الخطبة الأولى
إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونتوبُ إليه، ونعوذُ به من شرورِ أنفسِنا؛ ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ؛ فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل؛ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه صلَّى اللهُ عليه، وعلى آلهِ، وصحبِهِ وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدين.
أمَّا بعدُ:
فيا أيُّها الناسُ، اتَّقوا اللهَ تعالى حَقَّ التقوى
عباد الله، صلاح الأبناء والبنات أمنية الآباء والأمهات فيا لها نعمة عظيمة، ومنة كريمة جميلة حين تصبح وتمسي وترى ذريتك وقد من الله عليهم بالصلاح والهداية يخافوا الله، ويقيمون الصلاة، ويؤدون الزكاة، ويحافظون على الواجب، ويتخلقون بالأخلاق الكريمة، إن صلاح الذرية بهجة الدنيا وزينتها وفرحها، ذرية تحبهم ويحبونك، وتودهم ويود,نك، تأمرهم فيطيعونك، يبرون بك، وينفعون أنفسهم، وإخوانهم، ومجتمعهم، وأمتهم، إن صلاح الأبناء وتقويهم على الخلقُ الكريم مسئولية عهد الله بها للآباء والأمهات (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً)، إن خير معين للعبد، خير معين للعبد في تربية أبناءهوبناته هذ]ي محمد صلى الله عليه وسلم، فهديه خير الهدي، وسنته أفضل السنن، فإن من هديه صلى الله عليه وسلم صُحبة الأطفال والأنس بهم، يردفهم في ركوبه ويحادثهم ويؤنسهم ويُعلمهم الخير، ويُربيهم التربية الصالحة بالقول والقدوة الحسنة، كان يردف عبدالله بن عباس، والفضل بن عباس، وأسامة بن زيد و عبدالله بن جعفر، كل ذلك إيناس لهؤلاء لأجل أن يعلمهم ويثقفهم، قال عبدالله بن عباس كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم يوماً فقال لي: "يا غلام إني معلمك كلمات أحفظ الله يحفظك" الحديث وقال عبدالله بن جعفر أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم على الدابة فأسر إلي أمراً لا أخبر به أحداً أبدا، تربية على القيم، والأمانة، والفضيلة، قال أنس رضي الله عنه مر النبي صلى الله عليه وسلم بصبية يلعبون فسلم عليهموقال: "يا أنس يا أنس إذا أتيت أهلك فسلم عليهم تكون بركة عليك وعلى أهل بيتك"، ومما الصبية أنهم كانوا يحضرون مائدة الطعام قال أبو سلمة كنت في حجر النبي صلى الله عليه وسلم فكنت أكل معه، فتطيش يدي في الصحفة فقال لي:"يا غلام يا غلام سمي الله، وكُل بيمنك، وكل مما يليك"، فأرشده إلى هذه الكلمات سم الله، كُل بيمنك، كُل مما يليك فصلوات الله وسلامه عليه، ومن هديه في التعامل معهم، المزاح أحياناً معهم، قال أنس كان لي أخ يقال لي عمير وكان معه طير يشبه العصفور فمات فكان يقول له يا أبا عمير ما فعل النغير، يا أبا عمير ما فعل النغير، إيناس له وتسليةً له، ومن هديه أيضاً أنه يحذر الصغار من الأخلاق السيئة حتى يفهموها ويحذروا منها، قال أنس رضي الله عنه قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا بني إن استطعت أن تصلح وتفشي وليس في قلبك غلٌ على مسلم ففعل"، يُعلمه وهو لا يزال في سن الصغر حتى ينشئ على حب الخير والفضيلة، ومن هديه صلى الله عليه وسلم إعطاء الصغير حقه، واحترام حقه الذي له، كان النبي جالساً فأوتي بشراب من الماء ،وكان عن يساره الأشياخُ وعن يمينه غلام، فلما شرب، قال الغلام: هل أعطيه الأشياخ قال: لا يا رسول الله لا أوثروا بحقي منك أحدى، فشل الإناء في يد الصغير، كل هذا إعطاءً واحتراماً للحقوق حتى ينشأ الناس على خير وأدب كريم، ومن هديه أيضاً أمره بالعدل بينهم يأتي بشير بن سعد بابنه نعمان صغيراً قال: يا رسول الله إن أمُ هذا أمرت لي أن أنحر ابنها غلاما، وأن أشهدك عليه، فقال:"أكُلُ إخوته أعطيتم مثله"، قال: لا، قال: "اتقوا الله وعدلوا بين أبنائكم، اتقوا الله وعدلوا بين أبنائكم، إني لا أشهد على جوا، أشهد على هذا غيري" والغلام يسمع تربيتاً وإعدادناً للمستقبل لينشئ النشء على أكمل الأخلاق وأتمها، ومن هديه صلى الله عليه وسلم في التعامل منح الطفل حقه في لعبه ومرحه، ومراعاة سنه، تذكر عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول: كنت ألعب مع البنات ويلعبوا معي كل بنات الأنصار، فإذا دخل علينا رسول الله إنقمعنا حياءً منه، فيسلمهن أن يدعوا لي حتى يلعبن معي فصلوات الله وسلام عليه أبداً دائماً إلى يوم الدين، وصدق الله (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ).
