الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين ، وأله وصحبه وعلى التابعين لهم بإحسان أجمعين إلى يوم الدين .
أما بعد :
هذه عقيدتي في الصحب الكرام ، فهم أفضل الخلق بعد الأنبياء ،وأن الله اختارهم ليناسبوا مقامه صلى الله عليه وسلم وأن الله رضي عنهم وزكاهم ، وذلك تعديل لهم ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمت إلا وهو راض عنهم ، وأنهم فوقنا بكل اعتبار ، ولا يذكرون إلا بالجميل ، وأن التنقيص من أحدهم تنقيص لهم جميعا ، وأن الطعن فيهم طعن في الرسول ، والطعن في الرسول طعن في المرسل ، وأن منهجهم وسبيلهم هو واجب السير عليه والتزامه، فهو سبيل النجاة الوحيد ، وأن هديهم هو الهدي الذي ينبغي أن يتمسك به وأن يدعى إليه ، وأنه لا يُستغني بالقرآن عن السنة ولا يستغني بالسنة والقرآن عن فهمهم ، وأنه لا ينتقصهم إلا رافضي خبيث أو زنديق ضال ، وإنني أبغض بغضا شديدا من يبغضهم ، وأقاتل من يكفرهم ، وأبرأ إلى الله ممن يصفهم بأنهم غثاء أو يمثلون الفكر الظلوم الغشوم أو يصفهم بالجهل ، وسوء التصرف أو يقول أن طريقتهم أسلم وطريقتنا أعلم وأحكم ، بل طريقتهم أسلم وأعلم وأحكم ، أو أنهم كانوا مختلفين فيما بينهم في الأصول ، فلم يكونوا على عقيدة واحدة ، أو متناحرين على الخلافة والملك ، أو أنهم كانوا ينافقون رسول الله فلما مات أظهروا عقائدهم ، أو أنهم اغتصبوا الخلافة ممن يستحقها بعد رسول الله أو يصف ما حصل بينهم أنها نزعة عرقية أو نعرات طائفية أو أنهم غيروا وبدلوا أو ارتدوا نعوذ بالله من الضلال .. تجد في هذا الموضوع ما يقطع رقاب القوم ، فإن كانت هذه الحُجج لم تكفهم فلا كفاه الله عذاب جهنم من لم ينصاع وينقاد للحق ..
قال إمام أهل السنة الرباني الإمام أحمد بن حنبل الشيباني - رحمه الله -: أصول السنة عندنا التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والإقتداء بهم... أصول أهل السنة ..
وقوله أصحاب: الأصحاب جمع صاحب ، ونسبته صحابي أي نسبة إلى الصحابة وهو: كل من لقي النبي -صلى الله عليه وسلم- مدة ولو ساعة من نهار أو رأى النبي أو رآه النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو مؤمن به ومات على ذلك ولو تخللت ردة .على القول المختار عند الحافظ ابن حجر رحمه الله . النخبة ...
والسؤال الذي ينبغي أن يطرح بإلحاح هو : لماذا قال الإمام أحمد - رحمه الله -: أصول السنة عندنا التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله ، ولم يقل التمسك بالكتاب والسنة وإنما ركز على التمسك بما كان عليه الصحابة؟؟.
والجواب يظهر لنا - والله أعلم - أن ذلك كان منه لِحِكَم كثيرة مُهمّة أراد أن ينبه عليها رحمه الله من أراد أن يتبع السنة ؛ ويبحث عن النجاة لنفسه وسط ذلكم الزخم الزاخر ؛ والغثاء الخاثر من أهل الأهواء واختلافها، وتلك الحكم هي :
1- إن جميع الفرق الضالة والمنحرفة عن الصراط المستقيم تدعي التمسك بالكتاب والسنة ، ولتتميز هذه الدعوة السلفية المباركة من غيرها من تلك الدعاوي ، فلا بد من ضميمة تميز أصول المنهج الحق والدعوة الصحيحة التي كان عليها أهل السنة أتباع السلف الصالح من غيرها ، وتلك الضميمة هي فهم أصحاب رسول الله للكتاب والسنة ، الذي كانوا عليه ، وهذه الضميمة لم تأت هكذا من فراغ بل أشار الله إليها في قوله {{ وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا}} (115) سورة النساء .
