حكم سب الله عز وجل
و رسوله
صلى الله عليه وسلم
خطبة جمعة ألقاها:
فضيلة الشيخ الدكتور
عبد الله بن عبد الرحيم البخاري
حفظه الله تعالى
فرغها ونسقها:
حاتم فتح الله
بسم الله الرحمن الرحيم
الخطبة الأولى
و رسوله
صلى الله عليه وسلم
خطبة جمعة ألقاها:
فضيلة الشيخ الدكتور
عبد الله بن عبد الرحيم البخاري
حفظه الله تعالى
فرغها ونسقها:
حاتم فتح الله
بسم الله الرحمن الرحيم
الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده تعالى ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
-(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)- [آل عمران/102]
-(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)- [النساء/1]
-( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)- [الأحزاب/71-70].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه و آله سلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
و بعد أيها المؤمنون:
فاتقوا الله جل وعلا في السر والعلانية، واحمدوه جل في علاه أن هداكم إلى هذا الدين القويم، دين الإسلام الذي قال الله جل وعلا عنه: -(إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ)- [آل عمران/19]، وقال سبحانه:-(وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)- [آل عمران/85].
واشكروه جل في علاه على نعمه عليكم الظاهرة و الباطنة، والتي لا تعد ولا تحصى، وإن من أعظم نعم الله جل وعلا على عباده أن أنزل عليهم خير كتبه، وأرسل إليهم خير رسله محمدا صلى الله عليه وسلم الذي قال الله جل وعلا عنه:-(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)- [الأنبياء/107]، وقال:-(وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا)- [النساء/79]، وقال: -(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)- [القلم/4] .
أيها المؤمنون:
إن البشرية كانت قبل مبعثه صلى الله عليه وسلم في عماية وضلالة وظلم وبغي وشرك بالله جل وعلا وطغيان، فبعثه الله جل وعلا على فترة من الرسل فجاء الخير والفلاح والفوز والسعادة والخروج من الظلمات إلى النور بمبعثه صلى الله عليه وسلم ، يقول الله جل وعز: -(يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ)- [المائدة/15].
قال الإمام ابن جرير في التفسير عند هذه الآية: يعني بالنور محمدا صلى الله عليه وسلم الذي أنار الله به الحق، وأظهر به الإسلام ومحق به الشرك، فهو نور لمن استنار به صلى الله عليه وسلم، يبين به الحق. انتهى كلامه رحمه الله.
أشرقت الأرض فرحا وسرورا بمبعثه فداء أبي وأمي صلى الله عليه وسلم، قال أنس رضي الله تعالى عنه فيما أخرجه الترمذي في جامعه وهو صحيح: لما كان اليوم الذي دخل فيه النبي صلى الله عليه وسلم المدينة أضاء منها كل شيء، فلما كان اليوم الذي مات فيه أظلم منها كل شيء، ولمَـَا نفضنا عن رسول الله صلى الله عليه و آله سلم الأيدي وإنا لفي دفنه حتى أنكرنا قلوبنا. وهذا تعبير عن شدة اللوعة عن فقده صلى الله عليه وسلم .
أيها المؤمنون:
هذا النبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه له حقوق علينا وواجبات كثيرة، ولكن لما كان الأمر الآن جد خطير والخطب جَلَلٌ جسيم، أحببت أن أتناول أمرا مهما يتعلق بمقامه الشريف صلوات الله وسلامه عليه، ألا وهو الكلام عن حكم سبه أو تنقصه أو الاستهزاء به صلى الله عليه وسلم، أو بسنته عليه الصلاة والسلام، وما دعاني إلى هذا أيها المؤمنون إلا الغضب لله جل وعلا والغيرة على دينه سبحانه وتعالى، والدفاع عن عرضه صلى الله عليه وسلم فداه أبي وأمي، بعد إيذاء صدر من أحد الأراذل النكرات، بكتابات وكلمات كفرية مارقة فيها اعتداء وتطاول على الملك الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد، تطاول على ذات الله جل جلاله وتقدست أسمائه وتعالت صفاته، وما اكتفى هذا الأخرق بل زاد واستطال سخرية بكتاب الله جل وعلا المنزل من العزيز الحكيم الذي قال الله جل وعلا فيه:-(كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ)- [ص/29] واسترسل ذلك الأفاك مع شيطانه فاعتدى على مقام النبوة الكريم، على رسول رب العالمين صلوات الله وسلامه عليه، قال الله جل في علاه:-(وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)- [التوبة/61]، ويقول جل وعلا:-(إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)- [التوبة/40].
