إنَّ الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، مَنْ يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومَنْ يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وبعد؛
فإنَّ معْرِفَةَ أخْبَارِ العُلَمَاءِ وسِيَرِهِم، جُنْدٌ مِنْ جُنُودِ اللهِ تعالى، وقد قال الإمامُ أبو حَنيفَةَ: «الحكاياتُ عن العُلَماءِ ومَحَاسِنِهِم، أحبُّ إليَّ مِنْ كَثِيرٍ مِنَ الفِقْهِ؛ لأنَّها آدابُ القَوْمِ»، وقال بعض المشايخ: «الحكاياتُ جُنْدٌ من جنود الله؛ يُثَبِّتُ بها قلوبَ أوْلِيَائِهِ، وشَاِهُدُه قوْلُهُ تعالى: (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ) [هود : 120]»(1).
ومن هذه الأخْبَارِ المتَعَلِّقَةِ بالعُلَمَاءِ: ذِكْرُ المُكَاتَبَاتِ والمُرَاسَلاَتِ التي تَجْرِي بَيْن أهْلِ العِلْمِ.
وقَدْ وفَّقَنِي اللهُ تعالى في هذا الصَّدَدِ، إلى الوُقُوفِ على طائِفَةٍ من الرَّسَائل المُتَبادَلَة بَيْن علَمَيْنِ مِنْ أعْلام السُّنَّة والحديث في هذا العصر، وهما الشيخان الجليلان: عبد العزيز بن عبد الله بن باز، ومحمَّد ناصر الدين الألباني رحمهما الله تعالى وأسكنهما الفردوس الأعلى، وذلك أثْنَاء اطِّلاعِي على كتاب «الرسائل المتبادلة بين الشيخ ابن باز والعلماء» لمؤلِّفِه الشَّيْخِ محمد بن إبراهيم الحمد.
وقد اشْتَمَلَتْ هذه الطُّرُوس على عِبَرٍ ودُرُوس، وتهذيبٍ للنُّفُوس؛ فإنْ شِئْتَ أنْ تَجِدَ الاجتهادَ وعُلُوَّ الهِمَّة وجَدْتَهَا، وإنْ شِئْتَ أنْ تَجِدَ دَمَاثَةَ الأخلاقِ والآدابَ الجمَّة وجَدْتَهَا...، في فَوائِدَ أُخْرَى عَوَالٍ ، ودُرَرٍ تَتْرَى غَوَالٍ، يَجِدُها القَارِئ في طَيَّاتِ هذه المُكَاتَباَتِ.
و لا عَجَبَ أنْ تَجْتَمِعَ هذه الخصالُ الرَّفِيعَةَ في هذَيْن العالِمَيْن الجليليْنِ؛ فالشَّيْءُ مِنْ مَعْدِنِهِ لا يُسْتَغْرَبُ، كيْف؛ وهُمَا اللَّذان أحْسَنَا في دَعْوَتِهِما وتَعْلِيمِهِما حتَّى لَمْ يَكادَا يَدَعَان للإحْسَاِن مَوْضِعاً، وسَبَقَا حتَّى جاءَ مَنْ خَلْفَهُما لَهُما تَبَعاً.
فإلَيْكَ ـ أَخِي القَارِئَ ـ هذهِ المُكَاتَبَاتِ الشَّيِّقَةِ، الَّتي تُعَدُّ مِثَالاً يُحْتَذَى في المُرَاسَلاتِ بَيْن أهْلِ العِلْمِ وطَلَبَتِه.
واللهُ مٍنْ وَرَاءِ القَصْدِ، وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ.
الرسالة الأولى:
كتابٌ من الشيخ الألباني إلى الشيخ ابن باز حول ترشيح الشيخ الألباني ليَقُومَ على تصحيح نسخة «فتح الباري» المُعَدَّةِ للطَّبْعِ.
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد ناصر الدين الألباني إلى فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته؛
فإنِّي أحْمَدُ إليكُمُ اللهَ الذي لا إله إلا هو، وأسْأَلُهُ أنْ يُدِيمَ عليْنا وعليْكُم نِعَمَهُ ظاهِرَةً وبَاطِنَةً،
أما بعد؛
فقد تلقَّيْتُ منذُ أمَدٍ كتابَكُم الكريمَ المؤرَّخَ في 20 شوال سنة 1378هـ، وقد عَلِمْتُ ما فيه مِنْ عَزْمِكُم على طبْعِ «فتح الباري» طبْعَةً جيِّدَةً، وأشْكرُ لكُم حُسْنَ ظنِّكُم بأخيكم؛ حيْثُ رشَّحْتُمُوني لأقومَ على تصْحيحِ نُسْخَتِه المُعَدَّةِ للطَّبْع، ومقابَلَتِها بالنُّسَخِ المطبوعة، والمخطوطة.
ولكنِّي أرَى أنْ تعْفُونِي مِنَ القيامِ بذلك، وتُكَلِّفُوا به غيْري؛ لا لِشَيْءٍ إلاَّ لِأنِّي أرَى أنَّ الوقتَ الذي يتطلَّبُه هذا العملُ الهامُّ، إذَا صَرَفْتُهُ فيما هو أمَسُّ باخْتِصَاصي ـ من خِدْمَةِ السُّنَّةِ، وتمْييزِ الصَّحِيح من الضَّعِيفِ منها، واسْتِنْبَاط الأحكام، والتفقُّهِ فيها أوْلَى مِنْ ذلك.
ولهذا أقْتَرِحُ عليكم أنْ تَنْظُروا في اقْتِرَاحِنا الآتي:
أنْ تأمُروا بإرْسَالِ المَلْزَمَةِ بعد الانتهاءِ من تصحيحِها، وإعدادِها للطبع؛ لأُلْقِيَ عليها نظرةً سريعةَ؛ لعَلِّي أعْثُرُ على بعض الأخطاء؛ فأُصَحِّحَها، ثم أعلِّقَ على بعْضِ المواطن التي يبْدُو لي ضرورةُ التَّعليق عليها، ويُمْكِنُ حَصْرُ ذلك بالأُسُسِ التَّالية:
1-التنبيه على حديث صحيح ضعَّفَه المؤلِّفُ، أو سكَتَ عنه.
