بسم الله الرحمن الرحيم
الفتور مع كورونا
الفتور مع كورونا
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
فلما كانت المثبطات والمحبطات كثيرة وخاصة في هذا العصر، وتكالب على المؤمن في سيره إلى الله تعالى أشد الأعداء الدنيا والنفس الأمارة بالسوء ومن شياطين الإنس والجن والهوى.
إني ابتليت بأربــــــــع ما سلطوا *** إلا لشدة شقوتــي وعنـــائي
ابليس والدنيا ونفسي والهـــوى *** كيف الخلاص وكلهم أعدائي
وأرى الهوى تدعو إليه خواطري *** في ظلمة الشهوات والآراء
ابليس والدنيا ونفسي والهـــوى *** كيف الخلاص وكلهم أعدائي
وأرى الهوى تدعو إليه خواطري *** في ظلمة الشهوات والآراء
وقيل:
نفسي وشيطاني ودنيا والهوى *** كيف الخلاص وكلهم اعدائي
وعلم الحصيف أن الإخلاص لله عز وجل هو الدواء الناجع للخلاص من شراك أعدائه، فعمل المخلصون على مجاهدة هؤلاء الأعداء المتكالبين فنالوا الفوز والفلاح.
قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69].
وفي زمن تفشي وباء كورونا يشتكي بعض الطيبين من ضعف الإيمان والفتور، وهذا المرض الفتاك والداء العضال له أسباب متعددة، ترجع هذه الأسباب في وقت هذا الوباء والله أعلم لأربعة أشياء:
- إغلاق المساجد.
- توقف الدروس.
- قلة وندرة اللقاءات.
- انقطاع التواصل مع الإخوة والأصدقاء.
ومن هنا نعلم أهمية الجليس الصالح الناصح، ولا يعدم المرء في يومه من فائدة في دينه ودنياه من إخوانه وخلانه الصالحين.
عن أبي موسى رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مثل الجليس الصالح والسوء، كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك: إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير: إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد ريحا خبيث)).
متفق عليه.
وفي رواية عند أحمد: ((المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا، ومثل الجليس الصالح مثل العطار إن لم يحذك من عطره علقك من ريحه، ومثل الجليس السوء مثل الكير إن لم يحرقك نالك من شرره. والخازن الأمين الذي يؤدي ما أمر به مؤتجرا أحد المتصدقين)).
قال محققو المسند: إسناده صحيح على شرط الشيخين.
كما أنه ينبغي أن يعلم من أصابه هذا المرض في وقت الوباء وكان قد جعل الركن الأساسي لزيادة إيمانه والعمدة لثباته والركيزة لرفع الهمة لقاء إخوانه والاجتماع بخلانه أن عنده خلل عظيم، وأنه قد حصل منه تقصير في جوانب كثيرة ترفع الهمة وتقوي العزيمة وتزيد في إيمانه وتنشطه في سيره إلى الله والدار الآخرة.
ولهذا علينا أن نوطن أنفسنا على الاستقامة والثبات على السنة ولو فتر الناس كلهم.
قال الله تعالى مخاطبنا نبيه موسى بن عمران عليه الصلاة والسلام: {وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها} [الأعراف: 145].
قال العلامة البغوي رحمه الله في ((معالم التنزيل)): (({فخذها بقوة} أي: بجد واجتهاد، وقيل: بقوة القلب وصحة العزيمة، لأنه إذا أخذه بضعف النية أداه إلى الفتور)) اهـ
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (ليوطنن المرء نفسه على أنه إن كفر من في الأرض جميعاً لم يكفر).
أخرجه ابن بطة في ((الإبانة الكبرى)).
ومن هذه النصيحة لهذا الصحابي الجليل تأتي الوصية: (ليوطنن المرء نفسه على أنه إن فتر من حوله جميعاً لم يفتر).
ومن الأسباب التي يوطن به المرء نفسه على الثبات وزيادة الإيمان ما جمعها العالم الجليل عبد الرزاق البدر حفظه الله في كتابه ((زيادة الإيمان ونقصانه وحكم الاستثناء فيه)) (ص: 167) وقد أفرد هذا الباب مع ما ينقصه في كتيب بعنوان: (أسباب زيادة الإيمان ونقصانه)، فقال: ((أسباب زيادة الإيمان
لقد جعل الله سبحانه لكل مرغوب ومطلوب سبباً وطريقاً يوصل إليه، وإن أهم وأعظم المطالب وأعمها نفعاً هو الإيمان، وقد جعل الله له مواد كثيرة تجلبه وتقويه، وأسباباً عديدة تزيده وتنميه، إذا فعلها العباد قوى يقينهم وزاد إيمانهم، بينها الله في كتابه وبينها رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته.
ولعل أهم هذه الأسباب ما يلي:
[ثم سرد هذه الأسباب مع التفصيل مستشهدا بآيات وأحاديث ومدعما بأقوال أهل العلم مع ابداع في التوضيح وجمال العبارة وحسن التنسيق، يحسن الوقف عليها والاستفادة منها لمن أصابه داء الفتور، وهذا فهرسها كم في آخر الكتاب]:
أولاً: تعلم العلم النافع.
ذكر جملة من أبواب العلم الشرعي التي يحصل بها زيادة الإيمان.
الأول: قراءة القرآن الكريم وتدبره.
الثاني: معرفة أسماء الله الحسنى وصفاته العلى
الثالث: تأمل سيرة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.
الرابع: تأمل محاسن الدين الإسلامي.
الخامس : قراءة سيرة سلف هذه الأمة.
ثانياً: التأمل في آيات الله الكونية:
ثالثاً: الاجتهاد في القيام بالأعمال الصالحة الخالصة لوجه الله.
أعمال القلب.
أعمال اللسان.
أعمال الجوارح.
أثر الدعوة إلى الله في زيادة الإيمان وقوته ونمائه.
أثر مجالسة الأخيار ومرافقتهم في زيادة الإيمان.
أثر البعد عن أسباب نقص الإيمان والحذر منها في زيادة الإيمان)) اهـ.
فحري بمن عرف هذه الأسباب ووقف عليها أن يشمر عن ساعد الجد مستعينا بالله ومتعوذا من الكسل والفتور.
عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل)).
متفق عليه.
وأسأل الله الرحمن الرحيم أن يرحمنا برحمته التي وسعت كل شيء وأن يرفع عن بلادنا وجميع بلاد المسلمين الوباء والزنا والزلال والفتن وأن يحفظنا بحفظه ويعيذنا من العجز والفتور وأن يوفقنا لما يحبه ويرضاه ويلهمنا رشدنا ويقينا شر أنفسنا ويرينا الحق حقًا ويرزقنا اتباعه والباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه، وأن يصلح لنا النية والعمل.
هذا والله أعلم، وبالله التوفيق، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
✍️ كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: يوم الأثنين 11 صفر سنة 1442 هـ
الموافق لـ: 28 سبتمبر سنة 2020 ف
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: يوم الأثنين 11 صفر سنة 1442 هـ
الموافق لـ: 28 سبتمبر سنة 2020 ف