ذكر العلامة ابن قيم الجوزية رحمه الله في كتابه : إعلام الموقعين عن رب العالمين.
باب تحريم الحيل:
...فهذه الوجوه التي ذكرناها وأضعافها تدل على تحريم الحيل والعمل بها والافتاء بها في دين الله ومن تأمل أحاديث اللعن وجد عامتها لمن استحل محارم الله وأسقط
فرائضه بالحيل كقوله: "لعن الله المحلل والمحلل له, لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها وباعوها وأكلوا ثمنها, لعن الله الراشي والمرتشي, لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهده" ومعلوم ان الكاتب والشاهد انما يكتب ويشهد على الربا المحتال عليه ليتمكن من الكتابة والشهادة بخلاف ربا المجاهرة الظاهر ولعن في الخمر عشرة عاصرها ومعتصرها ومعلوم انه انما عصر عنبا ولعن الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة وقرن بينهما وبين آكل الربا وموكله والمحلل والمحلل له في حديث ابن مسعود وذلك للقدر المشترك بين هؤلاء الاصناف وهو التدليس والتلبيس فإن هذه تظهر من الخلقة ما ليس فيها والمحلل يظهر من الرغبة ما ليس عنده وآكل الربا يستحله بالدليس والمخادعة فيظهر من عقد التبايع ما ليس له حقيقة فهذا يستحل الربا بالبيع وذلك يستحل الزنا باسم النكاح فهذا يفسد الأموال وذاك يفسد الأنساب وابن مسعود هو راوي هذا الحديث وهو راوي حديث ما ظهر الزنا والربا في قوم إلا أحلوا بأنفسهم العقاب والله تعالى مسخ الذين استحلوا محارمه بالحيل قردة وخنازير جزاء من جنس عملهم فإنهم لما مسخوا شرعه وغيروه عن وجهه مسخ وجوههم وغيرها عن خلقتها والله تعالى ذم اهل الخداع والمكر ومن يقول بلسانه ما ليس في قلبه وأخبر ان المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وأخبر عنهم بمخالفة ظواهرهم لبواطنهم وسرائرهم لعلانيتهم واقوالهم لأفعالهم وهذا شأن أرباب الحيل المحرمة وهذه الأوصاف منطبقة عليهم فإن المخادعة هي الاحتيال والمراوغة بإظهار أمر جائز ليتوصل به إلى امر محرم يبطنه ولهذا يقال طريق خيدع اذا كان مخالفا للقصد لا يفطن له ويقال للسراب الخيدع لأنه يخدع من يراه ويغره وظاهره خلاف باطنه ويقال للضب خادع وفي المثل أخدع من ضب لمراوغته ويقال سوق خادعة أي متلونة وأصله الاختفاء والستر...