حقّ المؤلف الشرعي أخروي لا دنيوي
بسم الله الرحمن الرحيم
الدعوة إلى الله على بصيرة بنشر علوم الشريعة عبادة، والعبادة لا تُقبل من العبد إلا أن تكون خالصة لله وحده لا شريك له،فإن قُصد بها معه شيءٌ أو أحدٌ من مخلوقاته ـ بشراً أو مالاً أو سمعةً ـ فذلكم الشرك الأكبر أو الأصغر، قال الله تعالى: {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ} [الزمر: 11] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "قال الله تعالى: أنا أغني الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه" رواه مسلم. وذكر صلى الله عليه وسلم عن أول الناس من يقضي يوم القيامة فيه: "رجلٌ تعلم العلم وعلّمه وقرأ القرآن، فأتي به فعرّفه نِعَمَه فَعَرَفَها، قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلّمت العلم وعلّمتُه وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت ولكنك تعلّمت ليقال عالم، وقرأت القرآن ليقال هو قارئ فقد قيل، ثم أمر به فسُحِب على وجهه حتى أُلقي في النار" رواه مسلم. وفي القرن الأخير وقع كثير من المؤلفين الصالحين ومن هم دون ذلك في مصيدة من مصائد الشيطان باستساغتهم تحجير العلم الشرعي واحتكار التّكسّب به تحت مظلة قوانين الثورة الفرنسية المخالفة لما أنزل الله. ونظراً لقصر باعي في العلوم الشرعية وجهلي بالقوانين الوضعية فإني أُحِيْل هؤلاء ومن يريد اقتفاء آثارهم إلى بحث فريد أعدّه أخي صالح الحصين وهو من خير من أعرف في الجمع بين دراسة الشريعة وبين دراسة القوانين الوضعية التي لا تتقيد بشرع الله، ويتضمن ما يلي:
أ- لم يُعرف ما يسمى (حق المؤلف) قبل بدء المتاجرة بالمؤلفات الموسيقية والمسرحية ونحوها، ولعلّ أوّل قانون صدر بحماية هذا الحق هو القانون الفرنسي عام 1791م خاصاً بالمؤلفات المسرحية، ثم صدر قانون فرنسي آخر عام 1792م يمدّ الحماية إلى جميع المؤلفات الفنية والأدبية، (الوسيط 8/282).
ب- القانون الفرنسي وما نحا نحوه من قوانين ونُظُم تتفق على عدم إطلاق الحماية لحق المؤلف، وعلى تصنيف المؤلفات إلى محمية وغير محمية. ومثل الصنف الأول ما تشمله الموادّ (3و4و5) من نظام الحماية السعودي ومثل الصنف الثاني ما تشمله المادة (6) من النظام نفسه.
وفي حماية الصنف الأول استثناءات يمثلها في النظام السعودي الفقرات (من1 إلى 9) من المادة (6).
ج- الحماية التي ابتدعها القانون لحق المؤلفين ليست مؤبّدة بل هي مؤقتة بسنوات معدودة تسقط بنهايتها الحماية.
د- وبما أن هذا القانون شرع لم ينزل به الوحي فإنه يمكن أن يُعدَّل أو يُحدّد أو يُلغَى بقانون آخر وطني أو دولي ـ في حدود سيادة كل دولة ـ. وهذا يبين الفرق الكبير بين الحق القانوني للحماية وبين الحق الشرعي للتملك لمن يريد أن يتبين الفرق وَرَعاً واحتساباً وطاعة لله ورغبة فيما عنده.
هـ- جميع القوانين المنظِّمة لحقوق التأليف في بلاد المسلمين منقولة من القوانين الغربية الموجهة والمحكومة بالنظام الرأسمالي القائم على المنفعة المادية العاجلة، ولم يخطر ببال مخترع القانون بذل الجهد في التأليف ابتغاء وجه الله وثوابه ورضاه، وأداء واجب الجهاد الشرعي بالقلم، والدعوة إلى الله على بصيرة، وأن العلم النافع صدقة جارية يحرص المتصدق على انتفاع خلق الله منه بأي طريق، وأن ما عند الله خير وأبقى وإنما ينال باخلاص النية لله لا يشاركه شيء من حظوظ النفس الفانية، وأن توفيق الله للمؤلف وتأثيره في نفوس المتلقين إنما يكون بما يضع الله فيه من بركة بسبب إخلاصه له: "إنما الأعمال بالنية، وإنما لكل امرئ ما نوى" متفق عليه.
