أهميَّة الوَقْت
في
لفضيلة الشيخ:
عبيد بن عبد الله بن سليمان الجابري
حفظه الله تعالى
[ شريط مفرّغ ]
قام بتفريغه أخوكم في الله طالبا عفو ربه / أبو مازن السلفي. (وغفر الله لوالديه(
الحمد لله رب العالمين حمداً كثيراً مباركاً فيه، والحمد لله الذي بفضله أتم لنا الصالحات وهدانا صراطه المستقيم، فأنزل علينا أشرف كتبه وأرسل إلينا خاتم أنبيائه وأفضل رسله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الحمد في الأولى والآخرة وهو على كل شيء قدير وهو اللطيف الخبير، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله أرسله الله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون، فبلَّغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة حق النصح فجزاه الله عنا وعن سائر أمته خير ما يجزي به أنبيائه ورسوله، وقال صلى الله عليه وسلم: «تركتكم على البيضاء ليلهُا كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك»، وقال: «كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى»، قالوا: ومن يأبى يا رسول الله، قال: «من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى»، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا أيها الأخوة في الله الوقت هام والوقت له قيمته وله شأنه عند من يعقل ذلك ويدركه، وخير الناس إدراكاً للتكليف: المسلم ولهذا كان موضوع المحاضرة كما سمعتم من الأخ الكريم ( أهمية الوقت في حياة المسلم ) لأن المسلم هو الذي يعدّ لكل شيء عدّته، ويحسب للأمور حسابها ويعلم تمام العلم أنه محاسب على هذا الوقت الذي يقضيه في دنياه منذُ تكليفه، أعني منذُ بلوغه سن الرشد حتى يلقى ربه، فهو يعلم أن كل لحظةٍ من لحظات هذا الوقت إما له وإما عليه لا يضيع الله لحظة من لحظات هذا العمر، وتوطئةً لمباحث الكلمة أقدم حديثً أرى أنه جمع قواعد تربوية من غُرر هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يسع المسلمين والمسلمات جهلها، والحديث رواه مسلم عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملئ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملأنٍ أو تملئ ما بين السماء والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك، كل الناس يغدو فبائع نفسه فموبقها أو معتقها»، لو تأملنا هذا الحديث العظيم نرى أنه كما قدمنا ذو قواعد وأسس عظيمة هي أساس في حياة المسلم والمسلمة، ولكني أقتصر على ما أرى أنه محل الشاهد، وذلكم يا أخوتي في جملتين أولاهما في قوله صلى الله عليه وسلم: «والقرآن حجة لك أو عليك»، وقتك الذي تقضيه في دنياك لا تخلو عن إنسانين إما عاملاً بالقرآن مؤمنً به عاملاً بمحكمه مؤمنً بمتشابهه تحل حلاله وتحرم حرامه فالقرآن حجة لك وإما على العكس من ذلك فالقرآن حجة عليك، وثانيةُ الجملتين في قوله: «كل الناس يغدو فبائع نفسه فموبقها أو معتقها»، الناس قسمان لا ثالث لهما قسم يسعى في عمره إلى مرضات ربه طالباً محبته عاملاً أوامره ما أستطاع تاركاً نواهيه محكماً شرعه فهذا هو الذي يعتق نفسه يوم القيامة يوم تقدم له الصحيفة تقدم له بيمينه هذا هو الذي يعتق نفسه وينال الفوز يوم يحزن الناس من الفزع الأكبر، وثاني القسمين من الناس يسعى في تحقيق شهواته وتلبية رغباته يسعى ويمرح لا تهمه الآخرة ولا يسعى لها سعيها تهمه الدنيا تملكت عليه قلبه ولبه ومشاعره حتى أصبح مسخراً لها فهذا هو الذي يوبق نفسه.
وبعد هذا الحديث أحب قبل الكلام في تفصيل الدرس أن أعرض على الأخوةِ الكرام مباحث الكلمة التي سميت محاضرة، وهذه المباحث هي العوامل المساعدة للمسلم في حسن تصرفه وقضاءه وقته.
المبحث الأول: مقامات العبادة الخوف والرجاء والمحبة.
والمبحث الثاني: التحذير من الدنيا كما حذر الله منها ورسوله صلى الله عليه وسلم وأنها خداعة غرَّارة فتَّانه.
والمبحث الثالث: فيما جاء من كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم من الحث على الزهد في الدنيا، أعني القناعة فيها بما رزق الله عز وجل.
والمبحث الرابع: وهو أهمها: الاستعداد للآخرة.
هذه الأربعة المباحث هي التي يدور عليها الدرس وسبب الاقتصار على هذه المباحث الأربعة أني لما تأملت الموضوع وجدته ذا شعب وحديث ذا شجون كما يقولون وحتى لا نتيه ونستطرد بما يثقل على الحاضرين أحببت الاقتصار على هذه المباحث الأربعة فأسأل الله لي ولكم العون والسداد والقبول.
المبحث الأول: الخوف والرجاء والمحبة
هذه مقامات العبادة قرر ذلكم علماء السلف رحمهم الله فالعبادة لا تصلح ولا تستقيم ولا تحقق الغاية منها إلا بهذه المقامات الثلاثة.
المقام الأول: مقام الخوف من الله سبحانه وتعالى خشيته ومراقبته ولعل هذا يستدل له بما جاء من سؤال جبريل نبينا محمداً صلى الله عليهما وسلم لما قال: ما الإحسان؟ قال: «أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك».
المقام الثاني: مقام الرجاء، الطمع في رحمة الله ولا يصلح أمر المسلم حتى يجمع بين الخوف والرجاء، لأن الخوف يردع عن مساخط الله، والرجاء يطمع فيما عند الله سبحانه وتعالى يطمع في رحمة الله.
المقام الثالث: مقام المحبة ولهذا أعني في ملازمة هذه الثلاث المقامات في كون بعضها ملتزمً ببعض وبعضها مرتبط ببعض لا ينفك منها واحد عن الآخر قال سلفنا (من عبد الله بالخوف وحده فهو حروري، ومن عبد الله بالرجاء وحده فهو مرجئ، ومن عبد الله بالمحبة وحدها فهو زنديق)، إذاً لابد أن تجتمع هذه الثلاثة، والمحبة تجعل الإنسان دائماً مستشرفاً إلى ما جاء عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم حتى يعمل من الأوامر ما أستطاع ويترك النواهي وهذا فضل الله سبحانه وتعالى ورحمته بعباده، فالأوامر يتجاوز الله فيها عن الإنسان بما عجز عنه أما النواهي فلابد لها من اجتناب ولهذا قال نبينا صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه «ما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم وما نهيتكم عنه فاجتنبوه»، وفي هذه الثلاثة المقامات نجد كتاب ربنا جل وعلا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم قد أخذت هذه المقامات الثلاثة حظاً وافراً لأنها يدور عليها أمرُ صلاح عبادة المسلم.
فأولاً نستمع إلى ربنا جل علاه وهو يجمع في التنويه بشأن من يعبد الله خائفاً راجياً ويتبع ذلك له بالبشارة في سورة الزمر يقول الحق جل وعلا ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [الزمر:9]، فلنتأمل يا إخوتي هذه الآية ما الذي احتوته من التوجيهات الربانية العظيمة:
الأمر الأول: التنويه بشأن قيام الليل وإنه سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو دأب الصالحين من هذه الأمة من يتأسى بمحمدِ صلى الله عليه وسلم، والأمر الثاني: وهو الحافز على هذا القيام الذي جعل ذلكم العبد المسلم يسلك هذا المسلك مع ربه أنه يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه فهو يقوم لله خوفا وطمعا، والثالث: التنويه بالعلم وأنه بقدر ما يتفقه الإنسان في دينه ويتبصرُ فيه بقدر ما يحصل له من خشية الله ومراقبته وبقدر ما يحصل له من حُسن سلوكه مع ربه قولاً وعملاً واعتقاداً وعلى العكس من هذا فإنه بقدر ما يقل فقه الإنسان في دينه تقل في نفسه عظمة ربه وبقدر ما يترك الإنسان من أبواب دينه وعقيدته بقدر ما ينفتح عليه باب من الشر، فما غزي المسلمون يا إخواني غزواً أعظم من التركيز على العقيدة حتى تزعزع في النفوس إما إنه لا يدعى إليها وإما أن تضعف في النفوس وهذا ما يريده أعداء الإسلام وقد يتسترون في ثياب مسلمين لكنهم إما مختلوا العقيدة وإما جهَّال بها تصدرُ الدعوة إلى الله على جهل وضلال ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾، الجواب لا يستويان هذا استفهام في معنى النفي هذا استفهام إنكاري يفيد النفي أي لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون، لا يستوي العالمون بالله عز وجل والجهلة به، والفئة الرابعة ﴿إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾، يتعض ويعتبر وينزجر من انشرحت صدورهم وصقلت قلوبهم بمحبة الله سبحانه وتعالى ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم، أولو الألباب العقول الفطنة الكيسون هذا هو نتيجة الفقه في دين الله، ولعلي أستأنسُ بهذا بما صح عند البخاري وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم من طريق معاذ ابن أبي سفيان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من يرد الله به خيراً يفقه في الدين»، والعكس بالعكس (من لم يرد به الله خيراً لا يفقه في دينه) لأن دين الله سلعة عظيمة والله لا يأتي سلعته إلا من يحسن القيام بها أعني الفقه في دين الله.
ثانياً: آية أخرى في سورة السجدة كيف ينوه ربنا سبحانه وتعالى بأولي العزائم الصادقة والهمم العالية الذين عرفوا الله حق المعرفة فلما عرفوه حق المعرفة خشوه حق الخشية قال: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16) فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾[السجدة:16-17]، وفي هذا يروي الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل قال: " أي الله عز وجل " «أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، فقرؤوا إن شئتم: ﴿ لا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾» عملوا هداية من الله فنالوا ما عملوا أعمالهم من أجله بفضل الله ورحمته كما أوجب ذلك على نفسه جل وعلا.
الموضع الثالث: في سورة الذاريات حينما يفصل ربنا سبحانه وتعالى بين عباده القضاء ويحكم بينهم وينال كل جزاءه، ينوه ربنا سبحانه وتعالى بعد ذكره مصير الكفار جزاء ما استمتعوا في الدنيا بنعم الله على مساخط الله ينوه ربنا سبحانه وتعالى بعد ذلك بالتعقيب بشأن أولياءه وخاصته ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ﴾ [الذاريات:15-16]، محسنين إلى أنفسهم محسنين إلى عباد الله محسنين بالقيام بما أخذ الله عليهم من فعل الأوامر واجتناب النواهي محسنين إلى أنفسهم بمجاهدتها على طاعة الله عز وجل محسنين إلى أنفسهم باستكثارهم الخيرات هذا تفسير ذلك ﴿ كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (1 وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ﴾ [الذاريات:17-19]، وفي ذلك يروي الإمام أحمد في مسنده والدارمي في سننه الحديث الصحيح الذي أعتقد أنه صححه الحاكم وأقره الذهبي على ذلك عن عبد الله ابن سلام رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يا أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلوا بالليل والناس نيام تدخل الجنة بسلام»، أربع مفاتيح من مفاتيح الجنة يطرحها أمامنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إن صح التعبير، أربع مفاتيح من مفاتيح الجنة:
إكثار السلام: نشر السلام على من عرفت ومن لم تعرف، صلة الأرحام: من غير مكافئة لله عز وجل، إطعام الطعام: على من يستحق، وصلوا بالليل والناس نيام، وروى الترمذي عن معاذ ابن جبل رضي الله عنه وقال حديث حسن صحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن معاذ رضي الله عنه ( قال: قلت يا رسول الله دلني على عمل يقربني من الجنة ويباعدني من النار " الله أكبر طريقان لا ثالث لهم " قال: «يا معاذ لقد سألت عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله عليه: تعبد الله ولا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج»، ثم يقول «ألا أدلك على أبواب الخير»، قال معاذ: بلى " بعد أن دله على الفرائض لفت نظره إلى النوافل التي يتهاون بها كثيرا من الناس كثيرا من الناس يزعم هكذا تسول له نفسه الضعيفة التي أرادت أن تقعد به عن الخير تسول له نفسه أنه إذا أدى الفريضة فلا داعي أو فلا حاجة إلى النافلة هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوجه الأمة ليس لمعاذ وحده بل الأمة لأن العبرة بعموم اللفظ يا إخوان لا بخصوص السبب " يقول «ألا أدلك على أبواب الخير»، قال معاذ: بلى، قال: الصوم جُنة " ما عدا صيام رمضان صيام رمضان تقدم " «والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار وصلاة الرجل من جوف الليل» ثم تلا الآيات التي قدمناها في سورة السجدة، ثم يقول صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه»، فيقول معاذ: بلى، قال: «رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله»، ثم يقول صلى الله عليه وسلم لمعاذ: «ألا أخبرك بملاك ذلك كله» " يعني مقوده زمامه "، قال معاذ: بلى، فأشار صلى الله عليه وسلم إلى لسان نفسه وقال: «أمسك عليك هذا»، قال معاذ: أو إن لمُأخذون يا رسول الله " مستغرب معاذ هذا شيء عجيب "، قال: «ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس في النار على وجوههم» أو قال: «مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم».