فقوله تعالى :{{ ويتبع غير سبيل المؤمنين}} تحذير من مخالفة منهجهم وفهمهم ، وإلا فالوعيد على مشاقة الله ورسوله يكفي بدون ذكر{{ ويتبع غير سبيل المؤمنين } فلو شاق أحد الله ورسوله لولاه الله ما تولى وأدخله جهنم ، ولكن من حكمة الله تعالى أن نوه بسبيل المؤمنين ليظهر جليا قيمة التمسك الذي كانوا عليه ، وأكد هذا المعنى النبي عليه الصلاة والسلام بقوله في حديث الفرقة الناجية :<< ..من كان على ما أنا عليه وأصحابي >>.
فقوله : وأصحابي إشارة إلى أنه لا يمكن لعبد ولا جماعة الفوز بالجنة والنجاة من النار إلا إذا كان متمسكا بما كان عليه الصحابة من الوحي كتابا وسنة، علما وعملا.
2 - ولأن تلك الدعاوي من أصحاب تلك المناهج الفاسدة إذا جئتهم إلى فهم الصحابة ، ومنهجهم الذي كانوا عليه ، وسبيلهم الذي ساروا عليه قالوا : هم رجال ونحن رجال ، أو طريقتهم أسلم ، وطريقتنا أعلم وأحكم ؛ أوهم لهم عصرهم ونحن لنا عصرنا ،أو أنهم اختلفوا فيما بينهم فلا يلزمنا الأخذ بشيء مما اختلفوا فيه ، أو أنهم اختلفوا ولم يلزم أَحدٌ منهم قول الآخر ،أو يبدع بعضهم البعض ولم يضلل بعضهم البعض ، إلى غير ذلك من التعليلات الباطلة ، والآراء العاطلة ، والمناهج الفاشلة .
3 – لأنهم أفضل هذه الأمة بعد نبيها ، بل هم أفضل البشر بعد الأنبياء ،لأن الله أختارهم كما أختار نبيهم حتى يناسبوا مقامه فهو أفضل البشر فلا يليق عقلا ولا شرعا أن يختار له سفلة البشر وأدناهم ، بل إن العصر الذي بعث فيهم هو أفضل العصور البشرية مؤمنهم وكافرهم، وخاصة العرب ، فمن آمن به فهو أفضل ممن آمن بأي نبي قبله ، وجاهلهم فهو أفضل ممن لم يؤمن وبقي على جاهليته ممن لم يؤمن بأي نبي قبله وبقي على كفره.
وفي ذلك الحديث الذي أخرجه مسلم نفسه برقم (2276) قول النبي - صلى الله عليه وسلم- :<< إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشا من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم،واصطفاني من بني هاشم >> وأحمد(4/107) والترمذي(3605).
4 – ولما كانوا أفضل البشرية وأعلاها طبقة وازدادت أفضليتهم بالإيمان الذي اعتنقوه ، وعلم النبوة الذي أوتوا ، وضحوا من أجله بكل غال ونفيس ، كان فهمهم للدين أفضل الأفهام وأعلاه فهما ، وتطبيقهم أحسن تطبيق وأتم ، فمهما توصلت البشرية إلى أفهام وتفسيرات للقرآن الذي لا تنتهي عجائبه وحِكمه فلا يمكن أن يصلوا إلى فهم الصحابة رضوان الله عليهم ، فقد شاهدوا الوحي ينزل ، والرسول بين أظهرهم ، وأنهم من أفصح البشر لسانا ، وأن العربية الفصحى سليقة عندهم ، يفهمون المراد من خطاب بعضهم البعض مهما كان فصيحا وبليغا والقرآن نزل بها فإذا أُشكل عليهم شيءٌ رجعوا إلى رسول الله فبين لهم غاية البيان المقصود والمراد الصحيح من القرآن المنزل الذي استشكلوه ، فاجتمع في هذا، خيريتهم ، وفهمهم الأفضل وتطبيقهم الأحسن والأعلى، وفضل شهودهم الوحي وهو ينزل ، ووجود الرسول بين أظهرهم ، وفصاحة ألسنتهم ، ونزول القرآن بعربيتهم وألسنتهم .