أيها المؤمنون:
أيها المؤمنون الصادقون إن الشيطان حريص كل الحرص أن يوقع العبد في المهالك ليكون معه في نار جهنم عياذا بالله، قال الله جل وعلا:-(كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ)- [الحشر/16-17].
لذا أيها المؤمنون النجاة النجاة، فمن أراد النجاة من وساوس الشيطان و خطراته ليس ذلك إلا بالاعتصام بكتاب الله وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولزوم هدي السلف الصالح من الصحابة ومن جاء بعدهم من سلف الأمة الصالحين، قال الله جل وعلا:-(وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)- [آل عمران/101] وقال عن نبيه الكريم صلوات الله وسلامه عليه:-(وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)- [الشورى/52].
أيها المؤمنون:
إن من أهم المهمات و آكد الواجبات أن يتعرف المسلم على حدود الله، ويقف عليها لئلا يتعداها أو يعتدي عليها، ومن ذلك أن يعلم معنى الإيمان بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو يقول في يومه وليلته: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله، فالإيمان بالنبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه هو كما نص العلماء معناه: تصديقه وطاعته وإتباع شريعته، وعليه فنواقض الإيمان به صلى الله عليه و آله سلم على قسمين:
* الأول: الطعن في شخصـه صلى الله عليه وسلم.
*[الثاني]: الطعن فيما أخبر به عليه الصلاة والسلام من دين الله إما بإنكار أو انتقاص.
و يلتحق بالأول يا رعاكم الله من طعن في عفته، أو صدقه، أو صلاحه، أو سَبَّهُ، أو ألحق به نقصا في نفسه، أو نسبه أو في خصلة من خصاله أو عَرّضَ به صلى الله عليه وسلم.
وإن من المنصوص عليه في كتب العلماء أن من نواقض الإسلام بُغْضُ شيء مما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، وكذا الاستهزاء بشيء من دين الرسول صلى الله عليه وسلم.
وبعد أيها المؤمنون:
فمن مقالات ذياك الأفاك وأعيذ سمعكم مما قال، ولكن الأمر والخطب جلل، يقول ذلك الأفاك الأثيم: في مولدك أجدك في وجهي أينما اتجهت، سأقول: إنني أحببت فيك أشياء وكرهت أشياء، ولم أفهم الكثير من الأشياء.
نعوذ بالله من العمى بعد الهدى، والغواية بعد الهداية، ما الذي كرهه من شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته، قال الله جل وعلا:-(ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ)- [محمد/9].
و يقول أيضا عامله الله بعدله: لن أقَبِّل يديك - مخاطبا رسول الله صلى الله عليه آله وسلم -، لن أقبل يديك سأصافحك مصافحة الند للند، وأبتسم لك كما تبتسم لي، وأتحدث معك كصديق فحسب، ليس أكثر.
-(كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا)- [الكهف/5] ، الند للند ليس أكثر أين هذا الأفاك من مقررات اعتقاد أهل السنة الجماعة من وجوب الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمه توقيره، قال الله جل في علاه:-(فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)- [النساء/65]، وقال عز من قائل:-(فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)- [الأعراف/157]، ويقول جل وعلا: -(لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا)- [الفتح/9].
قال الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الصارم المسلول على شاتم الرسول صلى الله عليه وسلم مبينا معنى التعزير قال: هو اسم جامع لنصره وتأييده ومنعه من كل ما يؤذيه صلى الله عليه وسلم. انتهى كلامه رحمه الله.
قال إمام اهل السنة الإمام أحمد بن حنبل: نظرت في المصحف فوجدت طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم في ثلاثة وثلاثين موضعا، ثم يأتي هذا المخذول المرذول يقول: ليس أكثر، -(كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا)- [الكهف/5].
بل تمادى في غوايته وضلاله وكفره وزندقته فقال وكأنه ممتن على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ولن أصلي عليك. خسئت فلن تعلو قدرك، والمؤمنون الشرفاء الصادقون الأوفياء يقولون بما قال الله جل في علاه في كتابه العزيز: -(إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)- [الأحزاب/56] فهم ممتثلون للأمر الإلهي، لعلمهم التام أن الصلاة على النبي صلى الله عليه و آله وسلم فداه أبي وأمي من أفضل القربات وأجل الطاعات، فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعقلون أيها الخاسرون.
