((لعلكم تتقون))
أيها الاحبة:التقوى من الكلمات التي وردت في القرآن الكريم في مواضع عديدة فهذه الكلمة وتصريفاتها المختلفة وردت في أكثر من مئتي آية كريمة،
وهذا من أهميتها وعظم شأنها فهي وصية الله تعالى للأولين والأخرين فهو القائل:
{وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ}
(النساء131)
وهي وصية رسول الله-صلى الله عليه وسلم-لأمته فهو القائل:
[أوصيكم بتقوى الله]
وعلى هذا لم يزل السلف الصالح يتواصون بها
فتقوى الله طريق الجنة المعبد
فكيف نتحلى بالتقوى؟؟؟
وكيف نحظى بثمرة التقوى؟؟؟
إذا أردنا ذلك ما علينا الأ أن نقف عند كل آية ختمت بالتقوى متدبرين ومتعرفين على أمر الله عز وجل ونهيه فيها،
فنمتثل الأمر عملاً
ونجتنب النهي تركاً
فتقوى الله: ان نجعل بيننا وبين ما نخشاه من غضب الله وسخطه وقاية تقينا منه وذلك بالقيام بما أوجب الله عز وجل لله،
وترك ما نهى الله عز وجل لله،
فهاتان الخصلتان هما قوام التقوى
ومن هذه الايات التي اذا وقفت عندها متدبراً فيها أعددت
نفسك للتقوى
قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}البقرة21
{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }البقرة63
{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}البقرة179
{وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }الأنعام153
{وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُواْ إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ }الأنعام51
{وَإِذَ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ }الأعراف164
{وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً }طه113
وقال الله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }البقرة183
ففي هذه الآية الكريمة فرض الرحمن على المسلمين صوم رمضان ثم عقب بالغاية من هذا الصوم بقوله:
{لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }
أي تتخذون من الصيام وقاية تحول بينكم وبين الميول المرذولة لأن من حكم الصيام وأسراره إعداد النفوس للتقوى والصبر والعبودية لله تعالى.
قال شيخ الأسلام ابن تيمية-رحمه الله-:
[من أراد السعادة الابدية فليلزم عتبة العبودية]
وقال بعض السلف:
[كل من ادعى محبة الله تعالى ولم يوافق الله في أمره فدعواه باطلة]
وقال يحيى بن معاذ:
[ليس بصادق من ادعى محبة الله ولم يحفظ حدوده]
فالصوم اذن يقي الفرد من أن يكون غير سوي في أخلاقه وأعماله لهذا قال النبي-صلى الله عليه وسلم-:
{إنما الصوم جنة فإذا كان احدكم صائما فلا يرفث ولا يجهل وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل إني صائم،إني صائم}رواه البخاري
والجنة هي الوقاية يتقي بها المسلم شر نفسه أولا
ثم يقي المجتمع من شره بل يشاركهم بمعاناتهم ويحس بأناتهم لهذا لما سئل بعض السلف عن حكمة الصوم قال:
[ليذوق الغني طعم الجوع حتى لا ينسى الفقير]
فإذا كان هذا حال الصائم
بلغ رضا الرحمن وصار في مصاف المتقين
لان الصيام يربي العبد على التطلع الى الدار الاخرة فهذا الاحنف بن قيس-رحمه الله-قيل له أنك شيخ كبير وإن الصيام يضعفك فقال:
[إني أعده لسفر طويل]
(({لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }:فمعنى(لعل)الاعداد والتهيئة
فإعداد الصيام نفوس الصائمين لتقوى الله يظهر من وجوه كثيرة أعظمها شأناً هو أن:
الصوم أمر موكول الى نفس الصائم لا رقيب عليه الا الله فإذا ترك الصائم شهواته التي تعرض له اثناء الصوم امتثالاً لامر الله وراض نفسه على الصبر كلما اغرتها الطيبات والشهوات شعوراً منه بإن الله تعالى يراقبه وإنه مطلع على سر نفسه وتكرر منه ذلك أيام صيامه فلا جرم إنه يحصل له من تكرار هذه الملاحظة المصاحبة للعمل
ملكة مراقبة الله تعالى وخشيته والحياء منه عز وجل
أن يراه حيث نهاه
فإن مراقبة الله تؤهله لكل اعمال الخير وتبعده عن الشر
فلا يخدع ولا يغش ولا يظلم ولا يهضم حقاً
ولا يسعى في الفساد بين الناس،
فروح الصيام في الاسلام مراقبة الله تعالى،
فمن لم يستشعر هذه المراقبة ولم يحترمها فإن صومه ليس بالصيام الذي فرضه الله على المؤمنين
ولهذا يقول الرسول-صلى الله عليه وسلم-:
{من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه}.
إذن التقوى كلمة مفردة لكنها تشتمل على الكثير من أعمال البر وفعل الخير المطلق
كما تشتمل على النوايا الحسنة وحب الصلاح وتشتمل على النصح والارشاد وهداية الحائر وتعليم الجاهل ومواساة المصاب وعلى تصفية العقيدة من كل الشوائب التي تؤول الى التشكيك،
فبادروا رحمكم الله الى تقوى الله تنالوا رضاه
فأنتم في هذه الدنيا غافلون مع أنكم الى الاخرة سائرون تقطع بكم نجب الآمال مسرعة في مهامة التسويف حتى حططتم الرحال بميادين الآجال
فهناك لا ينفع لا مال ولا بنون الا من أتى الله بقلب سليم
فينتبه الغافلون ويأسف المسوفون)).
(انظر تفسير آية\183سورة البقرة في المنار)
حكمة من كتاب الفوائد
((قال سليمان بن داود-عليهما السلام- :
أوتينا مما أوتي الناس ومما لم يؤتوا وعلمنا مما علم الناس ومما لم يعلموا،
فلم نجد شيئا أفضل من تقوى الله في السر والعلانية)).
الحديدي
تعليق