و- إذا كان مخترع القانون مدفوعاً بالعدل في قراره إشراك الموسيقى والرّوائي ومؤلف الأغاني والكاتب مع الناشر ومنظم الحفلات الموسيقية والغنائية والمسرحية ـ مثلاً ـ في القيمة المالية والمنفعة الدنيوية؛ فقد حاول رعاية المصلحة العامة، كما يقول كبير القانونيين العرب: (لم تتطور الإنسانية إلا بانتشار الفكر [والاحتكار يحد الانتشار]، ووجه آخر يرجع إلى أن صاحب الفكر [المؤلف] مَدِيْن للإنسانية إذ أن فكره ليس إلا حلقة في سلسلة حلقات.. وإذا أعان من لحقه فقد استعان بمن سبقه، ومقتضى ذلك ألا يكون [حق التأليف] حقاً مؤبداً) الوسيط للسّهنوري 8/281.
ز- ينخدع بعض المتفقهين [المستفيدين بخاصة] في هذا العصر باصطلاح (الملكية الأدبية والفنية) واصطلاح (حق المؤلف) فيحاولون تخريج هذا الحق القانوني على أحد الحقوق المقررة في الفقه الشرعي [كما يفعل المتحايلون على الربا بالبيع والشراء الصوري، وعلى الطلاق البائن بالتّيس المستعار] دون اعتبار للفرق بين الفكر المجرد وبين المادة المحسوسة (فالمادة تؤتي ثمارها بالاستحواذ عليها والاستئثار بها، أما الفكر فيؤتي ثماره بالانتشار لا بالاستئثار) الوسيط 8/278.
ح- لعلّ هذا يفسر عدم تقيّد التقنين المصري [القدوة للقوانين العربية] بأحكام الشريعة؛ يقول مؤلِّف هذا التقنين وشارحه: (والسّبب في أن المشرِّع قرر هذا الحكم دون أن يتقيد فيه بأحكام الشرع الإسلامي أن حق المؤلف في الاستغلال المالي لمصنفاته هو حق معنوي يقع على شيء غير مادي، فهو إذن ليس من قبيل [الحقوق] التي تقع على الأشياء المادية والتي يَنْظُر إليها الشرع وحدها في تقرير أحكام الميراث والوصية) الوسيط 8/297.
ط - وبعد هذا: هل يسري نظام حق المؤلِّف المالي على المؤلفات الشرعية عامة؟
لقد أشرنا من قبل إلى أن القانون الغربي هو الذي ابتدع الحق المالي للمؤلف، وهو الذي يبقيه أو يلغيه أو يعدله أو يبدله، وهو الذي يحدد نطاقه سواء في الزمان أو المكان أو نوع المؤلَّف أو نوع الانتفاع به، وأن غاية هذا الحق الممنوح بالقانون [لا بالشرع]: منح المؤلِّف سلطة احتكار استغلال مؤلَّفه مدة محدودة [لا ملكية مؤبدة]. ونضيف الآن ما يلي:
1- أن النظام السعودي ـ مثلاً ـ حينما عدد في المادة (3) المصنفات المشمولة بالحماية أَسْقَطَ ـ عَمْداً ـ بعض المصنفات التي نصت عليها القوانين التي نقل منها مثل المسرحيات والمصنفات الموسيقية والغنائية ومصنفات تصميم الرقص والتمثيل الإيمائي ونحوهما مراعاة للبيئة التي ينفذ فيها، وهذا يعني أنه عند تفسير أو تنفيذ هذا النظام لا بدّ أن يؤخذ في الاعتبار ملاءمة ذلك [للبلاد والدولة التي أسِّسَتْ من أول يوم على منهاج النبوة في الدين والدعوة].
2- عندما ذَكر هذا النظام ـ ضمن المصنفات المحمية ـ المواعظ؛ أَسْقَط ـ عَمْداً ـ وَصْفها بالدينية كما هي في النص المقتبس منه إذ لم يستسغ شمول المواعظ الدينية بالحماية [في البلد الوحيد الذي أُسِّس من أول يوم على تحكيم شرع الله والدعوة إليه بالحكمة والموعظة الحسنة].