فهذه الأسباب الحقيقية هي التي جعلتهم قدوة لغيرهم ، وهم أهل لذلك ، فلا يجوز مخالفتهم ،لأن ذلك مشاقة للرسول -صلى الله عليه وسلم - ومشاقته مشاقة لله تعالى فسالك هذا السبيل على غير هدى يوليه الله ما تولى ويصليه جهنم وساءت مصيرا .
5 – أضف إلى ذلك أن الصحابة كلهم عدول ثقات زكاهم الله تعالى بقوله سبحانه : {{وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}} (100) سورة التوبة ، وقال سبحانه : {{لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا}} (1 سورة الفتح .ولم يأت قرآن ينسخ هذه الآيات وغيرها مما جاء في فضلهم والثناء عليهم .
ولم يمت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إلا وهو راض عنهم، ولذلك أوصى بهم أمته وزكاهم، وحذر من التعرض لهم بشيء من التنقيص، والنيل منهم فقال:<< لاَ تَسُبُّوا َأصْحَابِي لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلاَ نَصِيفَهُ >> (1).
وفضائل الصحابة كثيرة ، وقد ورد في فضلهم -رضي الله عنهم- من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية ما لا يحصى ، فكل منقبة ثبتت للأمة ، فهي لهم من باب أولى ، وكل وصف جاء في فضل هذه الأمة فهو لهم من باب أولى ، فضلا عما جاء خاصا فيهم مما سبق وسيأتي ، فهم الذين اصطفاهم الله تعالى ،قال عز من قائل : {{ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ}} (59) سورة النمل. قال ابن عباس في رواية أبي مالك : هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم . رواه الطبري [ج10/4]من هذا الطريق، ورواه أيضا من طريق الوليد بن مسلم حدثني ابن البارك حدثني سفيان الثوري من قوله... وهو إسناد صحيح إليه .
وقال تعالى: {{ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا }} (32) سورة فاطر، فقد اصطفاهم الله تعالى واجتباهم ، ليناسبوا مقام النبوة ، فالرسول صلى الله عليه وسلم بعث في خير الناس وقد بين ذلك بقوله :<< خير الناس قرني ثم الذين يلونهم..>> البخاري (2652) ومسلم ( 2533 ) وأحمد (1/37.
وفي رواية : << خير أمتي قرني>>(2). ويتفق العلماء غير الروافض والنواصب على أن خير القرون قرنه -صلى الله عليه وسلم - والخيرية تثبت لهم من كل وجه إلا رؤيته - صلى الله عليه وسلم- لمن آمن به ولم يراه.. أما غيرها من الفضائل فلو انفق أحدنا مثل جبل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه ، ومزية الصحبة لا يعدلها شيء.
قال ابن الديبع الشيباني -رحمه الله- [3]: قال العلماء : وإنما كانوا خير القرون لشهادة الله – تعالى – ورسوله –صلى الله عليه وسلم – لهم بكل فضيلة من الإخلاص ، والصدق والتقوى ، والشدة في الدين ، والرحمة على المؤمنين ، ونصرة الله ورسوله ، والجهاد في سبيل الله – تعالى – وبذل النفوس والأموال ، وبيعها من الله .
وإيثارهم على أنفسهم، وكونهم {{ خير أمة أخرجت للناس }} كما قال تعالى،وقد{{رضي الله عنهم ورضوا عنه}} والحائزين على الفوز والفلاح والبشارة بأعلى الجنان وجوار الرحمان ، إلى غير ذلك .
قلت : هم الذين باعوا أنفسهم لله تعالى،: {{ إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}} (111) سورة التوبة .
