نص على تواتره شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه اقتضاء الصراط المستقيم1/6:" قد تواتر عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال وذكر الحديث والحديث رواه البخاري ومسلم وأحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة وغيرهم ولقد ثبت عن أهل العلم أن المراد بهذه الطائفة هم أهل الحديث منهم عبدالله بن المبارك قال هم عندي أصحاب الحديث".
    وقال الترمذي في السنن 4/485:" قال محمد بن إسماعيل قال عَلِيُّ بن الْمَدِينِيِّ هُمْ أَصْحَابُ الحديث".
    وقال الحاكم في علوم الحديث1/35:" قد أحسن أحمد بن حنبل في تفسير هذا الخبر أن الطائفة المنصورة التي يرفع الخذلان عنهم إلى قيام الساعة هم أصحاب الحديث ومن أحق بهذا التأويل من قوم سلكوا محجة الصالحين واتبعوا آثار السلف من الماضين ودمغوا أهل البدع والمخالفين بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله أجمعين من قوم آثروا قطع المفاوز والقفار على التنعم في الدمن والأوطار وتنعموا بالبؤس في الأسفار مع مساكنة العلم والأخبار وقنعوا عند جمع الأحاديث والآثار بوجود الكسر والأطمار قد رفضوا الإلحاد الذي تتوق إليه النفوس الشهوانية وتوابع ذلك من البدع والأهواء والمقاييس والآراء والزيغ جعلوا المساجد بيوتهم وأساطينها تكاهم وبواريها فرشهم؛ وأحمد بن حنبل قال إن لم تكن هذه الطائفة المنصورة أصحاب الحديث فلا أدري من هم روى الخطيب عن أبي حاتم قال سمعت أحمد بن سنان وذكر الحديث فقال هم أهل العلم وأصحاب الأثر" .
    وقال البخاري في صحيحه ج6/ص2667: بَاب قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ يُقَاتِلُونَ وَهُمْ أَهْلُ الْعِلْمِ.
    ثم قال البخاري :" عن الْمُغِيرَةِ بن شُعْبَةَ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لَا تزال طَائِفَةٌ من أُمَّتِي ظَاهِرِينَ حتى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ ".
    "وعن بن شِهَابٍ أخبرني حُمَيْدٌ قال سمعت مُعَاوِيَةَ بن أبي سُفْيَانَ يَخْطُبُ قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول من يُرِدْ الله بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ وَإِنَّمَا أنا قَاسِمٌ وَيُعْطِي الله وَلَنْ يَزَالَ أَمْرُ هذه الْأُمَّةِ مُسْتَقِيمًا حتى تَقُومَ السَّاعَةُ أو حتى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ".
    وفي صحيح مسلم ج1/ص137:" عن ابن جُرَيْجٍ قال أخبرني أبو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سمع جَابِرَ بن عبد اللَّهِ يقول سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ من أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ على الْحَقِّ ظَاهِرِينَ إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ قال فَيَنْزِلُ عِيسَى بن مَرْيَمَ صلى الله عليه وسلم فيقول أَمِيرُهُمْ تَعَالَ صَلِّ لنا فيقول لَا إِنَّ بَعْضَكُمْ على بَعْضٍ أُمَرَاءُ تَكْرِمَةَ اللَّهِ هذه الْأُمَّةَ".
    وفي صحيح مسلم ج3/ص1524:" عن جَابِرِ بن سَمُرَةَ عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال لَنْ يَبْرَحَ هذا الدِّينُ قَائِمًا يُقَاتِلُ عليه عِصَابَةٌ من الْمُسْلِمِينَ حتى تَقُومَ السَّاعَةُ ".
    وحدثني هَارُونُ بن عبد اللَّهِ وَحَجَّاجُ بن الشَّاعِرِ قالا حدثنا حَجَّاجُ بن مُحَمَّدٍ قال قال ابن جُرَيْجٍ أخبرني أبو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سمع جَابِرَ بن عبد اللَّهِ يقول سمعت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ من أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ على الْحَقِّ ظَاهِرِينَ إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ".
    وعن عبد الرحمن بن يَزِيدَ بن جَابِرٍ أَنَّ عُمَيْرَ بن هَانِئٍ حدثه قال سمعت مُعَاوِيَةَ على الْمِنْبَرِ يقول سمعت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ من أُمَّتِي قَائِمَةً بِأَمْرِ اللَّهِ لَا يَضُرُّهُمْ من خَذَلَهُمْ أو خَالَفَهُمْ حتى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ على الناس".
    وعن يَزِيدُ بن الْأَصَمِّ قال سمعت مُعَاوِيَةَ بن أبي سُفْيَانَ ذَكَرَ حَدِيثًا رَوَاهُ عن النبي صلى الله عليه وسلم لم أَسْمَعْهُ رَوَى عن النبي صلى الله عليه وسلم على مِنْبَرِهِ حَدِيثًا غَيْرَهُ قال قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم من يُرِدْ الله بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ ولا تَزَالُ عِصَابَةٌ من الْمُسْلِمِينَ يُقَاتِلُونَ على الْحَقِّ ظَاهِرِينَ على من نَاوَأَهُمْ إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ".
    وعن عبد الرحمن بن شِمَاسَةَ الْمَهْرِيُّ قال كنت عِنْدَ مَسْلَمَةَ بن مُخَلَّدٍ وَعِنْدَهُ عبد اللَّهِ بن عَمْرِو بن الْعَاصِ فقال عبد اللَّهِ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ إلا على شِرَارِ الْخَلْقِ هُمْ شَرٌّ من أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ لَا يَدْعُونَ اللَّهَ بِشَيْءٍ إلا رَدَّهُ عليهم فَبَيْنَمَا هُمْ على ذلك أَقْبَلَ عُقْبَةُ بن عَامِرٍ فقال له مَسْلَمَةُ يا عُقْبَةُ اسْمَعْ ما يقول عبد اللَّهِ فقال عُقْبَةُ هو أَعْلَمُ وَأَمَّا أنا فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول لَا تَزَالُ عِصَابَةٌ من أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ على أَمْرِ اللَّهِ قَاهِرِينَ لِعَدُوِّهِمْ لَا يَضُرُّهُمْ من خَالَفَهُمْ حتى تَأْتِيَهُمْ السَّاعَةُ وَهُمْ على ذلك فقال عبد اللَّهِ أَجَلْ ثُمَّ يَبْعَثُ الله رِيحًا كَرِيحِ الْمِسْكِ مَسُّهَا مَسُّ الْحَرِيرِ فلا تَتْرُكُ نَفْسًا في قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ من الْإِيمَانِ إلا قَبَضَتْهُ ثُمَّ يَبْقَى شِرَارُ الناس عليهم تَقُومُ السَّاعَةُ".
    وقال القاضي عياض في الإلماع(ص27):" كان الأعمش يقول لا أعلم لله قوما أفضل من قوم يطلبون هذا الحديث ويحيون هذه السنة وكم أنتم في الناس والله لأنتم أقل من الذهب".
    قال الشيخ الألباني في الصحيحة1/478:" قد يستغرب بعض الناس تفسير هؤلاء الأئمة للطائفة الظاهرة والفرقة الناجية بأنهم أهل الحديث ولا غرابة في ذلك إذا تذكرنا ما يأتي:
    أولا: إن أهل الحديث هم بحكم اختصاصهم في دراسة السنة وما يتعلق من معرفة تراجم الرواة وعلل الحديث وطرقه أعلم الناس قاطبة بسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم وهدية وأخلاقه وغزواته وما يتصل به.
    ثانيا: إن الأمة قد انقسمت إلى فرق ومذاهب لم تكن في القرن الأول ولكل مذهب أصوله وفروعه وأحاديثه التي يستدل بها ويعتمد عليها وإن المتمذهب بواحد منها يتعصب له ويتمسك بكل ما فيه دون أن يلتفت إلى المذاهب الأخرى وينظر لعله يحد فيها من الأحاديث ما لا يجده في مذهبه الذي قلده فإن من الثابت لدى أهل العلم أن في كل مذهب من السنة والأحاديث ما لا يوجد في المذهب الآخر فالمتمسك بالمذهب الواحد يضل ولا بد عن قسم عظيم من السنة المحفوظة لدى المذاهب الأخرى وليس على هذا أهل الحديث فإنهم يأخذون بكل حديث صح إسناده في أي مذهب كان ومن أي طائفة كان راويه ما دام أنه مسلم ثقة حتى لو كان شيعيا أو قدريا أو خارجيا فضلا عن أن يكون حنفيا أو مالكيا أو غير ذلك وقد صرح بهذا الإمام الشافعي رضي الله عنه حين خاطب الإمام أحمد بقوله أنتم أعلم بالحديث مني فإذا جاءكم الحديث صحيحا فأخبرني به حتى أذهب إليه سواء كان حجازيا أم كوفيا أم مصريا فأهل الحديث حشرنا الله معهم لا يتعصبون لقول شخص معين مهما علا وسما حاشا محمدا صلى الله عليه وسلم بخلاف غيرهم ممن لا ينتمي إلى الحديث والعمل به فإنهم يتعصبون لأقوال أئمتهم وقد نهوهم عن ذلك كما يتعصب أهل الحديث لأقوال نبيهم فلا عجب بعد هذا البيان أن يكون أهل الحديث هم الطائفة الظاهرة والفرقة الناجية بل والأمة الوسط الشهداء على الخلق ".
