بسم الله الرحمن الرحيم
المنتعل راكب
المنتعل راكب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
فالنعم الظاهر المنتشرة قليل من يستشعرها ويحس بها، فضلا على أن يحمد الله تعالى عليها.
فهذا الهواء النقي الذي نستنشقه صباح مساء ولو حبس عنا بضع دقائق لهلكنا، مَن مِنا يحمد الله على هذه النعمة التي يصعب على كثير ممن أصيب بفايروس كورونا أن يتنعم بها، والكثير يدخل العزل ليوضع له التنفس الصناعي.
قال الله عز وجل: {إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون} [البقرة: 243].
وقال الله جل جلاله: {واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون} [يوسف: 38].
وقال الله تعالى: {وقليل من عبادي الشكور} [سبأ: 13].
وقال الله سبحانه: {الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون} [غافر: 61].
قال العلامة ابن سعدي رحمه الله في ((تيسير الكريم الرحمن)) : ((فأكثرهم، لم يشكروا الله تعالى على ما أولاهم من نعمه، ودفع عنهم من النقم)) اهـ.
ومن النعم التي نغفل عنها ولا تفارقنا في حلنا وترحالنا النعال.
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول في غزوة غزوناها: ((استكثروا من النعال، فإن الرجل لا يزال راكبا ما انتعل)).
أخرجه مسلم.
قال العلامة النووي رحمه الله في ((شرحه على مسلم)) : ((معناه أنه شبيه بالراكب في خفة المشقة عليه، وقلة تعبه، وسلامة رجله مما يعرض في الطريق، من خشونة، وشوك، وأذى، ونحو ذلك، وفيه استحباب الاستظهار في السفر بالنعال، وغيرهما، مما يحتاج إليه المسافر)) اهـ.
وقال العلامة القرطبي رحمه الله في ((المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم)) : ((هذا كلام بليغ، ولفظ فصيح، بحيث لا ينسج على منواله، ولا يؤتى بمثاله. وهو إرشاد إلى المصلحة، وتنبيه على ما يخفف المشقة، فإنَّ الحافي المديم للمشي يلقى من الآلام، والمشقات، بالعثار، والوجى، ما يقطعه عن المشي، ويمنعه من الوصول إلى مقصوده بخلاف المنتعل؛ فإنَّه لا يحصل له ذلك فيدوم مشيه، فيصل إلى مقصوده كالرَّاكب، فلذلك شبهه بالرَّاكب)) اهـ.
فهذه النعال التي كثرت في عصرنا حتى خصص للمناسبات الاجتماعية نعال ولرياضة نعال وللمهن والحرف نعال.
وفي زمن النبوة كان بعض الصحابة رضوان الله عليهم لا يجدون ما يركونه من النعال.
عن أبي موسى رضي الله عنه، قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة ونحن ستة نفر بيننا بعير نعتقبه.
قال: (فنقبت أقدامنا، فنقبت قدماي، وسقطت أظفاري، فكنا نلف على أرجلنا الخرق، فسميت غزوة ذات الرقاع لما كنا نعصب على أرجلنا من الخرق).
أخرجه مسلم.
فعلى المسلم أن يستشعر ما يحيط به من النعم، ويحمد الله تعالى عليها، ويسأل الله الكريم لإخوانه من فضله.
وأن يستحضر النية الشكر بإظهار هذه النعمة عليه.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في ((الفتح)): ((من قصد بالملبوس الحسن إظهار نعمة الله عليه مستحضرا لها شاكرا عليها غير محتقر لمن ليس له مثله لا يضره ما لبس من المباحات ولو كان في غاية النفاسة)) اهـ.
وهذه جملة من آداب لبس النعال ينبغي مراعاتها لتحقيق شكر الله بالعمل.
استحباب الدعاء عند لبس النعال الجديد.
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استجد ثوبا سماه باسمه عمامة، أو قميصا، أو رداء يقول: ((اللهم لك الحمد أنت كسوتنيه، أسألك خيره وخير ما صنع له، وأعوذ بك من شره وشر ما صنع له)).
أخرجه أحمد في ((المسند)) وأبو داود في ((السنن)) والترمذي ((الجامع)) وعبد بن حميد في ((المسند)) والحاكم في ((المستدرك)) والبيهقي في ((الشعب)) و ((الدعوات الكبير)) و ((الآداب)) وصححه الألباني.
وقد بوب العلامة النووي في كتابه ((رياض الصالحين)) : (باب ما يقول إذا لبس ثوبا جديدا أو نعلا أو نحوه).
استحباب الابتداء باليمين عند لبس النعل.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا انتعل أحدكم فليبدأ باليمين، وإذا نزع فليبدأ بالشمال، ليكن اليمنى أولهما تنعل وآخرهما تنزع)).
متفق عليه.
كراهية لبس النعل قائمًا.
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: (نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ينتعل الرجل قائما).
أخرجه أبو داود في ((السنن)) والبيهقي في ((الشعب)) و ((الآداب)) وجاء عند ابن ماجه في ((السنن)) من حديث ابن عمر وأبي هريرة وعند الروياني في ((المسند)) أبي يعلى في ((المسند)) والضياء في ((لمختارة)) والخرائطي في ((اعتلال القلوب)) من حديث أنس وصححه الألباني.
قال العلامة الخطابي رحمه الله في ((معالم السنن)): ((يشبه أن يكون إنما نهي عن لبس النعل قائما، لأن لبسها قاعدا أسهل عليه وأمكن له، وربما كان ذلك سببا لانقلابه إذا لبسها قائما، فأمر بالقعود له والاستعانة باليد ليأمن غائلته، والله أعلم)) اهـ.
كراهية المشي في نعل واحد.
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا انقطع شسع أحدكم أو من انقطع شسع نعله فلا يمش في نعل واحدة حتى يصلح شسعه ولا يمش في خف واحد ولا يأكل بشماله ولا يحتبي بالثوب الواحد ولا يلتحف الصماء)).
أخرجه مسلم.
استحباب الصلاة في النعال أحيانا.
عن شداد بن أوس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خالفوا اليهود فإنهم لا يصلون في نعالهم، ولا خفافهم)).
أخرجه أبو داود في ((السنن)) وابن حبان ((صحيحه)) والحاكم في ((المستدرك)) والبغوي في ((شرح السنة)) والبيهقي في ((السنن الكبرى)) و ((الآداب)) وصححه الألباني.
فمن وفقه الله للعمل بهذه الآداب فقد أعين على خير عظيم.
هذا والله أعلم، وبالله التوفيق، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
✍???? كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: يوم الأحد 25 شوال سنة 1442 هـ
الموافق لـ: 6 يونيو سنة 2021 ف
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: يوم الأحد 25 شوال سنة 1442 هـ
الموافق لـ: 6 يونيو سنة 2021 ف
تعليق