3- وبما أن شريعة الله حاكمة على النظم التي تصدر في المملكة العربية السعودية؛ فإنه يجب تفسير النظم الصاردة فيها بما يتفق مع الشريعة (نصوصها وقواعدها ومقاصدها) لا بما يتفق مع قوانين البشر الأجنبية عنها.
4- أن من المؤلفات ما ليس له حق أصلاً ولا يحميها النظام بل يستثنيها من الحماية بالنص مثل ما نصّت عليه المادة (6) ك ـ (لا تشمل الحماية المقررة بمقتضى هذا النظام: الأنظمة والأحكام القضائية، وقرارات الهيئات الإدارية والاتفاقات الدولية وسائر الوثائق الرسمية) إلخ.
وبموجب هذا النص ليس للمؤلِّف حقٌّ ماليٌّ في مؤلفات الأحكام الشرعية، ولا قرارات هيئة كبار العلماء، ولا فتاوى اللجنة الدائمة، ولا فتاوى المفتين الرسميين، ولا تشملها الحماية وليس لأحد حق احتكارها. بل إن القوانين الدولية تتفق مع هذا النص: (هناك مصنفات يقوم بها موظفوا الدولة بحكم وظائفهم كمشروعات القانون.. وكالأحكام القضائية وكالتقارير الاقتصادية والمالية والعلمية والتعليمية والإحصاءات.. فهذه كلها تقع في الملك العام ولا يكون للدولة ولا لمن وضعوها ولا لأي أحدٍ آخر حق المؤلِّف عليها) الوسيط 8/330 (فهذه الوثائق هي حق شائع للجميع، إذ يراد بها أن تكون في متناول كل فرد) الوسيط 8/303.
ي- وهل يحمي هذا النظام المؤلفات الشرعية غير المنصوص عليها في المادة (6) باستثنائها من الحماية؟
للإجابة على هذا السؤال لا بدّ من اصطحاب المعاني التالية:
1- أن التعبد لله ببيان حرامه وحلاله، والدعوة إلى توحيده واتباع سنة رسوله والتحذير من الإشراك به والابتداع في دينه، والبحث في أصول الدين وفروعه، والوسائل المشروعة التي توصل إلى ذلك هو ما نقصده بمصطلح (المؤلفات الشرعية)، وهو من أفضل ما يتقرب به العبد لمعبوده، وأساس العبادة إخلاصها لله وتنزيهها عن شوائب الشرك بحظوظ النفس وإرادة العاجلة.
2- واجب المسلم: الغيرة على الأخلاق الشرعية التي تميز من يرجو لقاء الله وثوابه الأبدي من أن تطغى عليها أخلاق غير شرعية تسلّلت من الحضارة العلمانية وتكررت بين المسلمين حتى صارت عادات مألوفة وهي تخالف شرع الله وسنة رسوله وسبيل المؤمنين القدوة. ولا شك أن إشراف المؤلِّف المسلم وسُؤَاله ثمن مؤلَّفه في العلوم الشرعية وابتداع قاعدة عامة وعُرْف سائد بين جماعة المسلمين تقضي بأن يقبض ثمرة علمه وعبادته ثمناً بخساً دراهم معدودة؛ إنما ذلك هدم للأخلاق الشرعية العظيمية التي رضيها الله وأتم بها النعمة.
3- ذكرنا فيما سبق أن القوانين المنظمة لحق المؤلِّف المالي هي من ابتداع حكومة الثورة الفرنسية الغاشمة التي قامت على فكرة العلمانية وعزل الدين عن النظام ومع ذلك راعت حقوق الناس جميعاً في المؤلَّف لأنهم شركاء في إنتاجه، بل إن مشاركتهم فيه هي العنصر الغالب والأهم [من حيث الحافز للمؤلِّف، وإعداده ليكون أهلاً للتأليف، وتوفير أدوات التأليف ووسائله: اللغة والفكر وطرق البحث ومراجعه.. إلخ]، وإنما قام بالتعبير واللغة ليست من عنده، وتوسّل بالكتابة وهي ليست من ابتكاره ولا شيء من أدواتها، وأغلب عناصر التفكير ـ إن لم تكن كلّها ـ حصل عليها المؤلِّف من مؤلِّفين سابقين لم يَطْلُب خَيرُهُم حقوقاً مالية لمؤلفاتهم؛ لهذا لم تجعل القوانين حق المؤلِّف مطلقاً.