    وقال الخطيب في مقدمة الكفاية في علم الرواية (ص5) :" عن أحمد بن على الأبار قال رأيت بالأهواز رجلا حف شاربه وأظنه قد اشترى كتبا وتعبأ للفتيا فذكروا أصحاب الحديث فقال ليسوا بشيء وليس يسوون شيئا فقلت له أنت لا تحسن تصلى قال قلت نعم قلت أيش تحفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتحت الصلاة ورفعت يديك فسكت فقلت وأيش تحفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وضعت يديك على ركبتيك فسكت قلت أيش تحفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجدت فسكت قلت مالك لا تكلم ألم أقل لك انك لا تحسن تصلى أنت إنما قيل لك تصلى الغداة ركعتين والظهر أربعا فالزم ذا خير لك من أن تذكر أصحاب الحديث فلست بشيء ولا تحسن شيئا فهذا المذكور مثله في الفقهاء كمثل من تقدم ذكرنا له ممن انتسب إلى الحديث ولم يعلق به منه غير سماعه وكتبه دون نظره في أنواع عمله وأما المحققون فيه المتخصصون به فهم الأئمة العلماء والسادة الفهماء أهل الفضل والفضيلة والمرتبة الرفيعة حفظوا على الأمة أحكام الرسول واخبروا على أنباء التنزيل وأثبتوا ناسخه ومنسوخه وميزوا محكمه ومتشابهه ودونوا أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله وضبطوا على اختلاف الأمور أحواله في يقظته ومنامه وقعوده وقيامه وملبسه ومركبه ومأكله ومشربه حتى القلامة من ظفره ما كان يصنع بها والنخاعة من فيه كيف كان يلفظها وقوله عند كل فعل يحدثه ولدى كل موقف يشهده تعظيما لقدره صلى الله عليه وسلم ومعرفة بشرف ما ذكر عنه وعزى إليه وحفظوا مناقب صحابته ومآثر عشيرته وجاؤا بسير الأنبياء ومقامات الأولياء واختلاف الفقهاء ولولا عناية أصحاب الحديث بضبط السنن وجمعها واستنباطها من معادنها والنظر في طرقها لبطلت الشريعة وتعطلت أحكامها إذ كانت مستخرجة من الآثار المحفوظة ومستفادة من السنن المنقولة فمن عرف للإسلام حقه وأوجب للدين حرمته أكبر أن يحتقر من عظم الله شأنه وأعلى مكانه وأظهر حجته وأبان فضيلته ولم يرتق بطعنه إلى حزب الرسول وأتباع الوحي وأوعية الدين وخزنة العلم الذين ذكرهم الله تعالى في كتابه فقال والذين اتبعوهم بإحسان رضى الله عنهم ورضوا عنه وكفى المحدث شرفا أن يكون اسمه مقرونا باسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكره متصلا بذكره ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم والواجب على من خصه الله تعالى بهذه الرتبة وبلغه إلى هذه المنزلة أن يبذل مجهوده في تتبع آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وطلبها من مظانها وحملها عن أهلها والتفقه بها والنظر في أحكامها والبحث عن معانيها والتأدب بآدابها ويصدف عما يقل نفعه وتبعد فائدته من طلب الشواذ والمنكرات وتتبع الأباطيل والموضوعات ويؤتي الحديث حقه من الدراسة والحفظ والتهذيب والضبط ويتميز بما تقتضيه حاله ويعود عليه زينه وجماله".
    وقال رحمه الله تعالى في مقدمة كتابه شرف أصحاب الحديث1/8:" أن الحديث يشتمل على معرفة أصول التوحيد وبيان ما جاء من وجوه الوعد والوعيد وصفات رب العالمين تعالى عن مقالات الملحدين والإخبار عن صفة الجنة والنار وما أعد صفة الجنة والنار وما أعد الله فيهما للمتقين والفجار وما خلق الله في الأرضين والسماوات وصنوف العجائب وعظيم الآيات وذكر الملائكة المقربين ونعت الصافين والمسبحين وفي الحديث قصص الأنبياء وأخبار الزهاد والأولياء ومواعظ البلغاء وكلام الفقهاء وسير ملوك العرب والعجم وأقاصيص المتقدمين من الأمم وشرح مغازي الرسول صلى الله عليه وسلم وسراياه وجعل أحكامه وقضاياه وخطبه وعظاته وإعلامه ومعجزاته وعدة أزواجه وأولاده وأصهاره وأصحابه وذكر فضائلهم ومآثرهم وشرح أخبارهم ومناقبهم ومبلغ أعمارهم وبيان أنسابهم وفيه تفسير القران العظيم وما فيه من النبأ والذكر الحكيم وأقاويل الصحابة في الأحكام المحفوظة عنهم وتسمية من ذهب إلى قول كل واحد منهم من الأئمة الخالفين والفقهاء المجتهدين وقد جعل الله أهله أركان الشريعة وهدم بهم كل بدعة شنيعة فهم أمناء الله في خليقته والواسطة بين النبي صلى الله عليه وسلم وأمته والمجتهدون في حفظ ملته أنوارهم زاهرة وفضائلهم سائرة وآياتهم باهرة ومذاهبهم ظاهرة وحججهم قاهرة وكل فئة تتحيز إلى هوى ترجع إليه وتستحسن رأيا تعكف عليه سوى أصحاب الحديث فإن الكتاب عدتهم والسنة حجتهم والرسول فئتهم وإليه نسبتهم لا يعرجون على الأهواء ولا يلتفتون إلى الآراء يقبل منهم ما رووا عن الرسول وهم المأمونون عليه العدول حفظة الدين وخزنته وأوعية العلم وحملته إذا اختلف في حديث كان إليهم الرجوع فما حكموا به فهو المقبول المسموع منهم كل عالم فقيه وإمام رفيع نبيه وزاهد في قبيلة ومخصوص بفضليه وقارئ متقن وخطيب محسن وهم الجمهور العظيم وسبيلهم السبيل المستقيم وكل مبتدع باعتقادهم يتظاهر وعلل الإفصاح بغير مذاهبهم لا يتجاسر من كادهم قصمه الله ومن عاندهم خذله الله لا يضرهم من خذلهم ولا يفلح من اعتزلهم المحتاط لدينه إلى إرشادهم فقير ويصير الناظر بالسوء إليهم حسير وإن الله على نصرهم لقدير" .
    وقال معالي الشيخ صالح آل الشيخ (حفظه الله وأطال في عمره ونفع في علمه) في شرح الطحاوية (ص34: " فالواجب على كل مسلم يريد السلامة في دينه وأن يكون ممن وَعَدَهُ النبي صلى الله عليه وسلم بأن يكون من الفرقة الواحدة التي لم تأخذ سبيل الثنتين والسبعين فرقة أن يلزم أمر الجماعة قبل أن تفسد الجماعة، وهذا من أعظم مقاصد الدّين العظيمة التي يمتثلها العبد بامتثال قوله تعالى {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} فالعبد المؤمن يلزم هذه الطريقة".
    وقال الشيخ صالح في شرح الواسطية 1/18:" هم ظاهرون ومنصورون، ينصرهم الله جل وعلا على من عداهم إما بالحجة وإما بالسنان إما باللسان نصر بيان ولسان وإما نصر سنان إذا كان ثَمَّ جهاد قائم . وإما نصر حجة وبيان وهذا لا يخلو منه أهل السنة والجماعة" .
    وقال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى ج35/ص374:" ومن اتبع ما بعث الله به رسوله كان مهديا منصورا بنصرة الله في الدنيا والآخرة كما قال تعالى إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد وقال تعالى ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون".
    وبعد ذلك نقول:
    إنَّ الإسلام: هو الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة والبراءة من الشرك وأهله.
    ولهذا قال الطحاوي في عقيدته:" وَلا تَثْبُتُ قَدَمُ الْإِسْلَامِ إِلَّا عَلَى ظَهْرِ التَّسْلِيمِ وَالِاسْتِسْلَامِ".
    ويلزم من ذلك تعظيم الله في أمره ونهيه وتعظيم رسوله صلى الله عليه وسلم وتعظيم حملة الشريعة.
    قال تعالى:" ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه".
    قال ابن القيم في مدارج السالكين ج2/ص74: " قال جماعة من المفسرين حرمات الله ههنا مغاضبه وما نهى عنه وتعظيمها ترك ملابستها قال الليث حرمات الله ما لا يحل انتهاكها وقال قوم الحرمات هي الأمر والنهي وقال الزجاج الحرمة ما وجب القيام به وحرم التفريط فيه وقال قوم الحرمات ههنا المناسك ومشاعر الحج زمانا ومكانا.
    والصواب أن الحرمات تعم هذا كله وهي جمع حرمة وهي ما يجب احترامه وحفظه من الحقوق والأشخاص والأزمنة والأماكن فتعظيمها توفيتها حقها وحفظها من الإضاعة".
    وقال تعالى" ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب".
    قال السعدي في التفسير ج1/ص538:" والمراد بالشعائر أعلام الدين الظاهرة ومنها المناسك كلها".
    وقال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى ج17/ص485: "المقصود تقوى القلوب لله وهو عبادتها له وحده دون ما سواه بغاية العبودية له والعبودية فيها غاية المحبة وغاية الذل والإخلاص وهذه ملة إبراهيم الخليل وهذا كله مما يبين أن عبادة القلوب هي الأصل كما قال النبي صلى الله عليه وسلم إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب والنية والقصد هما عمل القلب فلابد في المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم من اعتبار النية والقصد".
    وقال تعالى أيضا في بيان حال المؤمنين مع النصوص الشرعية " إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُواْ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَائِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَائِكَ هُمُ الْفَآئِزُون".
    قال الشنقيطي في أضواء البيان ج7/ص304:" ولا شك عند أحد من أهل العلم أن طاعة الله ورسوله المذكورة في هذه الآيات ونحوها من نصوص الوحي محصورة في العمل بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم".
    وقال السعدي ج1/ص572:" أي حقيقة الذين صدقوا إيمانهم بأعمالهم إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم سواء وافق أهواءهم أو خالفها أن يقولوا سمعنا وأطعنا أي سمعنا حكم الله ورسوله وأجبنا من دعانا إليه وأطعنا طاعة تامة سالمة من الحرج وأولئك هم المفلحون حصر الفلاح فيهم لأن الفلاح الفوز بالمطلوب والنجاة من المكروه ولا يفلح إلا من حكم الله ورسوله وأطاع الله ورسوله ولما ذكر فضل الطاعة في الحكم خصوصا ذكر فضلها عموما في جميع الأحوال فقال ومن يطع الله ورسوله فيصدق خبرهما ويمتثل أمرهما ويخش الله أي يخافه خوفا مقرونا بمعرفة فيترك ما نهى عنه ويكف نفسه عما تهوى ولهذا قال ويتقه بترك المحظور لأن التقوى عند الإطلاق يدخل فيها فعل المأمور به وترك المنهي عنه وعند اقترانها بالبر أو الطاعة كما في هذا الموضع تفسر بتوقي عذاب الله بترك معاصيه فأولئك الذين جمعوا بين طاعة الله وطاعة رسوله وخشية الله وتقواه هم الفائزون بنجاتهم من العذاب لتركهم أسبابه ووصولهم إلى الثواب لفعلهم أسبابه فالفوز محصور فيهم وأما من لم يتصف بوصفهم فإنه يفوته من الفوز بحسب ما قصر عنه من هذه الأوصاف الحميدة".
    وهم الذين يمتنعون من الاختيار عند أمر الرسول صلى الله عليه وسلم . قال تعالى :" وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخَيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ".