وأما ما جاء من السنة في الرجاء فنذكر ما رواه مسلم عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله»، وفي المحبة التي تكسب الإنسان دفعه إلى التطلع إلى أوامر الله وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم حتى يفعل منها إلا ما عجز عنه وعلى التعرف على النواهي حتى يدعها طاعة لله وطاعة لرسوله صلى الله عليه وسلم وهو منشرح الصدر طيب النفس مطمئن القلب، روى الشيخان عن أنس ابن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار»، هذا أيها الأخوة فيما يتعلق بالمبحث الأول الذي هو مقامات العبادة الخوف والرجاء والمحبة فلا تصلح العبادة كما أرد الله عز وجل إلا بتحقيق هذه المقامات الثلاثة، وهنا أحب أن أنبه إلى أمر خطير يتورط فيه كثيرا من الناس كثيرا من الناس يرتكبون عظائم من الأخطاء والآثام الظاهرة التي لا تخفى على أحد إذا نصح في ذلك قال ما عليك التقوى في القلوب سبحان الله العظيم هذه من تراهات الصوفية وخزعبلات المرجئة لا يضر مع الإيمان ذنب هذا خطأ وجناية على الإسلام والمسلمين لا التقوى صحيح أنها في القلب لكن ما دليل التقوى ؟ لو قال لك إنسان لا يصلي لا جمعة ولا جماعة التقوى في القلب ويبكي أناء الليل وأطراف النهار وهو لا يصلي هل نقول أن هذا برا تقي ؟ لا حاشى الله ليس هذا برا تقي التقوى في القلب صحيح لكن ما دليلها ؟ ما شاهد التقوى ؟ ما الدليل على أن هذا الإنسان مؤمنا برا تقي ؟ الدليل سلوكه أعماله فإذا حسن حسن ظاهرا فيما بينه وبين الله قلنا هذا مسلم نشهد له بالصلاح ظاهرا ولا نزكي على الله أحدا ، أما الخافي فبينه وبين ربه وإذا حسن سلوكه فيما بينه وبين الناس قلنا هذا إنسان صادقٌ مع الناس ولعله يشير إلى هذا ما رواه الترمذي وحسنه عن معاذ ابن جبل رضي الله عنه وأبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحوها وخالق الناس بخلق حسن»، ثلاث خصال تحقق السعادة للمسلمين تقوي ما بينهم وبين الله وما بينهم وبين أنفسهم وما بينهم وبين بني جنسهم، ولعله أبلغ من هذا ما رواه الشيخان ما في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم والحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الإيمان بضع وسبعون شعبه» أو قال: «بضع وستون شعبه أعلاها قول لا إله إلا الله وأدنها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبه من الإيمان»، قول لا إله إلا الله هذا باللسان الحياء شعبه الحياء شيء في القلب لكن تظهر أثاره إماطة الأذى عن الطريق هذا شيء عملي في الظاهر شعبه من شعب الإيمان البضع والستين أو البضع والسبعين كما صح بذلك هذا الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
المبحث الثاني: في التحذير من الدنيا وأنها غرَّارة خدَّاعة فتَّانة
تستهوي ضعاف الإيمان، تستهوي ضعاف الهمة، تستهوي الجهلة حتى يغتروا بها عن الآخرة ولا يسعوا للآخرة سعيها ولنستمع إلى ما جاء في شأن ذلك من كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾[آل عمران:185]، أربعة أحكام حكم بها الله عز وجل على كل إنسان في هذا الوجود بل على كل مخلوق حتى الجن والملائكة، أولا ذوق الموت حتما ، الأمر الثاني توفيت الأجور يوم القيامة جزاء الأعمال وليس الأجور التي هي المثوبات فقط بل جزاء الأعمال، الثالث إن السعادة هو في دخول الجنة، والأمر الرابع التحذير من الدنيا ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾، وهذا المعنى أي أعني التحذير من الدنيا وأنه لا يليق بعاقل ولا عاقلة أن تستهويه ويغتر بها بل عليه أن يحذر منها وأن يستعمل ما أ تيه فيها من الحظوظ في محاب ربه ومراضيه عز وجل، فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الدنيا حلوة خضره وإن الله مستخلفكم فيها فناظرٌ كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء»، أسمعت أيها المسلم، أسمعتم أيها المؤمنون ما خلقتم من أجله في هذه الدنيا لم نخلق من أجلها وإذا كنا نعقل خلقنا خلفاء الله أوجدنا خلفاء في أرضه والعقلاء متفقون على أن الخليفة يستحق مكافأته الجيدة وجائزته العظيمة بقدر كلما أحسن الاستخلاف لأنه أمين على ما أستودع حافظ على ما استحفظ، وأن الإنسان الذي يتخبط في خلافته يتخبط في الولاية لا يعطيها حقها لا ينصف فيها لا يحسن القيام بها بقدر ما يجني على ما استخلف فيه ينال من العقاب فاتقوا الدنيا إن الدنيا حلوة خضره تستهوي لها بهرجه زخرف بريق يغتر به ضعفاء الإيمان وضعفاء العقول ولا ينطلي ذلك على من عرفوا الغاية من وجودهم فاتقوا «الدنيا حلوة خضره وإن الله مستخلفكم فيها فناظرا كيف تعملون»، إذا أنتم يا مؤمنون ومن يسمع صوتي من المؤمنات أنتم تحت مراقبة الله عز وجل أنتم في ابتلاء وأختبار والله قبل خلقكم يعلم ما أنتم عليه ولكن ليقيم الحجة ولتستبين المحجة بالاستخلاف في هذه الدنيا حتى يظهر المحسن من المسيء والمحق من المبطل والصالح من الطالح والطيب من الخبيث «فناظرٌ كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء»، نعم يوم تنصل الإسرائيليات من الحشمة وألقينا الحجاب وخرجنا مائلات مميلات ويجبن الطرقات والشوارع والأسواق ولا يحتشمن مترجلات، جاء في بعض الأخبار أنه في يوم واحد لما كثر البغايا في معسكر موسى عليه الصلاة والسلام أصيب المعسكر بالطاعون فمات منهم في يوم واحد سبعون ألف رجل وما ذلكم عنا ببعيد إن لم نعود إلى الله عز وجل ونعد إلى كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ويعرف نسائنا المؤمنات دورهن في المجتمع.
الحديث الثاني: في التحذير من استهواء الدنيا وبريقها وأنها ليست إلا متاع وأن الناس بقدر تكالبهم على الدنيا بقدر ما تنفتح عليهم أبواب الهلكة القطيعة والشقاق والتجافي والتهاجر والحقد والكراهية والحسد والعداوة والبغضاء حتى تنفصم الروابط وتنقطع العلاقات وتذهب الصلات إلا عند الأقلين، حذر من ذلكم نبينا صلى الله عليه وسلم والحديث عند مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبي عبيدة رضي الله عنه إلى البحرين فجاء بالخراج فلما علمت الأنصار تعرضوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالغداة فقال صلى الله عليه وسلم « لعلكم سمعتم أن أبى عبيدة جاء بشيء من البحرين»، قالوا: أجل يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم: «أبشروا وأملوا ما يسركم فو الله ما الفقر أخشى عليكم إنما أخشى أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم») الله أكبر هذا قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ألف ونحو أربعمائة أربعمائة سنة بعد الألف قال هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في خيار الأمة وسادة الأمة وأئمة الأمة وقدوة الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم اصحابه رضوان الله عليهم قاله فيهم يحذرهم هذا تحذير لنا أيها المسلمون، ألم نجني ذلك لما تنافسنا في الدنيا لما تنافس الناس في الدنيا وأصبحت شغلهم الشاغل وأصبحت أكبر همهم وأصبحت كأنها حظهم ويزعم الكثير بلسان حاله أو مقاله بتسويف الشيطان وتصويره أنه للدنيا وحسب، ألم يجني المسلمون ذلك أنظروا كم صداقة تحولت عداوة ونارٌ تتأجج وكم رحم قطعت وكم نفوس قتلها الحسد وكم وكم إلى غير ذلك من البلايا والمصائب لما جانب الناس هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقع عليهم ما توعدهم الله به على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وهنا أذكر قولا وجدته عند الحافظ ابن كثير رحمه الله عن قتادة رضي الله عنه عند تفسير هذا الآية التي صدرنا بها المبحث ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ﴾، عند قوله ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾، قال قتادة رضي الله عنه: هي قال متاع متروكة توشك والله الذي لا إله إلا هو أن تضمحل عن أهلها فخذوا من هذا المتاع طاعة الله ولا قوة إلا بالله، ويكفي من عقل الدنيا وفهمها حق الفهم ولا يؤتى ذلك يا أخوان إلا من فقه في دين الله يكفيهم أن ربنا سبحانه وتعالى وصفها بأوصاف ينبغي أن يتنبه لها كل مؤمن ومؤمنة أوصاف تدل كل ذي لب وذي كياسة وفطانة أن هذه الدنيا ليست بدار قرار، اعلموا وانظروا هذا التصدير: ﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾[الحديد:20]، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم «الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر»، لأن المسلم ما خلق لها هي معبر ويرى أنها حياة طويلة ولهذا لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر: «والله لا يقاتلهم رجلٌ صابر محتسب مقبل غير مدبر إلا أدخله الله الجنة»، فقال رجلا كيف قلت يا رسول الله فأعاد وكانت بيده تمرات فألقها رضي الله عنه ( بخ بخ إنها لحياة طويلة ليس بيني وبين الجنة إلا أن أقاتل هؤلاء فيقتلونني ). هكذا عرف سلفنا رحمهم الله الدنيا وعرفوا قيمتها عندهم، وأذكر هنا حكاية طريفة يذكرها المؤرخون عن ابن حجر رحمه الله الحافظ ابن حجر شارح صحيح البخاري وصاحب كثير من الكتب التي خدمة السنة مثل التقريب وتهذيب التهذيب وغير ذلك لقيه يهودي أو نصراني فقال يا ابن حجر يقول رسولكم «الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر»، قال: نعم. قال: كيف أنت ها أنت في أبْهّ " يعني في ملابس طيبة في ملابس جميلة يركب مركبا جيدا لأنه رحمه الله كان قاضي القضاة في مصر وعلمائنا رحمهم الله ما كانوا يترفعون عن الزينة التي تجاوز حد المشروع " قال: نعم. قال: وأنا هكذا كما ترى مسكين حالتي رثه، فقال: نعم أنا إن تقبل الله مني فإنما أنا فيه سجن لي لأن ما عند الله خير لي من ذلك الجنة وأما أنت على ما أنت عليه فإنك في جنة لأن ما ينتظرك النار. يقولون فقال هذا اليهودي أو النصراني: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. هذا هو بعض ما يتعلق بالمبحث الثاني والحقيقة أني آثرت الاختصار حتى لا أطيل عليكم وأشغلكم.