وهم الصادقون، المخلصون، وهم الأمة الوسط التي تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتجاهد في الله حق جهاده، وهم الذين أوتوا العلم ، وهم أمنة الأمة، كما أن الرسول أمنة لهم، كم ثبت ذلك في صحيح مسلم، وهم وزراء الرسول وأنصاره، وأصهاره ، وخلفاؤه الراشدون المهتدون المهديون من بعده ، وهم السابقون الأولون ، وهم أتباع الحق ، وسبيلهم هو سبيل الإيمان الحق ، فالطعن في بعضهم طعن فيهم كلهم ؛ والطعن فيهم طعن في الرسول والطعن في الرسول طعن في المرسل ، لا يحبهم ويحترمهم ويجلهم ، ويقدرهم إلا مؤمن ، فهم فوقنا بكل اعتبار
ولا ينتقصهم ، ويبغضهم ويسبهم إلا زنديق ، فالله، الله في وصية رسول الله فيهم حيث قال :<< لا تسبوا أصحابي >> البخاري ومسلم ، وقد سبق تخريجه .
وقد مدحهم الله تعالى ، ومدح الله لا يتبدل ولا يتحول ، كما مدحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومدحه عليهم يتنزل ، فهم صحبه الكرام ، وفضيلة الصحبة – ولو لحظة لا توازيها فضيلة ولا تنال درجتها بشيء من الأعمال والأقوال .
ونهى أشد النهي عن سبهم أو التعرض لهم بمنقصة أو طعن فقال-صلى الله عليه وسلم-: << لا تسبوا أصحابي ، لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفقَ أحدُكم مثلَ أُحدٍ ذهبـًا ما أدرك مُدَّ أحدهم ولا نَصِيفه >> . قد سبق تخريجه.
وقال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : << لا تسبوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فلمقام أحدهم ساعة ـ يعني : مع النبي -صلى الله عليه وسلم ـ خيرٌ من عبادة أحدِكم عمرَه >> شرح الطحاوية ( ص : 532 ) ، قال الشيخ الألباني : صحيح .وقال ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ : << إن الله نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد -صلى الله عليه وسلم - خيرَ قلوب العباد فاصطفاه لنفسه ، وابتعثه برسالته ، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد- صلى الله عليه وسلم- فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد فجعلهم وزراء نبيه ، يقاتلون على دينه؛ فما رآه المسلمون حسنـًا فهو عند الله حسن ، وما رأوه سيّئـًا فهو عند الله سيء>>(4)
قال ابن الديبع - رحمه الله –: قال العلماء : وإذا ثبت ثناء الله ورسوله عليهم –رضي الله عنهم – بكل فضيلة ، والشهادة لهم بالمناقب الجليلة ، فأي دين يبقى لمن نبذ كتاب الله وراء ظهره فنسبهم إلى باطل يقول هذا الجاهل بأن الله –تعالى – منزه عما يقول الظالمون علوا كبيرا – لما وصفهم وأثنى عليهم كان جاهلا بما يؤول إليه حالهم، فنبذ قول الحق باطلا ، والصدق كذبا – أو كان عالما بذلك ، ولكنه خان رسوله بالثناء على من ليس بأهل للثناء ، ورضي لرسوله المجتبى عنده بصحبة الواسقين [ أي حملة الشرور والآثام ] ومصافاة المنافقين كلا والله ! لقد كانوا أحق بتلك الفضائل وأهلها {{ وكان الله بكل شيء عليما }} وكانوا كما وصفهم الله :{{ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا}} (23) سورة الأحزاب.
اللهم إنا نشهد أنهم كما وصفتهم من أنهم خير أمة ، ونثني عليهم بما أثنيت عليهم من الفضائل الجمة ، ونعتقد أنهم قد قلدوا رقاب الخاصة والعامة المنّة ، ولأنهم جاهدوا في الله حق جهاده حتى قرروا هذا الدين ثم حملوه إلى الناس ، كما نقلوه باذلين في ذلك غاية الجهد والنصح ، ونعتقد وجوب تعظيمهم واحترامهم ومحبتهم ، والكف عما شجر بينهم ، وحسن الظن بهم ... (5).