    قال الشنقيطي في أضواء البيان ج3/ص43:" فدلت الآية على أن أمر الرسول صلى الله عليه وسلم مانع من الاختيار موجب للامتثال".
    وقال أيضا ج4/ص204: " فإنما منعهم من الخيرة عند حكمه وحكم رسوله لا عند آراء الرجال وأقيستهم وظنونهم".
    وقال ابن كثير ج3/ص491:" فهذه الآية عامة في جميع الأمور وذلك أنه إذا حكم الله ورسوله بشيء فليس لأحد مخالفته ولا اختيار لأحد ههنا ولا رأي ولا قول".
    وقال ابن القيم في إعلام الموقعين ج1/ص51:" فَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ ليس لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَخْتَارَ بَعْدَ قَضَائِهِ وَقَضَاءِ رَسُولِهِ وَمَنْ تَخَيَّرَ بَعْدَ ذلك فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا".
    وقال أيضا ج1/ص241:" فَإِنَّمَا مَنَعَهُمْ من الْخِيَرَةِ عِنْدَ حُكْمِهِ وَحُكْمِ رَسُولِهِ لَا عِنْدَ آرَاءِ الرِّجَالِ وَأَقْيِسَتِهِمْ وَظُنُونِهِمْ".
    وقال في مدارج السالكين ج2/ص188:" فاختيار العبد خلاف ذلك مناف لإيمانه وتسليمه ورضاه بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا".

    يتبع بإذن الله

  • #2
    رد: الطائفة الناجية المنصورة وتعظيم الشريعة

    وفي تعظيم النصوص الشرعية وتوقير الرب ومتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم كانت الطائفة الناجية المنصورة قد ضربت أروع صور التعظيم وكانوا وقّافين عند النصوص الشرعية والأوامر النبوية لا يحابون في ذلك أبا أو أبنا أو أخا أو قريبا أو صديقا؛ بل كانوا أبعد من ذلك في تقديم ما هو دين وشريعة على غيره حتى قال ابن كثير ج4/ص330 في تفسير (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر ) نزلت في أبي عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح حين قتل أباه يوم بدر".
    وقال الشنقيطي في أضواء البيان ج2/ص200:" تحققت أن الروابط النسبية تتلاشى مع الروابط الإسلامية وقد قال تعالى إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ وقال وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ولا يخفى أن أسلافنا معاشر المسلمين إنما فتحوا البلاد ومصروا الأمصار بالرابطة الإسلامية لا بروابط عصبية ولا بأواصر نسبية".
    وقال أيضا في أضواء البيان ج3/ص42:" فهذه الآيات وأمثالها تدل على أن النداء برابطة أخرى غير الإسلام كالعصبية المعروفة بالقومية لا يجوز ولا شك أنه ممنوع بإجماع المسلمين ومن أصرح الأدلة في ذلك ما رواه البخاري في صحيحه قال باب قوله تعالى يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ حدثنا الحميدي حدثنا سفيان قال حفظناه من عمرو بن دينار قال سمعت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول كنا في غزاة فكسع رجل من المهاجرين رجلاً من الأنصار فقال الأنصاري يا للأنصارا وقال المهاجري يا للمهاجرينا فسمَّعها الله رسوله قال ما هذا فقالوا كسع رجل من المهاجرين رجلاً من الأنصار فقال الأنصاري يا للأنصار وقال المهاجري يا للمهاجرين فقال النَّبي صلى الله عليه وسلم دعوها فإنها منتنة...الحديث فقول هذا الأنصاري يا للأنصار وهذا المهاجري يا للمهاجرين هو النداء بالقومية العصبية بعينه والحاصل أن الرابطة الحقيقية التي تجمع المفترق وتؤلف المختلف هي رابطة ( لا إله إلا الله ) ألا ترى أن هذه الرابطة التي تجعل المجتمع الإسلامي كله كأنه جسد واحد وتجعله كالبنيان يشد بعضه بعضاً".
    وقال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى ج1/ص10:" وأهل العلم المأثور عن الرسول صلى الله عليه وسلم أعظم الناس قياما بهذه الأصول لا تأخذ أحدهم في الله لومة لائم ولا يصدهم عن سبيل الله العظائم بل يتكلم أحدهم بالحق الذي عليه ويتكلم في أحب الناس إليه عملا بقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا ".

    وإليك أخي القاريء الكريم بعض تلك الصور الرائعة التي سطرها السلف (الطائفة الناجية المنصورة) في تعظيم الشريعة:
    أولا) أخرج مسلم في صحيحه ج1/ص64:" أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ حَدَّثَ قال كنا عِنْدَ عِمْرَانَ بن حُصَيْنٍ في رَهْطٍ مِنَّا وَفِينَا بُشَيْرُ بن كَعْبٍ فَحَدَّثَنَا عِمْرَانُ يَوْمَئِذٍ قال قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْحَيَاءُ خَيْرٌ كُلُّهُ قال أو قال الْحَيَاءُ كُلُّهُ خَيْرٌ فقال بُشَيْرُ بن كَعْبٍ إِنَّا لَنَجِدُ في بَعْضِ الْكُتُبِ أو الْحِكْمَةِ أَنَّ منه سَكِينَةً وَوَقَارًا لِلَّهِ وَمِنْهُ ضَعْفٌ قال فَغَضِبَ عِمْرَانُ حتى احْمَرَّتَا عَيْنَاهُ وقال ألا أَرَانِي أُحَدِّثُكَ عن رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَتُعَارِضُ فيه قال فَأَعَادَ عِمْرَانُ الحديث قال فَأَعَادَ بُشَيْرٌ فَغَضِبَ عِمْرَانُ قال فما زِلْنَا نَقُولُ فيه إنه مِنَّا يا أَبَا نُجَيْدٍ إنه لَا بَأْسَ بِهِ".
    قال النووي في شرح على صحيح مسلم ج2/ص6:" حقيقة الحياء خلق يبعث على ترك القبيح ويمنع من التقصير في حق ذي الحق".
    قال ابن حجر في فتح الباري ج10/ص522:" وقال القرطبي معنى كلام بشير أن من الحياء ما يحمل صاحبه على الوقار بأن يوقر غيره ويتوقر هو في نفسه ومنه ما يحمله على أن يسكن عن كثير مما يتحرك الناس فيه من الأمور التي لا تليق بذي المروءة ولم ينكر عمران عليه هذا القدر من حيث معناه وإنما أنكره عليه من حيث أنه ساقه في معرض من يعارض كلام الرسول بكلام غيره وقيل إنما أنكر عليه لكونه خاف أن يخلط السنة بغيرها قلت(ابن حجر) ولا يخفى حسن التوجيه السابق".
    وقال أيضا في فتح الباري ج1/ص52:" فإن قيل الحياء من الغرائز فكيف جعل شعبة من الإيمان أجيب بأنه قد يكون غريزة وقد يكون تخلقا ولكن استعماله على وفق الشرع يحتاج إلى اكتساب وعلم ونية فهو من الإيمان لهذا ولكونه باعثا على فعل الطاعة وحاجزا عن فعل المعصية ولا يقال رب حياء يمنع عن قول الحق أو فعل الخير لأن ذاك ليس شرعيا فإن قيل لم أفرده بالذكر هنا أجيب بأنه كالداعي إلى باقي الشعب إذ الحي يخاف فضيحة الدنيا والآخرة فيأتمر وينزجر".
    ثانيا) أخرج مسلم ج1/ص327:" عن بن شِهَابٍ قال أخبرني سَالِمُ بن عبد اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بن عُمَرَ قال سمعت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول لَا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمْ الْمَسَاجِدَ إذا اسْتَأْذَنَّكُمْ إِلَيْهَا قال فقال بِلَالُ بن عبد اللَّهِ والله لَنَمْنَعُهُنَّ قال فَأَقْبَلَ عليه عبداللَّهِ فَسَبَّهُ سَبًّا سَيِّئًا ما سَمِعْتُهُ سَبَّهُ مثله قَطُّ وقال أُخْبِرُكَ عن رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَتَقُولُ والله لَنَمْنَعُهُنَّ".
    قال النووي في شرح صحيح مسلم ج4/ص162:" وفي رواية فضرب في صدره؛ وفيه تعزير المعترض على السنة والمعارض لها برأيه".
    قال ابن حجر في فتح الباري ج2/ص348:" وفسر عبد الله بن هبيرة في رواية الطبراني السب المذكور باللعن ثلاث مرات وفي رواية زائدة عن الأعمش فانتهره وقال أف لك. وأخذ من إنكار عبد الله على ولده تأديب المعترض على السنن برأيه وعلى العالم بهواه وتأديب الرجل ولده وإن كان كبيرا إذا تكلم بما لا ينبغي له وجواز التأديب بالهجران فقد وقع في رواية بن أبي نجيح عن مجاهد عند أحمد فما كلمه عبد الله حتى مات".
    ثالثا) أخرج مسلم ج3/ص1547:" عن بن بُرَيْدَةَ قال رَأَى عبد اللَّهِ بن الْمُغَفَّلِ رَجُلًا من أَصْحَابِهِ يَخْذِفُ فقال له لَا تَخْذِفْ فإن رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كان يَكْرَهُ أو قال يَنْهَى عن الْخَذْفِ فإنه لَا يُصْطَادُ بِهِ الصَّيْدُ ولا يُنْكَأُ بِهِ الْعَدُوُّ وَلَكِنَّهُ يَكْسِرُ السِّنَّ وَيَفْقَأُ الْعَيْنَ ثُمَّ رَآهُ بَعْدَ ذلك يَخْذِفُ فقال له أُخْبِرُكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كان يَكْرَهُ أو يَنْهَى عن الْخَذْفِ ثُمَّ أَرَاكَ تَخْذِفُ لَا أُكَلِّمُكَ كَلِمَةً كَذَا وَكَذَا".
    وفي رواية لمسلم : " عن سعيد ابن جبير أن قريبا لعبدالله بن مغفل خذف قال فنهاه وقال: إن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى عن الخذف وقال ( إنها لا تصيد صيدا ولا تنكأ عدوا ولكنها تكسر السن وتفقأ العين ) قال فعاد فقال أحدثك أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى عنه ثم تخذف لا أكلمك أبدا ".
    رابعا) أخرج البخاري ج6/ص2738:" بَاب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ من رَبِّكَ وَإِنْ لم تَفْعَلْ فما بَلَّغْتَ رسالته وقال الزُّهْرِيُّ من اللَّهِ الرِّسَالَةُ وَعَلَى رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا التَّسْلِيمُ".