4- في البيئة المسلمة توجد أسباب أخرى سبقت الإشارة إلى بعضها تمنع أن يُقَدَّر حقُّ المؤلِّف فوق قدره، وفي المؤلفات الشرعية بخاصة حقوق لله تعالى فوق حقوق خلقه لا بدّ من حمايتها.
5- ما لم يفصح المؤلِّف الشرعي عن إرادته: العاجلة من عمله أو إشراك حظ النفس مع الله فيه؛ فإن مؤلَّفه يقع في الملكيّة العامة كالصدقة الجارية والوقف، وإذا كانت القوانين لا تحمي المؤلَّف الواقع في الملكية العامة حتى لا تعوق الحمايةُ التَّقَدُّم الدنيوي؛ فالأولى ألا يُحْمَى المؤلَّف الواقع في الملكية العامة مما يُقْصد منه ـ شرعاً ـ هداية الخلق وإظهار العلم المحرّم كتمانه ورضا الله وثوابه في الآخرة الباقية.
وبما أنه لا يجوز للمتصدق العَود في صدقته ولا يجوز للواقف الرُّجوع عن وقفه؛ فإن المؤلَّف الذي تقرّب به مؤلِّفه له لا يجوز لمؤلِّفه الرجوع فيه [ولا تحجيره ولا احتكاره] فضلاً عن أنه يجوز ذلك لورثته.
6- أما لو أفصح المؤلِّف الشرعي صراحة عن إرادته أن يتمتع مؤلَّفه بالحماية القانونية، وأن يتمتع هو بالحق المالي القانوني للتأليف؛ فقد تجاب رغبته من الناحية القانونية [في البلاد التي تحكمها قوانين البشر، أما عن جواز هذا القصد من الناحية الشرعية وسريان الحماية [والتحجير والاحتكار] على المؤلَّف فقد سبقت الإشارة إلى الجواب {لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [قـ : 37].
ك- يتردد في حجج المؤلِّفين من طلاب العلم الشرعي الرّاغبين في الاستفادة من قانون حفظ حقوق المؤلِّف ما يلي:
1- حفظ حقوق التأليف يشجع البحث ويشحذ الهمم للتأليف.
2- الناشر يَكْسَب المال والدّعاية من نشره المؤلَّف فكيف يُحْرَم المؤلِّف؟
والجواب: أنَّ هذه بعض الحجج نفسها الدافعة لاصدار قوانين الحفظ والحماية، أمّا المسلم فلن يكون مغبوناً أو محروماً إذا اختار ما وعد الله المخلصين له على دراهم معدودة يستعجلها ثمناً لما يُبْتغي به وجه الله وحده. وإذا كانت الثكلى ليست كالنائحة المأجورة، وإذا كان انبعاث الهمّة للبحث والتأليف الشرعي بقصد نفع الخلق وثواب الخالق أحرى بحصول البركة والقبول والنّفع والانتشار للمؤلَّف، وإذا وضع المؤلِّف ذلك في حسابه ووزنه وقياسه فوق كل اعتبار؛ [ألا يكفيه شرع الله وثوابه عما ابتدعته القوانين العلمانية؟]
3- يدّعي بعض المؤلفين في العلوم الشرعية أنهم يختارون تمتّع مؤلَّفاتهم بالحماية القانونية بقصد صرف حقوق التأليف المالية في سبيل الله. وهذه المصلحة لو تحققت لا يمكن أن ترجح بمصلحة المحافظة على الأخلاق الشرعية [ومصلحة العدول عن اتباع القوانين والتقاليد العلمانية إلى اتباع سبيل المؤمنين من فقهاء الأمة المعتد بهم، ومصلحة إخلاص العمل الشرعي لله وحده، ومصلحة اختيار ثواب الآخرة على ثواب الدنيا].