يتبع إن شاء الله ...
أما بعد :
هذه عقيدتي في الصحب الكرام ، فهم أفضل الخلق بعد الأنبياء ،وأن الله اختارهم ليناسبوا مقامه صلى الله عليه وسلم وأن الله رضي عنهم وزكاهم ، وذلك تعديل لهم ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمت إلا وهو راض عنهم ، وأنهم فوقنا بكل اعتبار ، ولا يذكرون إلا بالجميل ، وأن التنقيص من أحدهم تنقيص لهم جميعا ، وأن الطعن فيهم طعن في الرسول ، والطعن في الرسول طعن في المرسل ، وأن منهجهم وسبيلهم هو واجب السير عليه والتزامه، فهو سبيل النجاة الوحيد ، وأن هديهم هو الهدي الذي ينبغي أن يتمسك به وأن يدعى إليه ، وأنه لا يُستغني بالقرآن عن السنة ولا يستغني بالسنة والقرآن عن فهمهم ، وأنه لا ينتقصهم إلا رافضي خبيث أو زنديق ضال ، وإنني أبغض بغضا شديدا من يبغضهم ، وأقاتل من يكفرهم ، وأبرأ إلى الله ممن يصفهم بأنهم غثاء أو يمثلون الفكر الظلوم الغشوم أو يصفهم بالجهل ، وسوء التصرف أو يقول أن طريقتهم أسلم وطريقتنا أعلم وأحكم ، بل طريقتهم أسلم وأعلم وأحكم ، أو أنهم كانوا مختلفين فيما بينهم في الأصول ، فلم يكونوا على عقيدة واحدة ، أو متناحرين على الخلافة والملك ، أو أنهم كانوا ينافقون رسول الله فلما مات أظهروا عقائدهم ، أو أنهم اغتصبوا الخلافة ممن يستحقها بعد رسول الله أو يصف ما حصل بينهم أنها نزعة عرقية أو نعرات طائفية أو أنهم غيروا وبدلوا أو ارتدوا نعوذ بالله من الضلال .. تجد في هذا الموضوع ما يقطع رقاب القوم ، فإن كانت هذه الحُجج لم تكفهم فلا كفاه الله عذاب جهنم من لم ينصاع وينقاد للحق ..
قال إمام أهل السنة الرباني الإمام أحمد بن حنبل الشيباني - رحمه الله -: أصول السنة عندنا التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والإقتداء بهم... أصول أهل السنة ..
وقوله أصحاب: الأصحاب جمع صاحب ، ونسبته صحابي أي نسبة إلى الصحابة وهو: كل من لقي النبي -صلى الله عليه وسلم- مدة ولو ساعة من نهار أو رأى النبي أو رآه النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو مؤمن به ومات على ذلك ولو تخللت ردة .على القول المختار عند الحافظ ابن حجر رحمه الله . النخبة ...
والسؤال الذي ينبغي أن يطرح بإلحاح هو : لماذا قال الإمام أحمد - رحمه الله -: أصول السنة عندنا التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله ، ولم يقل التمسك بالكتاب والسنة وإنما ركز على التمسك بما كان عليه الصحابة؟؟.
والجواب يظهر لنا - والله أعلم - أن ذلك كان منه لِحِكَم كثيرة مُهمّة أراد أن ينبه عليها رحمه الله من أراد أن يتبع السنة ؛ ويبحث عن النجاة لنفسه وسط ذلكم الزخم الزاخر ؛ والغثاء الخاثر من أهل الأهواء واختلافها، وتلك الحكم هي :
1- إن جميع الفرق الضالة والمنحرفة عن الصراط المستقيم تدعي التمسك بالكتاب والسنة ، ولتتميز هذه الدعوة السلفية المباركة من غيرها من تلك الدعاوي ، فلا بد من ضميمة تميز أصول المنهج الحق والدعوة الصحيحة التي كان عليها أهل السنة أتباع السلف الصالح من غيرها ، وتلك الضميمة هي فهم أصحاب رسول الله للكتاب والسنة ، الذي كانوا عليه ، وهذه الضميمة لم تأت هكذا من فراغ بل أشار الله إليها في قوله {{ وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا}} (115) سورة النساء .