2- التنبيه على حديث ضعيف قوَّاه المؤلِّفُ، أو سَكَتَ عنه.
3- التَّصْرِيحُ بالحَقِّ الموَافِقِ للكتاب والسنَّة في المسائِلِ الَّتي تَعَرَّضَ الشَّارِحُ لها بتفْصيلٍ دُون أنْ يُرَجِّحَ قوْلاً.
4-تَوْضِيحُ بعْضِ الموَاطِنِ التي تحتاجُ إلى إيضاح ـ لا سيَّما ما كان فيها ذا صِلَةٍ بالعقيدة السلفية ـ، وليس ذلك على طريقة الاسْتِقْصَاء والتَّتَبُّعِ؛ فإنَّ هذا يَتَطَلَّبُ فرَاغاً وجهداً كبيراً، وإنَّمَا على قَدْرِ ما يتيَسَّرُ لنا.
وباختصار: نرَى أنَّ إخْرَاجَ الشَّرْحِ بهذه التَّحْقيقَاتِ أنْفَعُ للنَّاس، لا سِيَّماَ وقد بَلَغَني مِنْ مَصْدَرٍ ثِقَةٍ، أنَّ أحَدَ المغَارِبَةِ مِنَ المُحَدِّثِين مِنَ المُتَصَوِّفَةِ، قَدْ أعَدَّ العُدَّةَ لطَبْعِ هذا الكتاب ـ أيضاً ـ، ولا شكَّ أنَّه سيُعَلِّقُ عليه تعليقاً يوجِّهُ فيه القُرَّاءَ إلى ضلالاتِه وبِدَعِهِ، التي مِنْها: حَمْلُهُ الحديثَ: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَ...» قالوا: وفي نجْدِنَا يا رسول الله؟ قال: «هُنَاكَ الزَّلَازِلُ وَالْفِتَنُ » الحديث... ممَّا يحْمِلُهُ على إخواننا المُوَحِّدِين من أهل نجد، ويُسَمِّيهِم؛ بَلْ يُلَقِّبُهُم بالقَرْنِيين.
وهذا الحديثُ في البخاري ـ كما تعلمون ـ، أفلا ترَوْنَ ضرورةَ التَّعْليقِ عليْهِ، وعلى أمْثَالِه ممَّا يصْرِفُهُ المُبْتَدِعُون عنْ حقيقته، ويسْتَغِلُّونَهُ للردِّ على الموَحِّدِين، وتَأْييدِ إشْرَاك الضَّالين من المسلمين؟
ثُمَّ إنَّنا نغْتَنِمُ هذه المناسبةَ لنُقَدِّمَ إليْكُم بعْضَ الاقتراحَاتِ المتعَلِّقَةِ بطَبْعِ الكتاب، حتَّى يَخْرُجَ أنيقاً مَرْضِيًّا:
1-ذِكْرُ الباب في نصف السطر.
ترقيم الكتب والأبواب بأرقام متسلسلة بحيث ينحصر عدد أبواب كل كتاب؛ فإنَّ ذلك ممَّا يُسَاعِدُ على الانتفاعِ من الفهارس الموضوعة للبخاري ككتاب «مفتاح كنوز السنة».
3-إعطاءُ كُلِّ حديثٍ رقماً متسلسلاً إلى آخر الكتاب ـ وبذلك يتَّضِحُ عددُ أحاديثِ البخاري ـ على أن يكون أول السطر.
4-ذكر الباب كعنوان في منتصف الشرح.
5-ذكر الباب في رأس كل صفحة.
6-تشْكيلُ ما يُشْكِلُ من الشَّرْحِ.
7-إصدارُ كُلِّ مجلَّدٍ على عِدَّة أجزاءٍ، كما فعلوا أخيراً بلسان العرب، والطبقات الكبرى؛ تيسيراً على الرَّاغبين في شراء الكتاب أنْ يَشْتَروه.
8-تغْليفُ كُلِّ جُزْءٍ بغلاف ملوَّنٍ منْقُوشٍ، على نمط «اللسان» و«الطبقات».
هذا ممَّا يحْسُنُ لنا ذِكْرُه، ونسألُ اللهَ تعالى أنْ يُوفِّقَكُم لطبْعِ الكتاب على غايةٍ من الصِّحَةِ والكمال، واللهُ تبارك وتعالى يتولَّى جزاءَكُم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وعلى مَنْ كان عندكُم من الشيوخ والأساتذة والإخوان.
أخوكم/محمد ناصر الدين الألباني
دمشق 28/11/1378ه
- الرسالة الثانية:
كتابٌ من الشيخ ابن باز إلى الشيخ الألباني يتضمَّنُ تَوَاصِياً حول بعض الأمور في العلم والدعوة.
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرَّم فضيلة الشيخ ناصر الدين الألباني وفقه الله،
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
أما بعد؛
فقد وصلني كتابُكُم الكريم الذي بيد الشيخ محمد بن ناصر العبودي ـ وصَلَكُم الله بِهُدَاهُ ـ، وسرَّني كثيراً لإفادَتِه عنْ صِحَّتِكُم، واستِمْرَارِكُم في التَّأليف، والتَّدريس، والدَّعوة إلى الله؛ الحمد لله على ذلك، وأسأله سبحانه أنْ يَزيدَكُم من التوفيق، وأنْ يَمْنَحَكُم النَّشَاطَ المتَوَاصِلَ في كل ما يَنْفَعُ المسلمين؛ إنَّه جواد كريم.