    قال ابن حجر في فتح الباري ج13/ص504:" هذا وقع في قصة أخرجها الحميدي في النوادر ومن طريقه الخطيب قال الحميدي حدثنا سفيان قال قال رجل للزهري يا أبا بكر قول النبي صلى الله عليه وسلم ليس منا من شق الجيوب ما معناه فقال الزهري من الله العلم وعلى رسوله البلاغ وعلينا التسليم وهذا الرجل هو الأوزاعي".
    قال الطحاوي في عقيدته:" فَمَن رَام عِلْمَ ما حُظِرَ عَنْهُ عِلْمُهُ، وَلَمْ يَقْنَعْ بِالتَّسْلِيمِ فَهْمُهُ؛ حَجَبَهُ مَرَامُهُ عَنْ خَالِصِ التَّوْحِيدِ وَصَافِي الْمَعْرِفَةِ وَصَحِيحِ الإِيمَانِ فيتذبذب بين الكفر والإيمان والتصديق والتكذيب والإقرار والإنكار موسوسا تائها زائغا شاكا لا مؤمنا مصدقا ولا جاحدا مكذبا".
    خامسا ) ذكر الشاطبي في الاعتصام ج2/ص52:" قال رجل للإمام مالك يا أبا عبدالله من أين أحرم قال من ذي الحليفة من حيث أحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إني أريد أن أحرم من المسجد فقال لا تفعل, قال إني أريد أن أحرم من المسجد من عند القبر؛ قال لا تفعل فإني أخشى عليك الفتنة, قال وأي فتنة في هذا إنما هي أميال أزيدها, قال وأي فتنة أعظم من أن ترى أنك سبقت إلى فضيلة قصر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم إني سمعت الله يقول فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ".
    سادسا) أخرج الترمذي5/81:"عن نافع: أن رجلا عطس إلى جنب ابن عمر فقال الحمد لله والسلام على رسول الله قال ابن عمر وأنا أقول الحمد لله والسلام على رسول الله وليس هكذا علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم علمنا أن نقول الحمد لله على كل حال". قال الشيخ الألباني : حسن .
    سابعا) قال الشيخ الألباني في صفة الصلاة :"روى الطبراني (3/56/1) بسند صحيح عن طلحة بن مصَرِّف قال: زاد ربيع بن خُثَيْم في التشهد [ بعد ] وبركاته:" ومغفرته"! فقال علقمة: نقف حيث عُلِّمنا: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته. وعلقمة تلقى هذا الاتباع من أستاذه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ؛ فقد روي عنه أنه كان يعلم رجلاً التشهد، فلما وصل إلى قوله:" أشهد أن لا إله إلا الله "؛ قال الرجل: وحده لا شريك له. فقال عبد الله: هو كذلك، ولكن ننتهي إلى ما عُلِّمنا. أخرجه الطبراني في " الأوسط"(رقم 2848 - مصورتي) بسند صحيح ؛ إن كان المُسَيَّب الكاهلي سمع من ابن مسعود}".
    ثامنا) أخرج الإمام أحمد في مسنده ج1/ص337:" عَنِ الأَعْمَشِ عَنِ الْفُضَيْلِ بن عَمْرٍو قال أُرَاهُ عن سَعِيدِ بن جُبَيْرٍ عَنِ بن عَبَّاسٍ قال تَمَتَّعَ النبي صلى الله عليه وسلم فقال عُرْوَةُ ابن الزُّبَيْرِ نهى أبو بَكْرٍ وَعُمَرُ عَنِ الْمُتْعَةِ فقال بن عَبَّاسٍ ما يقول عُرَيَّةُ قال يقول نهى أبو بَكْرٍ وَعُمَرُ عَنِ الْمُتْعَةِ فقال ابن عَبَّاسٍ أُرَاهُمْ سَيَهْلِكُونَ أَقُولُ قال النبي صلى الله عليه وسلم وَيَقُولُ نهى أبو بَكْرٍ وَعُمَرُ".
    قال ابن حزم في حجة الوداع (ص353) :" والله إنها لعظيمة ما رضي بها قط أبو بكر ولا عمر رضي الله عنهما". وكأن ابن حزم ينفي ثبوت ذلك عنهما .
    أما قول ابن عباس " ما يقول عُرَيَّةُ ". فإنه أراد بذلك عروة وإنما ناداه بمعنى اسمه لا بلفظه أو أراد التصغير، والله أعلم . وجاء مثله في صحيح البخاري ج3/ص1239:"عن ابن شِهَابٍ قال أخبرني عُرْوَةُ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ رضي الله عنها زَوْجَ النبي صلى الله عليه وسلم أَرَأَيْتِ قَوْلَهُ حتى إذا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قد كُذِّبُوا أو كُذِبُوا قالت بَلْ كَذَّبَهُمْ قَوْمُهُمْ فقلت والله لقد اسْتَيْقَنُوا أَنَّ قَوْمَهُمْ كَذَّبُوهُمْ وما هو بِالظَّنِّ فقالت يا عُرَيَّةُ لقد اسْتَيْقَنُوا بِذَلِكَ قلت فَلَعَلَّهَا أو كُذِبُوا قالت مَعَاذَ اللَّهِ لم تَكُنِ الرُّسُلُ تَظُنُّ ذلك بِرَبِّهَا....".
    قال بدر الدين العيني في عمدة القاري ج15/ص281: " خاطبته بقولها يا عرية بالتصغير ولكنه تصغير الشفقة والمحبة والدلال وليس تصغير التحقير وأصلها عريوة اجتمعت الياء والواو وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء".
    تاسعا) أخرج الإمام مالك في الموطأ ج2/ص634:" عن عَطَاءِ بن يَسَارٍ أَنَّ مُعَاوِيَةَ بن أبِي سُفْيَانَ بَاعَ سِقَايَةً من ذَهَبٍ أو وَرِقٍ بِأَكْثَرَ من وَزْنِهَا فقال أبو الدَّرْدَاءِ سمعت رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَنْهَى عن مِثْلِ هذا إلا مِثْلاً بِمِثْلٍ فقال له مُعَاوِيَةُ ما أَرَى بِمِثْلِ هذا بَأْسًا فقال أبو الدَّرْدَاءِ من يَعْذِرُنِي من مُعَاوِيَةَ أنا أُخْبِرُهُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وَيُخْبِرُنِي عن رَأْيِهِ لاَ أُسَاكِنُكَ بِأَرْضٍ أنت بها ثُمَّ قَدِمَ أبو الدَّرْدَاءِ على عُمَرَ بن الْخَطَّابِ فذكر ذلك له فَكَتَبَ عُمَرُ بن الْخَطَّابِ إلى مُعَاوِيَةَ أَنْ لاَ تَبِيعَ ذلك إلا مِثْلاً بِمِثْلٍ وَزْنًا بِوَزْنٍ".
    قال السيوطي في تنوير الحوالك ج2/ص59:" قال ابن عبد البر: وصدور العلماء تضيق عند مثل هذا وهو عندهم عظيم رد السنن بالرأي قال وجائز للمرء أن يهجر من لم يسمع منه ولم يطعه وليس هذا من الهجرة المكروهة ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الناس ألا يكلموا كعب بن مالك حين تخلف عن تبوك قال وهذا أصل عند العلماء في مجانبة من ابتدع وهجرته وقطع الكلام عنه وقد رأى ابن مسعود رجلا يضحك في جنازة فقال والله لا أكلمك أبدا".
    عاشرا) ومن صور تعظيم النصوص الفتوى بلفظ بالنص لا بمعناه ما أمكنه ذلك.