فقوله تعالى :{{ ويتبع غير سبيل المؤمنين}} تحذير من مخالفة منهجهم وفهمهم ، وإلا فالوعيد على مشاقة الله ورسوله يكفي بدون ذكر{{ ويتبع غير سبيل المؤمنين } فلو شاق أحد الله ورسوله لولاه الله ما تولى وأدخله جهنم ، ولكن من حكمة الله تعالى أن نوه بسبيل المؤمنين ليظهر جليا قيمة التمسك الذي كانوا عليه ، وأكد هذا المعنى النبي عليه الصلاة والسلام بقوله في حديث الفرقة الناجية :<< ..من كان على ما أنا عليه وأصحابي >>.
فقوله : وأصحابي إشارة إلى أنه لا يمكن لعبد ولا جماعة الفوز بالجنة والنجاة من النار إلا إذا كان متمسكا بما كان عليه الصحابة من الوحي كتابا وسنة، علما وعملا.
2 - ولأن تلك الدعاوي من أصحاب تلك المناهج الفاسدة إذا جئتهم إلى فهم الصحابة ، ومنهجهم الذي كانوا عليه ، وسبيلهم الذي ساروا عليه قالوا : هم رجال ونحن رجال ، أو طريقتهم أسلم ، وطريقتنا أعلم وأحكم ؛ أوهم لهم عصرهم ونحن لنا عصرنا ،أو أنهم اختلفوا فيما بينهم فلا يلزمنا الأخذ بشيء مما اختلفوا فيه ، أو أنهم اختلفوا ولم يلزم أَحدٌ منهم قول الآخر ،أو يبدع بعضهم البعض ولم يضلل بعضهم البعض ، إلى غير ذلك من التعليلات الباطلة ، والآراء العاطلة ، والمناهج الفاشلة .
3 – لأنهم أفضل هذه الأمة بعد نبيها ، بل هم أفضل البشر بعد الأنبياء ،لأن الله أختارهم كما أختار نبيهم حتى يناسبوا مقامه فهو أفضل البشر فلا يليق عقلا ولا شرعا أن يختار له سفلة البشر وأدناهم ، بل إن العصر الذي بعث فيهم هو أفضل العصور البشرية مؤمنهم وكافرهم، وخاصة العرب ، فمن آمن به فهو أفضل ممن آمن بأي نبي قبله ، وجاهلهم فهو أفضل ممن لم يؤمن وبقي على جاهليته ممن لم يؤمن بأي نبي قبله وبقي على كفره.
وفي ذلك الحديث الذي أخرجه مسلم نفسه برقم (2276) قول النبي - صلى الله عليه وسلم- :<< إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشا من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم،واصطفاني من بني هاشم >> وأحمد(4/107) والترمذي(3605).
4 – ولما كانوا أفضل البشرية وأعلاها طبقة وازدادت أفضليتهم بالإيمان الذي اعتنقوه ، وعلم النبوة الذي أوتوا ، وضحوا من أجله بكل غال ونفيس ، كان فهمهم للدين أفضل الأفهام وأعلاه فهما ، وتطبيقهم أحسن تطبيق وأتم ، فمهما توصلت البشرية إلى أفهام وتفسيرات للقرآن الذي لا تنتهي عجائبه وحِكمه فلا يمكن أن يصلوا إلى فهم الصحابة رضوان الله عليهم ، فقد شاهدوا الوحي ينزل ، والرسول بين أظهرهم ، وأنهم من أفصح البشر لسانا ، وأن العربية الفصحى سليقة عندهم ، يفهمون المراد من خطاب بعضهم البعض مهما كان فصيحا وبليغا والقرآن نزل بها فإذا أُشكل عليهم شيءٌ رجعوا إلى رسول الله فبين لهم غاية البيان المقصود والمراد الصحيح من القرآن المنزل الذي استشكلوه ، فاجتمع في هذا، خيريتهم ، وفهمهم الأفضل وتطبيقهم الأحسن والأعلى، وفضل شهودهم الوحي وهو ينزل ، ووجود الرسول بين أظهرهم ، وفصاحة ألسنتهم ، ونزول القرآن بعربيتهم وألسنتهم .