كما سرَّني ـ أيضاً ـ فراغُكُم مِنِ اخْتِصار صحيحِ الإمامِ مُسْلِمِ بْنِ الحجَّاِج ـ رحمه الله ـ، وعزْمُكُم على اختصار صحيح الإمام البخاري مع العناية بالمقصود، وعدَمِ الإخْلالِ بِشَيْءٍ منه، أسألُ اللهَ ـ عزَّ وجلَّ ـ أنْ يُبَلِّغَكُم ما ترْجُون من الخير، وأنْ يُعينَكُم على كل ما فيه صلاحُ المسلمين، ونجاتُهُم في الدنيا والآخرة.
ولا شكَّ أنَّ أهلَ العلم في حاجَةٍ إلى اختصار صحيحِ الإمامِ البخاري، مع العِنَايَةِ بمقاصده، ولكن ذلك يحتاجُ إلى جهود كثيرة، ووقتٍ طويلٍ، فإذا كان ذلك لا يُعَطِّلُكُم عما هو أهمُّ ـ من التَّوْجيه، والتدريس، والدعوة، والتأليفِ في إنْكارِ البِدَعِ والخرافات، وبيانِ الأحاديث الصحيحة والضعيفة ـ؛ فلا مانع من ذلك.
وبِكُلِّ حالٍ، فوَصِيَّتِي لفضيلتكم هي تقوى الله ـ سبحانه ـ في كُلِّ الأُمور، واستخارتُه ـ سبحانه ـ في هذا المشروع الجليل، والمشاورةُ لِمَنْ تَثِقُون بعِلْمِه ونُصْحِه، فإذا انْشَرَح صدْرُكم بذلك؛ فاستعينوا بالله، واعملوا، واللهُ المسْئولُ أنْ يُمِدَّكُم بالسَّداد، والإعانة، والتَّسْهيل، ويجعَلَنا وإيَّاكم، وسائر إخواننا مِنْ دُعَاةِ الهدى، وأنْصَارِ الحقِّ، إنَّه سميع قريب.
وسنبْذُلُ الوُسْعَ ـ إن شاء الله ـ في التوسُّط لدى بعض مُحِبِّي الخير؛ للقيام بطَبْعِ مختصركم لصحيح مسلم، ونفيدُكم بما يَتِمُّ في ذلك إن شاء الله، أما النُّسَخُ الثلاث من أجزاء فتح الباري التاسع والعاشر والحادي عشر، فقد قَبَضْنَاها من الشيخ محمد عبد المحسن الكتبي، وهي تصلُكُم ـ إن شاء الله ـ مع بعض الطلبة.
ومحبُّكُم مستعِدٌ لكُلِّ لازِمٍ وحاجَةٍ في إمْكانِهِ قضاءُها، جعَلَني الله وإيَّاكُم من المُتَحَابِّينَ في جلاله إلى أنْ نلقَاهُ سبحانه، وأرجو إبْلاغَ سلامِي الأبناءَ، وخَوَاصَّ المشايخِ والأخوانِ ـ لاسيَّما الشَّيخَ زُهَيْرًا ـ، كما مِنَّا الأولادُ والمشايخُ والأخوانُ كُلٌّ منهم بخيرٍ وعافية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
: قد صوَّرْنَا نسخةً من كتاب «السنَّة» لابن أبي عاصم على حساب معالي السيد حسن الشربتلي، وأشرنا عليه بطبْعِ كمِّيَةٍ منه؛ فوافق على ذلك، وحصَّلْنَا على نُسْخَةٍ مَخْطُوطَةٍ من الكتاب المذكور بخطٍّ جيِّدٍ ـ حسْبَ إفَادَةِ مُحِبِّ الجميع الشَّيْخِ حمَّادٍ الأنصاري، فاسْتَعَرْنَاها من صاحبها، ورأَيْنَا إرْسَالَ نُسْخَتَيْنِ إلى فضيلتِكُم؛ للتَّصْحيحِ، والتَّحقيقِ، والتَّعليقِ، بعد الإفادَةِ عن كِمِّيَّةِ المكافأة التي تروْنَها كافيةً لهذا العمل؛ حتَّى نُبَلِّغَ الشَّربتلي بها؛ لأخْذِ مُوَاَفَقِته.
والكتابان سلَّمْنَاهُما للشيخ أمين لطفي يُسَلِّمُهُما لفضيلتكم، ونحن في انتظار الإجابة السريعة منكم في الموضوع، وقد ذَكَرَ لي الشيخُ زهيْرٌ، أنَّه قد عَزَمَ على طبْعِ الكتابِ المذكورِ؛ فأرجو الاتِّصَالَ به، وإخبارَه، والإفادةَ عَنْ رأيِكُمَا في ذلك؛ لأنِّي أخْشَى أنْ يكونَ له رأيٌ خاصٌّ في الموضوع؛ بسبب عزمه على طبع الكتاب.
وأسألُ اللهَ أنْ يوفِّقَ الجميعَ لِمَا يُرْضِيهِ، وصلى الله على نبيِّنا محمد وآله وصحبه وسلم.
29/3/1390ه
الرسالة الثالثة:
كتابٌ من الشيخ ابن باز إلى الشيخ الألباني حول كتاب «الذَّبُّ الأحْمَدُ عن مُسْنَدِ الإمام أحمد».
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم صاحب الفضيلة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، وفقه الله لما فيه رضاه، آمين،
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أما بعد؛
فقد قرأتُ ردَّكُم القيِّمَ المسمَّى بـ«الذَبُّ الأحْمَد عن مسند الإمام أحمد»، والردُّ على مَنْ طَعَنَ في صحَّةِ نِسْبَتِه إليه، وزَعَمَ أنَّ القطيعي زاد فيه أحاديثَ كثيرةً موضوعةَ حتى صار ضِعْفَيْه، وتحقيقُ أنَّه لا زوائد للقطيعي فيه.
