بسم الله الرحمن الرحيم
أدب الرجوع والبحث عنه
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين.أدب الرجوع والبحث عنه
أما بعد:
فمن الآداب الإسلامية التي جاء الترغيب فيها، وأمرنا بها ربنا عز وجل في كتابه، وأرشد إليها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في سنته، وهي سنة الرجوع عند زيارتك لأحد أصدقائك أوأقاربك إذا قيل لك: ارجع، فترجع ممتثلا لأمر الله تعالى ومستجيبا لسنة رسوله عليه الصلاة والسلام.
قال الله تعالى : {فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّىٰ يُؤْذَنَ لَكُمْ ۖ وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا ۖ هُوَ أَزْكَىٰ لَكُمْ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}.
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، ق7ال: كنت في مجلس من مجالس الأنصار، إذ جاء أبو موسى كأنه مذعور، فقال: استأذنت على عمر ثلاثا، فلم يؤذن لي فرجعت، فقال: ما منعك؟ قلت: استأذنت ثلاثا فلم يؤذن لي فرجعت، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له فليرجع» فقال: والله لتقيمن عليه ببينة، أمنكم أحد سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال أبي بن كعب: والله لا يقوم معك إلا أصغر القوم، فكنت أصغر القوم فقمت معه، فأخبرت عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك.
متفق عليه.
وهذا الخلق العظيم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطبقه في حياته.
عن أنس رضي الله عنه، أو غيره، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استأذن على سعد بن عبادة، فقال: «السلام عليكم ورحمة الله» ، فقال سعد: وعليك السلام ورحمة الله، ولم يسمع النبي صلى الله عليه وسلم حتى سلم ثلاثا، ورد عليه سعد ثلاثا، ولم يسمعه فرجع النبي صلى الله عليه وسلم واتبعه سعد، فقال: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، ما سلمت تسليمة إلا هي بأذني، ولقد رددت عليك ولم أسمعك، أحببت أن أستكثر من سلامك، ومن البركة، ثم أدخله البيت فقرب له زبيبا، فأكل نبي الله صلى الله عليه وسلم، فلما فرغ قال: «أكل طعامكم الأبرار، وصلت عليكم الملائكة، وأفطر عندكم الصائمون».
أخرجه أحمد في ((المسند)) والبزار في ((المسند)) معمر في ((الجامع)) والصحاوي في ((مشكل الآثار)) والغوي في ((شرح السنة)) والضياء في ((المختارة)) والبيهقي في ((السنن الكبرى)) و في ((الدعوات الكبير)) و في ((الآداب)).
قال محققو المسند: إسناده صحيح على شرط الشيخين.
وهذا الأدب الرفيع كان بعض السلف يتطله تطلبا حثيتا.
قال قتادة : قال رجل من المهاجرين : لقد طلبت عمري كله هذه الآية فما أدركتها : إن أستأذن على بعض إخواني ، فيقول لي : ارجع ، فأرجع وأنا مغتبط ، لقوله " وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم "
أخرجه ابن جرير في ((تفسيره)).
فكثير من المسلمين اليوم يغضب إن لم يفتح له الباب، ويشتد غضبه إذا قيل له: ارجع، ومن الناس من يتجسس ليعرف هل صاحبه موجود أم لا، فيحمل حق أخيه الذي كفله له الشرع ولم يتقبله يحمله على أنه طرد منه، ثم ينشر قصته مع أخيه في المجالس الخاصة، فيغتاب أخاه ويغضب في غير موضعه.
فمن منا اليوم يسعى في دخوله تحت قوله تعالى: {هُوَ أَزْكَىٰ لَكُمْ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} ويزكي نفسه؟
ومن منا اليوم لا يغضب إذا قيل له: ارجع؟
ومن منا اليوم يغطبة إذا قيل له: ارجع؟
فالنفوس إذا كانت كبارا تعبت في مرادها الأجسام.
هذا والله أعلم، وبالله التوفيق، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
القاهرة مصر: يوم الجمعة ١٢ شوال سنة ١٤٤٣ هـ
لموافق لـ: ١٢ مايو سنة ٢٠٢٢ ف
تعليق