فهذه الأسباب الحقيقية هي التي جعلتهم قدوة لغيرهم ، وهم أهل لذلك ، فلا يجوز مخالفتهم ،لأن ذلك مشاقة للرسول -صلى الله عليه وسلم - ومشاقته مشاقة لله تعالى فسالك هذا السبيل على غير هدى يوليه الله ما تولى ويصليه جهنم وساءت مصيرا .
5 – أضف إلى ذلك أن الصحابة كلهم عدول ثقات زكاهم الله تعالى بقوله سبحانه : {{وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}} (100) سورة التوبة ، وقال سبحانه : {{لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا}} (1 سورة الفتح .ولم يأت قرآن ينسخ هذه الآيات وغيرها مما جاء في فضلهم والثناء عليهم .
ولم يمت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إلا وهو راض عنهم، ولذلك أوصى بهم أمته وزكاهم، وحذر من التعرض لهم بشيء من التنقيص، والنيل منهم فقال:<< لاَ تَسُبُّوا َأصْحَابِي لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلاَ نَصِيفَهُ >> (1).
وفضائل الصحابة كثيرة ، وقد ورد في فضلهم -رضي الله عنهم- من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية ما لا يحصى ، فكل منقبة ثبتت للأمة ، فهي لهم من باب أولى ، وكل وصف جاء في فضل هذه الأمة فهو لهم من باب أولى ، فضلا عما جاء خاصا فيهم مما سبق وسيأتي ، فهم الذين اصطفاهم الله تعالى ،قال عز من قائل : {{ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ}} (59) سورة النمل. قال ابن عباس في رواية أبي مالك : هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم . رواه الطبري [ج10/4]من هذا الطريق، ورواه أيضا من طريق الوليد بن مسلم حدثني ابن البارك حدثني سفيان الثوري من قوله... وهو إسناد صحيح إليه .
وقال تعالى: {{ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا }} (32) سورة فاطر، فقد اصطفاهم الله تعالى واجتباهم ، ليناسبوا مقام النبوة ، فالرسول صلى الله عليه وسلم بعث في خير الناس وقد بين ذلك بقوله :<< خير الناس قرني ثم الذين يلونهم..>> البخاري (2652) ومسلم ( 2533 ) وأحمد (1/37.
وفي رواية : << خير أمتي قرني>>(2). ويتفق العلماء غير الروافض والنواصب على أن خير القرون قرنه -صلى الله عليه وسلم - والخيرية تثبت لهم من كل وجه إلا رؤيته - صلى الله عليه وسلم- لمن آمن به ولم يراه.. أما غيرها من الفضائل فلو انفق أحدنا مثل جبل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه ، ومزية الصحبة لا يعدلها شيء.
قال ابن الديبع الشيباني -رحمه الله- [3]: قال العلماء : وإنما كانوا خير القرون لشهادة الله – تعالى – ورسوله –صلى الله عليه وسلم – لهم بكل فضيلة من الإخلاص ، والصدق والتقوى ، والشدة في الدين ، والرحمة على المؤمنين ، ونصرة الله ورسوله ، والجهاد في سبيل الله – تعالى – وبذل النفوس والأموال ، وبيعها من الله .
وإيثارهم على أنفسهم، وكونهم {{ خير أمة أخرجت للناس }} كما قال تعالى،وقد{{رضي الله عنهم ورضوا عنه}} والحائزين على الفوز والفلاح والبشارة بأعلى الجنان وجوار الرحمان ، إلى غير ذلك .
قلت : هم الذين باعوا أنفسهم لله تعالى،: {{ إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}} (111) سورة التوبة .