ل- كان السلف يَعُون الفرق بين جزاء المؤلِّف [الأخروي] والجزاء [الدنيوي] لمن يتكسب باستنساخ مؤلَّفه من الوراقين والنساخ، ولم ينقل التاريخ حادثة واحدة من المشاحة والشحناء بين المؤلِّف والوَرَّاق على انتفاع الثاني وارتفاقه بعمل الأول الذي يحتسب الأجر بنفع أخيه ويستفيد من ذلك بنشر مؤلَّفه، ونستطيع أن نجزم بأنه لم يخطر ببال مؤلِّف شرعي أن يأخذ ثمناً مقابل استنساخ الوَرَّاق مؤلَّفه قبل صدور القانون الفرنسي.
م- يغلو المؤلِّفون والمعنيون بتنفيذ نظام المطبوعات في التنفيذ بما يتجاوز حدود النظام؛ إذ لا يفرق التنفيذيون بين ما يحميه النظام وبين ما يَرْفع عنه الحماية ولا بين ما تجاوز مدّة الحماية القانونية، وترى المؤلِّف يسجِّل على الصفحة الأولى من مؤلَّفه أنه لا يجيز لأحدٍ طبعه ولا الاقتباس منه ولا ترجمته، ولا.. ولا.. ولا.. إلا بإذن خطي منه مخالفةً للنظام الذي أجاز في فقراتٍ عَشْر من المادة ( أنواعاً من وجوه الاستخدام للمؤلِّف دون إذن المؤلِّف.
ومن أمثلة الغلوّ في التنفيذ إلزام الناشرين بالحصول على إذن من أئمة المساجد قبل نشر تسجيل لقراءة أيٍ منهم في صلاة التراويح [وهذا مخالف لشرع الله لأن حق الصلاة وتلاوة القرآن لله وحده، ومخالف للنظام والقانون لأن الإمام موظف للدولة والأمة وإنتاجه واقع في الملكية العامة].
ن- أُنَاشِدُ علماء الأمة أن يَعُوا مسؤليتهم ـ طاعة لله ولرسوله ولولاة الأمر منهم ـ فيعملوا على مكافحة الخطر الأخلاقي المحدق بالأمة في ظل الغزو الحضاري الدّاهم). انتهى النقل من البحث المنشور كاملاً في مجلة العدل.
قُلْتُ: ومن أسوأ أمثلة الغلوّ والإسراف في التنفيذ أن يحرص التنفيذيون على وضع خاتم القانون الوضعي العلماني بحفظ الحقوق على كل مصحف وكل تفسير وكل شريط تسجيل أنتجته أكبر مؤسسة في العالم لنشر كتاب الله وقفاً لله تعالى على المسلمين أسسها ولي الأمر في دولة الدعوة إلى الكتاب والسنة خدمة للإسلام والمسلمين فقطع التنفيذيون هذا الطريق العظيم ـ وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ـ بمنع الناشرين الآخرين حق نشر كتاب الله، والمستفيد الوحيد: الخطاط الذي باع حقوقه القانونية على المؤسسة، وبسبب تحجيرها واحتكارها استمر في بيع حقوقه القانونية على الآخرين؛ فَحُرِم المؤسِّس والمؤسَّسة زيادة الأجر وحُرِم كتاب الله زيادة الانتشار، هدى الله الجميع لأقرب من هذا رشدا، حتى تتحرّر رقابهم من نَيْر التقليد الغربي والرُوتين الإداري والعادة والعاطفة والمنفعة الخاصة العاجلة.
وكان فقهاء الأمة الأوَل يَعُدُّون العلم الشرعي مشاعاً بين الأمة ولربما نقل المؤلِّف منهم نصف مؤلَّفه أو أكثره أوكلّه ممن سبقه دون عَزوه إلى من نقله منه، فلا يُعَد ذلك سَرقةً بل تعاوناً على نشر دين الله الذي لا يملكه البشر ولا يجوز لهم تحجيره ولا احتكاره. وبالمناسبة؛ لم يعتادوا طلب (تقديم) الكتاب تزكية للنفس غير مباشرة، ولا تسويد الصفحات بتخريج الآيات ليعلم القارئ أنَّ {الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} هي الآية الأولى من سورة الفاتحة. والله الموفق.
كتبه/سعد بن عبد الرحمن الحصين عفا الله عنه، تعاونا على البر والتقوى وتحذيرا من الاثم والعدوان. الطائف ـ 1425هـ
المصدر
تعليق