وسرَّني ما تضمَّنَه من النَّقْدِ والتَّحقيقِ، وإبطالِ شُبْهَةِ المُعْتَرِض، وبيانِ الحق بأدلَّته؛ فجزاكم الله خيراً، وزادَكُم من العِلْمِ والهُدى، ونَصَرَ بكم الحقَّ، وفسَحَ في حياتكم على خيْرِ عَمَلٍ.
وقد تأخَّرَ كثيراً لكثْرَةِ مَشَاغِلي، وما يَعْرِضُ مِنَ النِّسْيَان عن إتمام القراءة؛ فأرْجُو المعذرةَ، وهو إليكم بِرَفْقِهِ، سائلاً المولى عز وجل أنْ يجْعَلَنا وإيَّاكم من الهُداة المهتدين، وأنْ يُعِيذَنا وإيَّاكُم، وسائِرَ إخوانِنَا من مُضِلَّاِت الفتن؛ إنَّه سميعٌ قريبٌ.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
5/10/1406ه
- الرسالة الرابعة:
كتاب من الشيخ الألباني إلى الشيخ ابن باز يتضمن شكراً ودعاءً على جهود بذلها الشيخ ابن باز في سبيل تيسير زيارة الشيخ الألباني وعلاجه.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
إلى سماحة الأخ الشيخ أبي عبد الله عبد العزيز بن عبد الله بن باز الموقَّر قوَّاكُم الله، وثبَّتَكُم، وأحْسَنَ إليْكُم.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
وبعد؛
فإنِّي أتقدَّمُ إلى سماحتكم بالشُّكرِ الأخويِّ الجزيل، على ما بذلتموه من جُهودٍ حَثِيثَةٍ في سبيل تيْسِيرِ شَأْن زيارتي للملكة العربية السعودية، وتسهيلِ ظروف معالجتي في مستشفياتها.
وإني أسأل الله ـ سبحانه وتعالى أن يختار لي الصَّالِحَ مِنْ أمْرِي، وأنْ يُهَيِّئَ لي في هذا الشَّأْنِ خَيْرَ ما يَنْفَعُني في ديني ودنياي.
وعملاً بقوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ لَا يَشْكُرُ النَّاسَ: لَا يَشْكُرُ اللَّهَ »؛ أقولُ لسَمَاحَتِكُم: جَزَاكُمُ اللهُ خيْراً على ما تبْذُلُونَه لإخوانِكُم وأبنائِكُم، وسدَّدَكُم بالحقِّ إلى الحقِّ، وثبَّتَ خُطَاكُم إلى مَزِيدٍ مِنْ الحَقِّ.
أقول ذلك ـ أيضاً ـ من باب قوله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ صَنَعَ إلَيْكُمْ مَعْرُوفاً فَكَافِئُوه، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِيعُوا أنْ تُكَافِئُوهُ، فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَعْلَمُوا أنْ قَدْ كافَأْتُمُوهُ»، وخَيْرُ الدُّعاءِ في هذه المناسبة، أنْ أقُولَ ـ كما في الحديثِ الآخَرِ ـ: جَزَاكُمُ اللهُ خيْراً؛ لقَوْلِه: «مَنْ صُنِعَ إِلَيْهِ مَعْرُوفٌ, فَقَالَ لِفَاعِلِهِ: جَزَاكَ اَللهُ خَيْراً؛ فَقَدْ أَبْلَغَ فِي اَلثَّنَاءِ».
وكذلك أقَدِّمُ شُكْرِي إلى كُلِّ أخٍ في الله ـ مهْمَا كان موْقِعُه ـ ممَّنْ بَذَلُوا، ويَبْذُلون مِنْ جُهْدٍ في تسهيل ما أشَرْتُ إليه سابقاً.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عمان 28 شوال 1418هـ
أخوكم/محمد ناصر الدين الألباني
-الرسالة الخامسة:
كتاب من الشيخ ابن باز إلى الشيخ الألباني ردًّا على الكتاب السابق.
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرَّم صاحبِ الفضيلةِ الشيخِ محمدٍ ناصرِ الدِّينِ الألباني وفَّقَهُ اللهُ لكُلِّ خيْرٍ، ونَصَرَ به دينَهُ، آمين.
سلامٌ عليكم ورحمة الله وبركاته،
أمَّا بعد؛
فقد وصلني كتابكم الكريم المؤرخ في 28/10/1418هـ ـ وصَلَكُمُ الله بحَبْلِ الهُدى والتوفيق ـ، وجميعُ ما ذكَرْتُم كان معلوماً، وسرَّنِي منه عِلْمُ صِحَّتِكُم؛ فالحمد لله على كُلِّ حالٍ، وأسألُه سبحانه أنْ يُسْبِغَ عليْكُم لباسَ العافيةِ في الدِّين والبَدَنِ، وأنْ يُحْسِنَ لي ولكم الختامَ.
وإنِّي أشْكُرُ فضيلتَكُم على دعواتِكُم الطيِّبَةِ، وأسْأَلُ اللهَ ـ عز وجل ـ أنْ يتَقَبَّلَها، ويُضَاعِفَ أجْرَكُم عليْهَا، وأرْجُو إبْلاغَ سلامي الأبناءَ، وخواصَّ المشائخِ والإخوان، كما هو لَكُمْ مِنَ الأبْنَاءِ، وكاتِبِ الأحْرُفِ.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مفتي عام المملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء
17/11/1418ه
الخاتمة
وبهذا تَنْتَهِي هذه المكاتَبَاتُ، واللهَ تعالى نسْألُ أنْ يَنْفَعَ بها، وأنْ يُثِيبَ صَاحِبَيْها، وجَامِعَهَا، وقارِئَها؛ إنَّه جَوَادٌ كريمٌ.
وآخِرُ دعْوَانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.
(1)انظر: «جامع بيان العلم وفضله» للإمام ابن عبد البر، (1/251)، و«ترتيب المدارك وتقريب المسالك» للقاضي عياض (1/6).