أيها المؤمن المحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم الباحث عن نجاة نفسك:
اسمع واستمع لناصح لك مشفق عليك بحول الله تعالى: إياك ثم إياك أن تنساك خلف هذه الأبواق الشاذة الخارجة عن الحق وطريقة أهله، وإن مما يجب لفت النظر إليه والتنبيه عليه أن أقول لك وأصْدُقَكَ: ما معنى السَّب؟
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله معرفا السب قال: الكلام الذي يقصد به الانتقاص والاستخفاف، وهو ما يفهم منه السب في عقول الناس على اختلاف اعتقاداتهم كاللعن والتقبيح ونحوه. انتهى كلامه رحمه الله.
ثم لتعلم أيها المحب يا رعاك الله أن سب النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو انتقاص النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو من فعل أهل النفاق، ولقد نطق القرآن الكريم بكفر من استهزأ بالرسول العظيم، أو بشيء من كتاب الله المبين وشرعه الحكيم، قال عز من قائل وهو أصدق القائلين - -(وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا)- [النساء/122] -: -(يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ * وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ)- [التوبة/64-66].
قال الإمام ابن تيمية رحمه الله: هذا نص في أن الاستهزاء بالله وبآياته وبرسوله كفر، [فـ]السب المقصود بطريق الأولى، وقد دلت هذه الآية على أن كل من تنقص رسول الله صلى الله عليه وسلم جادا أو هازلا فقد كفر.
وقال الإمام عبد العزيز بن باز رحمه الله: هذه الآية الكريمة نص ظاهر وبرهان قاطع على كفر من استهزأ بالله العظيم أو رسوله الكريم أو كتابه المبين، وقد أجمع علماء الإسلام في جميع الأعصار و الأمصار على كفر من استهزأ بالله أو رسوله أو كتابه أو شيء من دينه، وأجمعوا على أن من استهزأ بشيء من ذلك وهو مسلم أنه يكون بذلك كافرا مرتدا عن الإسلام يجب قتله، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من بدل دينه فاقتلوه}.
ومن الأدلة لقاطعة على كفر من استهزأ بالله أو رسوله أو كتابه أن الاستهزاء تنقص واحتقار للمستهزأ به، والله سبحانه وتعالى له صفة الكمال، وكتابه من كلامه، وكلامه من صفاته، وصفاته صفات كمال، ورسوله صلى الله عليه وسلم هو أكمل الخلق وسيدهم وخاتم الأنبياء والمرسلين وخليل رب العالمين، فمن استهزأ بالله أو برسوله أو بكتابه أو بشيء من دينه فقد تنقصه واحتقره، واحتقار شيء من ذلك وتنقصه كفر ظاهر ونفاق سافر وعداء لرب العالمين وكفر برسوله الأمين، وقد نقل غير واحد من العلماء إجماع العلماء على كفر من سب الرسول صلى الله عليه وسلم أو تنقصه وعلى وجوب قتله. انتهى كلامه رحمه الله.
وعليه فلتعلم أيها المحب أن ساب النبي - فداه أبي وأمي- أن ساب النبي صلى الله عليه وسلم دمه هدر ومتوعد بالعقوبة، فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن رجلا أعمى كانت له أم ولد تشتم النبي صلى الله عليه وسلم وتقع فيه، فينهاها فلا تنتهي ويزجرها فلا تنـزجر، فلما كانت ذات ليلة جعلت تقع في النبي صلى الله عليه وسلم وتشتمه، فأخذ المِغْوَلَ - وهو سيف قصير - أخذ زوجها المغول - وهو سيف قصير - فوضعه على بطنها واتكأ عليها فقتلها، فلما أصبح ذُكِر ذلك لرسول الله صلوات الله وسلامه عليه فجمع الناس فقال: {أنشد الله رجلا فعل ما فعل لي عليه حق إلا قام} فقام الأعمى فقال: يا رسول الله أنا صاحبها، كانت تشتمك وتقع فيك، فأنهاها فلا تنتهي، وأزجرها فلا تنـزجر، ولي منها ابنان مثل اللؤلؤتين، وكانت بي رفيقة، فلما كانت البارحة جعلت تشتمك وتقع فيك، فأخذت المِغْوَل فوضعته في بطنها واتكأت عليها حتى قتلتها. فقال النبي صلى الله عليه و آله وسلم: {ألا اشهدوا أن دمها هدر} رواه أبو داود والنسائي و الدارقطني والحاكم وهو صحيح.