    يقول ابن القيم في إعلام الموقعين ج4/ص170: " يَنْبَغِي لِلْمُفْتِي أن يُفْتِيَ بِلَفْظِ النَّصِّ مَهْمَا أمكنه فإنه يَتَضَمَّنُ الْحُكْمَ وَالدَّلِيلَ مع الْبَيَانِ التَّامِّ فَهُوَ حُكْمٌ مَضْمُونٌ له الصَّوَابُ مُتَضَمِّنٌ لِلدَّلِيلِ عليه في أحسن بَيَانٍ وَقَوْلُ الْفَقِيهِ الْمُعَيَّنِ ليس كَذَلِكَ وقد كان الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ والأئمة الَّذِينَ سَلَكُوا على مِنْهَاجِهِمْ يَتَحَرَّوْنَ ذلك غَايَةَ التَّحَرِّي حتى خَلَفَتْ من بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ رَغِبُوا عن النُّصُوصِ وَاشْتَقُّوا لهم أَلْفَاظًا غير ألفاظ النُّصُوصِ فَأَوْجَبَ ذلك هَجْرَ النُّصُوصِ وَمَعْلُومٌ أن تِلْكَ الألفاظ لَا تَفِي بِمَا تَفِي بِهِ النُّصُوصُ من الْحُكْمِ وَالدَّلِيلِ وَحُسْنِ الْبَيَانِ فَتَوَلَّدَ من هِجْرَانِ ألفاظ النُّصُوصِ والإقبال على الألفاظ الحادثة وَتَعْلِيقِ الأحكام بها على الأمة من الْفَسَادِ مالا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ فَأَلْفَاظُ النُّصُوصِ عِصْمَةٌ وَحُجَّةٌ بَرِيئَةٌ من الْخَطَأِ وَالتَّنَاقُضِ وَالتَّعْقِيدِ وَالِاضْطِرَابِ وَلَمَّا كانت هِيَ عِصْمَةَ عُهْدَةِ الصَّحَابَةِ وأصولهم التي إليها يَرْجِعُونَ كانت عُلُومُهُمْ اصح من عُلُومِ من بَعْدَهُمْ وَخَطَؤُهُمْ فِيمَا اخْتَلَفُوا فيه أَقَلَّ من خَطَأِ من بَعْدَهُمْ ثُمَّ التَّابِعُونَ بِالنِّسْبَةِ إلَى من بَعْدَهُمْ كَذَلِكَ وَهَلُمَّ جَرَّا؛ وَلَمَّا اسْتَحْكَمَ هِجْرَانُ النُّصُوصِ عِنْدَ اكثر اهل الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ كانت عُلُومُهُمْ في مَسَائِلِهِمْ وادلتهم في غَايَةِ الْفَسَادِ وَالِاضْطِرَابِ وَالتَّنَاقُضِ؛ وقد كان اصحاب رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم اذا سُئِلُوا عن مسالة يَقُولُونَ قال اللَّهُ كَذَا قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم كَذَا أوفعل رسول اللَّهِ كَذَا وَلَا يَعْدِلُونَ عن ذلك ما وَجَدُوا إلَيْهِ سَبِيلًا قَطُّ فَمَنْ تامل أَجْوِبَتَهُمْ وَجَدَهَا شِفَاءً لِمَا في الصُّدُورِ فلما طَالَ الْعَهْدُ وَبَعُدَ الناس من نُورِ النُّبُوَّةِ صَارَ هذا عَيْبًا عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ ان يَذْكُرُوا في اصول دِينِهِمْ وَفُرُوعِهِ قال اللَّهُ وقال رسول اللَّهِ أَمَّا اصول دِينِهِمْ فَصَرَّحُوا في كُتُبِهِمْ ان قَوْلَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ لَا يُفِيدُ الْيَقِينَ في مَسَائِلِ اصول الدِّينِ وَإِنَّمَا يَحْتَجُّ بِكَلَامِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فيها الْحَشَوِيَّةُ وَالْمُجَسِّمَةُ وَالْمُشَبِّهَةُ وأما فُرُوعُهُمْ فَقَنَعُوا بِتَقْلِيدِ من اخْتَصَرَ لهم بَعْضَ الْمُخْتَصَرَاتِ التي لَا يُذْكَرُ فيها نَصٌّ عن اللَّهِ وَلَا عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَا عن الإمام الذي زَعَمُوا أنهم قَلَّدُوهُ دِينَهُمْ بَلْ عُمْدَتُهُمْ فِيمَا يُفْتُونَ وَيَقْضُونَ بِهِ وَيَنْقُلُونَ بِهِ الْحُقُوقَ وَيُبِيحُونَ بِهِ الْفُرُوجَ وَالدِّمَاءَ والأموال على قَوْلِ ذلك الْمُصَنَّفِ واجلهم عِنْدَ نَفْسِهِ وَزَعِيمُهُمْ عِنْدَ بَنِي جِنْسِهِ من يَسْتَحْضِرُ لَفْظَ الْكِتَابِ وَيَقُولُ هَكَذَا قال وَهَذَا لَفْظُهُ فَالْحَلَالُ ما أحله ذلك الْكِتَابُ وَالْحَرَامُ ما حَرَّمَهُ وَالْوَاجِبُ ما أوجبه وَالْبَاطِلُ ما أبطله وَالصَّحِيحُ ما صَحَّحَهُ هذا وأنى لنا بِهَؤُلَاءِ في مِثْلِ هذه الأزمان فَقَدْ دُفِعْنَا إلَى أمر تَضِجُّ منه الْحُقُوقُ إلَى اللَّهِ ضَجِيجًا وَتَعِجُّ منه الْفُرُوجُ والأموال وَالدِّمَاءُ إلَى رَبِّهَا عَجِيجًا تُبَدَّلُ فيه الأحكام وَيُقْلَبُ فيه الْحَلَالُ والحرام وَيُجْعَلُ الْمَعْرُوفُ فيه أعلى مَرَاتِبِ الْمُنْكَرَاتِ وَاَلَّذِي لم يَشْرَعْهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ من أفضل الْقُرُبَاتِ الْحَقُّ فيه غَرِيبٌ وَأَغْرُبُ منه من يَعْرِفُهُ وَأَغْرُبُ مِنْهُمَا من يَدْعُو إلَيْهِ وَيَنْصَحُ بِهِ نَفْسَهُ وَالنَّاسَ قد فَلَقَ بِهِمْ فَالِقُ الإصباح صُبْحَهُ عن غَيَاهِبِ الظُّلُمَاتِ وأبان طريقة الْمُسْتَقِيمَ من بَيْنِ تِلْكَ الطُّرُقِ الْجَائِرَاتِ واراه بِعَيْنِ قَلْبِهِ ما كان عليه رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وأصحابه مع ما عليه أكثر الْخَلْقِ من الْبِدَعِ الْمُضِلَّاتِ رَفَعَ له عَلَمَ الْهِدَايَةِ فَشَمَّرَ إلَيْهِ وَوَضَّحَ له الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ فَقَامَ وَاسْتَقَامَ عليه وطوبي له من وَحِيدٍ على كَثْرَةِ السُّكَّانِ غَرِيبٍ على كَثْرَةِ الْجِيرَانِ بين أقوام رُؤْيَتُهُمْ قَذَى الْعُيُونِ وَشَجَى الْحُلُوقِ وَكَرْبُ النُّفُوسِ وَحُمَّى الأرواح وَغَمُّ الصُّدُورِ وَمَرَضُ الْقُلُوبِ وَإِنْ أنصفتهم لم تَقْبَلْ طَبِيعَتُهُمْ الإنصاف وان طَلَبْته منهم فَأَيْنَ الثُّرَيَّا من يَدِ الْمُلْتَمِسِ قد انْتَكَسَتْ قُلُوبُهُمْ وعمى عليهم مَطْلُوبُهُمْ رَضُوا بالأماني وَابْتُلُوا بِالْحُظُوظِ وَحَصَلُوا على الْحِرْمَانِ وَخَاضُوا بِحَارَ الْعِلْمِ لَكِنْ بالدعاوي الْبَاطِلَةِ وَشَقَاشِقِ الْهَذَيَانِ وَلَا وَاَللَّهِ ما ابْتَلَّتْ من وَشَلِهِ أقدامهم وَلَا زَكَتْ بِهِ عُقُولُهُمْ وأحلامهم وَلَا ابْيَضَّتْ بِهِ لَيَالِيهِمْ وأشرقت بِنُورِهِ أيامهم وَلَا ضَحِكَتْ بِالْهُدَى وَالْحَقِّ منه وُجُوهُ الدَّفَاتِرِ إذْ بُلَّتْ بِمِدَادِهِ أَقْلَامُهُمْ انفقوا في غَيْرِ شئ نَفَائِسَ الأنفاس واتعبوا أنفسهم وَحَيَّرُوا من خَلْفَهُمْ من ضَيَّعُوا الأصول فَحُرِمُوا الْوُصُولَ وَأَعْرَضُوا عن الرِّسَالَةِ فَوَقَعُوا في مَهَامِهِ الْحَيْرَةِ وَبَيْدَاءِ الضَّلَالَةِ؛ وَالْمَقْصُودُ أن الْعِصْمَةَ مضمونه في ألفاظ النُّصُوصِ وَمَعَانِيهَا في أَتَمِّ بَيَانٍ وأحسن تَفْسِيرٍ وَمَنْ رَامَ إدْرَاكَ الْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ من غَيْرِ مِشْكَاتِهَا فَهُوَ عليه عَسِيرٌ غَيْرُ يَسِيرٍ ".
    حادي عشر ) ومن صور تعظيم الشريعة الحذر من دخول ما ليس من الدين فيه.
    قال البربهاري في شرح السنة 1/22:" واحذر صغار المحدثات من الأمور فإن صغار البدع تعود حتى تصير كبارا وكذلك كل بدعة أحدثت في هذه الأمة كان أولها صغيرا يشبه الحق فاغتر بذلك من دخل فيها ثم لم يستطع المخرج منها فعظمت وصارت دينا يدان بها فخالف الصراط المستقيم فخرج من الإسلام فانظر رحمك الله كل من سمعت كلامه من أهل زمانك خاصة فلا تعجلن ولا تدخلن في شيء منه حتى تسأل وتنظر هل تكلم فيه أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم أو أحد من العلماء فإن أصبت فيه أثرا عنهم فتمسك به ولا تجاوزه لشيء ولا تختر عليه شيئا فتسقط في النار ".
    ومن صور تعظيم الشريعة تمييز صحيح السنة من ضعيفها فإن السنة هي الشارحة لكتاب الله تعالى والمبينة .
    قال تعالى :" وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ".
    قال شيخ الإسلام في منهاج السنة3/210:" البيان التام هو ما بينه الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه أعلم الخلق بالحق وأنصح الخلق للخلق وأفصح الخلق في بيان الحق فما بينه من أسماء الله وصفاته وعلوه ورؤيته هو الغاية في هذا الباب ولله الموفق للصواب".
    ولا يتم تمييز صحيح السنة من غيره إلا بدراسة أسانيدها فالإسناد من الدين فقد جاء في صحيح مسلم ج1/ص14:"عن مُحَمَّدِ بن سِيرِينَ قال إِنَّ هذا الْعِلْمَ دِينٌ فَانْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَ دِينَكُمْ . وعن ابن سِيرِينَ قال لم يَكُونُوا يَسْأَلُونَ عن الإسناد فلما وَقَعَتْ الْفِتْنَةُ قالوا سَمُّوا لنا رِجَالَكُمْ فَيُنْظَرُ إلى أَهْلِ السُّنَّةِ فَيُؤْخَذُ حَدِيثُهُمْ وَيُنْظَرُ إلى أَهْلِ الْبِدَعِ فلا يُؤْخَذُ حَدِيثُهُمْ".
    قال الرامهرمزي في المحدث الفاصل ج1/ص416:" عن ابن أبي أويس قال سمعت مالك بن أنس يقول إن هذا العلم هو لحمك ودمك وعنه تسأل يوم القيامة فانظر عن من تأخذه".
    لهذا وجب علينا أن نرى عمن ننقل ونحدث فإنه قد ظهر في هذا الزمان كثير من أهل البدع وقد تسربل بلباس السلفية وادعوا أنهم دعاتها (( حتى أجازوا الانتخابات بل والمظاهرات)) وظهر الكذابون وفشا كذبهم.
    فقد أخرج ابن ماجه(ح2363) وصححه الشيخ الألباني :" عن جابر بن سمرة قال خطبنا عمر بن الخطاب بالجابية فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فينا مثل مقامي فيكم فقال احفظوني في أصحابي ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يفشو الكذب حتى يشهد الرجل وما يستشهد ويحلف وما يستحلف".
    ولهذا قال شيخ الإسلام في منهاج السنة النبوية ج7/ص61: " بيننا وبين الرسول مئون من السنين ونحن نعلم بالضرورة أن فيما ينقل الناس عنه وعن غيره صدقا وكذبا وقد روى عنه انه قال سيكذب علي فان كان هذا الحديث صدقا فلا بد أن يكذب عليه وإن كان كذبا فقد كذب عليه وإن كان كذلك لم يجز لأحد أن يحتج في مسالة فرعية بحديث حتى يبين ما به يثبت فكيف يحتج في مسائل الأصول التي يقدح فيها خيار القرون وجماهير المسلمين وسادات أولياء الله المقربين بحيث لا يعلم المحتج به صدقه".
