الحفظ أعظم من الكتابة فائدة وأجدى نفعاً
((أن الحفظ في الغالبلا يكون
إلا مع الفهموإدراك المعنىوالتحقق منه.
حتى يستعين بذلك على عدم نسيان اللفظ
ثم إنه يحمل المرء على مراجعة ما حفظه واستذكاره آناً بعد آن حتى يأمن من زواله.
ثم إن محفوظه يكون معه في صدره في أي وقت وفي أي مكان.
فيرجع إليه في جميع الأحوال عند الحاجة
ولا يكلفه ذلك الحمل مؤونة ولا مشقة.
بخلاف الكتابة:
فإنها كثيراً ما تكون بدون فهم المعنىعاجلاً وآجلاً.
أو سبباً في عدم الفهم في الحال اعتماداً على ما سوف يفهم فيما بعد.
وقد تضيع عليه الفرصة في المستقبل لضياع المكتوب
أو عدم وجوده معه عند الحاجة إليه،
أو عدم وجود من يفهمه المكتوب ويشرحه له.
ثم إن الكاتب لا يجد في الغالب باعثاً يدعوه إلى مراجعة ما كتبه.
ثم إنه يجد مشقة ومؤونة في حمل المكتوب معه في كل وقت ومكان.
وبذلك كله يكون نقلة العلم جهالاً!!!
مثلهم كمثل الحمار يحمل أسفاراً.
وأعظم به سبباً في ضياع العلم.
وانتشار الجهل.
يرشدك إلى ما قررنا قول إبراهيم النخعي-رحمه الله-:
(لا تكتبوا فتتكلوا).
وقوله: (إنه قلما طلب إنسان علماً إلا آتاه الله-تعالى-منه ما يكفيه.
وقلما كتب رجل كتاباً إلا اتكل عليه).
وقول الأوزاعي-رحمه الله-:
(كان هذا العلم شيئاً شريفاً:
إذ كان من أفواه الرجال يتلاقونه ويتذاكرونه.
فلما صار في الكتب ذهب نوره وصار إلى غير أهله).
وقول بعض الأعراب:
(حرف في تامورك خير من عشرة في كتبك).
وقول يونس بن حبيب- وقد سمع رجلاً ينشد:
استودع العلم قرطاساً فضيعه***وبئس مستودع العلم القراطيس-:
(قاتله الله ما أشد صيانته للعلم
وصيانته للحفظ
إن علمك من روحك وإن مالك من بدنك
فَصُن علمك صيانتك روحك
وصُن مالك صيانتك بدنك)
وقول الخليل بن أحمد:
ليس بعلم ما حوى القِمَطْرُ***ما العلم إلا ما حواه الصدر
وقول محمد بن بشير:
أما لو أعي كل ما أسمع*********وأحفظ من ذاك ما أجمع
ولم أستفد غير ما قد جمعت*******:لقيل هو العالم المقنع
ولكن نفسي إلى كل فن(م)********من العلم تسمعه تنزع
فلا أنا أحفظ ما قد جمعت*********ولا أنا من جمعه أشبع
ومن يك في علمه هكذا*********يكن دهره القهقري يرجع
إذا لم تكن حافظاً واعياً***********فجمعك للكتب لا ينفع
أأحضر بالجهل في مجلس*******وعلمي في الكتب مستودع؟
وقول أبي العتاهية:
من منح الحفظ وعى************من ضيع الحفظ وهم
وقول منصور الفقيه:
علمي معي حيثما يممت أحمله***بطني وعاء له لا بطن صندوق
إن كنت في البيت كان العلم معي***أو كنت في السوق كان العلم في السوق)).
المصدر:
(حجية السنة) (ص405-407)
للدكتور عبد الغني عبد الخالق-رحمه الله-
الحديدي
لا أدري أُوهني روحي أم أُعزيها؟؟؟
((دخل المزني على الشافعي-رحمه الله- في مرضه الذي تُوفي فيه،فقال له:
كيف أصبحت يا أبا عبد الله؟؟؟
فقال:
أصبحتُ من الدنيا راحلاً،وللإخوان مفارقاً،ولسوء عملي مُلاقياً،ولكأس المنية شارباً،وعلى الله تعالى وارداً،
ولا أدري أروحي تصير إلى الجنة فأُهنيها
أم إلى النار فأُعزيها؟؟؟
ثم أنشأ يقول:
ولما قسا قلبي،وضاقت مذاهبي***جعلت الرجا مني لعفوك سلما
تعاظمني ذنبي فلما قرنته***بعفوك ربي كان عفوك أعظما
فما زلتَ ذا عفو عن الذنب لم تزل***تجودُ وتعفو منةً وتكرما
فلولاك لم يصمد لإبليس عابد***فكيف وقد أَغوى صفيك آدما
فلله در العارف الندب إنه***تفيض لفرط الوجد أجفانه دما
يقيمُ إذا ما الليل مد ظلامه***على نفسه من شدة الخوف مأتما
فصيحاً إذا ما كان في ذكر ربه***وفي ما سواه في الورى كان أعجما
ويذكرُ أياماً مضت من شبابه***وما كان فيها بالجهالة أجرما
فصار قرين الهم طول نهاره***أخا السهد والنجوى إذا الليلُ أظلما
يقول حبيبي أنت سُؤلي وبغيتي***كفى بك للراجين سُؤلا ومغنما
ألست الذي غذيتني وهديتني***ولا زلت مناناً علي ومنعما
عسى من له الإحسانُ يغفر زلتي***ويسترُ أوزاري وما قد تقدما)).
المصدر:
(معجم الأدباء)
لياقوت الحموي(17\302)
الحديدي