المبحث الثالث: الزهد في الدنيا
ولا نعني كما قرر علمائنا رحمهم الله بالزهد هو أن يترك الإنسان ما أتيه في الدنيا من حظوظ حتى يكون عالة على الناس لا ليس هذا من هدي الله ولا من هدي رسوله صلى الله عليه وسلم، فلو تأملنا تاريخ أصحاب نبينا صلى الله عليه وسلم لوجدنا أن كثيرا منهم أوتيّ القطعان من المواشي وأُوتيّ البساتين الكثيرة ودخله الدراهم والدنانير الجمة فمعنى الزهد إذا هو العفة والقناعة يرضى الإنسان بما قسم الله له سبحانه وتعالى يقنع به ولا مانع أن يسعى لأن ربنا جل وعلا حث على السعي في طلب الكسب الحلال، ولنسمع إلى آية من سورة الملك جاءت دليلا على عظيم قدرة الله عز وجل وأنه مستحق العبادة كما أنها لفت نظر إلى ما أودعه الله سبحانه وتعالى من معايش العباد في مشارق الأرض ومغربها وأنه يشرع لهم أن يطلبوا هذا الذي أودعه الله أرضهم من الكسب والقوت أعني بالسبل المشروعة ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً﴾ هذه منته سبحانه وتعالى وعظيم قدرته ودليل استحقاقه العبودية وحد: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾ [الملك:15] وروى الترمذي وحسنه عن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو أنكم تتوكلون على الله حق التوكل لرزقكم كما ترزق الطير أو كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا»، «تغدو خماصا» يعني جائعة و«تروح بطانا» يعني ترجع في المساء وقد ملئت بطونها هذا مثلا يضربه لنا نبينا صلى الله عليه وسلم الطير الضعيف من أضعف مخلوقات الله مجبول جبله الله فطرة الله التي لا تبديل لها، أن هذا الضعيف المسكين يفتش عن قوته فإذا أصبح عليه الصباح خرج من قوته يضرب يمينا وشمالا حتى يعود بقوته وقوت عياله أيضا ، هكذا التوكل أن يعمل الإنسان بالسبب مع تفويض أمره إلى الله سبحانه وتعالى، بعد هذه التوطئة وهذا التمهيد الذي أحببت أن أزيل اللبس عن المبحث وهو الزهد في الدنيا نستعرض بعض النصوص الواردة في الحث ِ على القناعة والحث على الزهد. فأولا ما صح عن نبينا صلى الله عليه وسلم عند الشيخين وغيرهما عن عبدالله ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا حسد إلا في اثنتين رجل أتاه الله المال فسلطه على هلكته بالحق ورجل أتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها»، وأخرجاه، أعني الشيخين وغيرهما واللفظ لمسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «لا حسد إلا في اثنتين رجل أتاه الله القرآن فهو يقوم به أناء الليل وأناء النهار، ورجل أتاه الله المال فهو ينفقه أناء الليل وأناء النهار»، وهنا أيها الأخوة ما الحسد الذي أثبته رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ونحن نعلم من كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم أن الحسد كبيرة من الكبائر وأنه ينافي الإيمان بالقضاء والقدر وإنه اعتراض على قسمة الله في خلقه وتصريفه شؤونهم، فالحسد الذي أثبته رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا حسد إلا في اثنتين»، هو الغبطة والتنافس في فعل الخيرات يرى الإنسان مسلما أو مسلمة أتيّ علما وفضلا وبرا وتقوى فأتي هوداه وألهم تقواه ووفق إلى المسارعة في الخيرات فينافسه في ذلك لينال مثله أو يطمع فيما هو أعظم من ذلك هذا أقره نبينا صلى الله عليه وسلم وهو مستوحى من كتاب ربنا ومن سنة نبينا صلى الله عليه وسلم ومن ذلكم ما رواه الشيخان وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه قال جاء فقراء المهاجرين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكون ويقولون ( يا رسول الله ذهب الأغنياء بالدرجات العلا والنعيم المقيم. قال: «وماذا»، قالوا: يصومون كما نصوم ويصلون كما نصلي ويتصدقون بفضول أموالهم. قال صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبركم بما تدركون به من سبقكم وتسبقون به من بعدكم ولا يستطيع أحد أن يلحق بكم أو يدرككم إلا رجلا صنع مثل ما صنعتم». قالوا: بلى يا رسول. قال: «تسبحون الله دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين وتحمدون الله ثلاث وثلاثين وتكبرون الله ثلاث وثلاثين تختمون المائة لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير». فعاد أولئك المهاجرون الذين يسترشدون رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرا يعوضون به ما فاتهم حتى يشركوا إخوانهم الأغنياء يقولون: يا رسول الله إن إخواننا سمعوا بصنيعنا فصنعوا مثلما صنعنا. قال صلى الله عليه وسلم: «ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء». فإذا تقرر هذا فما الحسد الذي هو من كبائر الذنوب ومن عظائم الخطايا ومن أقوى المعاصي في الأرض ؟ الحسد الذي هو تمني زوال النعمة والذي قال مخبرا عنه نبينا صلى الله عليه وسلم مخبرا بسوء عاقبته على أحد ابني أدم قال صلى الله عليه وسلم: «ما من نفس تقتل في الأرض ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها لأنه هو أول من سن القتل»، وبذكر ابن القيم رحمه الله في كتابه الفوائد وهذا أنصح أخواني وأبنائي باقتنائه إن لم يكن عندهم قال أركان الكفر أربعة: (الغضب والكبر والحسد والشهوة). هذه أركان الكفر أقول لو تأملت كتاب ربنا وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لوجدت أن ابن القيم رحمه الله محقا فيما قعده من هذه القواعد التي هي أركان الكفر هذا أستنبطه من كتاب الله ومن سنة نبينا صلى الله عليه وسلم، أعود إلى ما كنا فيه وهو التزهيد في الدنيا عند قوله تعالى من الآية المتقدمة التي صدّرنا بها المبحث السابق ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ﴾[آل عمران:185]، روى الحاكم وقال على شرط مسلم وأقره الذهبي وصححه الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها، واقرؤوا إن شئتم: ﴿فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ﴾». ومما لفت به الأنظار نبينا صلى الله عليه وسلم بأن الدنيا حقيرة ٌ تافهة لعلى يتشبثوا بها إلا من لا يعرف قدر الآخرة قوله صلى الله عليه وسلم والحديث أغلب الظن أنه عند مسلم إن لم يكن في الصحيحين بقول صلى الله عليه وسلم: «والله ما الحياة الدنيا في الآخرة إلا كما يجعل أحدكم أصبعه في اليم فلينظر بما يرجع»، أو «بما ترجع»، هذا هو شأن الدنيا وهذي مكانتها قليلة حقيرة تافهة، لكن المشكلة أنها تستحكم في قلوب كثير من الناس وتملك عليهم ألبابهم وعقولهم حتى يفتنوا بها، وحديث واحد لو عقله المتشبثون بالدنيا المغرورون بها والذين لم تعرف نفوسهم القناعة والعفة لو عقلوه تمام العقل وأدركوه تمام الإدراك لضربوا عنها صفحا ً وطلقوها طلاقا بائنا لا رجعت بعده هذا الحديث رواه الترمذي وصححه عن أبي كبشه الأنمري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنما الدنيا لأربعة نفر عبد أتاه الله مالا وعلما فهو يتقي فيه ربه ويصل فيه رحمه ويعرف لله فيه حقه فذلك بأعظم المنازل، وعبد أتاه الله علما ولم يؤتيه مالا فهو بنيته يقول لو أن لي مالا لفعلت مثل فلان»" يعني بنيته يريد أن يتقي ربه ويصل رحمه ويعلم حق لله فيه فهو بنيته " «فأجرهما سواء، وعبد أتاه الله مالا ولم يؤتيه علما فهو يخبط في ماله بغير حق لا يتقي فيه ربه ولا يصل فيه رحمه فذلك في أخبث المنازل، وعبد لم يؤتيه الله مالا ولاعلما »ً " لا حول ولا قوة إلا بالله " فهو بنيته يقول لو أن لي مالا لفعلت مثل فلان " يريد أن يتخبط كما يتخبط الحمار " قال: «فوزرهما سواء»، ومن أعظم القوارع والزواجر وأعظم الحوافز على العزوف عن الدنيا وأنها متاع قليل حقير إلا من عرف حق الله فيها، روى ابن حبان وغيره وصححه بعض أهل العلم عن عبدالله ابن عمر على ما أعتقد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله يبغض كل جعضري جواض صخاب في الأسواق حمار بالنهار جيفه بالليل عالم بأمر الدنيا جاهل بأمر الآخرة»، هذه أوصافه عدة أوصاف جعضري ما معنى جعضري ؟ هو "غليظ مستكبر " جواض " منوع " جعضري فظ غليظ مستكبر متكبر جواض جموع منوع يجمع ويمنع بخيل لا يعرف حق الله وحق العباد وهذا الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم انه يدعى عليه صباح كل يوم، أتدرون ما ذلك ؟ روى البخاري ومسلم وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من يوم يصبح فيه العباد إلا وملكان ينزلان يقول أحدهما اللهم أعطي منفقا خلفا ويقول الأخر اللهم أعطي ممسكا تلفا»، هذا هو الجواض جموع منوع، صخاب في الأسواق ضجيج ما عنده صبر ولا سكينه ولا وقار يضج بالسب والشتم وغير ذلك كل حركاته ضجيج وصخب ومن ذلكم كثيرون أخشى أن يكون من ذلك ما درج عليه بعض الباعة من كثرة اللجاج وكثرة الحلف وكثرة النداءات التي والله عرفنا وشاهد غيرنا أنهم لا يأتيهم كثير مما يأتي أهل السكينة والوقار في الأسواق أنظر إلى السوق تجد بائعين واحد منهما ساكت هادئ جالس أمام بضاعته والناس يأتونه زرافات ووحدانا والأخر يصيح ويضج ويمدح في بضاعته مدح كاذب وقد يكون فيه تلبيس وغش ومع هذا لا يأتيه مثل ما أتى ذلك نعم لأن الأول كانت عنده ثقة بالله سبحانه تعالى جلس هذا المجلس وهو معتمد على الله عز وجل والأخر ألف اللجاج والضجيج حتى قلت ثقته بالله، حمار بالنهار يسرح ويمرح يتجول يحكي يعمل يكدح جيفه بالليل هذا ما درج في الحقيقة عليه كثير من الناس خالفوا سنة نبينا صلى الله عليه وسلم هدي نبينا صلى الله عليه وسلم كما صح بذلك الخبر عنه أنه كان يكره النوم قبل العشاء والحديث بعدها والكثير الكثير إن لم نقل السواد الأعظم من الناس يقضون الساعات الطويلة في المرح يسرحون ويمرحون يلهون في المقاهي والمتنزهات والحدائق والأسواق والدور المختلفة والألعاب المتنوعة فإذا جاءت ساعة الهجيع من الليل التي ينزل فيه ربنا عز وجل كما اخبر بذلك نبينا صلى الله عليه وسلم ونعتقد أنها صفه حقيقية تليق بجلال الله عز وجل وعظمته ينزل إلى السماء الدنيا فينادي عباده «يا عبادي هل من تائب فأتوب عليه هل من مستغفر فأغفر له هل من سأل فأعطيه مسألته حتى ينفجر الفجر»، ينامون عن هذه الساعة وينطرحون فإذا حانت ساعة العمل أو قبلها بقليل أستيقظ والذي ليس عنده عمل وإن كان يصلي تحلت القسم إذا قام بعد ما يشتد النهار أو قريب الظهر صلى صلاة الصبح نقرا كما ينقر الطير الحب أن أقول لم يصلي هذا إن درج على هذا فقد ضاعت عليه صلاة الصبح إلم يضع معها غيرها أيضا فليتوب إلى الله عز وجل وليتدارك، عالم بأمر الدنيا جاهل بأمر الآخرة ومن ذلكم ما صح عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال «لو كانت الدنيا تساوي عند الله جناح بعوضة ما سقى كافر منها شربة ماء»، هذه الدنيا كما جاءت في ما صح عن الخبر وقد اقترأت الآيات اختصارا للوقت حتى أترك المجال ل:
المبحث الرابع والأخير: وهو الاستعداد للآخرة.