وهم الصادقون، المخلصون، وهم الأمة الوسط التي تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتجاهد في الله حق جهاده، وهم الذين أوتوا العلم ، وهم أمنة الأمة، كما أن الرسول أمنة لهم، كم ثبت ذلك في صحيح مسلم، وهم وزراء الرسول وأنصاره، وأصهاره ، وخلفاؤه الراشدون المهتدون المهديون من بعده ، وهم السابقون الأولون ، وهم أتباع الحق ، وسبيلهم هو سبيل الإيمان الحق ، فالطعن في بعضهم طعن فيهم كلهم ؛ والطعن فيهم طعن في الرسول والطعن في الرسول طعن في المرسل ، لا يحبهم ويحترمهم ويجلهم ، ويقدرهم إلا مؤمن ، فهم فوقنا بكل اعتبار
ولا ينتقصهم ، ويبغضهم ويسبهم إلا زنديق ، فالله، الله في وصية رسول الله فيهم حيث قال :<< لا تسبوا أصحابي >> البخاري ومسلم ، وقد سبق تخريجه .
وقد مدحهم الله تعالى ، ومدح الله لا يتبدل ولا يتحول ، كما مدحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومدحه عليهم يتنزل ، فهم صحبه الكرام ، وفضيلة الصحبة – ولو لحظة لا توازيها فضيلة ولا تنال درجتها بشيء من الأعمال والأقوال .
ونهى أشد النهي عن سبهم أو التعرض لهم بمنقصة أو طعن فقال-صلى الله عليه وسلم-: << لا تسبوا أصحابي ، لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفقَ أحدُكم مثلَ أُحدٍ ذهبـًا ما أدرك مُدَّ أحدهم ولا نَصِيفه >> . قد سبق تخريجه.
وقال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : << لا تسبوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فلمقام أحدهم ساعة ـ يعني : مع النبي -صلى الله عليه وسلم ـ خيرٌ من عبادة أحدِكم عمرَه >> شرح الطحاوية ( ص : 532 ) ، قال الشيخ الألباني : صحيح .وقال ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ : << إن الله نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد -صلى الله عليه وسلم - خيرَ قلوب العباد فاصطفاه لنفسه ، وابتعثه برسالته ، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد- صلى الله عليه وسلم- فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد فجعلهم وزراء نبيه ، يقاتلون على دينه؛ فما رآه المسلمون حسنـًا فهو عند الله حسن ، وما رأوه سيّئـًا فهو عند الله سيء>>(4)
قال ابن الديبع - رحمه الله –: قال العلماء : وإذا ثبت ثناء الله ورسوله عليهم –رضي الله عنهم – بكل فضيلة ، والشهادة لهم بالمناقب الجليلة ، فأي دين يبقى لمن نبذ كتاب الله وراء ظهره فنسبهم إلى باطل يقول هذا الجاهل بأن الله –تعالى – منزه عما يقول الظالمون علوا كبيرا – لما وصفهم وأثنى عليهم كان جاهلا بما يؤول إليه حالهم، فنبذ قول الحق باطلا ، والصدق كذبا – أو كان عالما بذلك ، ولكنه خان رسوله بالثناء على من ليس بأهل للثناء ، ورضي لرسوله المجتبى عنده بصحبة الواسقين [ أي حملة الشرور والآثام ] ومصافاة المنافقين كلا والله ! لقد كانوا أحق بتلك الفضائل وأهلها {{ وكان الله بكل شيء عليما }} وكانوا كما وصفهم الله :{{ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا}} (23) سورة الأحزاب.
اللهم إنا نشهد أنهم كما وصفتهم من أنهم خير أمة ، ونثني عليهم بما أثنيت عليهم من الفضائل الجمة ، ونعتقد أنهم قد قلدوا رقاب الخاصة والعامة المنّة ، ولأنهم جاهدوا في الله حق جهاده حتى قرروا هذا الدين ثم حملوه إلى الناس ، كما نقلوه باذلين في ذلك غاية الجهد والنصح ، ونعتقد وجوب تعظيمهم واحترامهم ومحبتهم ، والكف عما شجر بينهم ، وحسن الظن بهم ... (5).
يتبع إن شاء الله ...
تعليق