منقوول من موقع راية الإصلاح . ( كتبه الشيخ حسن آيت علجت حفظه الله )
فإنَّ معْرِفَةَ أخْبَارِ العُلَمَاءِ وسِيَرِهِم، جُنْدٌ مِنْ جُنُودِ اللهِ تعالى، وقد قال الإمامُ أبو حَنيفَةَ: «الحكاياتُ عن العُلَماءِ ومَحَاسِنِهِم، أحبُّ إليَّ مِنْ كَثِيرٍ مِنَ الفِقْهِ؛ لأنَّها آدابُ القَوْمِ»، وقال بعض المشايخ: «الحكاياتُ جُنْدٌ من جنود الله؛ يُثَبِّتُ بها قلوبَ أوْلِيَائِهِ، وشَاِهُدُه قوْلُهُ تعالى: (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ) [هود : 120]»(1).
ومن هذه الأخْبَارِ المتَعَلِّقَةِ بالعُلَمَاءِ: ذِكْرُ المُكَاتَبَاتِ والمُرَاسَلاَتِ التي تَجْرِي بَيْن أهْلِ العِلْمِ.
وقَدْ وفَّقَنِي اللهُ تعالى في هذا الصَّدَدِ، إلى الوُقُوفِ على طائِفَةٍ من الرَّسَائل المُتَبادَلَة بَيْن علَمَيْنِ مِنْ أعْلام السُّنَّة والحديث في هذا العصر، وهما الشيخان الجليلان: عبد العزيز بن عبد الله بن باز، ومحمَّد ناصر الدين الألباني رحمهما الله تعالى وأسكنهما الفردوس الأعلى، وذلك أثْنَاء اطِّلاعِي على كتاب «الرسائل المتبادلة بين الشيخ ابن باز والعلماء» لمؤلِّفِه الشَّيْخِ محمد بن إبراهيم الحمد.
وقد اشْتَمَلَتْ هذه الطُّرُوس على عِبَرٍ ودُرُوس، وتهذيبٍ للنُّفُوس؛ فإنْ شِئْتَ أنْ تَجِدَ الاجتهادَ وعُلُوَّ الهِمَّة وجَدْتَهَا، وإنْ شِئْتَ أنْ تَجِدَ دَمَاثَةَ الأخلاقِ والآدابَ الجمَّة وجَدْتَهَا...، في فَوائِدَ أُخْرَى عَوَالٍ ، ودُرَرٍ تَتْرَى غَوَالٍ، يَجِدُها القَارِئ في طَيَّاتِ هذه المُكَاتَباَتِ.
و لا عَجَبَ أنْ تَجْتَمِعَ هذه الخصالُ الرَّفِيعَةَ في هذَيْن العالِمَيْن الجليليْنِ؛ فالشَّيْءُ مِنْ مَعْدِنِهِ لا يُسْتَغْرَبُ، كيْف؛ وهُمَا اللَّذان أحْسَنَا في دَعْوَتِهِما وتَعْلِيمِهِما حتَّى لَمْ يَكادَا يَدَعَان للإحْسَاِن مَوْضِعاً، وسَبَقَا حتَّى جاءَ مَنْ خَلْفَهُما لَهُما تَبَعاً.
فإلَيْكَ ـ أَخِي القَارِئَ ـ هذهِ المُكَاتَبَاتِ الشَّيِّقَةِ، الَّتي تُعَدُّ مِثَالاً يُحْتَذَى في المُرَاسَلاتِ بَيْن أهْلِ العِلْمِ وطَلَبَتِه.
واللهُ مٍنْ وَرَاءِ القَصْدِ، وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ.
الرسالة الأولى:
كتابٌ من الشيخ الألباني إلى الشيخ ابن باز حول ترشيح الشيخ الألباني ليَقُومَ على تصحيح نسخة «فتح الباري» المُعَدَّةِ للطَّبْعِ.
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد ناصر الدين الألباني إلى فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته؛
فإنِّي أحْمَدُ إليكُمُ اللهَ الذي لا إله إلا هو، وأسْأَلُهُ أنْ يُدِيمَ عليْنا وعليْكُم نِعَمَهُ ظاهِرَةً وبَاطِنَةً،
أما بعد؛
فقد تلقَّيْتُ منذُ أمَدٍ كتابَكُم الكريمَ المؤرَّخَ في 20 شوال سنة 1378هـ، وقد عَلِمْتُ ما فيه مِنْ عَزْمِكُم على طبْعِ «فتح الباري» طبْعَةً جيِّدَةً، وأشْكرُ لكُم حُسْنَ ظنِّكُم بأخيكم؛ حيْثُ رشَّحْتُمُوني لأقومَ على تصْحيحِ نُسْخَتِه المُعَدَّةِ للطَّبْع، ومقابَلَتِها بالنُّسَخِ المطبوعة، والمخطوطة.
ولكنِّي أرَى أنْ تعْفُونِي مِنَ القيامِ بذلك، وتُكَلِّفُوا به غيْري؛ لا لِشَيْءٍ إلاَّ لِأنِّي أرَى أنَّ الوقتَ الذي يتطلَّبُه هذا العملُ الهامُّ، إذَا صَرَفْتُهُ فيما هو أمَسُّ باخْتِصَاصي ـ من خِدْمَةِ السُّنَّةِ، وتمْييزِ الصَّحِيح من الضَّعِيفِ منها، واسْتِنْبَاط الأحكام، والتفقُّهِ فيها أوْلَى مِنْ ذلك.
ولهذا أقْتَرِحُ عليكم أنْ تَنْظُروا في اقْتِرَاحِنا الآتي:
أنْ تأمُروا بإرْسَالِ المَلْزَمَةِ بعد الانتهاءِ من تصحيحِها، وإعدادِها للطبع؛ لأُلْقِيَ عليها نظرةً سريعةَ؛ لعَلِّي أعْثُرُ على بعض الأخطاء؛ فأُصَحِّحَها، ثم أعلِّقَ على بعْضِ المواطن التي يبْدُو لي ضرورةُ التَّعليق عليها، ويُمْكِنُ حَصْرُ ذلك بالأُسُسِ التَّالية:
1-التنبيه على حديث صحيح ضعَّفَه المؤلِّفُ، أو سكَتَ عنه.