أيها المسلم، وإن الخير له أسباب، كما للشر والبلاء له أسباب، فمن أسباب صلاح الأولاد وهديتهم بتوفيق الله، وإعداد للمستقبل إعداد صحيح ما أرشده النبي صلى الله عليه وسلم من اختيار المرآة ذات الدين والخُلق الكريم، تربة في بيت خلق ودين، وفي بيت أسرة ذات خلق ودين، وأخلاق حسنة تجعل تربيتها لأبنائها وبناتها على خلق ما تربة عليه من الأخلاق والكرامة والفضائل (فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ)، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "تنكح المرأة لأربع لجمالها، ومالها، وحسبها، ودينها فظفر بذات الدين تربة يداك"، ومن أسباب صلاحهم سؤال الله جل وعلا الذرية الصالحة، فالله يقول عن زكريا عليه السلام بدعائه أنه (قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ)، وجاء الحث على الدعاء لهم بالتوفيق يقول الله في ذكر العبد الصالح أنه (قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنْ الْمُسْلِمِينَ)، وحذرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن ندعو عليهم بالهلاك والغواية والبلاء فقال: "لا تدعو على أنفسكم ولا على أولادكم ولا على أموالكم فتوافق ساعة العطاء فيستجيب لكم"، فحذر أن تدعو عليهم، وكلما ضجرت من بعض أخلاقهم فجعل بدل الدعاء عليهم دعاء الله لهم بالهدية، والرجوع إلى الحق، والاستقامة عليه والله قريب مجيب (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي)، (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ)، ومن ذلك أي من أسبابها آداب الإسلام عند المولود آداب الإسلام في أول عهد المولود، فجاءت السنة بحلق شعر رأسه، وجاءت السنة باختيار، بالأذان بأذنه وجاءت السنة أيضاً بالأذان في أذنه ليكون صوت الحق أول شيء يطرق سمعه الطفل، وجاء أيضاً اختيار الاسم الصالح، وجاءت العقيقة فيقول صلى الله عليه وسلم " كُلُ غلام مرتهن بعقيقته تذبح عنه في سابعة ويسمى"، وقال أبو رافع رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يؤذن في أذن الحسن لما ولدت فاطمة رضي الله عنها، وأرشدنا إلى اختيار الاسم الطيب ويقول صلى الله عليه سلم: "خير الأسماء عبدالله وعبدالرحمن"، وأرشدنا إلى اختيار الاسم الحسن فقال: "أدبوا أبنائكم وحسنوا أسمائهم"، وأخبرنا أن ندعى يوم القيامة بأسمائنا وأسماء أبائنا فأرشدنا إلى تحسين أسمائنا، فالاسم المنهي عنه ما فيه تزكيةٌ، أو ما فيه جفاء وغلظه، أو قبحِ، أو اسم وافدِ لا نعلم حقيقته فالبعد عنه أولى، واختيار اسم إسلامي عربي اسم واضح جليل ذاك أفضل وأكمل، ومن أسباب صلاح الأبناء أن يغرس الأبو في قلوب أبنائه محبة الله، وخوف الله، ورجاءه، وتعظيمه، وإعلامهم حقاً بأن الله خالقهم ورازقهم، وأن الله بيد حياتهم وموتهم، يذكرهم عظمة الله، وكبرياءه، وجلاله، وعلوه، وعلى خلقه، وكمال علمه وإحاطته بخلقه، وأنه يعلم السراء والنجوى، (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ)، ليستقرى في قلب النشء تعظيم تعظيم الله، ومحبة الله، والالتجاء إلى الله، ومن أسباب ذلك أيضاً إرشادهم إلى مكارم الأخلاقِ، وفضائل الأعمال، وفي الحديث "ما نحل والد ولده أفضل من أدبِ حسن"، فإرشادهم بالتحلي بالفضائل من صدقٍ وأمانةٍ ووفاء واحتضان الكبار وتعظيمهم وحسن الأقوال والكف عن الرذائل وتحذيرهم من الكلمات القبيحة مهما تكون فذك من الأدب الحسن، ومن ذلك أيضاً إبعادهم عن الأخلاق الرذيلة من كذبٍ، وغيبةٍ، وخيانة، وإرشادهم إلى ترك الأعمال الرزيلة، فإن هذا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لكن بأسلوب يناسب أعمارهم ورفق ولين ليقبلوا ما جاء منك من الحق، ما جاء منك من غير تردد، ومن أسباب ذلك أيضاً إرشادهم إلى الآداب المستحبة كآداب الطعام، وآداب اللباس، وآداب المعاشرة كل هذا من الخير، ومن ذلك أيضاً رحمتهم والشفقة عليهم النبي صلى الله عليه وسلم قبل بعض الصبية فقال من الأعراب: عندي عشر ولد ما قبلت واحدا، قال: "ما أنه أن نزع الله الرحمة من قلبك"، وقال: "إنما يرحم الله من عباده الرحماء"، ومن أسباب صلحهم بتوفيق الله، تثقيفهم وتعليمهم علماً ينفعهم في حياتهم، يكتسبون به أدباً وخيراً وصيانةً وجههم عن الاحتياج إلى الخلق، وإرداء نفوسهم