كيف الاستعداد للآخرة والآخرة هي حصاد الثمرة الدنيا مزرعة ومطية والآخرة هي الحصاد حصاد ما يزرعه الإنسان في الدنيا ولهذا جاءت آثار تروى، أقول تروى حتى يفهم طلاب العلم أني لم أثبت صحتها أو لم أثبت نسبتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني) والأثر الثاني الذي رواه الترمذي وقال أنه حسن ورواه غيره لكنه لم تصح نسبته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنبه أخواني وأبنائي من أستشهد به أن يقول جاء في الأثر أو يقول روي عن النبي صلى الله عليه وسلم لأن الحديث ضعيف النسبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن أستشهد به في المواعظ لا بأس لكن لا يقال قال رسول الله ولا يقال صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بل يقال جاء بالأثر أو يقال روي عن النبي صلى الله عليه وسلم روي هذه صيغة تمريض وصيغة تضعيف تخرؤ عهدتك من نسبة هذا الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، الحديث عن أبي هريرة وسبب ضعفي هنا أبينه إعادة إن لم أقل إعادة فائدة لأخواني وأبنائي طلاب العلم سبب ضعفه محرز ابن هارون منكر الحديث ضعيف وهو سبب ضعف هذا الحديث يقول: (بادروا بالأعمال سبعا هل تنتظرونا إلا غنا مطغيا أو فقرا منسيا أو مرضا مفسدا أو هرما مفندا أو موتا مجهزا أو الدجال فشر غائب ينتظر أو الساعة فالساعة أدهى وأمر) وسنأتي إلى الحديث الصحيح الذي رواه مسلم وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا لما كان الاستعداد إلى الآخرة هو غاية كل مسلم عرف الله سبحانه وتعالى حق المعرفة جاءت مواعظ جيدة غُرر عن بعض السلف رحمهم الله اذكر بعضها يقول أحدهم ( أحكم السفينة فإن البحر عميق وأتقن العمل فإن الناقد بصير وأكثر الزاد فإن الطريق طويل ) نعم الطريق طويل ما أشق هذا الطريق وما أصعبه، ولهذا لما حضرت بعض السلف حضرته الوفاة ومنهم أبو هريرة رضي الله عنه كانوا يبكون لماذا قال ( من عقبة كأود لا أدري أنزول منها إلى جنة أم إلى نار ) لا أدري أمامي عقبة الموت هي عقبة الموت بعد سكرة هذا الموت أنتهي لكن لا أدري إلى ما أنتهي إلى جنة أم إلى نار، وكان بعضهم يقول وهو في الأرماق الأخيرة يودع أصحابه فيقول ( السلام عليكم إلى جنة أو إلى نار ) هذا هو هاذي المرحلة الحتمية أمرا لا يختلف فيه اثنان إلى جنة أم إلى نار، ثم تعالوا أخواني وأبنائي أن نستعرض بعض الأحاديث التي صحة عن نبينا صلى الله عليه وسلم في الاستعداد إلى الآخرة، فالحديث الأول الذي يبين فيه نبينا عليه الصلاة والسلام أن الموت هو أول مراحل الآخرة وأنه على المسلم أن يستعد لهذه المرحلة إن كان كيّسا فطنا حصيف الرأي مدرك ذو بصيرة لا يغفل عن هذا فقد روى أحمد وغيره عن البراء ابن عازب رضي الله عنه قال ( خرجنا مع ورسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار إلى بقيع الغرقد حتى أنتهينا إلى البقيع والقبر لما يلحد فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلسنا حوله كأن على رؤوسنا الطير فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم عودا فصار ينكت به على الأرض ثم رفع رأسه وقال: «استعيذوا بالله من عذاب القبر مرتين» أو «ثلاث» ثم قال: «إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا» " وتأملوا يا أخوان العبد المؤمن " «وإقبال من الآخرة نزلت إليه ملائكة بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس فتقعد منه مد البصر فيأتي ملك الموت فيجلس عند رأسه ويقول يا أيتها النفس المطمئنة أخرجي إلى مرضات الله فتأتي تنساق فيستلها كما تسل القطرة من فم السقاء » أرئيتم كيف الإيمان الذي هو قولا باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية يا عباد الله كيف يهون الله به سكرة الموت على صاحبه إلى أن قال ثم قال: «فتخطفها ملائكة الرحمة فتكفنها في كفن من الجنة وحنوط من الجنة»، إلى أن قال: «وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا» "وتأملوا الكافر الجاحد" «وإقبال من الآخرة نزلت عليه ملائكة شوه الوجوه فتقعد منه مد البصر ويأتيه ملك الموت فيقعد عند رأسه ويقول يا أيتها النفس الخبيثة أخرجي إلى سخط الله» يا إخوان مثال بسيط لو قيل لإنسان تعال ستجلد عشر جلدات هل يأتي طاعا مختارا أو يحتاج إلى دفع ؟ ما هو صحيح يعرض نفسه إلى الجلد ما دام يملك أمره لماذا أمكن الناس أن يجلدوني هل هذه الروح تسمع هذا النداء الذي هو مقدمة السخط والعذاب ؟ هل تأتي وتنساق ؟ هل تهرع إلى يد ملك الموت ؟ لا. قال: «فتتفرق في جسده فينتزعها كما ينتزع العود من السفود»... الحديث، الحديث طويل ومن ذلكم إذا هنا يا أخوان إسمحولي وسوف أختصر أن نصنف الاستعداد بعد هذا للآخرة كيف يكون من الإنسان ؟ كيف يستعد المسلم للآخرة ؟
الأمر الأول: أن يعمل ما وفق إليه من طاعات ربه وهو يخاف أنه فرط في جنب الله عز وجل يؤدي ما أدى من الطاعات وهو يخشى على نفسه من الهلكة هذا ذكره ربنا سبحانه وتعالى ضمن أربع صفات من صفات خاصته وأولياءه " جعلني الله وإياكم منهم بواسع رحمته " وأسمعوا هذه الآيات من سورة قد أفلح المؤمنون ﴿إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (57) وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (5 وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ (59) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ﴾ [المؤمنون:57-61]، اللهم أجعلنا منهم أربع صفات أمتدحهم الله عز وجل وسجل فيما يتلى إلى يوم القيامة أنهم مسارعون في الخيرات بهذه الصفات الأربع، روى أحمد والترمذي وصححه والحديث صحيح حتى عند أحمد لأني وقفت عليه شخصيا وقفت على إسناده شخصيا أن عائشة رضي الله عنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن معنى هذه الآية: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ﴾، ﴿يُؤْتُونَ﴾ يؤدون ما أتوا ما أدوا وقلوبهم وجلة خائفة ترجف ( يا رسول الله " تقول " أهو الرجل يزني ويسرق ويشرب الخمر ويخاف الله، قال: «لا يا عائشة»، وفي رواية «لا يا ابنة الصديق»، وفي رواية «لا يا بنت أبي بكر هو الرجل يصوم ويصلي ويتصدق ويخشى أن لا يقبل منه»، يؤدي ما أدى من خصال البر وصنوف الطاعات قيام الليل قد يكون صيام نهار وجهاد في سبيل الله وصلة رحم كل حياته عامرة بالطاعة وهو على هذا حتى يلقى ربه ويخاف مع ذلك ألا يقبل منه.
الأمر الثاني: الذي ينبغي أن يستعد به المسلم للآخرة الإخلاص في العمل أنت مبتلا بتكليفك بعمل الطاعة وتكليفك بترك المعصية والإخلاص هو جناحك هو أس عملك، سئل الفضيل ابن عياظ رحمه الله عن معنى قوله تعالى من سورة الملك: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ﴾[الملك:2]، قال أخلصه وأصوبه، قالوا: وما أخلصه وما أصوبه ؟ قال أن يكون خالصا لله صوابا على سنة رسول الله. أقول أنا وهذان شرطان لا يقبل الله عملا من مسلم ولا مسلمة إلا بهما: تجريد الإخلاص لله وحده، وتجريد المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا يتأكد بعدّة نصوص من كتاب الله ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فمن الكتاب الكريم قوله تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً﴾ [الكهف:110]، ومن نصوص السنة الثابتة الصحيحة عند البخاري ومسلم عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من أحدث في أمرنا هذا»، يعني في الدين «ما ليس منه فهو رد»، أي مردود غير مقبول، ومنها ما رواه مسلم وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل قال: «أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه»، وفي رواية «فعمله للذي أشرك وأنا منه بريء».
الأمر الثالث: الذي ينبغي أن يستعد به المسلم للآخرة المبادرة إلى كل عملٍ صالحٍ تسنح له فرصته لأن الفرصة إذا سنحت قد لا تعود وقد يأتي الإنسان ما يشغله ولهذا جاء في الأثر الذي هو من مراسيل عمر ابن ميمون رحمه الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " وإخواني وأبنائي طلاب العلم يعرفون كلمة مرسل أي رفعه التابعي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا نقول قال رسول الله نقول قال عمر ابن ميمون وهو تابعي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال": «أغتنم خمسا قبل خمس حياتك قبل موتك وغناءك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك وشبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك»، وأصح منه بل هو عند البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال: «كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل»، وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول ( إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء وخذ من حياتك لموتك ومن صحتك لمرضك ).ومن هذا أيضا ما صح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بادروا بالأعمال ستا الدجال والدخان ودابة الأرض وطلوع الشمس من مغربها وأمر العامة وخويصة أحدكم»، وفي رواية: «وخاصة أحدكم»، نقل النووي عن بعض أهل العلم في شرحه على هذا الحديث في صحيح مسلم قال " أمر العامة الساعة القيامة، وخويصة أحدكم أو خاصة أحدكم الموت ".
والأمر الرابع: الذي ينبغي أن يستعد به المسلم للآخرة أن يستعد لأربعة أسئلة أربعة أسئلة سيسألها كل إنسان يوم القيامة يستعد لهذه الأسئلة والعقلاء متفقون على أن أي إنسان يعلم أنه يسأل ولم يستعد ويتهيأ للإجابة عن موضع السؤال ثم يقف هكذا دون جواب أنه مفرط ضائع وأنا أقول أنه سفيه هذه الأربع الأسئلة جاءت في حديث صحيح رواه الترمذي وقال حديث صحيح عن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن شبابه فيما أفناه وعن علمه فيما فعل وعن ماله من أين أكتسبه وفيما أنفقه وعن جسده فيما أبلاه»، إذا هي أربعة أسئلة إذا جعلنا سؤال المال سؤالا واحدا وهي خمسة أسئلة إذا جعلنا سؤال على الاكتساب وسؤال عن الأنفاق.
أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يختم لي وإياكم بحسن الخاتمة اللهم أجعل مجتمعنا هذا مجتمعا مرحوما واجعل تفرقنا بعده تفرقا معصوما اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأحسن خاتمتنا اللهم أجمعنا في الدنيا على الهدى ومرضاتك وأجمعنا في الآخرة في دار كرامتك، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم وسلام على المرسلين والحمدلله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
قام بتفريغه أخوكم في الله طالبا عفو ربه / أبو مازن السلفي
(وغفر الله له ولوالديه).
المصدر شريط بعنوان:
أهمية الوقت في حياة المسلم
للشيخ عبيد بن عبد الله الجابري المدرس بالجامعة الإسلامية سابقاً حفظه الله تعالى.