وقال الله جل وعلا في الحديث القدسي الصحيح الذي أخرجه البخاري في الصحيح: {من آذى لي وليا فقد آذنته بالحرب} فكيف بمن آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرة خلق الله أجمعين ورسول رب العالمين؟؟
وفي الصحيحين من حديث جابر رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في كعب بن الأشرف: {من لكعب بن الأشرف فإنه آذى الله ورسوله} فقام محمد بن مَسْلَمَةَ، قال: ايذن لي في قتله، فقال: {نعم}، فقتله محمد بن مسلمة رضي الله تعالى عنه بإذن منه صلى الله عليه وسلم. قال العلامة ابن بطال في شرح البخاري: والسب أعظم من الأذى.
وعن أنس رضي الله تعالى عنه قال: كان رجل نصرانا فأسلم وقرأ البقرة وآل عمران، فكان يكتب - هذا النصراني - كان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم، فعاد نصرانيا، فكان يقول - هذا الكاتب -: ما يدري محمد إلا ما كتبت له. فأماته الله فدفنوه، فأصبح وقد لفظته الأرض، فقالوا: هذا فعل محمد وأصحابه، لما هرب منهم نبشوا عن صاحبنا فألقوْه. فحفروا له فأعمقوه، فأصبح وقد لفظته الأرض، فقالوا هذا فعل محمد وأصحابه نبشوا عن صاحبنا لما هرب منهم فألقوه. فحفروا له و أعمقوا في الأرض ما استطاعوا إلى ذلك، فأصبح وقد لفظته الأرض، فعلموا أنه ليس من الناس فألقَوْه. أخرجه الشيخان في الصحيحين.
بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعني الله وإياكم بما فيهما من الآيات والحكمة، أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب وخطيئة إنه كان للأوابين غفورا.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، والصلاة والسلام الأتـمان الأكملان على سيد ولد آدم صلى الله عليه و آله وسلم.
ثم اعلموا رحمني الله وإياكم أن العلماء مجمعون على كفر من هزل بالله أو بكتابه أو برسوله أو بدينه؛ إذ من المتقرر أيها المؤمنون أن الإيمان بالله وبكتابه ورسوله أصل الدين والاستهزاء أو الاستخفاف أو السب بشيء من ذلك مناف لهذا الأصل، وهو أشد كفرا من الكفر المجرد، لأنه كفر ومعه احتقار وازدراء، قاله لعلامة السعدي رحمه الله.
ثم لنُذَكِّر بجملة من أقوال أئمة الهدى ومصابيح الدجى في هذا المقام، وهل لصاحب هذه المقالة من توبة؟
قال العلامة القاضي عياض رحمه الله: دلت نصوص الكتاب والسنة وإجماع الأمة على تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم وتوقيره واحترامه، ومن ثَمَّ حرم الله تعالى أذاه في كتابه وأجمعت الأمة على قتل منتقصه من المسلمين وسابه، قال اله تعالى: -(إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا)- [الأحزاب/57] ، وقال تعالى: -(وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا)- [الأحزاب/53].
و قال الإمام مالك بن أنس إمام دار الهجرة رضي الله عنه: من سب النبي عليه الصلاة والسلام من المسلمين قُتِلَ ولم يُستتب.
و قال أيضا رحمه الله: لا يستتاب من سب النبي صلى الله عليه وسلم من الكفار والمسلمين.
وقال إمام أهل السنة الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: من شتم النبي صلى الله عليه وسلم أو تنقصه مسلما كان أو كافرا فعليه القتل.
وقال الإمام ابن المنذر رحمه الله: أجمع عامة أهل العلم على أن من سب النبي عليه الصلاة والسلام عليه القتل، وممن قال ذلك مالك والليث وأحمد وإسحاق وهو مذهب الإمام الشافعي.