بأن تكون نفوسهم نفوساً عزيزةً عالية لا تحتاج إلى مخلوق ولا أن يمد يده لأحد بل يستغنى بأغنى الله له، ويستعزوا بعزة الله له، (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ)، ومن ذلك أيضاً أن يتقنوا لحفظ كتاب الله، والالتحاق بحلقات تحفيظ القرآن، فيا لها من نعمة فكم من هذا الحلقات من آثار حسنة، وتوجيهات طيبة، وتربية حسنة يخرج الطالب وقد حفظ كتاب الله أو معظمه فيزداد أدباً وخلقاً حسنا، من أسباب صلاحهم كون الآباء والأمهات قدوة للصغار من بنين وبنات في القيم والفضائل، والمحافظة على الفرائض، والترفع عن الرذائل والدنايا،ومنها أيضاً توعيتهم وإرشادهم وتذكيرهم بتذكير من أصحاب السوء ومواقع السوء التي تحملها الفضائيات والالكترونيات لأن التوعية والإرشاد والتحليل هو خير وسيلةِ يمكن من خلالها أن نقيء أبنائنا وبناتنا الانجراف مع هذه الوسائل الضارة المؤذية، لا بد من توعية صالحة ليكونوا على بصيرة فيدع الشر اقتناعاً لأنه شر وبلاء، ومن أسباب صلاحهم إبعادهم عن التميع بالأخلاق، وإبعادهم عن مشابهة غير المسلمين، وإرشادهم إلى أن الأخلاق الإسلامية هي الأخلاق القيمة التي يجب المحافظة عليها، ومن أسباب صلاحهم اصطحابهم للمسجد وحثهم عليه، فإن في إتيان الصغار للمساجد واعتيادهم عليها مع الآباء في بعض الأوقات ينشئون معظمين لهذه الشعيرة محبين لها محافظين عليها، ومن أسباب صلاحهم وارتباطهم بآبائهم إعطائهم القرار الذي ينفع، واتخاذ قرار ينفع في آتيان البيت ورعايته لينشأ عارفاً لحاجات البيت عارفاً كيف يدار البيت، وكيف تقضى حاجاته ليكون خلفاً لأبيه في غيابه وبعد موته، فإن البعض من الناس يجهلون الأبناء ولا يعلمون عن حقيقة أبيهم شيء، وكأنه معهم في البيت ليسوا بأبنائه كأنهم غرباء يحاول كتم السر عنهم بكل مستطاع، أنا لا أقول أعطيهم ما يريدون ولكن أشعرهم بأمرك وشؤونك حتى يكونوا على خبرة من أمرك واطلاع على حالك لكن لما ذوي الرأي منهم ليكونوا خلف لك بعد حين ، ومن أسباب صلاح الآباء وارتباطهم بآبائهم أن يكون للأب مجالس دائماً معهم لا ينبغي عنهم أن يصدهم فتشغلوه الأعمال، أو الجلساء في الاستراحات من بعد عن أبنائه فلا يعلم حالهم ولا مآلهم، ومن أسباب صلاحهم أن تراعي في خطابك لهم سنهم، فسن الطفولة له خطاب، وسن المراهق له خطاب، والشاب له خطاب، كلٌ على حسب قدره وتحمله بمسؤوليته، ومن أسباب صلاحهم بتوفيق الله وإعانته أن تراعيهم عن بعد وتشذي حالهم وتعرفوا من يجالس، أو من يصاحبهم، ومن أسباب صلاحهم بتوفيق من الله أن تشجع جلساهم الصالحين ذوي الخير والتقى فتكون معهم دائماً مقدراً لهم مكرماً لهم واصلا لهم لتكتسب منهم تربية أولادك واقتدائهم قدوة صالحة لهم، ومن أسباب صلاحهم تفاهم الأب والأم في إصلاح الأولاد والبنات أو البنين على أن لا يكون الأب في جانبٍ والأم في ضد ذلك بل لابد من تعاون كلٍ من الأب والأم في إصلاح هذا النشء والتعاون على حلول مشاكله، ومن أيضاً عندما يقع الطلاق بين الرجل والمرأة فلا بد من تقوى الله في هؤلاء النشء، وعندما يقع الطلاق يأتي بتصرفات أحمق حمقاء من بعض الأمهات أو بعض الآباء فيذهب البنين والبنات ضحيتاً لهذا النزاع وهذا الاختلاف بين تجاذب الأم والأب، وبين الترافع للمحاكم فينشأ الأطفال في أزمات نفسية وقلق نفسي واضطراب يؤثر ذلك على سلوكهم وتعليمهم وحياتهم المستقبلية، ولا بد للأب والأم من تزوج الأبناء مع القدرة عند بلوغ السن المعتاد من تزوج الأبناء وقبول الخطيب لكل فتاة إذا عُلم دينه وأخلاقه واستقامته، هذه أسباب بتوفيق الله إذا نظر المسلم إليها علم أنها أسباب لإصلاح الأبناء والله يتولى ذلك، والله على كل شيء قدير، بارك الله لي في القرآن العظيم ونفعني إياكم من الآيات والذكر الحكيم، أقول قول هذا واستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمدُ لله، حمدًا كثيرًا، طيِّبًا مباركًا فيه، كما يُحِبُّ ربُّنا ويَرضى، وأشهدُ ألا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمَّدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عليه، وعلى آله وصحبِه، وسلّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ، أما بعدُ:
فيا أيُّها الناسُ، اتَّقوا اللهَ تعالى حقَّ التقوى.
عباد الله، للأسرة أثرها الفعال في تربية النشء، فالأسرة الصالحة المستقيمة من تطلعات المنزل آباء وأمهات لهم الأثر الفعال بتوفيق الله في إصلاح هذا النشء، وهذا النشء في أول أمره مستقر في ذهنه بقي لا تستطيع التخلص منه، فإن ربُي على قول حسن وعمل حسن نشأ على ما لا عليه وتوفيق من الله يزاد خيراً وصلاح، وإن نشء على خلاف الشرع وربُي بالكلمات السيئة، والكلمات القبيحة، وشاهد المناظر الإباحية، وشاهد الاندفاع والاضطراب بين الأب والأم إلى غير ذلك، أثرت في نفسيته وفي حال مستقبله، والله جل وعلا جعل الهداية على قسمين فهداية التقريب والإرشاد هي وظيفة الرُسل وأتباعهم يقول الله لنبيه (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)، أما هداية قبول الحق والعمل به فإلى الله أمرها (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ)، والله يقول "اعملوا فكلٌ ميسر لما خُلق له" قال الله جل وعلا (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى* وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى* وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى* وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى)، فالله يهدي من يشاء بفضله، ويضل من يشاء بعدله، لكن على الآباء والأمهات بذل السبب الممكن منهم قال عمر بن عبدالعزيز رحمه الله "الأدب في يدي الآباء والصلاح في يد الله"، واشتكى رجل لعمر عقوق ابنه به فدعا عمر الابن وقال: إن أباك يشتكي من عقوقك، قال، يا أمير المؤمنين إن أبي لم يختار اسم لي، قال: وما سمك، قال: سامني جعله، والله لم يعملني آية ولا حديثاً ولا أمرني بمعروف لا نهاني عن منكر ولا أدبني على خير فقال عمر: لقد عققت ابنك قبل أن يعقوك، صلاح الأبناء بتوفيق من الله على يد الآباء والأمهات أن يصلح هذا النشء ويوجههم التوجيه السديد، نشاهد أحياناً بعض شبابنا في الشوارع في طيش وسفه ولعب بالسيارات لعباً سيء خسارة أموال، وتهديد للأرواح، وهذه الأمور الدنايا لا بد من الآباء من موقف مع أبنائهم ليرشدوهم ويأخذوا على أيديهم، ويُبين لهم أن هذا التبذير والفساد بالمال ليس من أخلاق الإسلام، فالإسلام يحذر التبذير، يحرم التبذير (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ)، فخذوا على أيادي أبنائكم من هذا الأسلوب السيئ من التسكع في الطرقات، وحذروهم من مصانع السوء وصحبتهم في الأجساد والشر الذين يردون من صاحبهم أن يكون منحرفاً في أخلاقه وسلوك بعيداً عن التعليم، والتربية، وعن كل خلق قيم، وربما ذمُه على أسباب الفجور وترويج المخدرات والبلايا والمصائب، وربما استغلوا فكرهم السيئ السيء بأنواع من الضرر على الأمة في حاضرها ومستقبلها، فكونوا عيون أبنائكم وأدبوهم وأرشدوهم وخذوا على أيديهم، ومروهم بالمعروف ونهوهم عن المنكر يقول الله عن لقمان لابنه (يَا بُنَيَّ أَقِمْ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنْ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ* وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ* وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ)، تلك الآيات تأدب أبنائنا، ونرشدهم إلى الخير، ونبعدهم عن السوء، ونسأل الله أن يهديهم، ويأخذ بنواصيهم بما فيه خير دينه ودنياهم (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً).
واعلموا رحمكم اللهُ أنّ أحسنَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ صلى اللهُ عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وعليكم بجماعةِ المسلمين، فإنّ يدَ اللهِ على الجماعةِ، ومن شذَّ شذَّ في النار، وصَلُّوا رَحِمَكُم اللهُ على نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم، امتثالاً لأمر بربكم قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).
اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولِك محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه الراشدين، الأئمة المهديين، أبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن سائرِ أصحابِ نبيِّك أجمعين، وعن التابِعين، وتابِعيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين، وعنَّا معهم بعفوِك، وكرمِك، وجودِك، وإحسانك يا أرحمَ الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، وانصر عبادك الموحدين، واجعل اللهم هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين، اللَّهمَّ آمِنَّا في أوطانِنا، وأصلح وولاة أمرنا، اللهم وفقهم لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين، اللَّهمّ وفِّقْ إمامَنا إمامَ المسلمينَ عبدَ الله بنَ عبدِ العزيزِ لكلِّ خير، اللهم كن له عوناً وناصراً في كل ما همه، اللهم وفقه للصواب، اللهم أدمه بالصحة والسلامة والعافية وجهله بركة على نفسه وعلى مجتمع المسلم، اللهم وفق ولي عهده نايف بن عبدالعزيز، وسدده في أقواله وأعماله، وأعنه على مسئوليته إنك على كل شيءٍ قدير، (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)، (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)، اللهم أنت اللهُ لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيثَ واجعل ما أنزلتَه قوةً لنا على طاعتك وبلاغاً إلى حين، اللَّهمَّ أغثنا، اللّهمَّ أغثنا، اللهمَّ أغثتنا، اللهم سقيا رحمة لا سقيا بلاء ولا هدم ولا غرق، (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار).
عبادَ الله، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)، فاذكروا اللهَ العظيمَ الجليلَ يذكُرْكم، واشكُروه على عُمومِ نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبرُ، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.
إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونتوبُ إليه، ونعوذُ به من شرورِ أنفسِنا؛ ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ؛ فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل؛ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه صلَّى اللهُ عليه، وعلى آلهِ، وصحبِهِ وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدين.
أمَّا بعدُ:
فيا أيُّها الناسُ، اتَّقوا اللهَ تعالى حَقَّ التقوى
عباد الله، صلاح الأبناء والبنات أمنية الآباء والأمهات فيا لها نعمة عظيمة، ومنة كريمة جميلة حين تصبح وتمسي وترى ذريتك وقد من الله عليهم بالصلاح والهداية يخافوا الله، ويقيمون الصلاة، ويؤدون الزكاة، ويحافظون على الواجب، ويتخلقون بالأخلاق الكريمة، إن صلاح الذرية بهجة الدنيا وزينتها وفرحها، ذرية تحبهم ويحبونك، وتودهم ويود,نك، تأمرهم فيطيعونك، يبرون بك، وينفعون أنفسهم، وإخوانهم، ومجتمعهم، وأمتهم، إن صلاح الأبناء وتقويهم على الخلقُ الكريم مسئولية عهد الله بها للآباء والأمهات (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً)، إن خير معين للعبد، خير معين للعبد في تربية أبناءهوبناته هذ]ي محمد صلى الله عليه وسلم، فهديه خير الهدي، وسنته أفضل السنن، فإن من هديه صلى الله عليه وسلم صُحبة الأطفال والأنس بهم، يردفهم في ركوبه ويحادثهم ويؤنسهم ويُعلمهم الخير، ويُربيهم التربية الصالحة بالقول والقدوة الحسنة، كان يردف عبدالله بن عباس، والفضل بن عباس، وأسامة بن زيد و عبدالله بن جعفر، كل ذلك إيناس لهؤلاء لأجل أن يعلمهم ويثقفهم، قال عبدالله بن عباس كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم يوماً فقال لي: "يا غلام إني معلمك كلمات أحفظ الله يحفظك" الحديث وقال عبدالله بن جعفر أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم على الدابة فأسر إلي أمراً لا أخبر به أحداً أبدا، تربية على القيم، والأمانة، والفضيلة، قال أنس رضي الله عنه مر النبي صلى الله عليه وسلم بصبية يلعبون فسلم عليهموقال: "يا أنس يا أنس إذا أتيت أهلك فسلم عليهم تكون بركة عليك وعلى أهل بيتك"، ومما الصبية أنهم كانوا يحضرون مائدة الطعام قال أبو سلمة كنت في حجر النبي صلى الله عليه وسلم فكنت أكل معه، فتطيش يدي في الصحفة فقال لي:"يا غلام يا غلام سمي الله، وكُل بيمنك، وكل مما يليك"، فأرشده إلى هذه الكلمات سم الله، كُل بيمنك، كُل مما يليك فصلوات الله وسلامه عليه، ومن هديه في التعامل معهم، المزاح أحياناً معهم، قال أنس كان لي أخ يقال لي عمير وكان معه طير يشبه العصفور فمات فكان يقول له يا أبا عمير ما فعل النغير، يا أبا عمير ما فعل النغير، إيناس له وتسليةً له، ومن هديه أيضاً أنه يحذر الصغار من الأخلاق السيئة حتى يفهموها ويحذروا منها، قال أنس رضي الله عنه قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا بني إن استطعت أن تصلح وتفشي وليس في قلبك غلٌ على مسلم ففعل"، يُعلمه وهو لا يزال في سن الصغر حتى ينشئ على حب الخير والفضيلة، ومن هديه صلى الله عليه وسلم إعطاء الصغير حقه، واحترام حقه الذي له، كان النبي جالساً فأوتي بشراب من الماء ،وكان عن يساره الأشياخُ وعن يمينه غلام، فلما شرب، قال الغلام: هل أعطيه الأشياخ قال: لا يا رسول الله لا أوثروا بحقي منك أحدى، فشل الإناء في يد الصغير، كل هذا إعطاءً واحتراماً للحقوق حتى ينشأ الناس على خير وأدب كريم، ومن هديه أيضاً أمره بالعدل بينهم يأتي بشير بن سعد بابنه نعمان صغيراً قال: يا رسول الله إن أمُ هذا أمرت لي أن أنحر ابنها غلاما، وأن أشهدك عليه، فقال:"أكُلُ إخوته أعطيتم مثله"، قال: لا، قال: "اتقوا الله وعدلوا بين أبنائكم، اتقوا الله وعدلوا بين أبنائكم، إني لا أشهد على جوا، أشهد على هذا غيري" والغلام يسمع تربيتاً وإعدادناً للمستقبل لينشئ النشء على أكمل الأخلاق وأتمها، ومن هديه صلى الله عليه وسلم في التعامل منح الطفل حقه في لعبه ومرحه، ومراعاة سنه، تذكر عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول: كنت ألعب مع البنات ويلعبوا معي كل بنات الأنصار، فإذا دخل علينا رسول الله إنقمعنا حياءً منه، فيسلمهن أن يدعوا لي حتى يلعبن معي فصلوات الله وسلام عليه أبداً دائماً إلى يوم الدين، وصدق الله (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ).
أيها المسلم، وإن الخير له أسباب، كما للشر والبلاء له أسباب، فمن أسباب صلاح الأولاد وهديتهم بتوفيق الله، وإعداد للمستقبل إعداد صحيح ما أرشده النبي صلى الله عليه وسلم من اختيار المرآة ذات الدين والخُلق الكريم، تربة في بيت خلق ودين، وفي بيت أسرة ذات خلق ودين، وأخلاق حسنة تجعل تربيتها لأبنائها وبناتها على خلق ما تربة عليه من الأخلاق والكرامة والفضائل (فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ)، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "تنكح المرأة لأربع لجمالها، ومالها، وحسبها، ودينها فظفر بذات الدين تربة يداك"، ومن أسباب صلاحهم سؤال الله جل وعلا الذرية الصالحة، فالله يقول عن زكريا عليه السلام بدعائه أنه (قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ)، وجاء الحث على الدعاء لهم بالتوفيق يقول الله في ذكر العبد الصالح أنه (قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنْ الْمُسْلِمِينَ)، وحذرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن ندعو عليهم بالهلاك والغواية والبلاء فقال: "لا تدعو على أنفسكم ولا على أولادكم ولا على أموالكم فتوافق ساعة العطاء فيستجيب لكم"، فحذر أن تدعو عليهم، وكلما ضجرت من بعض أخلاقهم فجعل بدل الدعاء عليهم دعاء الله لهم بالهدية، والرجوع إلى الحق، والاستقامة عليه والله قريب مجيب (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي)، (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ)، ومن ذلك أي من أسبابها آداب الإسلام عند المولود آداب الإسلام في أول عهد المولود، فجاءت السنة بحلق شعر رأسه، وجاءت السنة باختيار، بالأذان بأذنه وجاءت السنة أيضاً بالأذان في أذنه ليكون صوت الحق أول شيء يطرق سمعه الطفل، وجاء أيضاً اختيار الاسم الصالح، وجاءت العقيقة فيقول صلى الله عليه وسلم " كُلُ غلام مرتهن بعقيقته تذبح عنه في سابعة ويسمى"، وقال أبو رافع رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يؤذن في أذن الحسن لما ولدت فاطمة رضي الله عنها، وأرشدنا إلى اختيار الاسم الطيب ويقول صلى الله عليه سلم: "خير الأسماء عبدالله وعبدالرحمن"، وأرشدنا إلى اختيار الاسم الحسن فقال: "أدبوا أبنائكم وحسنوا أسمائهم"، وأخبرنا أن ندعى يوم القيامة بأسمائنا وأسماء أبائنا فأرشدنا إلى تحسين أسمائنا، فالاسم المنهي عنه ما فيه تزكيةٌ، أو ما فيه جفاء وغلظه، أو قبحِ، أو اسم وافدِ لا نعلم حقيقته فالبعد عنه أولى، واختيار اسم إسلامي عربي اسم واضح جليل ذاك أفضل وأكمل، ومن أسباب صلاح الأبناء أن يغرس الأبو في قلوب أبنائه محبة الله، وخوف الله، ورجاءه، وتعظيمه، وإعلامهم حقاً بأن الله خالقهم ورازقهم، وأن الله بيد حياتهم وموتهم، يذكرهم عظمة الله، وكبرياءه، وجلاله، وعلوه، وعلى خلقه، وكمال علمه وإحاطته بخلقه، وأنه يعلم السراء والنجوى، (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ)، ليستقرى في قلب النشء تعظيم تعظيم الله، ومحبة الله، والالتجاء إلى الله، ومن أسباب ذلك أيضاً إرشادهم إلى مكارم الأخلاقِ، وفضائل الأعمال، وفي الحديث "ما نحل والد ولده أفضل من أدبِ حسن"، فإرشادهم بالتحلي بالفضائل من صدقٍ وأمانةٍ ووفاء واحتضان الكبار وتعظيمهم وحسن الأقوال والكف عن الرذائل وتحذيرهم من الكلمات القبيحة مهما تكون فذك من الأدب الحسن، ومن ذلك أيضاً إبعادهم عن الأخلاق الرذيلة من كذبٍ، وغيبةٍ، وخيانة، وإرشادهم إلى ترك الأعمال الرزيلة، فإن هذا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لكن بأسلوب يناسب أعمارهم ورفق ولين ليقبلوا ما جاء منك من الحق، ما جاء منك من غير تردد، ومن أسباب ذلك أيضاً إرشادهم إلى الآداب المستحبة كآداب الطعام، وآداب اللباس، وآداب المعاشرة كل هذا من الخير، ومن ذلك أيضاً رحمتهم والشفقة عليهم النبي صلى الله عليه وسلم قبل بعض الصبية فقال من الأعراب: عندي عشر ولد ما قبلت واحدا، قال: "ما أنه أن نزع الله الرحمة من قلبك"، وقال: "إنما يرحم الله من عباده الرحماء"، ومن أسباب صلحهم بتوفيق الله، تثقيفهم وتعليمهم علماً ينفعهم في حياتهم، يكتسبون به أدباً وخيراً وصيانةً وجههم عن الاحتياج إلى الخلق، وإرداء نفوسهم بأن تكون نفوسهم نفوساً عزيزةً عالية لا تحتاج إلى مخلوق ولا أن يمد يده لأحد بل يستغنى بأغنى الله له، ويستعزوا بعزة الله له، (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ)، ومن ذلك أيضاً أن يتقنوا لحفظ كتاب الله، والالتحاق بحلقات تحفيظ القرآن، فيا لها من نعمة فكم من هذا الحلقات من آثار حسنة، وتوجيهات طيبة، وتربية حسنة يخرج الطالب وقد حفظ كتاب الله أو معظمه فيزداد أدباً وخلقاً حسنا، من أسباب صلاحهم كون الآباء والأمهات قدوة للصغار من بنين وبنات في القيم والفضائل، والمحافظة على الفرائض، والترفع عن الرذائل والدنايا،ومنها أيضاً توعيتهم وإرشادهم وتذكيرهم بتذكير من أصحاب السوء ومواقع السوء التي تحملها الفضائيات والالكترونيات لأن التوعية والإرشاد والتحليل هو خير وسيلةِ يمكن من خلالها أن نقيء أبنائنا وبناتنا الانجراف مع هذه الوسائل الضارة المؤذية، لا بد من توعية صالحة ليكونوا على بصيرة فيدع الشر اقتناعاً لأنه شر وبلاء، ومن أسباب صلاحهم إبعادهم عن التميع بالأخلاق، وإبعادهم عن مشابهة غير المسلمين، وإرشادهم إلى أن الأخلاق الإسلامية هي الأخلاق القيمة التي يجب المحافظة عليها، ومن أسباب صلاحهم اصطحابهم للمسجد وحثهم عليه، فإن في إتيان الصغار للمساجد واعتيادهم عليها مع الآباء في بعض الأوقات ينشئون معظمين لهذه الشعيرة محبين لها محافظين عليها، ومن أسباب صلاحهم وارتباطهم بآبائهم إعطائهم القرار الذي ينفع، واتخاذ قرار ينفع في آتيان البيت ورعايته لينشأ عارفاً لحاجات البيت عارفاً كيف يدار البيت، وكيف تقضى حاجاته ليكون خلفاً لأبيه في غيابه وبعد موته، فإن البعض من الناس يجهلون الأبناء ولا يعلمون عن حقيقة أبيهم شيء، وكأنه معهم في البيت ليسوا بأبنائه كأنهم غرباء يحاول كتم السر عنهم بكل مستطاع، أنا لا أقول أعطيهم ما يريدون ولكن أشعرهم بأمرك وشؤونك حتى يكونوا على خبرة من أمرك واطلاع على حالك لكن لما ذوي الرأي منهم ليكونوا خلف لك بعد حين ، ومن أسباب صلاح الآباء وارتباطهم بآبائهم أن يكون للأب مجالس دائماً معهم لا ينبغي عنهم أن يصدهم فتشغلوه الأعمال، أو الجلساء في الاستراحات من بعد عن أبنائه فلا يعلم حالهم ولا مآلهم، ومن أسباب صلاحهم أن تراعي في خطابك لهم سنهم، فسن الطفولة له خطاب، وسن المراهق له خطاب، والشاب له خطاب، كلٌ على حسب قدره وتحمله بمسؤوليته، ومن أسباب صلاحهم بتوفيق الله وإعانته أن تراعيهم عن بعد وتشذي حالهم وتعرفوا من يجالس، أو من يصاحبهم، ومن أسباب صلاحهم بتوفيق من الله أن تشجع جلساهم الصالحين ذوي الخير والتقى فتكون معهم دائماً مقدراً لهم مكرماً لهم واصلا لهم لتكتسب منهم تربية أولادك واقتدائهم قدوة صالحة لهم، ومن أسباب صلاحهم تفاهم الأب والأم في إصلاح الأولاد والبنات أو البنين على أن لا يكون الأب في جانبٍ والأم في ضد ذلك بل لابد من تعاون كلٍ من الأب والأم في إصلاح هذا النشء والتعاون على حلول مشاكله، ومن أيضاً عندما يقع الطلاق بين الرجل والمرأة فلا بد من تقوى الله في هؤلاء النشء، وعندما يقع الطلاق يأتي بتصرفات أحمق حمقاء من بعض الأمهات أو بعض الآباء فيذهب البنين والبنات ضحيتاً لهذا النزاع وهذا الاختلاف بين تجاذب الأم والأب، وبين الترافع للمحاكم فينشأ الأطفال في أزمات نفسية وقلق نفسي واضطراب يؤثر ذلك على سلوكهم وتعليمهم وحياتهم المستقبلية، ولا بد للأب والأم من تزوج الأبناء مع القدرة عند بلوغ السن المعتاد من تزوج الأبناء وقبول الخطيب لكل فتاة إذا عُلم دينه وأخلاقه واستقامته، هذه أسباب بتوفيق الله إذا نظر المسلم إليها علم أنها أسباب لإصلاح الأبناء والله يتولى ذلك، والله على كل شيء قدير، بارك الله لي في القرآن العظيم ونفعني إياكم من الآيات والذكر الحكيم، أقول قول هذا واستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمدُ لله، حمدًا كثيرًا، طيِّبًا مباركًا فيه، كما يُحِبُّ ربُّنا ويَرضى، وأشهدُ ألا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمَّدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عليه، وعلى آله وصحبِه، وسلّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ، أما بعدُ:
فيا أيُّها الناسُ، اتَّقوا اللهَ تعالى حقَّ التقوى.
عباد الله، للأسرة أثرها الفعال في تربية النشء، فالأسرة الصالحة المستقيمة من تطلعات المنزل آباء وأمهات لهم الأثر الفعال بتوفيق الله في إصلاح هذا النشء، وهذا النشء في أول أمره مستقر في ذهنه بقي لا تستطيع التخلص منه، فإن ربُي على قول حسن وعمل حسن نشأ على ما لا عليه وتوفيق من الله يزاد خيراً وصلاح، وإن نشء على خلاف الشرع وربُي بالكلمات السيئة، والكلمات القبيحة، وشاهد المناظر الإباحية، وشاهد الاندفاع والاضطراب بين الأب والأم إلى غير ذلك، أثرت في نفسيته وفي حال مستقبله، والله جل وعلا جعل الهداية على قسمين فهداية التقريب والإرشاد هي وظيفة الرُسل وأتباعهم يقول الله لنبيه (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)، أما هداية قبول الحق والعمل به فإلى الله أمرها (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ)، والله يقول "اعملوا فكلٌ ميسر لما خُلق له" قال الله جل وعلا (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى* وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى* وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى* وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى)، فالله يهدي من يشاء بفضله، ويضل من يشاء بعدله، لكن على الآباء والأمهات بذل السبب الممكن منهم قال عمر بن عبدالعزيز رحمه الله "الأدب في يدي الآباء والصلاح في يد الله"، واشتكى رجل لعمر عقوق ابنه به فدعا عمر الابن وقال: إن أباك يشتكي من عقوقك، قال، يا أمير المؤمنين إن أبي لم يختار اسم لي، قال: وما سمك، قال: سامني جعله، والله لم يعملني آية ولا حديثاً ولا أمرني بمعروف لا نهاني عن منكر ولا أدبني على خير فقال عمر: لقد عققت ابنك قبل أن يعقوك، صلاح الأبناء بتوفيق من الله على يد الآباء والأمهات أن يصلح هذا النشء ويوجههم التوجيه السديد، نشاهد أحياناً بعض شبابنا في الشوارع في طيش وسفه ولعب بالسيارات لعباً سيء خسارة أموال، وتهديد للأرواح، وهذه الأمور الدنايا لا بد من الآباء من موقف مع أبنائهم ليرشدوهم ويأخذوا على أيديهم، ويُبين لهم أن هذا التبذير والفساد بالمال ليس من أخلاق الإسلام، فالإسلام يحذر التبذير، يحرم التبذير (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ)، فخذوا على أيادي أبنائكم من هذا الأسلوب السيئ من التسكع في الطرقات، وحذروهم من مصانع السوء وصحبتهم في الأجساد والشر الذين يردون من صاحبهم أن يكون منحرفاً في أخلاقه وسلوك بعيداً عن التعليم، والتربية، وعن كل خلق قيم، وربما ذمُه على أسباب الفجور وترويج المخدرات والبلايا والمصائب، وربما استغلوا فكرهم السيئ السيء بأنواع من الضرر على الأمة في حاضرها ومستقبلها، فكونوا عيون أبنائكم وأدبوهم وأرشدوهم وخذوا على أيديهم، ومروهم بالمعروف ونهوهم عن المنكر يقول الله عن لقمان لابنه (يَا بُنَيَّ أَقِمْ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنْ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ* وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ* وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ)، تلك الآيات تأدب أبنائنا، ونرشدهم إلى الخير، ونبعدهم عن السوء، ونسأل الله أن يهديهم، ويأخذ بنواصيهم بما فيه خير دينه ودنياهم (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً).
واعلموا رحمكم اللهُ أنّ أحسنَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ صلى اللهُ عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وعليكم بجماعةِ المسلمين، فإنّ يدَ اللهِ على الجماعةِ، ومن شذَّ شذَّ في النار، وصَلُّوا رَحِمَكُم اللهُ على نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم، امتثالاً لأمر بربكم قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).
اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولِك محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه الراشدين، الأئمة المهديين، أبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن سائرِ أصحابِ نبيِّك أجمعين، وعن التابِعين، وتابِعيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين، وعنَّا معهم بعفوِك، وكرمِك، وجودِك، وإحسانك يا أرحمَ الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، وانصر عبادك الموحدين، واجعل اللهم هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين، اللَّهمَّ آمِنَّا في أوطانِنا، وأصلح وولاة أمرنا، اللهم وفقهم لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين، اللَّهمّ وفِّقْ إمامَنا إمامَ المسلمينَ عبدَ الله بنَ عبدِ العزيزِ لكلِّ خير، اللهم كن له عوناً وناصراً في كل ما همه، اللهم وفقه للصواب، اللهم أدمه بالصحة والسلامة والعافية وجهله بركة على نفسه وعلى مجتمع المسلم، اللهم وفق ولي عهده نايف بن عبدالعزيز، وسدده في أقواله وأعماله، وأعنه على مسئوليته إنك على كل شيءٍ قدير، (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)، (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)، اللهم أنت اللهُ لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيثَ واجعل ما أنزلتَه قوةً لنا على طاعتك وبلاغاً إلى حين، اللَّهمَّ أغثنا، اللّهمَّ أغثنا، اللهمَّ أغثتنا، اللهم سقيا رحمة لا سقيا بلاء ولا هدم ولا غرق، (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار).
عبادَ الله، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)، فاذكروا اللهَ العظيمَ الجليلَ يذكُرْكم، واشكُروه على عُمومِ نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبرُ، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.