[تفريغ الشريط لا يعني الإستغناء عنه]
في
لفضيلة الشيخ:
عبيد بن عبد الله بن سليمان الجابري
حفظه الله تعالى
[ شريط مفرّغ ]
قام بتفريغه أخوكم في الله طالبا عفو ربه / أبو مازن السلفي. (وغفر الله لوالديه(
الحمد لله رب العالمين حمداً كثيراً مباركاً فيه، والحمد لله الذي بفضله أتم لنا الصالحات وهدانا صراطه المستقيم، فأنزل علينا أشرف كتبه وأرسل إلينا خاتم أنبيائه وأفضل رسله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الحمد في الأولى والآخرة وهو على كل شيء قدير وهو اللطيف الخبير، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله أرسله الله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون، فبلَّغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة حق النصح فجزاه الله عنا وعن سائر أمته خير ما يجزي به أنبيائه ورسوله، وقال صلى الله عليه وسلم: «تركتكم على البيضاء ليلهُا كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك»، وقال: «كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى»، قالوا: ومن يأبى يا رسول الله، قال: «من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى»، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا أيها الأخوة في الله الوقت هام والوقت له قيمته وله شأنه عند من يعقل ذلك ويدركه، وخير الناس إدراكاً للتكليف: المسلم ولهذا كان موضوع المحاضرة كما سمعتم من الأخ الكريم ( أهمية الوقت في حياة المسلم ) لأن المسلم هو الذي يعدّ لكل شيء عدّته، ويحسب للأمور حسابها ويعلم تمام العلم أنه محاسب على هذا الوقت الذي يقضيه في دنياه منذُ تكليفه، أعني منذُ بلوغه سن الرشد حتى يلقى ربه، فهو يعلم أن كل لحظةٍ من لحظات هذا الوقت إما له وإما عليه لا يضيع الله لحظة من لحظات هذا العمر، وتوطئةً لمباحث الكلمة أقدم حديثً أرى أنه جمع قواعد تربوية من غُرر هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يسع المسلمين والمسلمات جهلها، والحديث رواه مسلم عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملئ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملأنٍ أو تملئ ما بين السماء والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك، كل الناس يغدو فبائع نفسه فموبقها أو معتقها»، لو تأملنا هذا الحديث العظيم نرى أنه كما قدمنا ذو قواعد وأسس عظيمة هي أساس في حياة المسلم والمسلمة، ولكني أقتصر على ما أرى أنه محل الشاهد، وذلكم يا أخوتي في جملتين أولاهما في قوله صلى الله عليه وسلم: «والقرآن حجة لك أو عليك»، وقتك الذي تقضيه في دنياك لا تخلو عن إنسانين إما عاملاً بالقرآن مؤمنً به عاملاً بمحكمه مؤمنً بمتشابهه تحل حلاله وتحرم حرامه فالقرآن حجة لك وإما على العكس من ذلك فالقرآن حجة عليك، وثانيةُ الجملتين في قوله: «كل الناس يغدو فبائع نفسه فموبقها أو معتقها»، الناس قسمان لا ثالث لهما قسم يسعى في عمره إلى مرضات ربه طالباً محبته عاملاً أوامره ما أستطاع تاركاً نواهيه محكماً شرعه فهذا هو الذي يعتق نفسه يوم القيامة يوم تقدم له الصحيفة تقدم له بيمينه هذا هو الذي يعتق نفسه وينال الفوز يوم يحزن الناس من الفزع الأكبر، وثاني القسمين من الناس يسعى في تحقيق شهواته وتلبية رغباته يسعى ويمرح لا تهمه الآخرة ولا يسعى لها سعيها تهمه الدنيا تملكت عليه قلبه ولبه ومشاعره حتى أصبح مسخراً لها فهذا هو الذي يوبق نفسه.
وبعد هذا الحديث أحب قبل الكلام في تفصيل الدرس أن أعرض على الأخوةِ الكرام مباحث الكلمة التي سميت محاضرة، وهذه المباحث هي العوامل المساعدة للمسلم في حسن تصرفه وقضاءه وقته.
المبحث الأول: مقامات العبادة الخوف والرجاء والمحبة.
والمبحث الثاني: التحذير من الدنيا كما حذر الله منها ورسوله صلى الله عليه وسلم وأنها خداعة غرَّارة فتَّانه.
والمبحث الثالث: فيما جاء من كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم من الحث على الزهد في الدنيا، أعني القناعة فيها بما رزق الله عز وجل.
والمبحث الرابع: وهو أهمها: الاستعداد للآخرة.
هذه الأربعة المباحث هي التي يدور عليها الدرس وسبب الاقتصار على هذه المباحث الأربعة أني لما تأملت الموضوع وجدته ذا شعب وحديث ذا شجون كما يقولون وحتى لا نتيه ونستطرد بما يثقل على الحاضرين أحببت الاقتصار على هذه المباحث الأربعة فأسأل الله لي ولكم العون والسداد والقبول.
المبحث الأول: الخوف والرجاء والمحبة
هذه مقامات العبادة قرر ذلكم علماء السلف رحمهم الله فالعبادة لا تصلح ولا تستقيم ولا تحقق الغاية منها إلا بهذه المقامات الثلاثة.
المقام الأول: مقام الخوف من الله سبحانه وتعالى خشيته ومراقبته ولعل هذا يستدل له بما جاء من سؤال جبريل نبينا محمداً صلى الله عليهما وسلم لما قال: ما الإحسان؟ قال: «أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك».
المقام الثاني: مقام الرجاء، الطمع في رحمة الله ولا يصلح أمر المسلم حتى يجمع بين الخوف والرجاء، لأن الخوف يردع عن مساخط الله، والرجاء يطمع فيما عند الله سبحانه وتعالى يطمع في رحمة الله.
المقام الثالث: مقام المحبة ولهذا أعني في ملازمة هذه الثلاث المقامات في كون بعضها ملتزمً ببعض وبعضها مرتبط ببعض لا ينفك منها واحد عن الآخر قال سلفنا (من عبد الله بالخوف وحده فهو حروري، ومن عبد الله بالرجاء وحده فهو مرجئ، ومن عبد الله بالمحبة وحدها فهو زنديق)، إذاً لابد أن تجتمع هذه الثلاثة، والمحبة تجعل الإنسان دائماً مستشرفاً إلى ما جاء عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم حتى يعمل من الأوامر ما أستطاع ويترك النواهي وهذا فضل الله سبحانه وتعالى ورحمته بعباده، فالأوامر يتجاوز الله فيها عن الإنسان بما عجز عنه أما النواهي فلابد لها من اجتناب ولهذا قال نبينا صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه «ما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم وما نهيتكم عنه فاجتنبوه»، وفي هذه الثلاثة المقامات نجد كتاب ربنا جل وعلا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم قد أخذت هذه المقامات الثلاثة حظاً وافراً لأنها يدور عليها أمرُ صلاح عبادة المسلم.
فأولاً نستمع إلى ربنا جل علاه وهو يجمع في التنويه بشأن من يعبد الله خائفاً راجياً ويتبع ذلك له بالبشارة في سورة الزمر يقول الحق جل وعلا ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [الزمر:9]، فلنتأمل يا إخوتي هذه الآية ما الذي احتوته من التوجيهات الربانية العظيمة:
الأمر الأول: التنويه بشأن قيام الليل وإنه سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو دأب الصالحين من هذه الأمة من يتأسى بمحمدِ صلى الله عليه وسلم، والأمر الثاني: وهو الحافز على هذا القيام الذي جعل ذلكم العبد المسلم يسلك هذا المسلك مع ربه أنه يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه فهو يقوم لله خوفا وطمعا، والثالث: التنويه بالعلم وأنه بقدر ما يتفقه الإنسان في دينه ويتبصرُ فيه بقدر ما يحصل له من خشية الله ومراقبته وبقدر ما يحصل له من حُسن سلوكه مع ربه قولاً وعملاً واعتقاداً وعلى العكس من هذا فإنه بقدر ما يقل فقه الإنسان في دينه تقل في نفسه عظمة ربه وبقدر ما يترك الإنسان من أبواب دينه وعقيدته بقدر ما ينفتح عليه باب من الشر، فما غزي المسلمون يا إخواني غزواً أعظم من التركيز على العقيدة حتى تزعزع في النفوس إما إنه لا يدعى إليها وإما أن تضعف في النفوس وهذا ما يريده أعداء الإسلام وقد يتسترون في ثياب مسلمين لكنهم إما مختلوا العقيدة وإما جهَّال بها تصدرُ الدعوة إلى الله على جهل وضلال ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾، الجواب لا يستويان هذا استفهام في معنى النفي هذا استفهام إنكاري يفيد النفي أي لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون، لا يستوي العالمون بالله عز وجل والجهلة به، والفئة الرابعة ﴿إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾، يتعض ويعتبر وينزجر من انشرحت صدورهم وصقلت قلوبهم بمحبة الله سبحانه وتعالى ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم، أولو الألباب العقول الفطنة الكيسون هذا هو نتيجة الفقه في دين الله، ولعلي أستأنسُ بهذا بما صح عند البخاري وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم من طريق معاذ ابن أبي سفيان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من يرد الله به خيراً يفقه في الدين»، والعكس بالعكس (من لم يرد به الله خيراً لا يفقه في دينه) لأن دين الله سلعة عظيمة والله لا يأتي سلعته إلا من يحسن القيام بها أعني الفقه في دين الله.
ثانياً: آية أخرى في سورة السجدة كيف ينوه ربنا سبحانه وتعالى بأولي العزائم الصادقة والهمم العالية الذين عرفوا الله حق المعرفة فلما عرفوه حق المعرفة خشوه حق الخشية قال: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16) فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾[السجدة:16-17]، وفي هذا يروي الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل قال: " أي الله عز وجل " «أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، فقرؤوا إن شئتم: ﴿ لا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾» عملوا هداية من الله فنالوا ما عملوا أعمالهم من أجله بفضل الله ورحمته كما أوجب ذلك على نفسه جل وعلا.
الموضع الثالث: في سورة الذاريات حينما يفصل ربنا سبحانه وتعالى بين عباده القضاء ويحكم بينهم وينال كل جزاءه، ينوه ربنا سبحانه وتعالى بعد ذكره مصير الكفار جزاء ما استمتعوا في الدنيا بنعم الله على مساخط الله ينوه ربنا سبحانه وتعالى بعد ذلك بالتعقيب بشأن أولياءه وخاصته ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ﴾ [الذاريات:15-16]، محسنين إلى أنفسهم محسنين إلى عباد الله محسنين بالقيام بما أخذ الله عليهم من فعل الأوامر واجتناب النواهي محسنين إلى أنفسهم بمجاهدتها على طاعة الله عز وجل محسنين إلى أنفسهم باستكثارهم الخيرات هذا تفسير ذلك ﴿ كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (1 وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ﴾ [الذاريات:17-19]، وفي ذلك يروي الإمام أحمد في مسنده والدارمي في سننه الحديث الصحيح الذي أعتقد أنه صححه الحاكم وأقره الذهبي على ذلك عن عبد الله ابن سلام رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يا أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلوا بالليل والناس نيام تدخل الجنة بسلام»، أربع مفاتيح من مفاتيح الجنة يطرحها أمامنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إن صح التعبير، أربع مفاتيح من مفاتيح الجنة:
إكثار السلام: نشر السلام على من عرفت ومن لم تعرف، صلة الأرحام: من غير مكافئة لله عز وجل، إطعام الطعام: على من يستحق، وصلوا بالليل والناس نيام، وروى الترمذي عن معاذ ابن جبل رضي الله عنه وقال حديث حسن صحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن معاذ رضي الله عنه ( قال: قلت يا رسول الله دلني على عمل يقربني من الجنة ويباعدني من النار " الله أكبر طريقان لا ثالث لهم " قال: «يا معاذ لقد سألت عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله عليه: تعبد الله ولا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج»، ثم يقول «ألا أدلك على أبواب الخير»، قال معاذ: بلى " بعد أن دله على الفرائض لفت نظره إلى النوافل التي يتهاون بها كثيرا من الناس كثيرا من الناس يزعم هكذا تسول له نفسه الضعيفة التي أرادت أن تقعد به عن الخير تسول له نفسه أنه إذا أدى الفريضة فلا داعي أو فلا حاجة إلى النافلة هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوجه الأمة ليس لمعاذ وحده بل الأمة لأن العبرة بعموم اللفظ يا إخوان لا بخصوص السبب " يقول «ألا أدلك على أبواب الخير»، قال معاذ: بلى، قال: الصوم جُنة " ما عدا صيام رمضان صيام رمضان تقدم " «والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار وصلاة الرجل من جوف الليل» ثم تلا الآيات التي قدمناها في سورة السجدة، ثم يقول صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه»، فيقول معاذ: بلى، قال: «رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله»، ثم يقول صلى الله عليه وسلم لمعاذ: «ألا أخبرك بملاك ذلك كله» " يعني مقوده زمامه "، قال معاذ: بلى، فأشار صلى الله عليه وسلم إلى لسان نفسه وقال: «أمسك عليك هذا»، قال معاذ: أو إن لمُأخذون يا رسول الله " مستغرب معاذ هذا شيء عجيب "، قال: «ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس في النار على وجوههم» أو قال: «مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم».
وأما ما جاء من السنة في الرجاء فنذكر ما رواه مسلم عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله»، وفي المحبة التي تكسب الإنسان دفعه إلى التطلع إلى أوامر الله وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم حتى يفعل منها إلا ما عجز عنه وعلى التعرف على النواهي حتى يدعها طاعة لله وطاعة لرسوله صلى الله عليه وسلم وهو منشرح الصدر طيب النفس مطمئن القلب، روى الشيخان عن أنس ابن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار»، هذا أيها الأخوة فيما يتعلق بالمبحث الأول الذي هو مقامات العبادة الخوف والرجاء والمحبة فلا تصلح العبادة كما أرد الله عز وجل إلا بتحقيق هذه المقامات الثلاثة، وهنا أحب أن أنبه إلى أمر خطير يتورط فيه كثيرا من الناس كثيرا من الناس يرتكبون عظائم من الأخطاء والآثام الظاهرة التي لا تخفى على أحد إذا نصح في ذلك قال ما عليك التقوى في القلوب سبحان الله العظيم هذه من تراهات الصوفية وخزعبلات المرجئة لا يضر مع الإيمان ذنب هذا خطأ وجناية على الإسلام والمسلمين لا التقوى صحيح أنها في القلب لكن ما دليل التقوى ؟ لو قال لك إنسان لا يصلي لا جمعة ولا جماعة التقوى في القلب ويبكي أناء الليل وأطراف النهار وهو لا يصلي هل نقول أن هذا برا تقي ؟ لا حاشى الله ليس هذا برا تقي التقوى في القلب صحيح لكن ما دليلها ؟ ما شاهد التقوى ؟ ما الدليل على أن هذا الإنسان مؤمنا برا تقي ؟ الدليل سلوكه أعماله فإذا حسن حسن ظاهرا فيما بينه وبين الله قلنا هذا مسلم نشهد له بالصلاح ظاهرا ولا نزكي على الله أحدا ، أما الخافي فبينه وبين ربه وإذا حسن سلوكه فيما بينه وبين الناس قلنا هذا إنسان صادقٌ مع الناس ولعله يشير إلى هذا ما رواه الترمذي وحسنه عن معاذ ابن جبل رضي الله عنه وأبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحوها وخالق الناس بخلق حسن»، ثلاث خصال تحقق السعادة للمسلمين تقوي ما بينهم وبين الله وما بينهم وبين أنفسهم وما بينهم وبين بني جنسهم، ولعله أبلغ من هذا ما رواه الشيخان ما في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم والحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الإيمان بضع وسبعون شعبه» أو قال: «بضع وستون شعبه أعلاها قول لا إله إلا الله وأدنها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبه من الإيمان»، قول لا إله إلا الله هذا باللسان الحياء شعبه الحياء شيء في القلب لكن تظهر أثاره إماطة الأذى عن الطريق هذا شيء عملي في الظاهر شعبه من شعب الإيمان البضع والستين أو البضع والسبعين كما صح بذلك هذا الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
المبحث الثاني: في التحذير من الدنيا وأنها غرَّارة خدَّاعة فتَّانة
تستهوي ضعاف الإيمان، تستهوي ضعاف الهمة، تستهوي الجهلة حتى يغتروا بها عن الآخرة ولا يسعوا للآخرة سعيها ولنستمع إلى ما جاء في شأن ذلك من كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾[آل عمران:185]، أربعة أحكام حكم بها الله عز وجل على كل إنسان في هذا الوجود بل على كل مخلوق حتى الجن والملائكة، أولا ذوق الموت حتما ، الأمر الثاني توفيت الأجور يوم القيامة جزاء الأعمال وليس الأجور التي هي المثوبات فقط بل جزاء الأعمال، الثالث إن السعادة هو في دخول الجنة، والأمر الرابع التحذير من الدنيا ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾، وهذا المعنى أي أعني التحذير من الدنيا وأنه لا يليق بعاقل ولا عاقلة أن تستهويه ويغتر بها بل عليه أن يحذر منها وأن يستعمل ما أ تيه فيها من الحظوظ في محاب ربه ومراضيه عز وجل، فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الدنيا حلوة خضره وإن الله مستخلفكم فيها فناظرٌ كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء»، أسمعت أيها المسلم، أسمعتم أيها المؤمنون ما خلقتم من أجله في هذه الدنيا لم نخلق من أجلها وإذا كنا نعقل خلقنا خلفاء الله أوجدنا خلفاء في أرضه والعقلاء متفقون على أن الخليفة يستحق مكافأته الجيدة وجائزته العظيمة بقدر كلما أحسن الاستخلاف لأنه أمين على ما أستودع حافظ على ما استحفظ، وأن الإنسان الذي يتخبط في خلافته يتخبط في الولاية لا يعطيها حقها لا ينصف فيها لا يحسن القيام بها بقدر ما يجني على ما استخلف فيه ينال من العقاب فاتقوا الدنيا إن الدنيا حلوة خضره تستهوي لها بهرجه زخرف بريق يغتر به ضعفاء الإيمان وضعفاء العقول ولا ينطلي ذلك على من عرفوا الغاية من وجودهم فاتقوا «الدنيا حلوة خضره وإن الله مستخلفكم فيها فناظرا كيف تعملون»، إذا أنتم يا مؤمنون ومن يسمع صوتي من المؤمنات أنتم تحت مراقبة الله عز وجل أنتم في ابتلاء وأختبار والله قبل خلقكم يعلم ما أنتم عليه ولكن ليقيم الحجة ولتستبين المحجة بالاستخلاف في هذه الدنيا حتى يظهر المحسن من المسيء والمحق من المبطل والصالح من الطالح والطيب من الخبيث «فناظرٌ كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء»، نعم يوم تنصل الإسرائيليات من الحشمة وألقينا الحجاب وخرجنا مائلات مميلات ويجبن الطرقات والشوارع والأسواق ولا يحتشمن مترجلات، جاء في بعض الأخبار أنه في يوم واحد لما كثر البغايا في معسكر موسى عليه الصلاة والسلام أصيب المعسكر بالطاعون فمات منهم في يوم واحد سبعون ألف رجل وما ذلكم عنا ببعيد إن لم نعود إلى الله عز وجل ونعد إلى كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ويعرف نسائنا المؤمنات دورهن في المجتمع.
الحديث الثاني: في التحذير من استهواء الدنيا وبريقها وأنها ليست إلا متاع وأن الناس بقدر تكالبهم على الدنيا بقدر ما تنفتح عليهم أبواب الهلكة القطيعة والشقاق والتجافي والتهاجر والحقد والكراهية والحسد والعداوة والبغضاء حتى تنفصم الروابط وتنقطع العلاقات وتذهب الصلات إلا عند الأقلين، حذر من ذلكم نبينا صلى الله عليه وسلم والحديث عند مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبي عبيدة رضي الله عنه إلى البحرين فجاء بالخراج فلما علمت الأنصار تعرضوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالغداة فقال صلى الله عليه وسلم « لعلكم سمعتم أن أبى عبيدة جاء بشيء من البحرين»، قالوا: أجل يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم: «أبشروا وأملوا ما يسركم فو الله ما الفقر أخشى عليكم إنما أخشى أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم») الله أكبر هذا قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ألف ونحو أربعمائة أربعمائة سنة بعد الألف قال هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في خيار الأمة وسادة الأمة وأئمة الأمة وقدوة الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم اصحابه رضوان الله عليهم قاله فيهم يحذرهم هذا تحذير لنا أيها المسلمون، ألم نجني ذلك لما تنافسنا في الدنيا لما تنافس الناس في الدنيا وأصبحت شغلهم الشاغل وأصبحت أكبر همهم وأصبحت كأنها حظهم ويزعم الكثير بلسان حاله أو مقاله بتسويف الشيطان وتصويره أنه للدنيا وحسب، ألم يجني المسلمون ذلك أنظروا كم صداقة تحولت عداوة ونارٌ تتأجج وكم رحم قطعت وكم نفوس قتلها الحسد وكم وكم إلى غير ذلك من البلايا والمصائب لما جانب الناس هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقع عليهم ما توعدهم الله به على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وهنا أذكر قولا وجدته عند الحافظ ابن كثير رحمه الله عن قتادة رضي الله عنه عند تفسير هذا الآية التي صدرنا بها المبحث ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ﴾، عند قوله ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾، قال قتادة رضي الله عنه: هي قال متاع متروكة توشك والله الذي لا إله إلا هو أن تضمحل عن أهلها فخذوا من هذا المتاع طاعة الله ولا قوة إلا بالله، ويكفي من عقل الدنيا وفهمها حق الفهم ولا يؤتى ذلك يا أخوان إلا من فقه في دين الله يكفيهم أن ربنا سبحانه وتعالى وصفها بأوصاف ينبغي أن يتنبه لها كل مؤمن ومؤمنة أوصاف تدل كل ذي لب وذي كياسة وفطانة أن هذه الدنيا ليست بدار قرار، اعلموا وانظروا هذا التصدير: ﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾[الحديد:20]، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم «الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر»، لأن المسلم ما خلق لها هي معبر ويرى أنها حياة طويلة ولهذا لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر: «والله لا يقاتلهم رجلٌ صابر محتسب مقبل غير مدبر إلا أدخله الله الجنة»، فقال رجلا كيف قلت يا رسول الله فأعاد وكانت بيده تمرات فألقها رضي الله عنه ( بخ بخ إنها لحياة طويلة ليس بيني وبين الجنة إلا أن أقاتل هؤلاء فيقتلونني ). هكذا عرف سلفنا رحمهم الله الدنيا وعرفوا قيمتها عندهم، وأذكر هنا حكاية طريفة يذكرها المؤرخون عن ابن حجر رحمه الله الحافظ ابن حجر شارح صحيح البخاري وصاحب كثير من الكتب التي خدمة السنة مثل التقريب وتهذيب التهذيب وغير ذلك لقيه يهودي أو نصراني فقال يا ابن حجر يقول رسولكم «الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر»، قال: نعم. قال: كيف أنت ها أنت في أبْهّ " يعني في ملابس طيبة في ملابس جميلة يركب مركبا جيدا لأنه رحمه الله كان قاضي القضاة في مصر وعلمائنا رحمهم الله ما كانوا يترفعون عن الزينة التي تجاوز حد المشروع " قال: نعم. قال: وأنا هكذا كما ترى مسكين حالتي رثه، فقال: نعم أنا إن تقبل الله مني فإنما أنا فيه سجن لي لأن ما عند الله خير لي من ذلك الجنة وأما أنت على ما أنت عليه فإنك في جنة لأن ما ينتظرك النار. يقولون فقال هذا اليهودي أو النصراني: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. هذا هو بعض ما يتعلق بالمبحث الثاني والحقيقة أني آثرت الاختصار حتى لا أطيل عليكم وأشغلكم.
المبحث الثالث: الزهد في الدنيا
ولا نعني كما قرر علمائنا رحمهم الله بالزهد هو أن يترك الإنسان ما أتيه في الدنيا من حظوظ حتى يكون عالة على الناس لا ليس هذا من هدي الله ولا من هدي رسوله صلى الله عليه وسلم، فلو تأملنا تاريخ أصحاب نبينا صلى الله عليه وسلم لوجدنا أن كثيرا منهم أوتيّ القطعان من المواشي وأُوتيّ البساتين الكثيرة ودخله الدراهم والدنانير الجمة فمعنى الزهد إذا هو العفة والقناعة يرضى الإنسان بما قسم الله له سبحانه وتعالى يقنع به ولا مانع أن يسعى لأن ربنا جل وعلا حث على السعي في طلب الكسب الحلال، ولنسمع إلى آية من سورة الملك جاءت دليلا على عظيم قدرة الله عز وجل وأنه مستحق العبادة كما أنها لفت نظر إلى ما أودعه الله سبحانه وتعالى من معايش العباد في مشارق الأرض ومغربها وأنه يشرع لهم أن يطلبوا هذا الذي أودعه الله أرضهم من الكسب والقوت أعني بالسبل المشروعة ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً﴾ هذه منته سبحانه وتعالى وعظيم قدرته ودليل استحقاقه العبودية وحد: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾ [الملك:15] وروى الترمذي وحسنه عن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو أنكم تتوكلون على الله حق التوكل لرزقكم كما ترزق الطير أو كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا»، «تغدو خماصا» يعني جائعة و«تروح بطانا» يعني ترجع في المساء وقد ملئت بطونها هذا مثلا يضربه لنا نبينا صلى الله عليه وسلم الطير الضعيف من أضعف مخلوقات الله مجبول جبله الله فطرة الله التي لا تبديل لها، أن هذا الضعيف المسكين يفتش عن قوته فإذا أصبح عليه الصباح خرج من قوته يضرب يمينا وشمالا حتى يعود بقوته وقوت عياله أيضا ، هكذا التوكل أن يعمل الإنسان بالسبب مع تفويض أمره إلى الله سبحانه وتعالى، بعد هذه التوطئة وهذا التمهيد الذي أحببت أن أزيل اللبس عن المبحث وهو الزهد في الدنيا نستعرض بعض النصوص الواردة في الحث ِ على القناعة والحث على الزهد. فأولا ما صح عن نبينا صلى الله عليه وسلم عند الشيخين وغيرهما عن عبدالله ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا حسد إلا في اثنتين رجل أتاه الله المال فسلطه على هلكته بالحق ورجل أتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها»، وأخرجاه، أعني الشيخين وغيرهما واللفظ لمسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «لا حسد إلا في اثنتين رجل أتاه الله القرآن فهو يقوم به أناء الليل وأناء النهار، ورجل أتاه الله المال فهو ينفقه أناء الليل وأناء النهار»، وهنا أيها الأخوة ما الحسد الذي أثبته رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ونحن نعلم من كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم أن الحسد كبيرة من الكبائر وأنه ينافي الإيمان بالقضاء والقدر وإنه اعتراض على قسمة الله في خلقه وتصريفه شؤونهم، فالحسد الذي أثبته رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا حسد إلا في اثنتين»، هو الغبطة والتنافس في فعل الخيرات يرى الإنسان مسلما أو مسلمة أتيّ علما وفضلا وبرا وتقوى فأتي هوداه وألهم تقواه ووفق إلى المسارعة في الخيرات فينافسه في ذلك لينال مثله أو يطمع فيما هو أعظم من ذلك هذا أقره نبينا صلى الله عليه وسلم وهو مستوحى من كتاب ربنا ومن سنة نبينا صلى الله عليه وسلم ومن ذلكم ما رواه الشيخان وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه قال جاء فقراء المهاجرين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكون ويقولون ( يا رسول الله ذهب الأغنياء بالدرجات العلا والنعيم المقيم. قال: «وماذا»، قالوا: يصومون كما نصوم ويصلون كما نصلي ويتصدقون بفضول أموالهم. قال صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبركم بما تدركون به من سبقكم وتسبقون به من بعدكم ولا يستطيع أحد أن يلحق بكم أو يدرككم إلا رجلا صنع مثل ما صنعتم». قالوا: بلى يا رسول. قال: «تسبحون الله دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين وتحمدون الله ثلاث وثلاثين وتكبرون الله ثلاث وثلاثين تختمون المائة لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير». فعاد أولئك المهاجرون الذين يسترشدون رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرا يعوضون به ما فاتهم حتى يشركوا إخوانهم الأغنياء يقولون: يا رسول الله إن إخواننا سمعوا بصنيعنا فصنعوا مثلما صنعنا. قال صلى الله عليه وسلم: «ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء». فإذا تقرر هذا فما الحسد الذي هو من كبائر الذنوب ومن عظائم الخطايا ومن أقوى المعاصي في الأرض ؟ الحسد الذي هو تمني زوال النعمة والذي قال مخبرا عنه نبينا صلى الله عليه وسلم مخبرا بسوء عاقبته على أحد ابني أدم قال صلى الله عليه وسلم: «ما من نفس تقتل في الأرض ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها لأنه هو أول من سن القتل»، وبذكر ابن القيم رحمه الله في كتابه الفوائد وهذا أنصح أخواني وأبنائي باقتنائه إن لم يكن عندهم قال أركان الكفر أربعة: (الغضب والكبر والحسد والشهوة). هذه أركان الكفر أقول لو تأملت كتاب ربنا وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لوجدت أن ابن القيم رحمه الله محقا فيما قعده من هذه القواعد التي هي أركان الكفر هذا أستنبطه من كتاب الله ومن سنة نبينا صلى الله عليه وسلم، أعود إلى ما كنا فيه وهو التزهيد في الدنيا عند قوله تعالى من الآية المتقدمة التي صدّرنا بها المبحث السابق ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ﴾[آل عمران:185]، روى الحاكم وقال على شرط مسلم وأقره الذهبي وصححه الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها، واقرؤوا إن شئتم: ﴿فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ﴾». ومما لفت به الأنظار نبينا صلى الله عليه وسلم بأن الدنيا حقيرة ٌ تافهة لعلى يتشبثوا بها إلا من لا يعرف قدر الآخرة قوله صلى الله عليه وسلم والحديث أغلب الظن أنه عند مسلم إن لم يكن في الصحيحين بقول صلى الله عليه وسلم: «والله ما الحياة الدنيا في الآخرة إلا كما يجعل أحدكم أصبعه في اليم فلينظر بما يرجع»، أو «بما ترجع»، هذا هو شأن الدنيا وهذي مكانتها قليلة حقيرة تافهة، لكن المشكلة أنها تستحكم في قلوب كثير من الناس وتملك عليهم ألبابهم وعقولهم حتى يفتنوا بها، وحديث واحد لو عقله المتشبثون بالدنيا المغرورون بها والذين لم تعرف نفوسهم القناعة والعفة لو عقلوه تمام العقل وأدركوه تمام الإدراك لضربوا عنها صفحا ً وطلقوها طلاقا بائنا لا رجعت بعده هذا الحديث رواه الترمذي وصححه عن أبي كبشه الأنمري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنما الدنيا لأربعة نفر عبد أتاه الله مالا وعلما فهو يتقي فيه ربه ويصل فيه رحمه ويعرف لله فيه حقه فذلك بأعظم المنازل، وعبد أتاه الله علما ولم يؤتيه مالا فهو بنيته يقول لو أن لي مالا لفعلت مثل فلان»" يعني بنيته يريد أن يتقي ربه ويصل رحمه ويعلم حق لله فيه فهو بنيته " «فأجرهما سواء، وعبد أتاه الله مالا ولم يؤتيه علما فهو يخبط في ماله بغير حق لا يتقي فيه ربه ولا يصل فيه رحمه فذلك في أخبث المنازل، وعبد لم يؤتيه الله مالا ولاعلما »ً " لا حول ولا قوة إلا بالله " فهو بنيته يقول لو أن لي مالا لفعلت مثل فلان " يريد أن يتخبط كما يتخبط الحمار " قال: «فوزرهما سواء»، ومن أعظم القوارع والزواجر وأعظم الحوافز على العزوف عن الدنيا وأنها متاع قليل حقير إلا من عرف حق الله فيها، روى ابن حبان وغيره وصححه بعض أهل العلم عن عبدالله ابن عمر على ما أعتقد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله يبغض كل جعضري جواض صخاب في الأسواق حمار بالنهار جيفه بالليل عالم بأمر الدنيا جاهل بأمر الآخرة»، هذه أوصافه عدة أوصاف جعضري ما معنى جعضري ؟ هو "غليظ مستكبر " جواض " منوع " جعضري فظ غليظ مستكبر متكبر جواض جموع منوع يجمع ويمنع بخيل لا يعرف حق الله وحق العباد وهذا الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم انه يدعى عليه صباح كل يوم، أتدرون ما ذلك ؟ روى البخاري ومسلم وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من يوم يصبح فيه العباد إلا وملكان ينزلان يقول أحدهما اللهم أعطي منفقا خلفا ويقول الأخر اللهم أعطي ممسكا تلفا»، هذا هو الجواض جموع منوع، صخاب في الأسواق ضجيج ما عنده صبر ولا سكينه ولا وقار يضج بالسب والشتم وغير ذلك كل حركاته ضجيج وصخب ومن ذلكم كثيرون أخشى أن يكون من ذلك ما درج عليه بعض الباعة من كثرة اللجاج وكثرة الحلف وكثرة النداءات التي والله عرفنا وشاهد غيرنا أنهم لا يأتيهم كثير مما يأتي أهل السكينة والوقار في الأسواق أنظر إلى السوق تجد بائعين واحد منهما ساكت هادئ جالس أمام بضاعته والناس يأتونه زرافات ووحدانا والأخر يصيح ويضج ويمدح في بضاعته مدح كاذب وقد يكون فيه تلبيس وغش ومع هذا لا يأتيه مثل ما أتى ذلك نعم لأن الأول كانت عنده ثقة بالله سبحانه تعالى جلس هذا المجلس وهو معتمد على الله عز وجل والأخر ألف اللجاج والضجيج حتى قلت ثقته بالله، حمار بالنهار يسرح ويمرح يتجول يحكي يعمل يكدح جيفه بالليل هذا ما درج في الحقيقة عليه كثير من الناس خالفوا سنة نبينا صلى الله عليه وسلم هدي نبينا صلى الله عليه وسلم كما صح بذلك الخبر عنه أنه كان يكره النوم قبل العشاء والحديث بعدها والكثير الكثير إن لم نقل السواد الأعظم من الناس يقضون الساعات الطويلة في المرح يسرحون ويمرحون يلهون في المقاهي والمتنزهات والحدائق والأسواق والدور المختلفة والألعاب المتنوعة فإذا جاءت ساعة الهجيع من الليل التي ينزل فيه ربنا عز وجل كما اخبر بذلك نبينا صلى الله عليه وسلم ونعتقد أنها صفه حقيقية تليق بجلال الله عز وجل وعظمته ينزل إلى السماء الدنيا فينادي عباده «يا عبادي هل من تائب فأتوب عليه هل من مستغفر فأغفر له هل من سأل فأعطيه مسألته حتى ينفجر الفجر»، ينامون عن هذه الساعة وينطرحون فإذا حانت ساعة العمل أو قبلها بقليل أستيقظ والذي ليس عنده عمل وإن كان يصلي تحلت القسم إذا قام بعد ما يشتد النهار أو قريب الظهر صلى صلاة الصبح نقرا كما ينقر الطير الحب أن أقول لم يصلي هذا إن درج على هذا فقد ضاعت عليه صلاة الصبح إلم يضع معها غيرها أيضا فليتوب إلى الله عز وجل وليتدارك، عالم بأمر الدنيا جاهل بأمر الآخرة ومن ذلكم ما صح عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال «لو كانت الدنيا تساوي عند الله جناح بعوضة ما سقى كافر منها شربة ماء»، هذه الدنيا كما جاءت في ما صح عن الخبر وقد اقترأت الآيات اختصارا للوقت حتى أترك المجال ل:
المبحث الرابع والأخير: وهو الاستعداد للآخرة.
كيف الاستعداد للآخرة والآخرة هي حصاد الثمرة الدنيا مزرعة ومطية والآخرة هي الحصاد حصاد ما يزرعه الإنسان في الدنيا ولهذا جاءت آثار تروى، أقول تروى حتى يفهم طلاب العلم أني لم أثبت صحتها أو لم أثبت نسبتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني) والأثر الثاني الذي رواه الترمذي وقال أنه حسن ورواه غيره لكنه لم تصح نسبته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنبه أخواني وأبنائي من أستشهد به أن يقول جاء في الأثر أو يقول روي عن النبي صلى الله عليه وسلم لأن الحديث ضعيف النسبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن أستشهد به في المواعظ لا بأس لكن لا يقال قال رسول الله ولا يقال صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بل يقال جاء بالأثر أو يقال روي عن النبي صلى الله عليه وسلم روي هذه صيغة تمريض وصيغة تضعيف تخرؤ عهدتك من نسبة هذا الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، الحديث عن أبي هريرة وسبب ضعفي هنا أبينه إعادة إن لم أقل إعادة فائدة لأخواني وأبنائي طلاب العلم سبب ضعفه محرز ابن هارون منكر الحديث ضعيف وهو سبب ضعف هذا الحديث يقول: (بادروا بالأعمال سبعا هل تنتظرونا إلا غنا مطغيا أو فقرا منسيا أو مرضا مفسدا أو هرما مفندا أو موتا مجهزا أو الدجال فشر غائب ينتظر أو الساعة فالساعة أدهى وأمر) وسنأتي إلى الحديث الصحيح الذي رواه مسلم وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا لما كان الاستعداد إلى الآخرة هو غاية كل مسلم عرف الله سبحانه وتعالى حق المعرفة جاءت مواعظ جيدة غُرر عن بعض السلف رحمهم الله اذكر بعضها يقول أحدهم ( أحكم السفينة فإن البحر عميق وأتقن العمل فإن الناقد بصير وأكثر الزاد فإن الطريق طويل ) نعم الطريق طويل ما أشق هذا الطريق وما أصعبه، ولهذا لما حضرت بعض السلف حضرته الوفاة ومنهم أبو هريرة رضي الله عنه كانوا يبكون لماذا قال ( من عقبة كأود لا أدري أنزول منها إلى جنة أم إلى نار ) لا أدري أمامي عقبة الموت هي عقبة الموت بعد سكرة هذا الموت أنتهي لكن لا أدري إلى ما أنتهي إلى جنة أم إلى نار، وكان بعضهم يقول وهو في الأرماق الأخيرة يودع أصحابه فيقول ( السلام عليكم إلى جنة أو إلى نار ) هذا هو هاذي المرحلة الحتمية أمرا لا يختلف فيه اثنان إلى جنة أم إلى نار، ثم تعالوا أخواني وأبنائي أن نستعرض بعض الأحاديث التي صحة عن نبينا صلى الله عليه وسلم في الاستعداد إلى الآخرة، فالحديث الأول الذي يبين فيه نبينا عليه الصلاة والسلام أن الموت هو أول مراحل الآخرة وأنه على المسلم أن يستعد لهذه المرحلة إن كان كيّسا فطنا حصيف الرأي مدرك ذو بصيرة لا يغفل عن هذا فقد روى أحمد وغيره عن البراء ابن عازب رضي الله عنه قال ( خرجنا مع ورسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار إلى بقيع الغرقد حتى أنتهينا إلى البقيع والقبر لما يلحد فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلسنا حوله كأن على رؤوسنا الطير فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم عودا فصار ينكت به على الأرض ثم رفع رأسه وقال: «استعيذوا بالله من عذاب القبر مرتين» أو «ثلاث» ثم قال: «إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا» " وتأملوا يا أخوان العبد المؤمن " «وإقبال من الآخرة نزلت إليه ملائكة بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس فتقعد منه مد البصر فيأتي ملك الموت فيجلس عند رأسه ويقول يا أيتها النفس المطمئنة أخرجي إلى مرضات الله فتأتي تنساق فيستلها كما تسل القطرة من فم السقاء » أرئيتم كيف الإيمان الذي هو قولا باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية يا عباد الله كيف يهون الله به سكرة الموت على صاحبه إلى أن قال ثم قال: «فتخطفها ملائكة الرحمة فتكفنها في كفن من الجنة وحنوط من الجنة»، إلى أن قال: «وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا» "وتأملوا الكافر الجاحد" «وإقبال من الآخرة نزلت عليه ملائكة شوه الوجوه فتقعد منه مد البصر ويأتيه ملك الموت فيقعد عند رأسه ويقول يا أيتها النفس الخبيثة أخرجي إلى سخط الله» يا إخوان مثال بسيط لو قيل لإنسان تعال ستجلد عشر جلدات هل يأتي طاعا مختارا أو يحتاج إلى دفع ؟ ما هو صحيح يعرض نفسه إلى الجلد ما دام يملك أمره لماذا أمكن الناس أن يجلدوني هل هذه الروح تسمع هذا النداء الذي هو مقدمة السخط والعذاب ؟ هل تأتي وتنساق ؟ هل تهرع إلى يد ملك الموت ؟ لا. قال: «فتتفرق في جسده فينتزعها كما ينتزع العود من السفود»... الحديث، الحديث طويل ومن ذلكم إذا هنا يا أخوان إسمحولي وسوف أختصر أن نصنف الاستعداد بعد هذا للآخرة كيف يكون من الإنسان ؟ كيف يستعد المسلم للآخرة ؟
الأمر الأول: أن يعمل ما وفق إليه من طاعات ربه وهو يخاف أنه فرط في جنب الله عز وجل يؤدي ما أدى من الطاعات وهو يخشى على نفسه من الهلكة هذا ذكره ربنا سبحانه وتعالى ضمن أربع صفات من صفات خاصته وأولياءه " جعلني الله وإياكم منهم بواسع رحمته " وأسمعوا هذه الآيات من سورة قد أفلح المؤمنون ﴿إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (57) وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (5 وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ (59) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ﴾ [المؤمنون:57-61]، اللهم أجعلنا منهم أربع صفات أمتدحهم الله عز وجل وسجل فيما يتلى إلى يوم القيامة أنهم مسارعون في الخيرات بهذه الصفات الأربع، روى أحمد والترمذي وصححه والحديث صحيح حتى عند أحمد لأني وقفت عليه شخصيا وقفت على إسناده شخصيا أن عائشة رضي الله عنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن معنى هذه الآية: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ﴾، ﴿يُؤْتُونَ﴾ يؤدون ما أتوا ما أدوا وقلوبهم وجلة خائفة ترجف ( يا رسول الله " تقول " أهو الرجل يزني ويسرق ويشرب الخمر ويخاف الله، قال: «لا يا عائشة»، وفي رواية «لا يا ابنة الصديق»، وفي رواية «لا يا بنت أبي بكر هو الرجل يصوم ويصلي ويتصدق ويخشى أن لا يقبل منه»، يؤدي ما أدى من خصال البر وصنوف الطاعات قيام الليل قد يكون صيام نهار وجهاد في سبيل الله وصلة رحم كل حياته عامرة بالطاعة وهو على هذا حتى يلقى ربه ويخاف مع ذلك ألا يقبل منه.
الأمر الثاني: الذي ينبغي أن يستعد به المسلم للآخرة الإخلاص في العمل أنت مبتلا بتكليفك بعمل الطاعة وتكليفك بترك المعصية والإخلاص هو جناحك هو أس عملك، سئل الفضيل ابن عياظ رحمه الله عن معنى قوله تعالى من سورة الملك: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ﴾[الملك:2]، قال أخلصه وأصوبه، قالوا: وما أخلصه وما أصوبه ؟ قال أن يكون خالصا لله صوابا على سنة رسول الله. أقول أنا وهذان شرطان لا يقبل الله عملا من مسلم ولا مسلمة إلا بهما: تجريد الإخلاص لله وحده، وتجريد المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا يتأكد بعدّة نصوص من كتاب الله ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فمن الكتاب الكريم قوله تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً﴾ [الكهف:110]، ومن نصوص السنة الثابتة الصحيحة عند البخاري ومسلم عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من أحدث في أمرنا هذا»، يعني في الدين «ما ليس منه فهو رد»، أي مردود غير مقبول، ومنها ما رواه مسلم وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل قال: «أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه»، وفي رواية «فعمله للذي أشرك وأنا منه بريء».
الأمر الثالث: الذي ينبغي أن يستعد به المسلم للآخرة المبادرة إلى كل عملٍ صالحٍ تسنح له فرصته لأن الفرصة إذا سنحت قد لا تعود وقد يأتي الإنسان ما يشغله ولهذا جاء في الأثر الذي هو من مراسيل عمر ابن ميمون رحمه الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " وإخواني وأبنائي طلاب العلم يعرفون كلمة مرسل أي رفعه التابعي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا نقول قال رسول الله نقول قال عمر ابن ميمون وهو تابعي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال": «أغتنم خمسا قبل خمس حياتك قبل موتك وغناءك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك وشبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك»، وأصح منه بل هو عند البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال: «كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل»، وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول ( إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء وخذ من حياتك لموتك ومن صحتك لمرضك ).ومن هذا أيضا ما صح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بادروا بالأعمال ستا الدجال والدخان ودابة الأرض وطلوع الشمس من مغربها وأمر العامة وخويصة أحدكم»، وفي رواية: «وخاصة أحدكم»، نقل النووي عن بعض أهل العلم في شرحه على هذا الحديث في صحيح مسلم قال " أمر العامة الساعة القيامة، وخويصة أحدكم أو خاصة أحدكم الموت ".
والأمر الرابع: الذي ينبغي أن يستعد به المسلم للآخرة أن يستعد لأربعة أسئلة أربعة أسئلة سيسألها كل إنسان يوم القيامة يستعد لهذه الأسئلة والعقلاء متفقون على أن أي إنسان يعلم أنه يسأل ولم يستعد ويتهيأ للإجابة عن موضع السؤال ثم يقف هكذا دون جواب أنه مفرط ضائع وأنا أقول أنه سفيه هذه الأربع الأسئلة جاءت في حديث صحيح رواه الترمذي وقال حديث صحيح عن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن شبابه فيما أفناه وعن علمه فيما فعل وعن ماله من أين أكتسبه وفيما أنفقه وعن جسده فيما أبلاه»، إذا هي أربعة أسئلة إذا جعلنا سؤال المال سؤالا واحدا وهي خمسة أسئلة إذا جعلنا سؤال على الاكتساب وسؤال عن الأنفاق.
أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يختم لي وإياكم بحسن الخاتمة اللهم أجعل مجتمعنا هذا مجتمعا مرحوما واجعل تفرقنا بعده تفرقا معصوما اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأحسن خاتمتنا اللهم أجمعنا في الدنيا على الهدى ومرضاتك وأجمعنا في الآخرة في دار كرامتك، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم وسلام على المرسلين والحمدلله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
قام بتفريغه أخوكم في الله طالبا عفو ربه / أبو مازن السلفي
(وغفر الله له ولوالديه).
المصدر شريط بعنوان:
أهمية الوقت في حياة المسلم
للشيخ عبيد بن عبد الله الجابري المدرس بالجامعة الإسلامية سابقاً حفظه الله تعالى.
[تفريغ الشريط لا يعني الإستغناء عنه]
تعليق