و قال القاضي عياض رحمه الله: إن كان القائل لما قاله في جهة رسول الله صلى الله عليه وسلم غير قاصد السب والازدراء ولا معتقد له، ولكنه تكلم في حقه عليه الصلاة والسلام بكلمة الكفر من لعنه أو سبه أو تكذيبه، وظهر بدليل حاله أنه لم يتعمد ذمه ولم يقصد سبه إما بجهالة حملته على ما قاله، أو ضجر أو سكر اضطره إليه، أو قلة مراقبة أو ضبط للسانه أو عجرفة وتهور في كلامه، فحكم هذا الوجه حكم الأول دون تلعثم - يريد رحمه الله أن يقتل ولو كان كذلك حاله بلا استتابة كما سبق -.
و جاء عن الإمام أحمد رحمه الله: لا تقبل توبة من سب النبي صلى الله عليه وسلم، كذا من قذف نبيا أو أمه لما في ذلك من التعرض للقدح في النبوة الموجبة للكفر.
فإن قال قائل: أليس قد ثبت أن من الناس سب الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته وقبِل النبي عليه الصلاة والسلام توبته؟
قــلنا: بأن هذا صحيح وهذا كان في حياته صلى الله عليه وسلم، والحق له وقد أسقطه صلى الله عليه وسلم وأما بعد موته فإنه لا يملك أحد إسقاط حقه صلى الله عليه وسلم، بل يجب علينا تنفيذ ما يقتضيه سبه من قتل سابه.
قال الإمام محمد بن سحنون: وفَرَّقْنَا بين من سب النبي صلى الله عليه وسلم من المسلمين، وبين من سبه من الكفار، فقتلنا المسلم ولم نقبل توبته لأنه لم ينتقل من دينه إلى غيره، إنما فعل شيئا حَدُّهُ عندنا القتل ولا عَفْوَ فيه لأحد فكان كالزنديق الذي لا تقبل توبته، لأنه لم ينتقل من ظاهر إلى ظاهر. انتهى كلامه.
فإن كان هذا المدعي التوبة صادقا في توبته فهي تنفعه في الآخرة، و أما حكمه في الدنيا فهو القتل.
فإن قال قائل: هو لا يقصد بل كان يمزح وكان يهزل.
قلنا: هذا أشد إذ لا عذر في الهزل، قال الإمام ابن القيم رحمه الله: والهزل لم يجعله الله ورسوله عذرا صارفا، بل صاحبه أحق بالعقوبة، ألا ترى أن الله تعالى عذر المكره في تَكَلُّمِه بكلمة الكفر إذا كان قلبه مطمئنا بالإيمان ولم يعذر الهازل، بل قال:-( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ)- [التوبة/65-66]. انتهى كلامه رحمه الله.
وبعد أيها المؤمنون يا رعاكم الله:
والله ما كنت أظن أننا نحتاج إلى مثل هذه التوضيحات، أعني بيان عظيم قدر النبي صلى الله عليه وسلم ومنزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخَطَرِ وخطير النيل من مقامه الشريف، ولكن مكره أخاك لا بطل.
ثم استمعوا معي يا رعاكم الله إلى هذا الحديث الصحيح الذي أخرجه الإمام البخاري في الصحيح فهو والله وبالله وتالله يفطر القلب السليم:
فعن جابر رضي الله تعالى عنه قال: كان يقوم عليه الصلاة والسلام يوم الجمعة إلى شجرة أو نخلة فقالت امرأة من الأنصار أو رجل من الأنصار: يا رسول الله ألا نجعل لك منبرا، فقال: { إن شئتم}، قال: فجعلوا له منبرا، فلما كان يوم الجمعة دُفِعَ إلى المنبر فصاحت النخلة صياح الصبي، ثم نزل النبي صلى الله عليه وسلم فضمها إليه وقال: {إنها تئن أنين الصبي الذي يسكن} ، ثم قال: {إنها كانت تبقي على ما كانت تسمع من الذكر عندها}.
و لهذا كان الإمام الحسن البصري رحمه الله عندما يحدث أصحابه بهذا الحديث كان يبكي رضي الله تعالى عنه ويقول: يا معشر المسلمين الخشبة تحن إلى رسول الله شوقا إلى لقائه، فأنتم أحق أن تشتاقوا إليه.
اللهم أعز الإسلام و المسليمن، اللهم أعز الإسلام و المسليمن، وانصر الإسلام والمسلمين، وأذل الكفر والكافرين، وانصر عبادك الموحدين، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا في من خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا، فأرسل السماء علينا مدرارا، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا، فأرسل السماء علينا مدرارا، اللهم سقيا رحمة لا سقيا هدم و لا بلاء ولا غرق.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
وتجدها صوتية على الرابط: