بسم الله الرحمن الرحيم
ندعو الأبناء والبنات الذين فتح الله عليهم ويسَّر لهم سبل العلم والمعرفة فأدوا ما وجب عليهم على الوجه الصحيح أن لا تستصغروا أنفسكم في إصلاح أخطاء أقربائك من آباء وأجداد وإخوانا وغيرهم بحجة صغر السن، بل يجب عليكم تعليمهم برفق وأدب وحكمة عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم، "إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله وإنه يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف" .
وقد حكى المؤرخون أن الحسن والحسين، رضي الله عنهما، رأيا رجلا كبيراً في السن لا يحسن الوضوء فأرادا تعليمه برفق وأدب فتقدما إليه وقالا: يا عم اختلفنا أينا أحسن وضوءاً، نريد أن تحكم بيننا، فتوضأ كل واحد منهما أمام الرجل وقالا: أحكم بيننا، فقال: لقد أحسنتما، بارك الله فيكما، انتسبا، فقالا: الحسن والحسين أبنا علي بن أبي طالب، رضي الله عنهما، فضمهما وقال: ذرية بعضها من بعض.
وحكى المؤرخون أن عمر بن عبد العزيز، رضي الله عنه، في اليوم الذي تولى فيه الخلافة دفن سليمان بن عبد الملك ثم باشر عمله فرد القطائع إلى بيت المال وسهر في بيع المتاع والبراذين والسرادقات وسرح الجواري إلى أهلها وطلع النهار وواصل العمل حتى حان وقت الظهر فصلى وذهب يتبوأ مقيلاً، فأتاه ابنه عبد الملك بن عمر فقال: يا أمير المؤمنين ماذا تريد أن تصنع؟ قال أي بني أريد أن أقيل، قال: تقيل ولا ترد المظالم؟ قال أي بني إنني قد سهرت البارحة في أمر عمك سليمان فإذا قِلْتُ قُمْتُ فرددت المظالم،قال عبد الملك بن عمر: يا أمير المؤمنين فمن لك أن تعيش حتى تقوم فتردها؟ فقال عمر: أي بني ادن مني، فدنا منه، فالتزمه وقبل بين عينيه وقال: الحمد لله الذي أخرج من صلبي من يعنني على ديني، ثم خرج ولم يَقِلْ ولم يسترح.
فانظر، رحمك الله، كيف أن عبد الملك لم يستصغر نفسه في نصح والده ولم يستنكف عمر، رحمه الله، عن النصيحة مع أنه خليفة ووالد.
اعلم أنه يلزمك أن تتعلم ما فرض الله عليك من أمور دينك فخصِّص لذلك وقتاً يسيراً من أوقاتك كما انك تبذل وقتاً كبيراً لأمور دنياك.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
(محمد بن علي العرفج)