2- التنبيه على حديث ضعيف قوَّاه المؤلِّفُ، أو سَكَتَ عنه.
3- التَّصْرِيحُ بالحَقِّ الموَافِقِ للكتاب والسنَّة في المسائِلِ الَّتي تَعَرَّضَ الشَّارِحُ لها بتفْصيلٍ دُون أنْ يُرَجِّحَ قوْلاً.
4-تَوْضِيحُ بعْضِ الموَاطِنِ التي تحتاجُ إلى إيضاح ـ لا سيَّما ما كان فيها ذا صِلَةٍ بالعقيدة السلفية ـ، وليس ذلك على طريقة الاسْتِقْصَاء والتَّتَبُّعِ؛ فإنَّ هذا يَتَطَلَّبُ فرَاغاً وجهداً كبيراً، وإنَّمَا على قَدْرِ ما يتيَسَّرُ لنا.
وباختصار: نرَى أنَّ إخْرَاجَ الشَّرْحِ بهذه التَّحْقيقَاتِ أنْفَعُ للنَّاس، لا سِيَّماَ وقد بَلَغَني مِنْ مَصْدَرٍ ثِقَةٍ، أنَّ أحَدَ المغَارِبَةِ مِنَ المُحَدِّثِين مِنَ المُتَصَوِّفَةِ، قَدْ أعَدَّ العُدَّةَ لطَبْعِ هذا الكتاب ـ أيضاً ـ، ولا شكَّ أنَّه سيُعَلِّقُ عليه تعليقاً يوجِّهُ فيه القُرَّاءَ إلى ضلالاتِه وبِدَعِهِ، التي مِنْها: حَمْلُهُ الحديثَ: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَ...» قالوا: وفي نجْدِنَا يا رسول الله؟ قال: «هُنَاكَ الزَّلَازِلُ وَالْفِتَنُ » الحديث... ممَّا يحْمِلُهُ على إخواننا المُوَحِّدِين من أهل نجد، ويُسَمِّيهِم؛ بَلْ يُلَقِّبُهُم بالقَرْنِيين.
وهذا الحديثُ في البخاري ـ كما تعلمون ـ، أفلا ترَوْنَ ضرورةَ التَّعْليقِ عليْهِ، وعلى أمْثَالِه ممَّا يصْرِفُهُ المُبْتَدِعُون عنْ حقيقته، ويسْتَغِلُّونَهُ للردِّ على الموَحِّدِين، وتَأْييدِ إشْرَاك الضَّالين من المسلمين؟
ثُمَّ إنَّنا نغْتَنِمُ هذه المناسبةَ لنُقَدِّمَ إليْكُم بعْضَ الاقتراحَاتِ المتعَلِّقَةِ بطَبْعِ الكتاب، حتَّى يَخْرُجَ أنيقاً مَرْضِيًّا:
1-ذِكْرُ الباب في نصف السطر.
ترقيم الكتب والأبواب بأرقام متسلسلة بحيث ينحصر عدد أبواب كل كتاب؛ فإنَّ ذلك ممَّا يُسَاعِدُ على الانتفاعِ من الفهارس الموضوعة للبخاري ككتاب «مفتاح كنوز السنة».
3-إعطاءُ كُلِّ حديثٍ رقماً متسلسلاً إلى آخر الكتاب ـ وبذلك يتَّضِحُ عددُ أحاديثِ البخاري ـ على أن يكون أول السطر.
4-ذكر الباب كعنوان في منتصف الشرح.
5-ذكر الباب في رأس كل صفحة.
6-تشْكيلُ ما يُشْكِلُ من الشَّرْحِ.
7-إصدارُ كُلِّ مجلَّدٍ على عِدَّة أجزاءٍ، كما فعلوا أخيراً بلسان العرب، والطبقات الكبرى؛ تيسيراً على الرَّاغبين في شراء الكتاب أنْ يَشْتَروه.
8-تغْليفُ كُلِّ جُزْءٍ بغلاف ملوَّنٍ منْقُوشٍ، على نمط «اللسان» و«الطبقات».
هذا ممَّا يحْسُنُ لنا ذِكْرُه، ونسألُ اللهَ تعالى أنْ يُوفِّقَكُم لطبْعِ الكتاب على غايةٍ من الصِّحَةِ والكمال، واللهُ تبارك وتعالى يتولَّى جزاءَكُم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وعلى مَنْ كان عندكُم من الشيوخ والأساتذة والإخوان.
أخوكم/محمد ناصر الدين الألباني
دمشق 28/11/1378ه
- الرسالة الثانية:
كتابٌ من الشيخ ابن باز إلى الشيخ الألباني يتضمَّنُ تَوَاصِياً حول بعض الأمور في العلم والدعوة.
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرَّم فضيلة الشيخ ناصر الدين الألباني وفقه الله،
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
أما بعد؛
فقد وصلني كتابُكُم الكريم الذي بيد الشيخ محمد بن ناصر العبودي ـ وصَلَكُم الله بِهُدَاهُ ـ، وسرَّني كثيراً لإفادَتِه عنْ صِحَّتِكُم، واستِمْرَارِكُم في التَّأليف، والتَّدريس، والدَّعوة إلى الله؛ الحمد لله على ذلك، وأسأله سبحانه أنْ يَزيدَكُم من التوفيق، وأنْ يَمْنَحَكُم النَّشَاطَ المتَوَاصِلَ في كل ما يَنْفَعُ المسلمين؛ إنَّه جواد كريم.
كما سرَّني ـ أيضاً ـ فراغُكُم مِنِ اخْتِصار صحيحِ الإمامِ مُسْلِمِ بْنِ الحجَّاِج ـ رحمه الله ـ، وعزْمُكُم على اختصار صحيح الإمام البخاري مع العناية بالمقصود، وعدَمِ الإخْلالِ بِشَيْءٍ منه، أسألُ اللهَ ـ عزَّ وجلَّ ـ أنْ يُبَلِّغَكُم ما ترْجُون من الخير، وأنْ يُعينَكُم على كل ما فيه صلاحُ المسلمين، ونجاتُهُم في الدنيا والآخرة.
ولا شكَّ أنَّ أهلَ العلم في حاجَةٍ إلى اختصار صحيحِ الإمامِ البخاري، مع العِنَايَةِ بمقاصده، ولكن ذلك يحتاجُ إلى جهود كثيرة، ووقتٍ طويلٍ، فإذا كان ذلك لا يُعَطِّلُكُم عما هو أهمُّ ـ من التَّوْجيه، والتدريس، والدعوة، والتأليفِ في إنْكارِ البِدَعِ والخرافات، وبيانِ الأحاديث الصحيحة والضعيفة ـ؛ فلا مانع من ذلك.
وبِكُلِّ حالٍ، فوَصِيَّتِي لفضيلتكم هي تقوى الله ـ سبحانه ـ في كُلِّ الأُمور، واستخارتُه ـ سبحانه ـ في هذا المشروع الجليل، والمشاورةُ لِمَنْ تَثِقُون بعِلْمِه ونُصْحِه، فإذا انْشَرَح صدْرُكم بذلك؛ فاستعينوا بالله، واعملوا، واللهُ المسْئولُ أنْ يُمِدَّكُم بالسَّداد، والإعانة، والتَّسْهيل، ويجعَلَنا وإيَّاكم، وسائر إخواننا مِنْ دُعَاةِ الهدى، وأنْصَارِ الحقِّ، إنَّه سميع قريب.
وسنبْذُلُ الوُسْعَ ـ إن شاء الله ـ في التوسُّط لدى بعض مُحِبِّي الخير؛ للقيام بطَبْعِ مختصركم لصحيح مسلم، ونفيدُكم بما يَتِمُّ في ذلك إن شاء الله، أما النُّسَخُ الثلاث من أجزاء فتح الباري التاسع والعاشر والحادي عشر، فقد قَبَضْنَاها من الشيخ محمد عبد المحسن الكتبي، وهي تصلُكُم ـ إن شاء الله ـ مع بعض الطلبة.
ومحبُّكُم مستعِدٌ لكُلِّ لازِمٍ وحاجَةٍ في إمْكانِهِ قضاءُها، جعَلَني الله وإيَّاكُم من المُتَحَابِّينَ في جلاله إلى أنْ نلقَاهُ سبحانه، وأرجو إبْلاغَ سلامِي الأبناءَ، وخَوَاصَّ المشايخِ والأخوانِ ـ لاسيَّما الشَّيخَ زُهَيْرًا ـ، كما مِنَّا الأولادُ والمشايخُ والأخوانُ كُلٌّ منهم بخيرٍ وعافية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
: قد صوَّرْنَا نسخةً من كتاب «السنَّة» لابن أبي عاصم على حساب معالي السيد حسن الشربتلي، وأشرنا عليه بطبْعِ كمِّيَةٍ منه؛ فوافق على ذلك، وحصَّلْنَا على نُسْخَةٍ مَخْطُوطَةٍ من الكتاب المذكور بخطٍّ جيِّدٍ ـ حسْبَ إفَادَةِ مُحِبِّ الجميع الشَّيْخِ حمَّادٍ الأنصاري، فاسْتَعَرْنَاها من صاحبها، ورأَيْنَا إرْسَالَ نُسْخَتَيْنِ إلى فضيلتِكُم؛ للتَّصْحيحِ، والتَّحقيقِ، والتَّعليقِ، بعد الإفادَةِ عن كِمِّيَّةِ المكافأة التي تروْنَها كافيةً لهذا العمل؛ حتَّى نُبَلِّغَ الشَّربتلي بها؛ لأخْذِ مُوَاَفَقِته.
والكتابان سلَّمْنَاهُما للشيخ أمين لطفي يُسَلِّمُهُما لفضيلتكم، ونحن في انتظار الإجابة السريعة منكم في الموضوع، وقد ذَكَرَ لي الشيخُ زهيْرٌ، أنَّه قد عَزَمَ على طبْعِ الكتابِ المذكورِ؛ فأرجو الاتِّصَالَ به، وإخبارَه، والإفادةَ عَنْ رأيِكُمَا في ذلك؛ لأنِّي أخْشَى أنْ يكونَ له رأيٌ خاصٌّ في الموضوع؛ بسبب عزمه على طبع الكتاب.
وأسألُ اللهَ أنْ يوفِّقَ الجميعَ لِمَا يُرْضِيهِ، وصلى الله على نبيِّنا محمد وآله وصحبه وسلم.
29/3/1390ه
الرسالة الثالثة:
كتابٌ من الشيخ ابن باز إلى الشيخ الألباني حول كتاب «الذَّبُّ الأحْمَدُ عن مُسْنَدِ الإمام أحمد».
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم صاحب الفضيلة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، وفقه الله لما فيه رضاه، آمين،
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أما بعد؛
فقد قرأتُ ردَّكُم القيِّمَ المسمَّى بـ«الذَبُّ الأحْمَد عن مسند الإمام أحمد»، والردُّ على مَنْ طَعَنَ في صحَّةِ نِسْبَتِه إليه، وزَعَمَ أنَّ القطيعي زاد فيه أحاديثَ كثيرةً موضوعةَ حتى صار ضِعْفَيْه، وتحقيقُ أنَّه لا زوائد للقطيعي فيه.