    ولا يجوز الاحتجاج بالأحاديث الضعيفة والموضوعة في حكم ما من أحكام الشريعة وما قاله البعض في جواز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال فمردود لأن الكل شرع والشرع لا يثبت إلا بدليل صحيح .
    قال الشوكاني في الفوائد المجموعة ج1/ص283: " قال ابن عبد البر وأهل العلم بجماعتهم يتساهلون في الفضائل فيروونها عن كل وإنما يتشددون في أحاديث الأحكام، وأقول (الشوكاني): إن الأحكام الشرعية متساوية الأقدام لا فرق بينها فلا يحل إثبات شيء منها إلا بما تقوم به الحجة وإلا كان من التقول على الله بما لم يقل وفيه من العقوبة ما هو معروف والقلب يشهد بوضع ما ورد في هذا المعنى وبطلانه والله أعلم".
    أما من احتج بفعل الإمام أحمد بتقديم الحديث الضعيف على رأي الرجال فمرود أيضا لأن الإمام أحمد عنى بالضعيف الذي ينجبر بالشواهد والمتابعات لا الحديث الواهي. وعلى أي حال فإن الذي يقدم الحديث الضعيف على رأي الرجال هو من باب تعظيم الحديث أيضا ولو أن كثيرا من العلماء من لا يرتضي ذلك.

    تعليق


    • #3
      رد: الطائفة الناجية المنصورة وتعظيم الشريعة

      قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى ج3/ص380:" فالواجب أن يفرق بين الحديث الصحيح والحديث الكذب فإن السنة هي الحق دون الباطل وهي الأحاديث الصحيحة دون الموضوعة فهذا أصل عظيم لأهل الإسلام عموما ولمن يدعي السنة خصوصا".
      على أنه ينبغي أن يعلم أن لكل علم رجاله فتمييز الصحيح من غيره ليس لكل أحد بل لم أفنى عمره بالنظر في الأحاديث وأسانيدها ورجالها وإلا فكثيرا من الأحاديث الضعيفة قد ملئت كتب البعض ولا عبرة في ذلك ما لم يكن من أهل الشأن.
      فما أجمل ما قاله القاسمي في قواعد التحديث ج1/ص181: " بيان أنه لا عبرة بالأحاديث المنقولة في كتب الفقه والتصوف ما لم يظهر سندها وإن كان مصنفها جليلا . قال العلامة ملا على القارى في رسالة الموضوعات حديث من قضى صلاته من الفرائض في آخر جمعة من رمضان كان ذلك جابراً لكل صلاة فاتته في عمره إلى سبعين سنة باطل قطعا ولا عبرة بنقل صاحب النهاية وغيره من بقية شراح الهداية فإنهم ليسوا من المحدثين ولا أسندوا الحديث إلى أحد من المخرجين وقال السيوطي في مرقاة الصعود إلى سنن أبي داود على حديث نهى أن يمتشط أحدنا كل يوم فإن قلت إنه كان يسرح لحيته كل يوم مرتين قلت لم أقف على هذا بإسناد ولم أر من ذكره إلا الغزالي في الإحياء ولا يخفي ما فيه من الأحاديث التي لا أصل لها. وظاهر أنهم لم يوردوا ما أوردوا مع العلم يكونه موضوعاً بل ظنوه مرويا ونقد الآثار من وظيفة حملة الأخبار إذ لكل مقام مقال ولكل فن رجال".
      والأعجب من ذلك من يصحح الحديث بالرؤى والمنامات والمكاشفات .
      قال القاسمي في قواعد التحديث ج1/ص184: " من المعلوم لكل أحد أن الأحاديث لا تثبت إلا بالأسانيد لا بنحو الكشف وأنوار القلوب فما نقله الشعراني عن جماعة سيدي إسماعيل اليمني إن كان المراد صحة اللفظ كما فهم المفتي توقف الأمر على السند وإلا رد القول على قائله كائنا من كان ودين الله لا محاباة فيه والولاية والكرامات لا دخل لها هنا إنما المرجع للحفاظ العارفين بهذا الشأن".
      ومن تعظيم الشريعة فهم النصوص على مراد الشارع ولا ينبغي تأويلها بغير دليل صحيح صريح .
      كما يتأول بعض الخلف ممن ضعف إيمانه بالنصوص والأحاديث الصحيحة وسقم فهمه ولم يعتبر فهم السلف تأول قول النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم(ح7523): " عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ فَيَقْتُلُهُمُ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِىُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوِ الشَّجَرُ يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا يَهُودِىٌّ خَلْفِى فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ. إِلاَّ الْغَرْقَدَ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ ". تأول هذا الخلفي على أن المراد ثورة الحجارة زعم. وليعلم أن الإيمان بالنص الشرعي يتضمن الإيمان باللفظ والمعنى ولا يجوز تأويله بغير دليل وأين هو.
      وهذا يلزمنا بالقول بوجوب اعتبار فهم السلف للنصوص الشرعية ليكتمل تعظيم الشريعة. فلا يستقيم معرفة مراد الشرع إلا بالفهم فقد أخرج البيهقي في سننه(ح20324): " عن أبي العوام البصري قال : كتب عمر إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما.... ثم الفهم الفهم فيما أدلي إليك مما ليس في قرآن ولا سنة ثم قايس الأمور عند ذلك وأعرف الأمثال والأشباه ثم أعمد إلى أحبها إلى الله فيما ترى وأشبهها بالحق".
      قال ابن القيم في إعلام الموقعين ج1/ص87: " فَافْهَمْ إذَا أَدْلَى إلَيْك صِحَّةُ الْفَهْمِ وَحُسْنُ الْقَصْدِ من أَعْظَمِ نِعَمِ اللَّهِ التي أَنْعَمَ بها على عَبْدِهِ بَلْ ما أُعْطِيَ عَبْدٌ عَطَاءً بَعْدَ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ وَلَا أَجَلُّ مِنْهُمَا بَلْ هُمَا سَاقَا الْإِسْلَامِ وَقِيَامُهُ عَلَيْهِمَا وَبِهِمَا يَأْمَنُ الْعَبْدُ طَرِيقَ الْمَغْضُوبِ عليهم الَّذِينَ فَسَدَ قَصْدُهُمْ وَطَرِيقُ الضَّالِّينَ الَّذِينَ فَسَدَتْ فُهُومُهُمْ وَيَصِيرُ من الْمُنْعَمِ عليهم الَّذِينَ حَسُنَتْ أَفْهَامُهُمْ وَقُصُودُهُمْ وَهُمْ أَهْلُ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ الَّذِينَ أُمِرْنَا أَنْ نَسْأَلَ اللَّهَ أَنْ يَهْدِيَنَا صِرَاطَهُمْ في كل صَلَاةٍ وَصِحَّةُ الْفَهْمِ نُورٌ يَقْذِفُهُ اللَّهُ في قَلْبِ الْعَبْدِ يُمَيِّزُ بِهِ بين الصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ وَالْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَالْهُدَى وَالضَّلَالِ وَالْغَيِّ وَالرَّشَادِ وَيَمُدُّهُ حُسْنَ الْقَصْدِ وَتَحَرِّي الْحَقَّ وَتَقْوَى الرَّبِّ في السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ وَيَقْطَعُ مَادَّتُهُ اتِّبَاعَ الْهَوَى وَإِيثَارَ الدُّنْيَا وَطَلَبَ مَحْمَدَةِ الْخَلْقِ وَتَرْكَ التَّقْوَى".

      ولا ينبغي العدول عن فهم الصحابة لأن الله جل وعلا قد زكاهم ورسوله في غير ما آية وحديث وأمرنا باتباع سبيلهم والاقتداء بهم يضاف إلى ذلك ما يلي:
      1- أن الصحابة أعلم بمراد الله ورسوله فقد نزل القرآن فيهم وتكلم النبي صلى الله عليه وسلم وهو بين أظهرهم.
      وعجبا لمن يصف ذلك الجيل الفاضل وهم خير البرية الذين اختارهم الله تعالى لصحبة خير نبي (بأنهم غثاء) بل الواصف لهم بذلك هو أحق به وأولى فهو الذي ينطبق عليه ما أخبر به صلى الله عليه وسلم كما في سنن أبي داود ج4/ص111:"عن ثَوْبَانَ قال قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كما تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إلى قَصْعَتِهَا فقال قَائِلٌ وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ قال بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ وَلَيَنْزَعَنَّ الله من صُدُورِ عَدُوِّكُمْ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ وَلَيَقْذِفَنَّ الله في قُلُوبِكُمْ الْوَهْنَ فقال قَائِلٌ يا رَسُولَ اللَّهِ وما الْوَهْنُ قال حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ".
      وما علم هذا الواصف أنه يلزم من ذلك أن يصف الصحابة رضي الله عنهم بما جاء في الحديث بتمامه ، فأسأله هل يقول بأن الله قد قذف في قلوبهم الوهن أم أنهم كانوا أسود الليل والنهار وهل كانوا يتأخرون عن جهاد عدو إيثارا للدنيا وكراهية الموت أم كانوا يقولون الجنة دون أحد وهل أن فارس والروم يومئذ كانوا يرتجفون فرقا من ذكر الصحابة ومن قتالهم أم غير ذلك . ثم كيف يا هذا يصح ممن وصفتهم بما أنت أهله أن ينقلوا القرآن متواترا وصحيح السنة محفوظة في صدورهم رضي الله عن الصحابة وأرضاهم. وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول كما في سنن أبي داود ج4/ص200: " عن عبد الرحمن بن عَمْرٍو السُّلَمِيُّ وَحُجْرُ بن حُجْرٍ قالا أَتَيْنَا الْعِرْبَاضَ بن سَارِيَةَ وهو مِمَّنْ نَزَلَ فيه ( ولا على الَّذِينَ إذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عليه) فَسَلَّمْنَا وَقُلْنَا أَتَيْنَاكَ زَائِرِينَ وَعَائِدِينَ وَمُقْتَبِسِينَ فقال الْعِرْبَاضُ صلى بِنَا رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ منها الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ منها الْقُلُوبُ فقال قَائِلٌ يا رَسُولَ اللَّهِ كَأَنَّ هذه مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا فقال أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا فإنه من يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ تَمَسَّكُوا بها وَعَضُّوا عليها بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فإن كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ".
      لكني أقول لمن نسب الغثائية للصحابة كما قال محمود بن أحمد العيني إمام الحنفية فيمن ذم شيخ الإسلام فيما نقله عنه مرعي بن يوسف الحنبلي المقدسي في الشهادة الزكية ج1/ص25:" كالجعل باشتمام الورد يموت حتف أنفه أو كالخفاش يتأذى ببهور سنا الضوء لسوء بصره وضعفه وليس لهم سجية نقادة ولا روية وقادة وما هم إلا صلقع بلقع سلقع صلمعة من قلمعة وهيان بن بيان وهيان بن بيان وصل بن ضل وضلال بن التلال".
      صلقع : قال الفراهيدي في العين ج2/ص289:" صلقع سلقع بلقع الصلقع والصلقعة الإعدام تقول صلقعة بن قلمعة أي ليس عنده قليل ولا كثير لأنه مفلس وأبوه من قبله". ومنه ما جاء في الحديث "واليمين الفاجرة تدع الديار بلاقع " صححه الشيخ الألباني في الصحيحة(ح97.
      قال القحطاني في نونيته: وتوق أيمان الغموس فإنها ... تدع الديار بلاقع الحيطان.
      صلمعة: قال ابن منظور في لسان العرب ج8/ص206:" وصلمعة بن قلمعة كناية عمن لا يعرف ولا يعرف أبوه".
      وهيان بن بيان: قال السيوطي في همع الهوامع ج1/ص290:" وهيان بن بيان للمجهول شخصا ونسبا".
      الضلال بن التلال: قال الزبيدي في تاج العروس ج29/ص349:" إِذا لَمْ يَدْرِ مَنْ هُو ومِمَّن هو".
      قلت ( أبو الحسين): كل هذه الألفاظ التي ذكرها العيني تدل على معنى واحد وهي جهالة المعني عينا ونسبا وبه نقول لمن انتقص الصحابة أو وصفهم بما ليس فيهم كمن يصفهم بالغثائية أو يشتمهم وكمن يشتم السيدة عائشة رضي الله عنها.
      2- أن الصحابة كانوا أهل لغة والقرآن نزل بلغتهم .
      يقول شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى ج17/ص353: " يحتاج المسلمون إلى شيئين:
      أحدهما: معرفة ما أراد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بألفاظ الكتاب والسنة بأن يعرفوا لغة القرآن التي بها نزل وما قاله الصحابة والتابعون لهم بإحسان وسائر علماء المسلمين في معاني تلك الألفاظ فإن الرسول لما خاطبهم بالكتاب والسنة عرفهم ما أراد بتلك الألفاظ وكانت معرفة الصحابة لمعاني القرآن أكمل من حفظهم لحروفه وقد بلغوا تلك المعاني إلى التابعين أعظم مما بلغوا حروفه فإن المعاني العامة التي يحتاج إليها عموم المسلمين مثل معنى التوحيد ومعنى الواحد والأحد والإيمان والإسلام ونحو ذلك؛ كان جميع الصحابة يعرفون ما أحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم من معرفته ولا يحفظ القرآن كله إلا القليل منهم وإن كان كل شيء من القرآن يحفظه منهم أهل التواتر ".
      أما من جاء من بعد الصحابة فليس له أن يفسر ويتأول النصوص بخلاف تفسير وتأويل الصحابة فإن الصحابة عرب أقحاح وغيرهم ممن جاء بعدهم قد استعجم لسانه بسبب مخالطة الأعاجم وهذا من أسباب انحراف الكثير عن سبيل المؤمنين كالقول بالمجاز وهو أحد الطواغيت التي ذكرها ابن القيم رحمه الله .
      والعلم بلغة العرب واجب لمعرفة مدلول النصوص. قال شيخ الإسلام في بيان تلبيس الجهمية ج1/ص492:" الاستدلال بالقرآن إنما يكون على لغة العرب التي أنزل بها بل قد نزل بلغة قريش كما قال تعالى وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه وقال بلسان عربي مبين فليس لأحد يحمل ألفاظ القرآن على غير ذلك من عرف عام واصطلاح خاص بل لا يحمله إلا على معاني عنوها بها إما من المعنى اللغوي أو أعم أو مغايرا له لم يكن له أن يضع القرآن على ما وضعه هو بل يضع القرآن على مواضعه التي بينها الله لمن خاطبه بالقرآن بلغته ومتى فعل غير ذلك كان ذلك تحريفا للكلام عن مواضعه ".
      وقال في مجموع الفتاوى ج7/ص116: " فمعرفة العربية التي خوطبنا بها مما يعين على أن نفقه مراد الله ورسوله بكلامه وكذلك معرفة دلالة الألفاظ على المعاني فان عامة ضلال أهل البدع كان بهذا السبب فإنهم صاروا يحملون كلام الله ورسوله على ما يدعون انه دال عليه ولا يكون الأمر كذلك ويجعلون هذه الدلالة حقيقة وهذه مجازا كما أخطأ المرجئة في اسم الإيمان جعلوا لفظ الإيمان حقيقة في مجرد التصديق وتناوله للأعمال مجازا".
      ولنا أن ننظر في ما قاله الدارمي في كتابه النقض على المريسي الجهمي العنيد ج2/ص811:" ولو قد رزقك الله شيئا من معرفة العربية لعلمت أن هذا الكلام الذي رويته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه السياقة وهذه الألفاظ الواضحة لا يحتمل تفسيرا غير ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلا تصديق ذلك من كتاب الله وإنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وجه الله ولم يقل إلى وجوه ما أعد الله لهم من الكرامات ومن سمى من العرب والعجم ما أعد الله لأهل الجنة وجها لله قبلك وفي أي سورة من القرآن وجدت أن وجه الله أعلى جنته ما لقي وجه الله ذي الجلال والإكرام".
      قال الذهبي في العبر في خبر من غبر في ترجمة الشلوبين ج5/ص186: " وأبو على الشلوبين عمر بن محمد بن عمر الأزدي الأندلسي الأشبيلي النحوي انتهت إليه معرفة العربية في زمانه".
      وقال مرعي بن يوسف الكرمي الحنبلي في الشهادة الزكية في ثناء الأئمة على ابن تيمية ج1/ص43:" وله يد طولى في معرفة العربية والصرف واللغة وهو أعظم من أن تصفه كلمي وينبه على شأوه قلمي...ومن رثاء الذهبي لشيخ الإسلام:
      وإن يخض نحو سيبويه يفه ... بكل معنى من الفن مخترع ".
      وقال الشاطبي في الموافقات ج2/ص64:" إن هذه الشريعة المباركة عربية لا مدخل فيها للألسن العجمية وهذا وإن كان مبينا في أصول الفقه وأن القرآن ليس فيه كلمة أعجمية عند جماعة من الأصوليين أو فيه ألفاظ أعجمية تكلمت بها العرب وجاء القرآن على وفق ذلك فوقع فيه المعرب الذي ليس من أصل كلامها فإن هذا البحث على هذا الوجه غير مقصود هنا وإنما البحث المقصود هنا أن القرآن نزل بلسان العرب على الجملة فطلب فهمه إنما يكون من هذا الطريق خاصة لأن الله تعالى يقول إنا أنزلناه قرآنا عربيا وقال بلسان عربي مبين وقال لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين وقال ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي إلى غير ذلك مما يدل على أنه عربي وبلسان العرب لا أنه أعجمي ولا بلسان العجم فمن أراد تفهمه فمن جهة لسان العرب يفهم ولا سبيل إلى تطلب فهمه من غير هذه الجهة هذا هو المقصود من المسألة وأما كونه جاءت فيه ألفاظ من ألفاظ العجم أو لم يجئ فيه شيء من ذلك فلا يحتاج إليه إذا كانت العرب قد تكلمت به وجرى في خطابها وفهمت معناه فإن العرب إذا تكلمت به صار من كلامها ألا ترى أنها لا تدعه على لفظه الذي كان عليه عند العجم إلا إذا كانت حروفه في المخارج والصفات كحروف العرب وهذا يقل وجوده وعند ذلك يكون منسوبا إلى العرب فأما إذا لم تكن حروفه كحروف العرب أو كان بعضها كذلك دون بعض فلا بد لها من أن تردها إلى حروفها ولا تقبلها على مطابقة حروف العجم أصلا ومن أوزان الكلم ما تتركه على حاله في كلام العجم ومنها ما تتصرف فيه بالتغيير كما تتصرف في كلامها وإذا فعلت ذلك صارت تلك الكلم مضمومة إلى كلامها كالألفاظ المرتجلة والأوزان المبتدأة لها هذا معلوم عند أهل العربية لا نزاع فيه ولا إشكال
      ومع ذلك فالخلاف الذي يذكره المتأخرون في خصوص المسألة لا ينبني عليه حكم شرعي ولا يستفاد منه مسألة فقهية وإنما يمكن فيها أن توضع مسألة كلامية ينبني عليها اعتقاد وقد كفى الله مؤونة البحث فيها بما استقر عليه كلام أهل العربية في الأسماء الأعجمية
      فإن قلنا إن القرآن نزل بلسان العرب وإنه عربي وإنه لا عجمة فيه فبمعنى أنه أنزل على لسان معهود في ألفاظها الخاصة وأساليب معانيها وأنها فيما فطرت عليه من لسانها تخاطب بالعام يراد به ظاهره وبالعام يراد به العام في وجه والخاص في وجه وبالعام يراد به الخاص والظاهر يراد به غير الظاهر ...
      ثم قال الشاطبي : للغة العربية من حيث هي ألفاظ دالة على معان نظران :
      أحدهما من جهة كونها ألفاظ وعبارات مطلقة دالة على معان مطلقة وهى الدلالة الأصلية
      والثاني من جهة كونها ألفاظا وعبارات مقيدة دالة على معان خادمة وهي الدلالة التابعة". وأنظر موافقات الشاطبي في هذا المبحث فإنه مهم جدا.
      وينبغي التنبيه على أن الألفاظ العربية قد تخصص بلسان الشرع فيجب اعتبار مراد الشرع من اللفظ العربي كـ لفظ( الصلاة) و(الصيام) ومدلولهما اللغوي والشرعي, ولكن مع ذلك لا بد من بقاء المدلول اللغوي أو قل وجود ترابط بين المدلول اللغوي والشرعي ولابد. فقد يزيد الشارع معنى زائدا على ما جاء في لسان العرب.
      3- يمكن القول إن صح التعبير إن بيئة الصحابة ( سلفية) محضة فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم (قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك) بخلاف من جاء بعدهم الذين ظهرت فيهم البدع خصوصا في القرن الرابع وما بعده فقد صدق فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم (وَإِنَّ هَذِهِ الْمِلَّةَ سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثَلاَثٍ وَسَبْعِينَ ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِى النَّارِ وَوَاحِدَةٌ فِى الْجَنَّةِ وَهِىَ الْجَمَاعَة).
      قال المباركفوري في تحفة الأحوذي ج7/ص334: " واعلم أن أصول البدع كما نقل في المواقف ثمانية.
      المعتزلة القائلون بأن العباد خالقو أعمالهم وبنفي الرؤية وبوجوب الثواب والعقاب وهم عشرون فرقة.
      والشيعة المفرطون في محبة علي كرم الله وجهه وهم اثنان وعشرون فرقة.
      والخوارج المفرطة المكفرة له رضي الله عنه ومن أذنب كبيرة وهم عشرون فرقة.
      والمرجئة القائلة بأنه لا يضر مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة وهي خمس فرق.
      والنجارية الموافقة لأهل السنة في خلق الأفعال .
      والمعتزلة في نفي الصفات وحدوث الكلام وهم ثلاث فرق.
      والجبرية القائلة بسلب الاختيار عن العباد فرقة واحدة.
      والمشبهة الذين يشبهون الحق بالخلق في الجسمية والحلول فرقة أيضا فتلك اثنتان وسبعون فرقة كلهم في النار.
      والفرقة الناجية هم أهل السنة البيضاء المحمدية والطريقة النقية الأحمدية.

      ومما يدخل في تعظيم الشريعة توقير حملتها
      أخرج البخاري(3509):" عن ابن عمر عن أبي بكر رضي الله عنهم قال : ارقبوا محمدا صلى الله عليه و سلم في أهل بيته".
      قال النووي في رياض الصالحين ج1/ص81: " راعوه واحترموه وأكرموه".
      ففي الصحيحين (البخاري4/1868ح4631، مسلم2/1105ح1479) عن ابن عباس أنه قال:"كنت أريد أن أسأل عمر عن المرأتين اللتين تظاهرتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلبثت سنة ما أجد له موضعا حتى صحبته إلى مكة فلما كان بمر الظهران ذهب يقضي حاجته فقال أدركني بإداوة من ماء فأتيته بها فلما قضى حاجته ورجع ذهبت أصب عليه وذكرت فقلت له يا أمير المؤمنين من المرأتان ؟ فما قضيت كلامي حتى قال عائشة وحفصة".
      قال ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله2/45:" لم يمنع ابن عباس من سؤال عمر عن ذلك إلا هيبته".
      وأخرج الإمام أحمد في مسنده (ح 22807):" عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ليس من أمتي من لم يجل كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه قال عبد الله وسمعته أنا من هارون". قال شعيب الأرنؤوط : صحيح لغيره دون قوله:
      " ويعرف لعالمنا ". والحديث حسنه الألباني في كتابه ( الحديث حجة بنفسه ص83). وحسنه الهيثمي في مجمع الزوائد(ح 12610).
      وفي سنن الدارمي ج1/ص122: بَاب في تَوْقِيرِ الْعُلَمَاءِ.
      :" أخبرنا إِبْرَاهِيمُ بن إسحاق عن بَقِيَّةَ حدثني حَبِيبُ بن صَالِحٍ قال ما خِفْتُ أَحَدًا من الناس مخافتي خَالِدِ بن مَعْدَانَ".
      قال البخاري في التاريخ الكبير ج3/ص176: " عن بحير بن سعد قال ما رأيت أحدا كان أكرم للعلم من خالد بن معدان كان علمه في مصحف".
      وقال عنه ابن حبان في الثقات ج4/ص196:" لقى سبعين رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كنيته أبو عبد الله وكان من خيار عباد الله قدم العباس بن الوليد واليا على حمص فحضر يوم الجمعة الصلاة وخالد بن معدان في الصف فلما رآه إذا على العباس ثوب حرير فقام إليه خالد وشق الصفوف حتى أتاه فقال يا بن أخي إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى الرجال عن لبس هذا فقال يا عم هلا قلت أخفى من هذا فقال وغمك ما قلت والله لا سكنت بلدا أنت فيه فخرج منها وسكن الطرطوس فكتب العباس إلى أبيه يخبره بذلك فكتب الوليد إليه يا بنى الحقه بعطائه أينما كان فإنا لا نأمن أن يدعو علينا بدعوة فنهلك".
      قال عنه الذهبي في الكاشف ج1/ص369: " فقيه كبير ثبت مهيب مخلص".
      وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب ج3/ص102: " وكان الأوزاعي يعظم خالدا".
      قال الدارمي: وأخبرنا أبو نُعَيْمٍ ثنا سُفْيَانُ عن مُغِيرَةَ قال كنا نَهَابُ إبراهيم هَيْبَةَ الْأَمِيرِ.
      وأخبرنا سُلَيْمَانُ بن حَرْبٍ ثنا حَمَّادُ بن زَيْدٍ عن أَيُّوبَ قال حَدَّثَ سَعِيدُ بن جُبَيْرٍ يَوْمًا بِحَدِيثٍ فَقُمْتُ إليه فَاسْتَعَدْتُهُ فقال لي ما كُلَّ سَاعَةٍ أَحْلُبُ فَأُشْرَبُ.
      وأخبرنا محمد بن حُمَيْدٍ ثنا هَارُونُ هو بن الْمُغِيرَةِ وَيَحْيَى بن ضُرَيْسٍ عن عَمْرِو بن أبي قَيْسٍ عن عَطَاءٍ أن أَبَا عبد الرحمن كَرِهَ الحديث في الطَّرِيقِ .
      أخبرنا عبد اللَّهِ بن عِمْرَانَ ثنا يحيى بن ضُرَيْسٍ ثنا أبو سِنَانٍ عن حَبِيبِ بن أبي ثَابِتٍ قال كنا عِنْدَ سَعِيدِ بن جُبَيْرٍ فَحَدَّثَ بِحَدِيثٍ فقال له رَجُلٌ من حَدَّثَكَ هذا أو مِمَّنْ سَمِعْتَ هذا فَغَضِبَ وَمَنَعَنَا حَدِيثَهُ حتى قام".
      وبوب النسائي : باب توقير العلماء وأخرج حديث ابن عمر في القدر وفيه حديث جبريل وتوقيره للنبي صلى الله عليه وسلم.
      وذكر القاسمي في قواعد التحديث ج1/ص234: " عن بشر بن الحارث أن ابن المبارك سئل عن حديث وهو يمشى فقال ليس هذا من توقير العلم ".
      وقال الباجي في نصيحته لولديه المسماة بالنصيحة الولدية (ص14): " توقير العلماء والاقتداء بهم" ثم تفضيل التابعين ومن بعدهم من الأئمة والعلماء رحمهم الله والتعظيم لحقهم والاقتداء بهم والأخذ بهديهم والاقتفاء لآثارهم والتحفظ لأقوالهم واعتقاد إصابتهم".
      وقال نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي في مجمع الزوائد ج9/ص345:" عن الشعبي أن زيد بن ثابت كبر على أمه أربعا ثم أتى بدابته فأخذ له ابن عباس بالركاب فقال له زيد دعه أو ذره فقال ابن عباس هكذا نفعل بالعلماء الكبراء" رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير رزين الرماني وهو ثقة".
      وقال ابن حجر الهيثمي الصواعق المحرقة ج2/ص681:" وأتى عبد الله بن حسن بن حسين عمر بن عبد العزيز في حاجة فقال له إذا كانت لك حاجة فأرسل أو اكتب بها إلي فإني أستحيي من الله أن يراك على بابي".
      وفي الجرح والتعديل لابن أبي حاتم ج1/ص175:" عن معمر قال رأيت قتادة يسأل شعبة عن حديثه حدثنا عبد الرحمن نا صالح نا على قال سمعت يحيى قال رأيت عبد الوارث عند شعبة بين يديه جالسا ذليلا".
      وفي العقد الفريد لأحمد بن محمد بن عبد ربه الأندلسي ج2/ص84:" قال علي بن أبي طالب رضوان الله عليه من حقِّ العالِم عليكم إذا أتيته أن تسلِّم عليه خاصة وعلى القوم عامَّة وتجلس قُدَّامَه ولا تشير بيدك ولا تغمِزَ بعينك ولا تقول قال فلان خلافَ قولك ولا تأخذ بثوبه ولا تُلحّ عليه في السؤال فإنما هو بمنزلة النخلة المُرطبة التي لا يزال يسقط عليك منها شيء وقالوا إذا جلست إلى العالم فسَلْ تَفَقهاً ولا تَسل تعَنُّتاً".
      وبوب النووي في رياض الصالحين ج1/ص81:" باب توقير العلماء والكبار وأهل الفضل وتقديمهم على غيرهم ورفع مجالسهم وإظهار مرتبتهم"
      قال الله تعالى قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب.
      وعن أبي مسعود عقبة بن عمرو البدري الأنصاري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنا ولا يؤمّن الرجل الرجل في سلطانه ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه رواه مسلم وفي رواية له فأقدمهم سلما بدل سنا أو إسلاما ".
      قال ابن علان الصديقي في دليل الفالحين4/11 :" أي تعظيم العلماء: أي بالعلوم الشرعية وآلاتها المطلوبة: أي وإن لم يكونوا من ذوي السن، والمراد علماء السنة والجماعة لما ورد من الوعيد في تعظيم ذي البدعة، وكذا يعتبر هذا في قوله (والكبار) بكسر القاف: أي في السن وإن لم يكونوا أهل علم (وأهل الفضل) من الكرم والمروءة والشجاعة وغيرها من خصال الكمال التي بها تتفاضل الرجال (وتقديمهم على غيرهم) ممن لم يكونوا كذلك: وظاهر تعبيره أنهم عند اجتماعهم يرتبون بترتيبهم في الذكر، فيقدم ذو العلم على ذي السن، وهو على من بعده (ورفع مجالسهم) وكانوا هم ينبغي لهم أن لا يطلبوا رفعها تواضعاً واتباعاً لحديث «كان يجلس حيث ينتهي به المجلس» (وإظهار مرتبتهم) أداءاً لحق ذي الحق".
      قال الطحاوي في عقيدته :" وَعُلَمَاءُ السَّلَفِ مِنَ السَّابِقِينَ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ التَّابِعِينَ - أَهْلِ الْخَيْرِ وَالْأَثَرِ، وَأَهْلِ الْفِقْهِ وَالنَّظَرِ - لَا يُذْكَرُونَ إِلَّا بِالْجَمِيلِ، وَمَنْ ذَكَرَهُمْ بِسُوءٍ فَهُوَ عَلَى غَيْرِ السَّبِيلِ ".



      وخير الصدقة جهد المقلّ

      وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك

      تعليق

      يعمل...
      X