وسرَّني ما تضمَّنَه من النَّقْدِ والتَّحقيقِ، وإبطالِ شُبْهَةِ المُعْتَرِض، وبيانِ الحق بأدلَّته؛ فجزاكم الله خيراً، وزادَكُم من العِلْمِ والهُدى، ونَصَرَ بكم الحقَّ، وفسَحَ في حياتكم على خيْرِ عَمَلٍ.
وقد تأخَّرَ كثيراً لكثْرَةِ مَشَاغِلي، وما يَعْرِضُ مِنَ النِّسْيَان عن إتمام القراءة؛ فأرْجُو المعذرةَ، وهو إليكم بِرَفْقِهِ، سائلاً المولى عز وجل أنْ يجْعَلَنا وإيَّاكم من الهُداة المهتدين، وأنْ يُعِيذَنا وإيَّاكُم، وسائِرَ إخوانِنَا من مُضِلَّاِت الفتن؛ إنَّه سميعٌ قريبٌ.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
5/10/1406ه
- الرسالة الرابعة:
كتاب من الشيخ الألباني إلى الشيخ ابن باز يتضمن شكراً ودعاءً على جهود بذلها الشيخ ابن باز في سبيل تيسير زيارة الشيخ الألباني وعلاجه.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
إلى سماحة الأخ الشيخ أبي عبد الله عبد العزيز بن عبد الله بن باز الموقَّر قوَّاكُم الله، وثبَّتَكُم، وأحْسَنَ إليْكُم.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
وبعد؛
فإنِّي أتقدَّمُ إلى سماحتكم بالشُّكرِ الأخويِّ الجزيل، على ما بذلتموه من جُهودٍ حَثِيثَةٍ في سبيل تيْسِيرِ شَأْن زيارتي للملكة العربية السعودية، وتسهيلِ ظروف معالجتي في مستشفياتها.
وإني أسأل الله ـ سبحانه وتعالى أن يختار لي الصَّالِحَ مِنْ أمْرِي، وأنْ يُهَيِّئَ لي في هذا الشَّأْنِ خَيْرَ ما يَنْفَعُني في ديني ودنياي.
وعملاً بقوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ لَا يَشْكُرُ النَّاسَ: لَا يَشْكُرُ اللَّهَ »؛ أقولُ لسَمَاحَتِكُم: جَزَاكُمُ اللهُ خيْراً على ما تبْذُلُونَه لإخوانِكُم وأبنائِكُم، وسدَّدَكُم بالحقِّ إلى الحقِّ، وثبَّتَ خُطَاكُم إلى مَزِيدٍ مِنْ الحَقِّ.
أقول ذلك ـ أيضاً ـ من باب قوله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ صَنَعَ إلَيْكُمْ مَعْرُوفاً فَكَافِئُوه، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِيعُوا أنْ تُكَافِئُوهُ، فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَعْلَمُوا أنْ قَدْ كافَأْتُمُوهُ»، وخَيْرُ الدُّعاءِ في هذه المناسبة، أنْ أقُولَ ـ كما في الحديثِ الآخَرِ ـ: جَزَاكُمُ اللهُ خيْراً؛ لقَوْلِه: «مَنْ صُنِعَ إِلَيْهِ مَعْرُوفٌ, فَقَالَ لِفَاعِلِهِ: جَزَاكَ اَللهُ خَيْراً؛ فَقَدْ أَبْلَغَ فِي اَلثَّنَاءِ».
وكذلك أقَدِّمُ شُكْرِي إلى كُلِّ أخٍ في الله ـ مهْمَا كان موْقِعُه ـ ممَّنْ بَذَلُوا، ويَبْذُلون مِنْ جُهْدٍ في تسهيل ما أشَرْتُ إليه سابقاً.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عمان 28 شوال 1418هـ
أخوكم/محمد ناصر الدين الألباني
-الرسالة الخامسة:
كتاب من الشيخ ابن باز إلى الشيخ الألباني ردًّا على الكتاب السابق.
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرَّم صاحبِ الفضيلةِ الشيخِ محمدٍ ناصرِ الدِّينِ الألباني وفَّقَهُ اللهُ لكُلِّ خيْرٍ، ونَصَرَ به دينَهُ، آمين.
سلامٌ عليكم ورحمة الله وبركاته،
أمَّا بعد؛
فقد وصلني كتابكم الكريم المؤرخ في 28/10/1418هـ ـ وصَلَكُمُ الله بحَبْلِ الهُدى والتوفيق ـ، وجميعُ ما ذكَرْتُم كان معلوماً، وسرَّنِي منه عِلْمُ صِحَّتِكُم؛ فالحمد لله على كُلِّ حالٍ، وأسألُه سبحانه أنْ يُسْبِغَ عليْكُم لباسَ العافيةِ في الدِّين والبَدَنِ، وأنْ يُحْسِنَ لي ولكم الختامَ.
وإنِّي أشْكُرُ فضيلتَكُم على دعواتِكُم الطيِّبَةِ، وأسْأَلُ اللهَ ـ عز وجل ـ أنْ يتَقَبَّلَها، ويُضَاعِفَ أجْرَكُم عليْهَا، وأرْجُو إبْلاغَ سلامي الأبناءَ، وخواصَّ المشائخِ والإخوان، كما هو لَكُمْ مِنَ الأبْنَاءِ، وكاتِبِ الأحْرُفِ.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مفتي عام المملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء
17/11/1418ه
الخاتمة
وبهذا تَنْتَهِي هذه المكاتَبَاتُ، واللهَ تعالى نسْألُ أنْ يَنْفَعَ بها، وأنْ يُثِيبَ صَاحِبَيْها، وجَامِعَهَا، وقارِئَها؛ إنَّه جَوَادٌ كريمٌ.
وآخِرُ دعْوَانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.
(1)انظر: «جامع بيان العلم وفضله» للإمام ابن عبد البر، (1/251)، و«ترتيب المدارك وتقريب المسالك» للقاضي عياض (1/6).
منقوول من موقع راية الإصلاح . ( كتبه الشيخ حسن آيت علجت حفظه الله )